Skip links
مجموعة ضخمة من النجوم الصغيرة اللامعة المرتصّة بجانب بعضها البعض على شكل غيوم مضيئة

مجرَّة درب التبّانة

الرئيسية » المقالات » الفضاء » مجرَّة درب التبّانة

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

سبب تسمية مجرَّة درب التبّانة

إذا نظرت إلى الأعلى في ليلةٍ صافيةٍ، فمن المُحتمل أن تلمح شريطًا عريضًا من النجوم المُغطاة بسحبٍ من الغبار، والغاز، والتي تمتدُّ لمسافاتٍ شاسعةٍ عبر السماء، إن ما تراه هو جزءٌ من مجرَّة درب التبّانة أو الطريق اللبني، وهي مجرتنا التي ننتمي إليها، والتي يبلغ قطرها حوالي 100000 سنة ضوئية.

يظنُّ العلماء أن بدايات التسمية الطريق اللبني (Milky Way) وجدت في كتابات الشاعر الروماني أوفيد (Ovid) في القرن 8 بعد الميلاد حيث قال: “هناك مسارٌ عالٍ يُرى عندما تكون السماء صافيةً، يُدعى الطريق الحليبي ومعروف بسطوعه” (There is a high track, seen when the sky is clear, called the Milky Way, and known for its brightness).

ويرجع البعض الإشارات المبكرة لذكر مصطلح الطريق اللبني إلى الإغريق القدماء بين 800 قبل الميلاد إلى 500 قبل الميلاد، ووفقًا لموقع Astronomy Picture of the Day، فإن الأصل اليوناني لكلمة مجرَّة (Galaxy) مُشتقٌّ من كلمة لبن (Milk)، وربما هذا لعب دوراً في تسمية المجرَّة.

أما في اللغة العربية، فقد أطلق العرب قديمًا على المجرَّة التي تبدو كطريقٍ غيمي أبيض اسم درب التبّانة نسبةً إلى التبن أي القش المطحون الذي كان يترك علامةً بيضاء على أثره عند حمله في طرق التجارة. [1] [2] [3]

كيف تشكلت مجرَّة درب التبّانة؟

تشير النتائج التي توصّل إليها علماء معهد ماكس بلانك في ألمانيا إلى أن نشوء مجرَّة درب التبّانة (The Milky Way)  كان منذ حوالي 13 مليار سنة أي بعد 800 مليون سنة فقط من الانفجار العظيم (Big Bang).

يقترح العلماء أيضًا أن مجرّة درب التبّانة قد تطورت على الأرجح في عدة مراحل مختلفة، بدءًا من تكوين مجموعاتٍ من المواد النجمية في قرصٍ رفيعٍ منذ حوالي 13 مليار سنة بعد ملء قلبها، وقد اندمجت المجرّة بعد ذلك مع مجرّةٍ ثانية تُسمّى جيغا انسيلادوس (Gaia-Enceladus)، ويعتقد الباحثون أن هذا يتزامن مع الوقت الذي تشكلت فيه معظم النجوم في القرص السميك. [4]

ما هو حجم مجرَّة درب التبّانة؟

تمَّ إجراء أول قياسٍ موثوقٍ لحجم مجرتنا في عام 1917 بواسطة عالم الفلك الأمريكي هارلو شابلي Harlow Shapley من خلال حساباتٍ رياضيةٍ بحته حيث وجد شابلي أنه بدلاً من نظامٍ صغيرٍ نسبيًا مع وجود الشمس بالقرب من مركزها، كما كان يعتقد سابقًا، فإن المجرة هائلةٌ مع وجود الشمس بالقرب من الحافة، فقرر أن قطرها يبلغ حوالي 100000 سنة ضوئية، وأن الشمس تقع على بعد حوالي 30.000 سنة ضوئية من المركز.

وقد صمدت قيمه بشكلٍ ملحوظٍ على مرّ السنين، وبالاعتماد الجزئي على المكون المعين الذي تتمُّ مناقشته يكون القرص النجمي لنظام مجرَّة درب التبّانة كبيرًا تقريبًا كما توقع نموذج شابلي مع وجود الهيدروجين المحايد إلى حدٍّ ما منتشر على نطاقٍ واسعٍ ومظلم أي أنها غير قابلةٍ للرصد، وربما تملأ حجمًا أكبر مما هو مُتوقَّع.

تقع أبعد النجوم وسحب الغاز في النظام، والتي تمّ تحديد المسافة بينها بشكلٍ موثوق، على بعد 100000 سنةٍ ضوئيةٍ تقريبًا من مركز المجرّة، في حين وُجد أن مسافة الشمس من المركز تقارب 25000 سنة ضوئية.

