Skip links
رسم توضيحي للرئة وهي مصابة بالتليُّف الكيسي

التليُّف الكيسي عند الأطفال

الرئيسية » المقالات » الطب » طب الأطفال » التليُّف الكيسي عند الأطفال

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

خلال العقود السابقة كان التليُّف الكيسي (Cystic Fibrosis) الاضطراب الوراثي الأكثر شيوعاً الذي يهدُّد حياة الأطفال، وكانت نسبة حدوثه واحد من أصل كل 2500 ولادةٍ حية، وكانت تحدث الوفاة عند معظم الأطفال قبل الوصول إلى سن المراهقة. لكن في الوقت الحاضر تحسّن معدل البقاء على قيد الحياة كثيراً.

فأصبح نصف المصابين الآن يبلغون الثلاثين من العمر، ويقترب متوسط العمر في البلدان المتقدمة من 50 سنة، ويتمتعون بحياةٍ أكثر راحة، ويذهبون إلى المدرسة، ويشاركون في النشاطات الاجتماعية والألعاب، وقد يتخرجون من الجامعات، وينشئون أسراً خاصةً بهم، وذلك بسبب تطور الاكتشافات الطبية، ومعرفة الآلية الفيزيولوجية للمرض، وتطور الوسائل التشخيصية والعلاجية، كاستخدام الأجهزة الإنشائية، وإعطاء المُكمّلات الغذائية، وأنزيمات البنكرياس، والصادّات الحيوية الوقائية، وإجراء عمليات زرع الرئة. [1] [2]

ما هو التليُّف الكيسي عند الأطفال؟

مرضٌ وراثيٌّ جسميّ مقهورٌ مزمن، ويزداد سوءاً مع مرور الوقت، ويستمر مع الطفل مدى الحياة، يحدث فيه اضطرابٌ في عمل الغدد خارجية الإفراز، وهو ناتجٌ عن طفرةٍ في جين ((CFTR) Cystic Fibrosis transmembrane regulator) الذي يتحكم بمستوى الماء والأملاح داخل وخارج الخلايا، مما يُسبّب تراكم مخاطٍ سميكٍ ولزج يؤدي بدوره إلى أذيّة أنسجة وأعضاء الجسم المختلفة بما في ذلك الجهاز التنفسي، والهضمي، والتناسلي.

كما يؤثر على الغدد العرقية، ولكن بآليةٍ مختلفةٍ حيث لا يُسبّب تعرقاً كثيفاً، وإنما يحتوي على مستوياتٍ عاليةٍ من كلور الصوديوم. [2]

كيف يتمُّ توريث التليُّف الكيسي عند الأطفال؟

التليُّف الكيسي اضطرابٌ وراثيٌّ جسميٌّ مقهور أي يجب وراثة نسختين من الجين المُصاب بالطفرة كي يحدث (جين من كلا الأبوين)، يُطلق على الأشخاص الذين لديهم نسخةٌ واحدة من الجين حاملي المرض، وعندما يكون كلا الوالدين حاملاً للمرض، فتكون الاحتمالات عند الأبناء: [3]

– 25 بالمئة سوف يصابون بالداء الليفي الكيسي.

– 50 بالمئة سوف يكونون حاملين للمرض.

– 25 بالمئة سوف يكونون سليمين (غير حاملين وغير مصابين).

وعندما يكون أحد الأبوين حاملاً للمرض والآخر مصاباً به، فتكون الاحتمالات: 50 بالمئة من الأطفال يصابون بالداء الليفي الكيسي، 50 بالمئة سوف يكونون حاملين للمرض.

ما هي أعراض التليُّف الكيسي عند الأطفال؟

يمكن أن تختلف أعراض التليُّف الكيسي من طفلٍ لآخر، وذلك اعتماداً على شدة المرض، فقد يعاني بعض الأطفال من اضطراباتٍ في الجهاز التنفسي دون الهضمي بينما قد يعاني آخرون من كليهما، كما تختلف الأعراض والعلامات مع تقدم الطفل بالعمر، وتشمل: [2] [3] [4]

1- الاضطرابات الهضمية

أ- قد تكون العلامة الأولى عند الأطفال حديثي الولادة المصابين بالتليُّف الكيسي هي تأخُّر إفراغ العقي، وذلك لأنه يصبح سميكاً بحيث لا يمكنه المرور عبر الأمعاء مما قد يؤدي إلى انسدادها.

ب- يحدث قصورٌ في عمل المُعثْكلة خارجية الإفراز مما يُسبّب سوءاً في عملية الهضم، ونقصاً في امتصاص الدسم، ويتظاهر ذلك ببراز الطفل الذي يكون دهنياً كبير الكمية، وكريه الرائحة مع تمدُّد بطن، ونقص كسب الوزن، وفشل النمو.

