تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

يُعتبر فقر الدم المنجلي (Sickle Cell Anemia) من الأمراض الواسعة الانتشار عند الأطفال في إفريقيا، والشرق الأوسط، ودول البحر الأبيض المتوسط، والهند، وأمريكا اللاتينية، والتي يمكن الكشف عنها في مراحل الطفولة الباكرة، وترافق الإصابة به الشخص مدى حياته.

كما يُعدُّ من الأمراض الوراثية التي يجب إجراء التحاليل المخبرية لكشفها قبل الزواج، فقد يكون الشخص حاملاً للمرض دون أن يدرك ذلك، وعندما يكون كلا الشخصين المقبلين على الزواج حاملاً للمرض، فإن احتمال إصابة الطفل 25 بالمئة، وفي حال أحدهما كان حاملاً للمرض والآخر مصاب، فإن احتمال إصابة الطفل بفقر الدم المنجلي 50 بالمئة، وتُعتبر نسبةً عاليةً فلا يجوز المغامرة بحياة الطفل.

فيجب أن يكون الشخصين المقبلين على الزواج على درايةٍ كافيةٍ بما يشكل فقر الدم المنجلي من عبءٍ صحي ومعنوي واقتصادي على الأهل والطفل، فالطفل قد يقضي أغلب حياته في المستشفى بنوباتٍ ألمية أو يحتاج نقل دمٍ متكرر، وقد يتعرض لسكتاتٍ دماغيةٍ، وإصاباتٍ رئويةٍ خطيرة، كما أنه قد يعاني من القلق والاكتئاب، فينبغي تحكيم العقل وليس العاطفة فقط في قرار الزواج بين الأشخاص الحاملين للمرض أو المصابين به. ^{[1] [2]}

ما هو فقر الدم المنجلي عند الأطفال؟

اضطرابٌ دمويٌّ وراثيٌّ ينتقل من الأبوين إلى الطفل، ويحدث فيه إنتاج خضابٍ غير طبيعي يُسمى الخضاب S. في الحالة الطبيعية تكون خلايا الدم الحمراء ذات شكلٍ مستديرٍ وتتحرك بسهولة في الأوعية الدموية، ولكن عند الطفل المصاب بفقر الدم المنجلي تكون بشكل حرف C (تشبه منجل المزارع)، وتكون لزجةً وغير مرنة لا تستطيع المرور بسهولة ضمن الأوعية الدموية، وإنما تتجمع معاً مؤديةً إلى انسداد الأوعية الدموية الصغيرة مسببةً الألم وأذية أعضاء الجسم.

أيضاً خلايا الدم المنجلية تتخرب بشكل أسرع من الخلايا الحمراء الطبيعية مما يُسبّب فقر دم. كما أن الكريات الحمراء المنجلية تعلق في الطحال أثناء تنقية الدم من الإنتانات مما يؤدي إلى أذية الطحال وعدم القيام بدوره في الحماية من الإنتانات. ^[2]

ما هي أعراض فقر الدم المنجلي عند الأطفال؟

تبدأ الأعراض السريرية لفقر الدم المنجلي عند الأطفال بالظهور بعمر 5 أو 6 أشهر وتتضمن: ^{[3] [4]}

1- النوب الألمية (Vaso-inclusive crisis (VOC))

ألمٌ شديدٌ حادٌّ مفاجئ ناتجٌ عن انسداد الأوعية الدموية الصغيرة بالخلايا المنجلية، وبالتالي نقص تروية الأعضاء ونقصان وصول الأوكسجين إليها. يمكن أن يصيب أي جزءٍ من الجسم وأشيع ما يصيب البطن، وأسفل الظهر، والذراعين، والساقين، وقد يكون الألم شديداً بشكل كبير ويُسبّب بكاء الطفل، وصعوبةً في الحركة، واستجابةً ضعيفةً للمسكنات، ويقتضي القبول في المستشفى، كما أن تكرار النوب الألمية بكثرة قد يُسبّب القلق والاكتئاب عند الأطفال.