كيف يبدو هيكل مجرَّة درب التبّانة؟

إن بنية مجرَّة درب التبّانة نموذجيةٌ إلى حدٍّ ما للنظام اللولبي الكبير للمجرَّات، ويمكن النظر إلى هذه البنية على أنها تتكون من ستة أجزاء منفصلة، وهي:

1- النواة (Nucleus)

يوجد في قلب المجرَّة ثقبٌ أسودٌ هائلٌ محاطٌ بقرصٍ من الغاز عالي الحرارة، ويمكن رصد هذه المنطقة لأن الأشعة تحت الحمراء والأشعة السينية تنبعث منها، وعندما يقترب الغاز من الثقب الأسود تضغط قوة الجاذبية القوية للجسم المركزي الغاز في قرصٍ سريع الدوران، والذي يمتدُّ إلى الخارج إلى مسافة من 5 إلى 30 سنة ضوئية من الثقب الأسود إلا أن كتلة الثقب الأسود في مجرتنا تزيد عن 4000.000 أي ضعف كتلة الشمس. وإثر هذه الدراسات مُنح الفلكي الأمريكي أندريا جيز والفلكي الألماني راينهارد جينزل جائزة نوبل للفيزياء لعام 2020.

2- الانتفاخ المركزي (Central bulge)

يحيط بالنواة انتفاخٌ ممتدٌّ من النجوم يكون شبه كروي الشكل وغنيًا نسبيًا بالعناصر الثقيلة، ولكلٍّ من النجوم والعناقيد النجمية مداراتٌ حول النواة.

3- القرص (Disk)

الجزء الأكثر بروزًا في المجرَّة، والذي يمتدُّ من النواة إلى ما يقرب من 75000 سنة ضوئية، ويبلغ سمك هذا الجزء خُمس قطر المجرَّة تقريبًا.

4- الأذرع اللولبية – الحلزونية (Spiral arms)

لم يعرف علماء الفلك أن المجرَّة لها هيكلٌ حلزونيّ حتى عام 1953، وذلك لأنه يصعب جدًا اكتشاف الأذرع اللولبية بصريًا، فهناك ثلاثة أذرعٍ حلزونيةٍ في جزء مجرَّة درب التبّانة حيث يقع النظام الشمسي في أحدها. أظهر عالما الفلك الأمريكيان شين شياو (Chia-Chiao Lin)، وفرانك شو (Frank H. Shu) أن الشكل الحلزوني هو نتيجةٌ طبيعيةٌ لأي اضطرابٍ في توزيع كثافة النجوم في القرص المجرّي.

عندما تمَّ حساب تفاعل النجوم مع بعضها رياضياً وجد أن توزيع الكثافة الناتج يتخذ نمطًا حلزونيًا لا يدور مع النجوم، بل يتحرك حول النواة ببطءٍ أكثر كنمطٍ ثابت، وأظهرت الحسابات أن سرعة دوران الأذرع في مجرّتنا تبلغ 4 كم / ثانية لكل 1000 سنة ضوئية.

5- المكوّن الكروي (Spherical component)

 المساحة الموجودة أعلى وأسفل قرص المجرَّة تكون مأهولةً بالعناقيد الكروية النجمية، كالنجوم القزمة التي تعاني من نقص العناصر الثقيلة.

6- الهالة الضخمة (Massive halo)

العنصر الأقلُّ فهماً في المجرَّة، والتي تقع خارج الجزء المرئي بأكمله، ويتضح وجود الهالة الضخمة من خلال تأثيرها على منحنى الدوران الخارجي للمجرَّة، وهذه الهالة تمتدُّ بشكلٍ كبيرٍ إلى ما وراء مسافة 100000 سنة ضوئية من المركز، وإن كتلتها أكبر بعدة مراتٍ من كتلة بقية المجرَّة مجتمعة، ومن غير المعروف ما هو شكلها، وما هي مكوناتها، أو إلى أي مدى تمتدُّ في الفضاء بين المجرّات. [5]

هل لمجرَّة درب التبّانة حقلٌ مغناطيسيّ (Magnetic Field

تمتلك مجرَّة درب التبّانة حقلها المغناطيسي الخاص، وصحيحٌ أنه حقلٌ ضعيفٌ للغاية مقارنةً بحقل الأرض لكن يمكن قياسه.

