Skip links
خيوط بيضاء متقاطعة تشكل قمع مخروطي الشكل ضمن فراغ أسود

ما هي الثقوب الدودية؟

الرئيسية » المقالات » الفضاء » ما هي الثقوب الدودية؟

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

ما هي فكرة الثقوب الدودية نظرياً؟

تخيل أن هنالك مدينتين على جانبين متقابلين من جبلٍ ما، فمن المنطقي أن يضطر الناس في هاتين المدينتين أثناء التنقل بينهما أن يلتفوا حول الجبل لزيارة بعضهم البعض، وهذا طبعاً يستهلك زمناً أطول في السفر، لكن إذا أرادوا الوصول إلى هناك بشكلٍ أسرع، فيمكنهم حفر نفقٍ مباشرةً عبر الجبل لإنشاء طريقٍ مختصر وسريع للوصول، هذه الفكرة شبيهه جداً بفكرة الثقب الدودي.

يشبه الثقب الدودي نظرياً نفقاً بين نقطتين بعيدتين في عالمنا، هذا النفق يختصر زمن السفر بين النقطتين، فمثلاً: إذا كان لدينا مجرتان تبعدان عن بعضهما ملايين السنين الضوئية، بالتالي السفر بينهما سيكون زمنه طويلاً جداً بحيث لا تكفيه حيوات متعاقبة لأجيال من البشر، بالتالي لا يمكننا القيام بهذه الرحلة بسبب طول زمنها، وقصر عمر حياة الإنسان، لكن نظريًا، وباستخدام فكرة الثقب الدودي يمكن اختصار وقت السفر من ملايين السنين الضوئية إلى ساعات، أو دقائق، أو حتى ثوان!

ونستطيع تخيل أن الثقوب الدودية (wormholes) تعمل مثل آلات الزمن، فقد تخرج من أحد طرفي الثقب الدودي في وقتٍ أبكر من وقت دخولك إلى الطرف الآخر، أي إذا جنحنا بالخيال أكثر، فالثقوب الدودية قد تنقلك بين الماضي، والحاضر، والمستقبل.

إذاً الثقوب الدودية هي أدوات جيدة لمساعدة علماء الفيزياء الفلكية على التفكير بشكلٍ مختلف في مفهومي المكان والزمان، وقد تشكل إرضاءً نظرياً لتساؤلاتنا الكثيرة حول الكون وما فيه. كما أصبحت الثقوب الدودية في العقود الأخيرة بيئةً خصبةً لكتّاب الخيال العلمي في الروايات والأفلام، فلا يخلو فيلمٌ للخيال العلمي من فقرة التنقل عبر الزمن بلمح البصر أو الانتقال بين الأكوان والمجرات بسرعةٍ ويسر.

ما مدى قبول العلماء لفكرة الثقوب الدودية؟

صحيح أن الثقوب الدودية هي أشياء مثيرة للاهتمام للتفكير فيها، إلا أنها لا تزال غير مقبولة بشكلٍ واسع في العلوم السائدة، لكن هذا لا يعني أنها علمٌ زائف أو محض وهم، فالثقوب السوداء، التي نعرفها اليوم لم تكن مقبولةً عندما اقترح العلماء لأول مرة وشكك أغلبهم في وجودها أصلاً، فقد كانت بواكير ظهور فكرة الثقوب السوداء في الوسط العلمي في عام 1915 عندما صاغ آينشتاين معادلاته الميدانية الشهيرة، وحيث وجد العالم الألماني كارل شوارزشيلد طريقةً لوصف الثقوب السوداء رياضيًا بعد عامٍ واحد فقط من ذلك.

ومع ذلك، كان هذا الوصف غريبًا جدًا لدرجة أن كبار العلماء في ذلك العصر رفضوا الاعتقاد بإمكانية وجود الثقوب السوداء بالفعل في الطبيعة، لكن بعد مرور حوالي 50 عامًا أُخذت الثقوب السوداء على محمل الجد، وأُثبت وجودها بشكلٍ قطعي، وأصبحت حقيقةً علميةً لا ينكرها أحد، وهذا ما قد يحدث يوماً ما في الثقوب الدودية، فقد يستغرق الأمر بعض الوقت من العلماء للتوصل إلى إجماعٍ حول ما إذا كان من الممكن وجودها أم لا. [1]

متى بدأت فكرة الثقوب الدودية في الوسط العلمي؟

بدأ ظهور فكرة الثقوب الدودية في عام 1916، حيث لاحظ الفيزيائي النمساوي لودفيج فلام (Ludwig Flamm)  أثناء بحثه في حلول كارل شوارزشيلد (Schwarzschild) لمعادلات آينشتاين، فكما هنالك حلول تصف الثقب الأسود هنالك حلول تصف شكلًا معينًا من أشكال الثقب الأسود يُعرف باسم “الثقب الأبيض” (white hole).

