Skip links
فتاة شقراء صغيرة جالسة في غرفتها أمام طاولة الدراسة وتضع يديها على بطنها وتضغط عليه بقوة بسبب احساسها بألم في منطقة البطن

التسمُّم بالأسبرين عند الأطفال

الرئيسية » المقالات » الطب » طب الأطفال » التسمُّم بالأسبرين عند الأطفال

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

يعدُّ الأسبرين (Aspirin)، ويُعرف أيضاً باسم حمض أسيتيل الساليسيليك (Acetylsalicylic acid (ASA)) من أقدم مسكنات الألم الشائعة، ويرجع أول استخدامٍ معروفٍ للدواء إلى الطبيب اليوناني أبقراط في القرن الخامس قبل الميلاد، فقد استخدم المسحوق المستخرج من لحاء الصفصاف لعلاج الألم، وخفض الحمّى. وفي السابق كانت التسمُّم العرضي بالأسبرين شائعاً جداً عند الأطفال.

ففي بداية السبعينيات من القرن الماضي وصل عدد الإصابات إلى حوالي (1-2) مليون حالة تسمُّم عرضي سنوياً، ولكن انخفضت النسبة بشكلٍ ملحوظ خلال العقود اللاحقة، وذلك لاقتصار استخدامه عند الأطفال على حالاتٍ محددة خوفاً من حدوث متلازمة راي، وأيضاً بسبب تقليل عدد أقراص الدواء الموجودة في كل عبوة، واستخدام وسائل تعبئة وتغليف مقاومةٍ لعبث الأطفال، ويبقى التسمُّم به مصدر قلقٍ بسبب المضاعفات الخطيرة التي قد تحدث، مثل: أذية الجهاز العصبي المركزي، والوذمة الدماغية وصولاً إلى الوفاة في بعض الحالات. [1] [2]

ما هو الأسبرين؟

يعدُّ الأسبرين أحد مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية (Nonsteroidal Anti Inflammatory Drugs (NSAIDs))، وهو أول دواءٍ تمّ اكتشافه في هذه الفئة الدوائية، ويستخدم الأسبرين عند البالغين لتسكين الألم الخفيف إلى المتوسط الشدة، وكمضادٍ للالتهاب، ولتخفيف الحمّى.

حيث يفيد في حالات الأنفلونزا، ونزلات البرد، وآلام الرقبة، والظهر، وعسر الطمث، والصداع، وآلام الأسنان، والالتواء، والكسور، والتهاب العضلات، والألم العصبي، والتهاب المفاصل، ولتخفيف الآلام المصاحبة للأعراض بعد العمليات الجراحية، وإجراءات طب الأسنان، كما أنه يستخدم كعاملٍ مضادٍّ للصفيحات، لمنع احتشاء العضلة القلبية، والسكتة الدماغية، ونوبات نقص التروية العابرة.

ولا ينبغي إعطاء الأسبرين للأطفال دون سن 16 عاماً إلا بناءً على نصيحة الطبيب، وفي حالاتٍ مرضيةٍ محددة، مثل: داء كاواساكي، والإصابات القلبية الشديدة المرافقة للحمّى الرثوية، وذلك لأن هناك خطر نادر لإصابة الأطفال بحالةٍ تسمّى متلازمة راي (Reye’s syndrome) إذا تمّ إعطاؤهم الأسبرين عندما يكون لديهم إنتانٌ فيروسيّ، مثل: الأنفلونزا، وجدري الماء.

وهي حالةٌ نادرة تؤثر على التوازن الكيميائي الطبيعي في الجسم، مما يؤدي إلى أذيةٍ محتملةٍ لجميع الأعضاء، ولكن في المقام الأول تؤثر على الدماغ والكبد مؤديةً إلى قصور كبدٍ حادّ، واعتلال دماغ، وتشمل الأعراض الباكرة للإصابة بالنعاس أو الخمول، والإقياءات الشديدة المفاجئة، والتنفس السريع، وزيادة معدل ضربات القلب.

