المعالجة التقويمية للأسنان – الاختلاطات ودور الأخصائي للحدّ منها
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
إن تحريك الأسنان بواسطة التقويم لتحقيق أغراض وظيفية وتجميلية هو وسيلةٌ علاجيةٌ معروفة انتشرت بشكلٍ واسع، وكما هو الحال في العديد من التخصصات الطبية، فإن أي طريقةٍ علاجية قد يكون لها آثار سلبية مرتبطة بتنفيذ العلاج، يمكن أن تكون هذه الآثار متعلقةً بحالةٍ خاصة لدى المريض أو مرتبطة بطريقة المعالجة التي يقوم بها الطبيب. تتفاوت هذه الآثار والاختلاطات من مشاكل بسيطة قابلة للعلاج والشفاء إلى اختلاطاتٍ غير ردودة يبقى أثرها مدى الحياة.
لذلك يجب على الطبيب المعالج فهم كيفية ارتباط هذه المخاطر بكل مريض لضمان الحصول على الفائدة المرجوة من العلاج دون حدوث آثار جانبية، فالفشل في تحديد وإدارة أخطار علاج تقويم الأسنان بشكلٍ صحيح لا يؤدي فقط إلى عدم رضا المريض عن النتائج، بل قد يؤدي أيضاً إلى دعاوي قضائية تجاه الطبيب.
في بعض الحالات تكون المخاطر المتوقعة لبعض المعالجات عالية، وفي هذه الحالة يجب إعادة النظر في الحاجة لإجراء تقويم الأسنان، وربما اتخاذ القرار بعدم القيام بالعلاج التقويمي لتجنب الأضرار المتوقعة التي قد تحدث. [1] [2]
الاختلاطات التي تحدث لدى مرضى تقويم الأسنان
1- الألم
يمكن أن يحدث الألم في أي مرحلةٍ من مراحل التقويم، وبشكلٍ عام يوجد نوعان شائعان من الألم خلال العلاج:
ألم الغشاء المخاطي الفموي
يحدث نتيجة إصابة جهاز التقويم للعناصر الرخوة في الفم، يمكن للحاصرات التقويمية والأسلاك أن تسبّب تقرحاتٍ وتشقُّقاتٍ في الغشاء المخاطي، حيث يعكس موقع الجهاز نمط التقرُّحات، مثلاً: تؤدي الأجهزة اللسانية إلى تقرُّح اللسان، بينما الأجهزة الدهليزية تؤدي إلى تقرُّح الخدين. يؤثر موقع التقرُّح بشكلٍ كبيرٍ على شدة الألم لأن النشاط المستمر للسان يجعل التقرُّحات اللسانية أكثر إعاقةً من التقرُّحات الخدّية، كما يمكن أن تنشأ تهيُّجات، وعدم راحة في الغشاء المخاطي خلال العلاج باستخدام التقويم الشفاف.
الألم اللثوي أو اللبي
يمكن أن تسبّب القوى التقويمية الموجهة على الأسنان ألمًا عن طريق ضغط الأوعية الدموية في الرباط اللثوي، مما يؤدي إلى التهاب كلٍّ من اللب والأنسجة اللثوية، لذلك تسبّب الأجهزة الثابتة ألمًا أكثر من الأجهزة القابلة للإزالة أو الوظيفية. بعد تركيب السلك الأولي في جهازٍ ثابت، يعاني معظم المرضى من ألم يبدأ بعد 4 ساعات، ويبلغ ذروته خلال 24 ساعة، ثم ينخفض على مدى الأيام الثلاثة التالية.
بعد زيارة التعديل، يزداد الألم ثم ينخفض على مدى 2-3 أيام، مما يؤدي إلى نمطٍ دوري من الألم طوال فترة العلاج. غالبًا ما يعاني المرضى من الألم عند إزالة الأجهزة التقويمية الثابتة، ويبدو أن ذلك مرتبط بمستوى حركة الأسنان، وكذلك اتجاه القوى المستخدمة لإزالة الجهاز الثابت.
