Skip links
رجل عربي في الصحراء مع الجمل وفي الصورة جملة الفصاحة في اللغة العربية مكتوبة بالعربي

الفصاحة في اللغة العربية

الرئيسية » المقالات » اللغة العربية » الفصاحة في اللغة العربية

تعدُّ الفصاحة من أهمّ خصائص اللغة العربية، ويتمحور معناها المُعجمي حول معنيين هما: الوضوح والظّهور، وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم، قال تعالى على لسان موسى عليه السلام: “وأخي هارونُ هو أفصح مني لساناً” { القصص 34 }، كما ورد في الحديث الشريف قوله عليه الصلاة والسلام: “أنا أفْصَح العربِ بيْد أنّي من قُريش”.

وقد ورد تعريفُ الفصاحةِ في مُعجم المصطلحات العربية اصطلاحاً: (الفصاحةُ أن تكون كلُّ لفظةٍ في الكلام بيّنةَ المعنى، مفهومةً، عذبةً، سلسةً، متمشّيةً مع القواعد الصرفية)، وجعل الفصاحة في ثلاثة أمورٍ:

1 -فصاحة الكلمة.

2 -فصاحة التركيب.

3-فصاحةُ المُتكلِّم. [1] [2]

فصاحة الكلمة

الكلمة هي لفظٌ واحدٌ مجرّدٌ من سِياقه الذي انتظم فيه، وقيل في فصاحة الكلمة: “أن تكون ليّنةً سهلةً تتجاورُ أصواتها تجاوراً هادئاً تتجاوبُ فيه، وتتلاشى أنغامها، وأن تكون مألوفةً جَرَت على الألسنة، ورَنَتْ أصداؤها في محافلِ الشعرِ والأدب، وأن تكون واردةً على قواعدِ تصريفِ الكلمات”. وفصاحة الكلمة تتجلّى في خُلوّها من العيوب الآتية:

1- تنافر الحروف

يحدث ذلك عند تقاربِ مخارج حروف الكلمة، فتصبح الكلمة ثقيلةً على اللسان وصعبة النطق، ولهذا التنافر نوعان:

– تنافرٌ شديدٌ: يصعب نطقُ الكلمة بسببه، مثل كلمتي (الظشّ)، وتعني الموضعَ الخشن، و (الهُعْخُع) التي جاءت في قول أحد الأعراب عندما سُئل عن ناقته، فقال: “تركتُها ترعى الهُعْخُع”، وقد ذهب البعض أنه لا أصلَ لها.

– تنافرٌ خفيفٌ: يجد المتكلم صعوبةً في النطق في الكلمة، ومن ذلك قول امرئ القيس:

غدائرهُ مُسْتشْرِزاتٌ إلى العلا
    تضلُّ العِقاصُ في مثنّى ومرسَلِ

تعني كلمةُ (مُسْتشْرِزات) مرفوعات حيث يصف هنا الشاعر شعر ابنة عمّه بالغزارة والاسترسال.

2- الغرابة

وتكون الكلمة غير ظاهرة المعنى، ومصدر الغرابة أمران:

– عدم تداول الكلمة في كلام العرب الفُصحاء: الأمر الذي يقتضي البحث عنها في معاجم اللغة، ومن الكلمات الغريبة (تَكَأْكَأْتم) تعني اجتمعتم، و(افْرَنْقَعوا) تعني انصرفوا، وكلمة (رَخاخ) التي تعني رغدٌ وهناء.

– صعوبة معرفة معنى الكلمة في السّياق الذي تردُ فيه: حيث يكون للكلمة معنيين أو أكثر، ومن ذلك في قول رُؤبة بن العَجاج:

ومُقْلةً وحاجباً مزججا
    وفاحماً ومَرسِنا مُسرَّجا

لم يُعرف المعنى الذي قصده الشاعر من كلمة (مُسرّجا)، وأخذَ المفسرون يلجؤون إلى التأويل في معناها، فقد فسرّها (ابن دريد) على أن الشاعر شبَّه أنف محبوبته بالسيف السّريجي في الدقَّة والاسْتواء. أما تفسير (ابن سيده) أن الشاعر شبّه أنف محبوبته بالسّراج في البَريق واللمعان، ولذلك الكلمة أصبحت غريبة المعنى، ولم تُعتبر فصيحة.