ومع زيادة شدة الإصابة في الدماغ قد يزداد الضغط داخل القحف، مما يؤدي إلى تغيراتٍ عصبية لدى الطفل، كالهياج، والسلوك العدواني، والنوب الاختلاجية، وتتطور الأعراض بسرعة جداً، ويمكن أن تتسبّب دخول الطفل في غيبوبة، أو يمكن أن تؤدي إلى الوفاة خلال ساعاتٍ من ظهور الأعراض. [3] [4]

ما هو التسمُّم بالأسبرين عند الأطفال؟

حالةٌ طبية طارئة يمكن أن تحدث بشكلٍ حاد بعد تناول جرعةٍ واحدةٍ عالية من الأسبرين أو تتطور تدريجياً بعد تناول جرعاتٍ أقل لفترةٍ طويلة، وتحدث بشكلٍ عرضي أو مُتعمّد، والأسبرين هو دواءٌ أولي يُستقلب إلى الساليسيلات (Salicylate) التي يؤدي تراكمها إلى تأثيراتٍ سُمّيةٍ عبر آلياتٍ خلوية وجهازية متعددة، وفي حال تناول جرعةٍ زائدةٍ حادة من الأسبرين، فتعتمد شدة الأعراض على الكمية التي يتمُّ تناولها وفق ما يلي: [5]

1- بالنسبة للسُمّية الخفيفة أي مستويات الساليسيلات بين 40 إلى 80 ميلي غرام / ديسيلتر، فتظهر الأعراض خلال 3 إلى 8 ساعات من تناول الدواء، وتشمل الغثيان، والإقياء، وآلام البطن المُعمّمة، كما يمكن أن تترافق مع تسرُّع تنفس، وقد يحدث أيضاً صداع ودوار، وقد يكون طنين الأذن موجوداً أيضاً، ولكن يمكن أن يحدث حتى عند المستويات الأقل، وغير السامة من الساليسيلات.

2- وفي حال السُمّية المعتدلة أي عندما يكون مستوى الساليسيلات بين 80 إلى 100 ميلي غرام / ديسيلتر، فتظهر الأعراض بعد 6 إلى 18 ساعة من تناول الدواء، وتكون الأعراض العصبية أكثر شدةً في هذه الحالة، وتشمل الارتباك، وتداخل الكلام، والهلوسة، كما يكون تسرُّع التنفس أكثر وضوحاً، ويصاحبه عدم انتظام دقات القلب، وانخفاض ضغط الدم الانتصابي.

3- وفي حال السُمّية الشديدة أي مستويات الساليسيلات تزيد عن 100 ميلي غرام / ديسيلتر، فتحدث الأعراض بعد 12 إلى 24 ساعة من تناول الدواء، وتُسبّب الساليسيلات وذمةً دماغيةً ورئوية، ونوباتٍ اختلاجية، وقد يحلُّ نقص التهوية بدلاً من فرط التنفس، ويمكن أن يؤدي إلى توقُّف التنفس، وقد يحدث انخفاضٌ في الضغط الشرياني بسبب الحماض ونقص حجم الدم، وأيضاً يحدث عدم انتظام ضربات القلب، وقد يحصل توقّفٌ في عمل العضلة القلبية.

وبالنسبة للمرضى الذين يعانون من سُمّية الساليسيلات المزمنة، فتحدث لديهم أعراضٌ مشابهةٌ للسُمّية الحادة، ولكن بمستوياتٍ أقل، وتتطور الحالة عند الأطفال من الأعراض الخفيفة إلى الأعراض الشديدة بسرعة أكبر من البالغين.

كيف يحدث التسمُّم بالأسبرين عند الأطفال؟

يمكن تصنيف التسمُّم بالأسبرين على أنه عرضي أو مُتعمّد: [2] [6]

1- التسمُّم العرضي

كان التسمُّم العرضي بالأسبرين شائعاً عند صغار الأطفال في السابق، فالطفل يضع الأشياء في فمه بقصد استكشاف المحيط، وقد يعتقد أن الدواء عبارةٌ عن حلوى، وخاصةً في حال كانت الأقراص الدوائية ملونةً أو قابلةً للمضغ، ولكن مع اتخاذ تدابير الوقاية، مثل: تقليل عدد أقراص الدواء ضمن العلبة الواحدة، وتغليفها بشكلٍ مقاوم لعبث الأطفال.

انخفض معدل التسمُّم غير المقصود بالأسبرين بشكلٍ كبير، وقد يحدث التسمُّم العرضي أيضاً إذا تمّ تناول عدة أدويةٍ تحتوي على الأسبرين في وقتٍ واحدٍ معاً، حيث إن مئات الأدوية (سواءً التي تستلزم وصفةً طبيةً أو لا) تحتوي على الأسبرين أو مواد شبيهة بالأسبرين، كما قد يحدث التسمُّم العرضي في حال تناول الأسبرين بجرعاتٍ غير مناسبة، أو على مدى فترةٍ زمنيةٍ طويلة.

2- التسمُّم المُتعمّد

قد يكون التسمُّم بالأسبرين بشكلٍ متعمّد كجزءٍ من إساءة معاملة الطفل، وبالنسبة للمراهقين، فقد يتمُّ أخذ كمياتٍ كبيرةٍ من عقار الأسبرين بقصد الانتحار، أو إيذاء النفس، أو كوسيلةٍ لجذب الاهتمام.