قد تكون الحاصرات الخزفية أكثر ألمًا عند إزالتها مقارنةً بالحاصرات المعدنية، فالمعدنية أكثر مرونةً، وتتطلب قوةً أقل للإزالة، ويمكن الاستعانة بالمسكنات المضادة للالتهابات لتقليل الألم بعد بدء تطبيق القوى التقويمية، مثل: الإيبوبروفين، كما أن الأسبرين، والباراسيتامول فعالان في تسكين الألم، مع تفضيل الباراسيتامول لأنه أقل تأثير محتمل على حركة الأسنان. [3]
2- نقص تمعدن الميناء (الميناء الطبشوري) (Enam demineralization)
قد تظهر بقع بيضاء على الميناء غالبًا بعد 4 أسابيع من الاستخدام المستمر لجهاز تقويم الأسنان الثابت، الذي يتكون من حاصراتٍ تقويمية مثبتة على سطح الأسنان، ترتبط هذه البقع بسوء النظافة حول عناصر التثبيت، مما يخلق مساحةً إضافيةً تساهم في التصاق اللويحة السنية. يزداد الاحتفاظ باللويحة السنية بفعل الأسلاك التقويمية ذات الحلقات والانحناءات العديدة، والأسلاك الإضافية، والأربطة المطاطية، وعدم إزالة فائض مادة التثبيت المستخدمة لتثبيت الحاصرات.
أيضًا تتغير درجة الحموضة في لعاب المرضى الذين يخضعون لعلاج تقويم الأسنان، ويتغير تركيب الفلورا البكتيرية، كما تقل خصائص التخفيف والتنظيف للعاب، مما يزيد تراكم اللويحة السنية. من الضروري استخدام أدواتٍ خاصة إضافية لنظافة الفم بجانب فرشاة الأسنان، مثل: المضامض الفموية، وفرشاة الأسنان ذات الشعيرات الفردية، والخيط السني، والفراشي بين سنية.
سريريًا، تظهر البقعة البيضاء كآفةٍ بيضاء، غير لامعة ومعتمة على الميناء. تبدو الطبقة الخارجية غير متضررةٍ ظاهريًا، بينما تُظهر الصورة النسيجية مسامًا واضحة تسبّب تغييرًا في انكسار الضوء، وبالتالي تحدد المظهر المميز للبقع. تميل الميناء المتضررة بسبب مساميتها، إلى امتصاص الألوان من الأطعمة والمشروبات المستهلكة، حيث تكون البقع في البداية بيضاء حليبية، ومع مرور الوقت يتغير لونها إلى بني داكن، ويمكن أن تؤدي هذه الآفات كذلك إلى تطور النخور السنية. [4]
3- أمراض اللثة والنسج حول السنية (Periodontal disease)
تشمل التهاب اللثة (Gingivitis)، والتهاب النُّسج حول السنية (Periodontitis)، وفقدان أو تراجع اللثة الملتصقة، وقد تتطور إلى تراجع الدعم العظمي السنخي للأسنان. تعتمد استجابة اللثة تجاه الأجهزة التقويمية على عدة عوامل، مثل: مقاومة الجسم، وكمية وتركيب اللويحة السنية، التدخين، الأمراض، مثل: السكري غير المنضبط، حيث يعتبر العلاج التقويمي عند الأفراد المصابين بالسكري غير المنضبط مضاد استطباب.
تعدُّ البكتيريا الموجودة في اللويحة السنية هي العامل المسبّب الرئيسي لأمرض اللثة، لذلك يجب تقديم تعليمات النظافة الفموية قبل بدء العلاج التقويمي، وتعزيزها خلال كل زيارة، وقد ثبت أن استخدام فراشي الأسنان الكهربائية، والأمواج فوق الصوتية يتفوق على التنظيف اليدوي في السيطرة على اللويحة البكتيرية على الأسطح الدهليزية، وتقليل التهاب اللثة.
بالإضافة إلى فراشي الأسنان التقويمية، من الضروري استخدام فرشاة بين الأسنان. يجب أن يكون تركيز الفلورايد في معجون الأسنان المستخدم للتنظيف لا يقل عن 0.1 بالمئة. وقد أظهر استخدام معجون الأسنان بالفلورايد القصديري تأثيرًا مثبطًا أعلى على تطور اللويحة السنية والتهاب اللثة. يعتبر العلاج التقويمي للمرضى الذين يعانون من مرضٍ لثوي نشط غير مناسب، حيث إن خطر تدهور اللثة بشكلٍ أكبر يزداد بشكلٍ ملحوظ.