2- فقر الدم (Anemia)

يتظاهر بشحوبٍ في الجلد والأغشية المخاطية وسرير الظفر، كما يترافق مع تعبٍ، ودوارٍ، وضيق نفس، وتسرُّع قلب، كما قد يحدث نقص في الانتباه عند الطفل مع سرعة الانفعال والتوتر، وأيضاً يمكن أن يحدث يرقان عند الطفل يتظاهر بلون أصفر في الجلد والصلبة (بياض العين) لأن الخلايا المنجلية تنحلُّ بسرعةٍ أكبر من الكريات الحمراء الطبيعية.

3- متلازمة اليد والقدم (Hand Foot Syndrome)

يحدث تشكل خثراتٍ صغيرةٍ (احتشاء) ضمن أمشاط وسلاميات اليدين والقدمين، وتُسبّب وذماتٍ مؤلمةً للطفل، حيث يبكي الطفل كثيراً من شدة الألم، وقد تكون أولى علامات الداء المنجلي والتي توجه للتشخيص، وعادةً يحدث عند صغار الأطفال.

4- السكتة الدماغية (Stroke)

يمكن لخلايا الدم المنجلية أن تسدَّ الأوعية الدموية الصغيرة الموجودة في الدماغ، مما يُسبّب سكتةً دماغيةً (احتشاء دماغي). وتشمل الأعراض السريرية التالية: صداع، نوب اختلاجية (حركات عضلية لا إرادية مع اضطراب في الوعي)، اضطراب في الكلام، ضعف في الذراعين والساقين، وصعوبةٌ في المشي، وقد يحدث شللٌ في بعض الحالات، فقدان الوعي.

5- متلازمة الصدر الحاد (Acute chest syndrome)

يحدث انسدادٌ في الأوعية الدموية الصغيرة الموجودة في الرئة مما يُسبّب ألماً في الصدر مع سعال، وتسرُّع تنفس، وترفُّع حروري، وهي حالةٌ خطرةٌ تستدعي القبول في المستشفى، وإعطاء الأوكسجين والصادات الحيوية، ونقل الدم.

6- نوبة الاحتباس الطحالي (Splenic sequestration crises)

تتجمع الكريات الحمراء وتتراكم في الأوعية الطحالية، مما يؤدي إلى انسدادها، وبالتالي احتباس الدم في الطحال بكمياتٍ كبيرة. وتشمل الأعراض السريرية: ضخامة شديدة في الطحال مع نقصٍ شديدٍ في الخضاب، ويترافق مع شحوبٍ وإقياءات، وألمٍ بطني، وتعبٍ شديد، ووهن.

7- القصور الكلوي المزمن (Chronic kidney disease)

ويتظاهر بزيادة عدد مرات التبول، تعب وفقدان الشهية ويكون لون البشرة أغمق من المعتاد مع جلدٍ جاف وحكة، وأيضاً وذمة أجفان، كما يحدث وذمة في اليدين والقدمين، وأيضاً قد يحدث بيلة دموية (وجود أكثر من خمس كريات حمراء في فحص البول)، وارتفاع في الضغط الشرياني، وأيضاً غثيان وإقياء، وضيق نفس، وصعوبة في التركيز.

8- الإنتانات (Infections)

يتعرض الأطفال المصابون بفقر الدم المنجلي للإصابة بالعديد من الإنتانات بسبب أذية الطحال وعدم القيام بدوره في الحماية من الإنتانات، وأكثر ما تحدث الإنتانات بجراثيم المكورات الرئوية والمستديمات النزلية، وتتظاهر بحمى، وسعال، وضيق نفس، وصداع.

كيف يتمُّ تشخيص فقر الدم المنجلي عند الأطفال؟

1- يتمُّ التشخيص بواسطة تحليل الرحلان الكهربائي حيث يُستخدم تيارٌ كهربائيٌّ لتحريك الجزيئات الموجودة في الكريات الحمراء بناءً على حجمها وشحنتها الكهربائية.