ما هي الأعراض السريرية للتسمُّم بالأسبرين عند الأطفال؟

تشمل الأعراض الباكرة للتسمُّم الحاد بالساليسيلات طنين الأذن، والغثيان والإقياء، وتشمل الأعراض اللاحقة التي تنذر بتسمُّمٍ أكثر خطورة تسرُّع التنفس، وفرط التنفس، وارتفاع الحرارة، والتعرُّق، وتغير الحالة العقلية، حيث تتراوح من الهياج إلى الخمول، والوذمة الرئوية غير القلبية، والنوبات الاختلاجية، والغيبوبة، وهناك عوامل مختلفة يمكن أن تؤثر على ظهور الأعراض، مثل: تناول عدة أقراصٍ من الأسبرين في أوقاتٍ منفصلة، أو ابتلاع المستحضرات المغلفة معوياً، أو أخذ عدة مستحضرات تحتوي على الأسبرين معاً، وتحدث الأعراض وفق الآليات الإمراضية التالية:

1- طنين الأذن

ويُعتبر عرضاً باكراً ومميزاً، ويمكن أن يحدث حتى عند التركيزات العلاجية من الساليسيلات (15 إلى 30 ميلي غرام/ديسيلتر)، وذلك لأنها تؤثر بشكلٍ مباشر على الخلايا الشعرية السمعية الموجودة في القوقعة، وتشمل التأثيرات السُمّية السمعية الأقل شيوعاً تغيراتٍ في إدراك الصوت، وفقدان السمع، والتي عادةً ما تكون عابرة.

2- فرط التنفس

تؤدي الساليسيلات إلى زيادة معدل التنفس وعمقه، وذلك لأنها تنشّط مركز التنفس، وبالتالي تُسبّب حدوث فرط التهوية، والقلاء التنفسي.

3- الغثيان والإقياء

تُعتبر هذه العلامات مبكرةً وشائعةً للتسمُّم بالساليسيلات، وذلك لأنها تنبّه مركز الإقياء الموجود في البصلة السيسائية، ويمكن أن يكون الإقياء شديداً، ويؤدي إلى فقدان كمياتٍ كبيرةٍ من السوائل.

4- الأعراض الهضمية الأخرى

 يمكن أن تسبّب الساليسيلات تشنُّج عضلة البواب، وتأخُّر إفراغ المعدة، ونزيفاً من الجهاز الهضمي بما في ذلك التهاب المعدة النزفي، والقيء المشوب بالدم، وقيء الدم الصريح، والمرضى الأكبر سناً، والذين يعانون من تليُّف الكبد هم الأكثر عرضةً للإصابة بنزيف الجهاز الهضمي.

5- الحرارة والتعرُّق

تؤدي الساليسيلات إلى فصل عملية الفسفرة التأكسدية للمتقدرات، وبالتالي توليد حرارةٍ تتجلى في زيادة درجة حرارة الجسم والتعرُّق، كما أن نقص حجم الدم يحدُّ أيضاً من تبديد الحرارة، ومع ذلك فإن الحرارة الطبيعية لا تستبعد تشخيص سُمّية الساليسيلات، وذلك لأن ارتفاع الحرارة يُعتبر من الأعراض اللاحقة.

6- فقدان السوائل

تُسبّب سُمّية الساليسيلات الشديدة فقدان السوائل بكمياتٍ كبيرة، وبالإضافة إلى القيء تحدث خسارةٌ غير محسوسةٍ للسوائل ناتجةً عن ارتفاع معدل الاستقلاب، وفرط التنفس.

7- فقدان الشوارد

يمكن أن تُسبّب سُمّية الساليسيلات نقص صوديوم الدم، أو ارتفاعه، أو نقص بوتاسيوم الدم، أو نقص مغنيزيوم الدم، فالتعرُّق يساهم في فقدان الصوديوم، ويساهم القيء في فقدان الكلوريد، والبوتاسيوم، والصوديوم، والبيكربونات، ويمكن أن يحدث فرط صوديوم الدم إذا تجاوز فقدان الماء الحرّ فقدان الصوديوم.

8- القلاء التنفسي (Respiratory Alkalosis)

تُحفّز الساليسيلات مركز الجهاز التنفسي مباشرةً، مما يُسبّب فرط التنفس، وانخفاضاً مبكراً في الضغط الجزيئي لثاني أكسيد الكربون (Pa CO2)، وفرط التنفس يحمي من السُمّية، لأن القلاء يمنع توزيع الساليسيلات في الجهاز العصبي المركزي (CNS).