يتطلب الأمر إجراء تقييمٍ شاملٍ للحالة اللثوية، خاصةً في المرضى البالغين، ويجب السيطرة على الحالة اللثوية قبل بدء التقويم، ومن الضروري إجراء فحصٍ دقيقٍ لمستوى اللثة المرتبطة قبل بدء العلاج التقويمي، وإذا كان مستوى اللثة المرتبطة غير كافٍ قبل العلاج التقويمي، فيجب إجراء استشارة لثوية، خاصةً إذا كان من المتوقع حدوث حركة شفوية للأسنان. [2]
4- امتصاص الجذور (Root Resorption)
يعتبر امتصاص الجذور الذروي أمراً لا يمكن تجنبه في معالجة تقويم الأسنان، وقد يبدو غير مهم بالمقارنة مع الفوائد التي يجنيها المريض من تحسين وضعية تيجان الأسنان، لكن يجب الحذر عند وجود أسنان قصيرة مسبقاً أو عند تكرار العلاج التقويمي، حيث إن مقدار الامتصاص الطبيعي وسطياً يتراوح بين 1-2 ميلي متر، ولكنه في بعص الحالات قد يتجاوز 4 ميلي متر.
العوامل التي تؤثر في امتصاص الجذور
1- العمر البيولوجي للبّ
2- حجم ومدة القوى المطبقة على الأسنان، واتجاه القوة، حيث يبدو أن الامتصاص يزداد عندما يتمّ غرس الأسنان أو تحريك الذروة بالاتجاه الشفوي أو الحنكي، وتكون القوى الخفيفة والمتقطعة أقل احتماليةً لحدوث امتصاص الجذور، لذلك يُنصح بالحذر عند الوعد بنتائج سريعة.
3- شكل الجذور: حيث إن الجذور المنحنية تكون أكثر عرضةً للتأثر.
4- تُظهر الأسنان الأمامية العلوية خطراً أكبر مقارنةً بالأسنان الأخرى، حيث تكون القواطع الجانبية العلوية في أعلى درجات الخطر.
5- مدة العلاج: حيث إن طول فترة العلاج تؤدي إلى زيادة كميات الامتصاص.
5- أذية العظم السنخي (Alveolar bone damage)
يعاني غالبية المرضى الذين يخضعون للعلاج التقويمي فقداناً يصل إلى 1 ميلي متر من ارتفاع العظم السنخي، وعلى الرغم من أن التحسينات المحتملة في المظهر ورضا المريض قد تجعل هذا الفقدان غير مهم، خاصةً بالنسبة للمريض المراهق الذي يتمتع بصحةٍ فمويةٍ جيدة، إلا أن ذلك يصبح أكثر أهميةً عند النظر إلى التأثيرات الأخرى المحتملة، مثل: التغيرات في الفلورا اللثوية أو امتصاص الجذور الذروي، حيث إن فقدان 1 ميلي متر من ارتفاع العظم مصحوباً بتلك التأثيرات، يمكن أن يؤدي إلى مضاعفة الآثار السلبية للتقويم، مما يشكل خطراً حقيقياً وملموساً على صحة الأسنان في المستقبل. [1]
التأثيرات اللبّية أثناء العلاج التقويمي
يكون ردّ فعل اللبّ تجاه قوى التقويم ضئيلاً، ويتمثل هذا الرد في استجابةٍ التهابيةٍ خفيفة ومؤقتة ليس لها أهمية طويلة الأمد، ومع ذلك قد يحدث فقدان في حيوية اللب أثناء العلاج التقويمي، حيث يمكن أن يؤدي تطبيق قوى شديدة غير مدروسة ولمدة طويلة أو إعادة تحريك الأسنان بشكلٍ دائري إلى فقدان حيوية اللب، لذلك ينبغي على أخصائي التقويم استخدام قوى خفيفة مثالية أثناء العلاج. [2]
اضطرابات المفصل الصدغي الفكي
هي العلامات والأعراض المرتبطة بخللٍ وظيفي في المضغ ينشأ من المفصل الصدغي الفكي، الأسنان، والعضلات. أثناء علاج تقويم الأسنان، تحدث العديد من التغييرات في ارتفاع الإطباق، وضع الفك السفلي في الراحة، وتغييرات في الإطباق المركزي واللامركزي، والتحميل الزائد على المفصل الفكي الصدغي، مما يؤدي إلى ألمٍ في الجهاز العضلي الهيكلي في الرأس والعنق.