– مُخالفة القياس: أي أن تكون الكلمة مخالفةً للقياس الصرفي الذي وضعه العرب الأوائل، أو أنها مخالفةٌ للعُرْف العربي الصحيح، ومن ذلك قول أبي النجم: “الحمد لله العلي الأجْلَل”، فإن القياس الذي وُضعت عليه كلمة (الأجْلَل) هو (الأجلّ)، ولا مبرّر لفكّ الإدغام فيها، فهي بذلك خالفت القياس، ولم تُعتبر فصيحة. هنالك بعض الكلمات التي خالفت القياس، ولكن العرب اعتبرتها فصيحةً، ومن ذلك كلمتي (المَشْرِق والمَغْرِب) فالقياس أن تُفتح الراء على وزن (مَفْعَل)، ولكنهما خالفَتا القياس بكسر الراء على وزن (مَفْعِل).

– الابتذال: أي أن تكون الكلمة سوقيةً ومُكررةً كثيراً، وأصبحت من ألفاظ العامة، من ذلك قولهم: “تَفرْعَن فلانٌ”، فكلمة (تَفرْعَن) المُشتقَّة من كلمة (فِرعَوْن) من ألفاظ العامة وقد جرت على الألسنُ كثيراً حتى عافَها الذوقُ والطبعُ السليم، وغدَت كلمةً غير فصيحة. [1] [2] [3]

فصاحة التركيب

التركيب في اللغة هو الجُملة، وتتجلّى فصاحة الجملة في أمرين:

1- فصاحة مفرداته

أي أن تكون مفرداته خاليةً من عيوب الكلمة التي ذكرناها سابقاً.

2- ألا يكون ضعيفاً في التأليف

وتكون كلماته متآلفةً فيما بينها، وأن تكون معانيها سهلةً مفهومةً، وأن تكون الجملة على طريقة العرب، وموافقةً لقواعد النحو، فإذا اختلّت هذه القواعد لم يكن الكلام فصيحاً. وقد وضع البلاغيون ستةَ عيوبٍ يجب أن يكون الكلام بريئاً منها حتى يكون فصيحاً، وهي:

1- تنافرُ الكلمات ضمن السّياق

فلا يجوز أن تتكرر الكلمات ذات الجَرْسِ الصوتي الواحد، لأن ذلك يكون ثقيلاً على اللسان، وله نوعان:

– شديد الثقل: ومن ذلك قول الشاعر:

وقبرُ حربٍ بمكانٍ قفْر
    وليس قبرُ حربٍ قبرُ

فكلمات البيت صعبة النطق بسبب تنافر الحروف وتجاورها لذلك لا تُعتبر تراكيب البيت فصيحةً.

– خفيف الثقل:  كقول الشاعر أبي تمام:

كريمٌ متى أمدحْهُ أمدحْهُ والورى
    معي وإذا ما لُمْتهُ لُمْتهُ وحدي

فإن تقارُب مخارج الحروف وتكرار الكلمات يجعلها صعبة النطق، وغير فصيحة.

2- ضعف التأليف

أي أن يكون التركيب مخالفاً لقواعد النحو، كقول الشاعر حسّان بن ثابتٍ يرثي مُطْعِم بنُ عَدي:

ولو أنّ مجداً أخلدَ الدهرَ واحداً
  من الناسِ أبقى مجدُهُ الدّهر مُطعِما

فقد جاء الضمير (الهاء) في كلمة (مجده) قبل ذكر من يعود عليه، وهو (مطْعِما) لذلك فإن الجملة ليست فصيحةً لضَعْف التأليف.

3- التعقيد اللفظيّ

أي أن يكون معنى الكلام غير مفهوم وواضح، لعدم ترتيب ألفاظه على معانيه، بسبب تقديمٍ، أو تأخيرٍ، أو حذفٍ، أو غير ذلك مما ينشأ عنه صعوبةٌ في فهم المعنى المُراد، وله نوعان:

– شديدُ التعقيد: كقول شاعرٍ يصفُ داراً باليةً:

فأصبحتْ بعدَ خطّ بَهْجتها
       كأنَّ قَفْراً رسومَها قلَما

فلا يُعدُّ البيت فصيحاً بسبب صعوبة فَهمه، ويعود ذلك إلى ترتيب كلماته، فالترتيب الصحيح هو:

فأصبحتْ بعد بَهْجتها قَفْراً
       كأنَّ قلماً خطَّ رسومَها

-خفيفُ التعقيد: كقول الفرَزْدَق:

إلى ملكٍ ما أمُّهُ من مُحاربٍ
      أبوهُ، ولا كانت كُليْبٌ تُصاهرهُ

وأصل هذا التركيب: إلى ملكٍ أبوه ما أمُّه من مُحاربٍ، فنجد أن التعقيد اللفظي في البيت خفيفٌ، ولكن لا يمكن اعتباره فصيحاً.