في عام 2019 قام فريق من علماء الفلك من جامعة كيرتن (Curtin University) في أستراليا، ومنظمة CSIRO منظمة الكومنولث للبحوث العلمية والصناعية بدراسة الحقل المغناطيسي لمجرَّة درب التبّانة، ونشروا جدولاً شاملاً لقياسات شدة الحقل المغناطيسي لمجرَّة درب التبّانة، حيث اعتمدت الدراسة على النجوم النابضة (Pulsar) لسبر الحقل المغناطيسي للمجرَّة، ويستند هذا الجدول إلى رصد 137 نجمٍ نابضٍ.

النجوم النابضة تتوزع في جميع أنحاء مجرَّة درب التبّانة، فعندما تنتقل الموجات الراديوية (Radio waves) للنجم النابض عبر المجرَّة، فإنها تخضع لتأثيرٍ يُسمّى التشتُّت (Dispersion)، وهذا يعني أن موجات الراديو ذات التردد العالي تصل في وقتٍ أقرب من الموجات ذات التردد المنخفض.

فيقوم العلماء بقياس هذا الاختلاف المُسمّى مقياس التشتُّت (Dispersion measure) أو DM الذي يعطي عدد الإلكترونات الحرة الموجودة بيننا وبين النجم النابض، فإذا كان DM مرتفعاً، فهذا يعني إما أن النجم النابض بعيد أو أن الوسط النجمي يكون أكثر كثافةً، والحقل المغناطيسي أشدّ.

يتضمن العامل الآخر ما يُسمّى دوران فاراداي (Faraday Rotation) أو RM حيث يمكن للتلسكوبات الراديوية قياس هذا الدوران بما يُسمّى مقياس دوران فاراداي الذي يخبرنا عن عدد الإلكترونات الحرة، وقوة المجال المغناطيسي الموازي لخط البصر، فكلما كان RM أكبر يعني المزيد من الإلكترونات، وشدة الحقل أكبر.

الحقل المغناطيسي للمجرة يؤثر على جميع أنواع العمليات الفيزيائية الفلكية عبر مقاييس القوة والمسافة المختلفة، ويشكل المسار الذي تتبعه الأشعة الكونية (Cosmic rays) لذلك عندما يدرس علماء الفلك مصدرًا بعيدًا للأشعة الكونية، مثل: نواة مجرّةٍ نشطة، فإن معرفة قوة الحقل المغناطيسي يمكن أن تساعدهم على فهمٍ أكبر لخواص هذه الأشعة كما يُعتقد أن الحقل المغناطيسي للمجرّة يلعب دورًا في تكوين النجوم على الرغم من أن التأثير غير مدروسٍ بدقةٍ حتى الآن. [6]

كيف ستفنى مجرَّة درب التبّانة؟

بعد أربع مليارات سنة من الآن ستصطدم مجرتنا درب التبانة بجارتنا الحلزونية الكبيرة المرأة المسلسلة أندروميدا (Andromeda)، وذلك سيُسبّب دماراً لكلا المجرتين.

حاليًا المسافة بين أندروميدا ودرب التبانة حوالي 2.5 مليون سنة ضوئية، فالمجرتان تندفعان باتجاه بعضهما البعض بسرعة 402000 كيلومتر في الساعة، ولكن حتى بهذه السرعة لن يجتمعا قبل أربع مليارات سنة أخرى.

بعد ذلك، ستصطدم المجرتان وجهاً لوجه، وسيستمر الزوجان في التجمُّع حتى تندمج المجرتان في النهاية، بعد مرور مليار سنة أو أكثر، وبعد ذلك سيكون للنظام الشمسي عنواناً كونياً جديداً: المجرة الإهليلجية العملاقة، والتي تشكلت من تصادم واندماج مجرَّة درب التبّانة وأندروميدا. [7]

المراجع البحثية

1- Weisberger, M. (2016, November 7). How did the Milky Way get its name? Live Science. Retrieved August 22, 2023

2- Howell, E. (2015, January 22). Why Is Our Galaxy Called The Milky Way? Universe Today. Retrieved August 22, 2023

3- لماذا سميت مجرة درب التبانة بهذا الاسم؟. (n.d.). الكون. Retrieved August 22, 2023

4- Garbas, M. (2022, March 23). How was the Milky Way formed? Cosmos. Retrieved August 22, 2023

5- Milky Way Galaxy | Size, Definition, & Facts. (2023, August 7). Encyclopedia Britannica. Retrieved August 22, 2023

6- Gough, E. (2019, December 11). This is the Milky Way’s Magnetic Field. Universe Today. Retrieved August 22, 2023  

This website uses cookies to improve your web experience.