ت- كما يحدث نقصٌ في امتصاص الفيتامينات المُنحلّة في الدسم (K- E- D) مما يؤدي إلى عوزها، وبالتالي قد تحدث اضطراباتٍ تخثُّرية، مثل:  فقر دمٍ انحلالي، ونقص كثافةٍ عظمية، والعمى الليلي.

ت- قد يحدث انغلاف الأمعاء (دخول قطعة من الأمعاء في القطعة التي تليها).

ث- قد يؤدي السعال المتكرر، وصعوبة التبرُّز إلى تدلي المستقيم (جزءٌ من المستقيم يبرز من خلال فتحة الشرج).

2- الاضطرابات التنفسية

يحدث تراكمٌ للمخاط السميك واللزج في الطرق التنفسية، والرئتين، والجيوب الأنفية مما يؤدي إلى مشاكل تنفسية مزمنة، مثل:

أ- السعال (يكون في البداية جافاً ثم يصبح منتجاً للقشع القيحي)، والأزيز الزفيري (الصفير).

ب- صعوبة التنفس وعدم القدرة على تحمُّل الجهد.

ت- التهاب القصيبات الشعرية الشديد، والمتكرر خلال السنة الأولى من العمر.

ث- الإنتانات الرئوية المتكررة.

ج- التهاب الجيوب الأنفية الحاد والمزمن، والذي يتظاهر بألمٍ في الوجه مع احتقانٍ مزمن، وفقد حاسة الشم، أو الذوق، والصداع.

ح- تشكل السليلات (الزوائد) الأنفية.

خ- ومن المضاعفات التي يمكن أن تحدث النفث الدموي، والريح الصدرية، وانخماص الرئة.

د- في المراحل المتقدمة قد يؤدي نقص الأكسجة المزمن إلى زيادة ثخانة الشرايين الرئوية، وفرط التوتر الرئوي، وضخامة البطين الأيمن.

3- إصابة المُعثْكلة (البنكرياس)

إضافةً إلى القصور التام في وظيفة المُعثْكلة خارجية الإفراز يحدث نقص متوسط الشدة في عمل خلايا جزر لانغرهانس مما يؤدي إلى نقص إفراز الأنسولين، ويؤهّب للداء السكري، وغالباً يحدث ذلك بعد عمر 10 سنوات، كما يحدث التهاب بنكرياس متكرر.

4- إصابة الكبد

تحدث ضخامةٌ قاسيةٌ في الكبد، ومع تقدّم الإصابة يحدث تشمُّع كبد،ُ والذي يتظاهر بيرقان وإقياءات مُدمّاة ناتجةً عن تشكل دوالي في المريء وحبن (تراكم السوائل في تجويف البطن).

5- إصابة الغدد العرقية

تحدث خسارةٌ مفرطةٌ من الملح مع العرق مما يؤهّب لنقص الشوارد، وحدوث قلاء ناقص الكلور، ويكون العرق مالح المذاق لأنه يحتوي على ضعف إلى خمسة أضعاف الكمية العادية من الملح (كلور الصوديوم)، ويلاحظ الآباء ذلك عندما يقومون بتقبيل أطفالهم، فيشعرون بطعمٍ مالح.

6- نقص الخصوبة

يحدث بشكلٍ أشيع عند الذكور حيث يحدث انسدادٌ جزئيٌّ في الأسهر (القناة الناقلة للنطاف) أو يكون الأسهر غائباً تماماً مما يجعل معظم الذكور المصابين عقيمين، ولكن الوظيفة الجنسية تكون سليمة، أما الإناث فقد يحدث لديهن انقطاع طمثٍ ثانوي أو التهاب عنق رحم بسبب تراكم المُفرزات المخاطية ضمنه، ويوجد تراجعٌ في معدل الخصوبة لكن تبقى عندهن القدرة على الإنجاب في حال وجود وظيفة رئوية جيدة.

كيف يتمُّ تشخيص الإصابة بالتليُّف الكيسي عند الأطفال؟

1- الاستقصاء قبل الولادة

يتمُّ بتحليل DNA السائل الأمنيوسي أو عينةٍ من الزغابات المشيمية.

2- اختيار المسح عند حديثي الولادة

يُجرى في بعض البلدان بشكلٍ روتيني حيث يتمُّ أخذ عينة دم من كعب قدم الطفل، وإجراء تحاليل مخبرية عليها لتشخيص عدد من الأمراض من ضمنها التليُّف الكيسي.

3- التحليل الجيني

يحتوي جين التليُّف الكيسي على شذوذٍ يُسمّى طفرة، ويوجد أكثر من 1700 طفرة معروفة للمرض، ومعظم التحاليل المخبرية يتمُّ فحص فقط طفرات التليُّف الكيسي الأكثر شيوعاً، لذلك يوجد أحياناً سلبية كاذبة.