العلاقة المحتملة بين تقويم الأسنان واضطرابات المفصل الصدغي الفكي (TMD)) (Temporomandibular Disorder) مرتبطةٌ بشكلٍ وثيقٍ بالسؤال حول كيفية تأثير الإطباق على TMD بشكلٍ عام. من المعروف أن معدل انتشار TMD يزداد مع التقدم في العمر، وزيادة عدد البالغين الذين يسعون للحصول على علاج تقويم الأسنان جعل هذه الاضطرابات تنتشر أكثر.
على الرغم من العلاقة غير الحاسمة بين تقويم الأسنان وTMD، لا يزال يتوجب على الأطباء فحص المرضى للكشف عن TMD، وإحالتهم لعلاجٍ مناسبٍ عند العثور على نتيجةٍ إيجابية، وتجنب بدء العلاج التقويمي. قد تؤدي الوظائف غير الطبيعية غير المشخصة قبل علاج تقويم الأسنان إلى الألم، المضاعفات، وإطالة مدة العلاج، وتدهور الإطباق، وانتكاس المرضى بعد إتمام علاج تقويم الأسنان. [3]
دور أخصائي التقويم في الحدّ من الاختلاطات والآثار الجانبية
يجب على أخصائي تقويم الأسنان تحضير المريض بشكلٍ مناسبٍ للعلاج عن طريق إعلامه بإمكانيات وحدود العلاج، والمضاعفات المحتملة، وكذلك التدابير الوقائية التي سيشارك فيها كل من المريض والطبيب. الخطوة الأولى هي إجراء فحصٍ شاملٍ للأسنان لتقييم حالة الأسنان والأنسجة الداعمة، ويمكن طلب استشارة أخصائي اللثة عند تشخيص أمراض لثوية.
يجب علاج جميع النخور، وملء قنوات الجذور بشكلٍ صحيحٍ في الأسنان المعالجة لبّياً، وفي حالة انخفاض مستوى الصحة الفموية يجب التأكيد على المريض بضرورة الالتزام بتعليمات نظافة الفم، واستخدام (معجون الأسنان، غسول الفم، الجل مع الفلورايد)، كما أن تطبيق الفلورايد أثناء كل زيارة تقويمية يساعد في تقليل خطر تسوس الأسنان بنسبةٍ تصل إلى 40 بالمئة.
بالإضافة إلى المستحضرات التقليدية التي تحتوي على مركبات الفلورايد، يمكن أيضًا استخدام السدادات على الأسطح الملساء التي تُطلق الفلورايد على مدى فترةٍ تصل إلى عدة أسابيع. يمكن للطبيب أيضًا وصف مستحضرات البروبيوتيك لاستعادة الفلورا الطبيعية في تجويف الفم، والتي تتغير عادةً لصالح البكتيريا المسبّبة للنخور بعد تركيب الأجهزة.
هناك أيضًا بعض التعديلات على النظام الغذائي، والقضاء أو تقليل السكر في النظام الغذائي، وفي حالة حدوث تغييراتٍ مرضيةٍ أثناء علاج تقويم الأسنان، يجب على الطبيب إبلاغ المريض بذلك. [4]
المراجع البحثية
1- Alani, A., & Kelleher, M. (2016). Restorative complications of orthodontic treatment. BDJ, 221(7), 389–400. Retrieved August 7, 2024
2- Talic, N. F. (2011). Adverse effects of orthodontic treatment: A clinical perspective. The Saudi Dental Journal, 23(2), 55–59. Retrieved August 7, 2024
3- Wishney, M. (2017). Potential risks of orthodontic therapy: a critical review and conceptual framework. Australian Dental Journal, 62(S1), 86–96. Retrieved August 7, 2024
4- Zarzycka-Kogut, K., Pucek, M., & Szymańska, J. (2014). Orthodontic treatment – complications and preventive measures. Polish Journal of Public Health, 124(2), 103–106. Retrieved August 7, 2024