4- التعقيد المعنويّ

أن يكون الكلام خفيَّ الدلالة، يصعب معه انتقال الذهن من المعنى الأول إلى المعنى الثاني المُراد، فعندما يُقال: “فلانٌ كثيرُ الرماد” ينتقل الذهن إلى معنى الكرم بسرعة، وكمثالٍ عن التعقيد اللفظي قول الشاعر العبّاس بن الأحْنَف:

سأطلبُ بُعدَ الدارِ عنكم لتقرُبوا
      وتسكبُ عينايَ الدُّموعَ لِتَجْمُدا

الشاعر الأحْنَف استعمل جُمودَ العينِ للدلالة على سرور النّفس بالوصال الدائم بعد أن عوّد نفسه وصبر على الحزن والدموع حتى استطاع أن ينال وصال المحبوبة، على عكس الشعراء الذين استعملوا جُمود العين للدلالة على بُخلها بالدموع عند حزنهم وإرادتهم للبكاء، وهذا التعقيد في المعنى جعل البيت غير فصيح.

5- كثرة التكرار

مثال ذلك قول الشاعر:

إنّي وأسْطارٍ سُطِرْن سَطْرا
      لقائلٍ: يا نَضْرُ نَصْراً نَصْرا

فإن تكرار المادة اللغوية الواحدة في كل شطرٍ من البيت قد حرمهُ صفة الفصاحة.

6- تَتابعُ الإضافات

ومثال ذلك قول ابن بابك يُخاطب حمامةً:

حمامةَ جَرْعى حوْمةِ الجَنْدلِ اسْجَعي
      فأنتِ بمَرْأى من سُعادَ ومَسْمَعِ

فإن إضافة (جَرْعى)، وهي أرضٌ عديمةُ النبات إلى (حَوْمة) أي مُعظم الشيء، وإضافة (حَوْمة) إلى (الجَنْدل) أي الأرض ذات الحجارة، كل هذه الإضافات قد حَرمتْ البيت من الفصاحة. [1] [4]

فصاحة المُتكلّم

يُعرّف الخطيب القزويني فصاحة المُتكلّم بأنها: “مَلَكَةٌ يُقْتدَرُ بها على التعبيرِ عن المقصودِ بلفظٍ فصيح”، أي الموهبة التي يستطيع المتكلِّم من خلالها التعبير عن أفكاره ومشاعره وأغراضه تعبيراً قوياً بألفاظٍ فصيحةٍ، وتُكتسَب هذه الموهبة بالمِران والدرابة، والمُعايشة للأساليب الممتازة، وحفظ الكثير من الشعر والنثر مع استيعاب المعاني، وتقتضي فصاحة المتكلّم أمران أساسيان:    

1- صفاء الذهن لإدراك المناسبة بين الفكر.

2- القدرة على تشكيل الفكر في قوالب كلاميةٍ تبيُّن هذه الفكر خير إبانةٍ، فيُقال عنها أنها فصيحةٌ. [1] [4]

المراجع البحثية

1- العاكوب، ع. ع. (2005). البلاغة، الفصاحة. In المفصل في علوم البلاغة العربية (pp. 37–47). essay, مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية. 

2– أحمد، & محي. (3003). بين الفصاحة والبلاغة والأسلوب. In علوم البلاغة في العاني والبيان والبديع  (pp. 27–40). essay, المؤسسة الحديثة للكتاب طرابلس – لبنان. Retrieved June 8, 2023

3– أحمد، (2019). في معرفة الفصاحة والبلاغة. In جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع (pp. 1–2). essay, مؤسسة هنداوي. Retrieved June 8, 2023

4– أبو موسى. (n.d.). الفصاحة والبلاغة. In خصائص التراكيب دراسة تحليلية لمسائل علم المعاني (pp. 61–68). essay, مكتبة وهبة. Retrieved June 9, 2023

This website uses cookies to improve your web experience.