2- في بعض البلدان يتمُّ إجراء اختبار المسح عند الأطفال حديثي الولادة بشكل روتيني بين اليوم الثالث إلى الخامس بعد الولادة، حيث يؤخذ نقطة دم من عقب (كعب) الطفل، ويتمُّ إجراء تحاليل مخبرية بحثاً عن عدد من الأمراض ومن ضمنها فقر الدم المنجلي.

3- كما يمكن تشخيص فقر الدم المنجلي أثناء الحياة الجنينية عن طريق أخذ عينة من السائل الأمنيوسي المحيط بالجنين أو خزعة من المشيمة ثم يتمُّ فحصها بحثاً عن خللٍ جيني يسبب فقر الدم المنجلي. ^{[4] [5]}

كيف يتمُّ علاج فقر الدم المنجلي عند الأطفال؟

1- يعتمد العلاج أثناء النوب الألمية على الإماهة الجيدة عن طريق إعطاء السوائل الوريدية.

2- تُعطى المسكنات أثناء الألم الشديد مثل: باراسيتامول (Paracetamol)، ومضادات الالتهاب اللاسيتروئيدية، كالإيبوبروفن (Ibuprofen)، وقد يحتاج الطفل من شدة الألم إلى المسكنات الأفيونية، مثل المورفين (Morphine).

3- نقل الكريات الحمراء المكثفة أثناء نوب الانحلال (فقر الدم الشديد).

4- نقل الدم الكامل أثناء نوبة الاحتباس الطحالي.

5- في بعض الحالات يتمُّ تبديل الدم، مثل السكتة الدماغية.

6- يتمُّ إعطاء خالبات الحديد لإزالة الحديد المتراكم في الجسم للمرضى الذين يحتاجون نقل الدم بشكل متكرر (نقل الدم المتكرر يؤدي إلى زيادة الحديد وتراكمه، ويكون ساماً للعديد من أعضاء الجسم).

7- يتمُّ إعطاء دواء هيدروكسي يوريا (Hydroxyurea)، وذلك لتخفيف حدوث النوب الألمية. 

8- يمكن إعطاء حمض الفوليك (Folic acid) الذي يساعد على إنتاج الكريات الحمراء، وتخفيف أعراض فقر الدم.

9- يجب إعطاء الطفل اللقاحات الروتينية التي تُعطى لجميع الأطفال إضافةً إلى لقاح المكورات الرئوية، والمستدميات النزلية، والمكورات السحائية، والإنفلونزا.

10- حالياً العلاج النهائي الوحيد المتوفر لمرضى فقر الدم المنجلي عند الأطفال هو زرع النقي، حيث يتمُّ أخذ خلايا جذعية من متبرع والأفضل شقيق الطفل السليم المتوافق، وتحلُّ الخلايا الجذعية السليمة محل الكريات الحمراء المنجلية. ^[6]

ما هي التدابير الوقائية لتقليل حدوث النوب الألمية عند الأطفال؟

1- شرب كمياتٍ كافيةٍ من السوائل، وبشكلٍ خاص أثناء الطقس الحار لأن التجفاف يُحرض حدوث نوبة ألمية.

2- تجنب التغيرات المفاجئة في درجات الحرارة وارتداء ثيابٍ مناسبةٍ للطقس، وتجنب السباحة في الطقس البارد.

3- تجنب الصعود إلى المرتفعات لأن نقص الأوكسجين في المناطق عالية الارتفاع يمكن أن يُسبّب حدوث نوبةٍ ألمية.

4- تجنب التمارين الرياضية الشاقة والرياضات العنيفة.

5- تجنب التدخين والتدخين السلبي، لأنه قد يُسبّب متلازمة الصدر الحاد عند الطفل المصاب بالمنجلي.

6- الراحة وتجنب التوتر والإجهاد. ^[7]