4- اختبار شوارد العرق

هو الاختبار الأكثر موثوقيةً في تشخيص التليُّف الكيسي، وعادةً ما يتمُّ إنتاج كميةٍ كافيةٍ من العرق بعمر أسبوعين، ويجب أن يُجرى هذا الاختبار بأسرع وقتٍ ممكن، وأقصى حدّ هو أربعة أسابيع، ولكن في حال كانت كمية العرق غير كافيةٍ لإجراء الاختبار يجب إعادته.

يقيس هذا الاختبار كمية الكلور (أحد مكونات الملح) في العرق، حيث يتمُّ تطبيق مادةٍ كيميائيةٍ عديمة اللون والرائحة هي البيلوكاربين (Pilocarpine) مع تحفيزٍ كهربائيّ بسيطٍ على منطقةٍ صغيرةٍ من الذراع أو الساق لتحريض الغدد العرقية على إنتاج العرق، ويستمر ذلك حوالي 5 دقائق، ثم يتمُّ جمع العرق على قطعةٍ من ورق الترشيح أو الشاش، وتستمر هذه الخطوة حوالي 30 دقيقة ثم يتمُّ قياس كمية العرق، وتركيز شوارد الكلور ضمنها.

يعتبر مُشخِّصاً في حال كان تركيز شوارد الكلور أعلى أو يساوي 60 ميلي مكافئ/ل مع وجود قصة عائلية إيجابية، أو قصورٍ مثبتٍ في المُعْثكلة خارجية الإفراز، أو وجود تظاهراتٍ سريريةٍ نموذجية (هضمية، تنفسية، تناسلية)، أو وجود طفرتين للتليُّف الكيسي. [4]

كيف يتمُّ علاج التليُّف الكيسي عند الأطفال؟

لا يوجد علاجٌ شافٍ للتليُّف الكيسي، ولكن يمكن أن تساعد مجموعةٌ من التدابير الداعمة في السيطرة على الأعراض، وتقليل نسبة حدوث المضاعفات، وتسهيل تعايش الطفل مع المرض، ويحتاج ذلك إلى التعاون من قبل فريقٍ من المُتخصصين في الرعاية الصحية، وفي بعض الحالات قد يحتاج الطفل الدخول إلى المستشفى، ومن هذه التدابير: [3] [4]

1- إعطاء الصادّات الحيوية لمنع وعلاج الإنتانات الصدرية.

2- الأدوية الحالّة للمخاط، وذلك لجعله أقلَّ لزوجة، مثل: دورناز إلفا (Dornase Alfa)، والمحلول الملحي مفرط التوتر.

3- المُوسّعات القصبية (Bronchodilators): وذلك لتوسيع الشعب الهوائية، وتسهيل عملية التنفس، وتُعطى من خلال الرذاذ أو البخاخات الإنشاقية.

4- العلاج الفيزيائي للصدر للمساعدة في سحب المُفرزات القصبية المُتراكمة.

5- كما يجب أن يأخذ الطفل المصاب جميع التطعيمات الروتينية إضافةً إلى الحصول على لقاح الإنفلونزا سنوياً.

6- يمكن للأنشطة البدنية، مثل: الجري، والسباحة، وكرة القدم أن تساعد في إزالة المخاط من الطرق التنفسية، وتُحسّن القوة البدنية والصحة العامة.

7- اتباع نظامٍ غذائيّ عالي السعرات الحرارية مع مُكمّلات الفيتامينات، والمعادن، وتناول كبسولات الأنزيمات الهاضمة مع الطعام للمساعدة في عملية الهضم، وإضافة الملح للطعام خاصةً خلال الطقس الحار.

8- زراعة الرئة في الحالات المُتقدمة والشديدة من التليُّف الكيسي، وذلك عندما تتوقف الرئتان عن العمل بشكلٍ صحيح.

المراجع البحثية

1- Scotet, V. L’Hostis, C. Férec, C. (2020, May 26). The Changing Epidemiology of Cystic Fibrosis: Incidence, Survival and Impact of the CFTR Gene Discovery. U.S. National Library of Medicine. Retrieved July 12, 2023

2- Children’s Hospital of Pittsburgh. (n.d). Cystic fibrosis symptoms & treatment. Children’s Hospital of Pittsburgh. Retrieved July 13, 2023

3- NHS choices. (2021, March 16). Cystic fibrosis. NHS choices. Retrieved July 13, 2023

4- Cystic Fibrosis Foundation. (n.d). About cystic fibrosis. Cystic Fibrosis Foundation. Retrieved July 13, 2023

This website uses cookies to improve your web experience.