9- الحمّاض الأيضي ذو الفجوة الأنيونية العالية (Elevated Anion gap Metabolic Acidosis)   

ويحدث بسبب تراكم الأحماض العضوية بما في ذلك حمض اللاكتيك الناتج عن فك ارتباط الفسفرة التأكسدية، والأحماض الكيتونية الناتجة عن زيادة عمليات الهدم.

10- الحماض التنفسي (Respiratory Acidosis)

ويعدُّ نادر الحدوث في المراحل المبكرة، ولكنه قد يتطور في المراحل اللاحقة من التسمُّم الشديد، والأطفال هم أكثر عرضةً للإصابة بالحماض التنفسي مقارنةً بالبالغين، وبالتالي فقدان القدرة التنفسية.

11- الوذمة الرئوية

تعدُّ الوذمة الرئوية غير القلبية، وإصابة الرئة الحادة من علامات التسمُّم الشديد، وتحدث بشكلٍ متكرر أكثر عند المرضى الأكبر سناً الذين يعانون من سُمّيةٍ مزمنة، ووجود الوذمة الرئوية يُعتبر استطباباً للتحال الكلوي، لأنها تحدُّ من القدرة على التحكم بالسوائل، وإعطاء بيكربونات الصوديوم (Sodium Bicarbonate)، والآلية المحتملة لحدوثها هي أن الساليسيلات تؤدي إلى زيادة نفاذية السوائل والبروتين في جدران الأوعية الدموية الرئوية.

12- اضطراب استقلاب الغلوكوز

في المراحل الأولى من التسمُّم يحدث ارتفاعٌ في سكر الدم بسبب تحلُّل الجليكوجين، وتحفيز تكوين الغلوكوز، وانخفاض الاستخدام المحيطي له، وفي هذه المرحلة قد تكون الكيتونات في البول إيجابيةً، وفي المراحل اللاحقة يحدث نقصٌ في سكر الدم بسبب استنفاد مخزون الغلوكوز، ونقص استحداثه.

13- اضطراب النظم 

يُعتبر عدم انتظام دقات القلب الجيبي هو اضطراب النظم الأكثر شيوعاً، وتعدُّ تغيرات السوائل والشوارد، على سبيل المثال: نقص بوتاسيوم الدم، ونقص كلس الدم، ونقص مغنيزيوم الدم، هي السبب الأكثر شيوعاً لحدوث اضطراب النظم، كما أن الساليسيلات يمكن أن تغير بشكلٍ مباشرٍ من نفاذية غشاء الخلايا العضلية القلبية.

14- الاضطرابات الدموية

يمكن أن تُسبّب الساليسيلات كثرة الكريات البيضاء، ونقص عدد الصفيحات الدموية، وتثبيط وظيفتها، ومنع التصاقها، وهشاشة الشعيرات الدموية، واضطرابات في عوامل التخثُّر، ويمكن أن يرتفع زمن البروثرومبين (PT)، والنسبة المعيارية الدولية (INR).

15- تبدلات الحالات العقلية

تُسبّب المستويات السُمّية من الساليسيلات تغيراتٍ في الحالة العقلية عبر ثلاث آلياتٍ رئيسية: التأثير السُمّي المباشر على الجهاز العصبي المركزي، وقلة السكر في الخلايا العصبية، والوذمة الدماغية، كما يؤدي الحماض إلى تفاقم السُمّية العصبية عن طريق تعزيز تدفُّق الساليسيلات إلى الجهاز العصبي المركزي، ومن هذه التبدلات الهياج أو الخمول، والميل إلى النوم، والتخليط الذهني، والهلاوس، والأرق، والنوبات الاختلاجية، ونادراً الغيبوبة. [6]

المراجع البحثية

1- Pediatrics Clerkship | The University of Chicago. (n.d ). Aspirin Poisoning. Retrieved January 1, 2024.

2- Al Hammadi, H  (2021, September 17) .Aspirin poisoning. eMedicineHealth. Retrieved January 1, 2024

3- DrugBank Online. (n.d). Aspirin. DrugBank Online. Retrieved January 1, 2024

4- Boston Children’s Hospital. (n.d). Reye Syndrome. Retrieved January 1, 2024

5- Barnett, A, K. Boyer ,E ,W . (2023, May 10). Salicylates Toxicity. StatPearls. Retrieved January 1, 2024

6- Barnett, A, K. Boyer ,E ,W . (2023, May 10). Salicylate (aspirin) poisoning: Clinical manifestations and evaluations. Medilib.ir. Retrieved January 1, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.