فبينما يعمل الثقب الأسود كفراغٍ يجذب أي مادة تعبر أفق الحدث الخاص به، يعمل الثقب الأبيض بشكلٍ معاكس، فهو يلفظ ويقذف أي مادة ضمن أفق الحدث الخاص به، ولاحظ لودفيج فلام أيضًا أن الحلّين اللذين يصفان منطقتين مختلفتين من الزمكان يمكن أن يكونا مرتبطين رياضيًا بنوعٍ من قناة ضمن نسيج الزمكان، وأنه من الناحية النظرية على الأقل، يمكن أن تكون هذه القناة (مدخل) الثقب الأسود و(مخرج) الثقب الأبيض، وذلك بمكانين مختلفين في أجزاء مختلفة من الكون. [2]

وتبلورت فكرة لودفيج فلام في عام 1935 على يد آينشتاين والفيزيائي ناثان روزين (Nathan Rosen)، حيث اقترحا وجود “جسور” عبر الزمكان. تربط هذه الجسور بين نقطتين مختلفتين في الزمكان، مما يؤدي نظريًا إلى إنشاء اختصارٍ يمكن أن يقلل وقت السفر والمسافة، وأصبحت الاختصارات هذه تسمّى جسور آينشتاين-روزين (Einstein- Rosen bridges)، ولاحقاً سُميت بالثقوب الدودية.

بالتالي خلاصة ما توصل إليه آينشتاين وفلام وروزين أن بعض حلول النسبية العامة تسمح بوجود ثقوبٍ دودية قد يكون فم كل منها ثقبًا أسود. ومع ذلك، فإن الثقب الأسود الذي يحدث بشكلٍ طبيعي، والذي يتكون من انهيار نجم يحتضر، ليس من الضروري أن يشكل في حدّ ذاته ثقبًا دوديًا. [3]

ما العلاقة بين الثقوب الدودية وانحناء الزمكان؟

كما أشرنا سابقاً تشكلت الثقوب الدودية نظريًا من رحم نظرية النسبية العامة لآينشتاين، وبما أن النسبية العامة تنصُّ على أن أي كتلةٍ تؤدي إلى انحناء نسيج الزمكان، فلا بدّ من صلة وصلٍ بين فكرة الثقوب الدودية وفكرة انحناء الزمكان، ولفهم هذا الربط فإننا مثلاً: لنتخيل شخصين يحملان ملاءة السرير، ويمددانها بقوة لتصبح مشدودةً ثم قام شخصٌ آخر بوضع كرة بيسبول على ملاءة السرير، فسنلاحظ أن وزن كرة البيسبول سوف يسبّب تدحرجها إلى منتصف الملاءة، ويتسبّب في انحناء الملاءة عند تلك النقطة التي تستقر عندها.

وإذا تمّ وضع كرةٍ أخرى على حافة نفس الملاءة، فإنها ستتحرك نحو الكرة الأول بسبب الانحناء الذي تشكل، وهذه الملاءة تشكل نسيج الزمكان في الفضاء لكن بمستوى ثنائي الأبعاد وليس مستوى رباعي الأبعاد بشكله الحقيقي. إذا تخيلنا أن هذه الملاءة رباعية الأبعاد مع وجود مسافةٍ وسماكة بين الأعلى والأسفل، سيؤدي وضع كرة البيسبول على الجانب العلوي إلى تكوين انحناء.

وكذلك وضع كرةٍ أخرى على الجزء السفلي سينحني النسيج بشكلٍ مقابل لانحناء النسيج من الأعلى بحيث يمكن للكرتين أن تصبحا قريبتان من بعضهما البعض لدرجة أنهما قد تلتقيا، وهذا مشابه لكيفية تطور الثقوب الدودية وفق فرضية انحناء نسيج الزمكان، لكن من الممكن أيضًا أن تكون بعض الخصائص الفيزيائية أو الكمومية تمنع حدوث مثل هذا التقارب، وحتى لو حدث ذلك، فسيكون غير مستقر. [4]

المراجع البحثية

1- Conversation, D. S. (2023, November 17). What are wormholes? An astrophysicist explains these shortcuts through space-time. Astronomy Magazine. Retrieved April 23, 2024

2- Wormholes – Black Holes and Wormholes – the physics of the universe. (n.d.). Retrieved April 23, 2024

3- Tillman, N. T., Harvey, A., & Sohn, R. (2024, March 5). What are wormholes? Space.com. Retrieved April 23, 2024

4- Bonsor, K., & Lamb, R. (2023, August 15). How time travel works. HowStuffWorks. Retrieved April 23, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.