ما هو الإرصاد؟

في اللغة يعني التهيئة والإعداد، يُقال أرصَدَ الشيء أعدّ له، ويسمّى التسهيم أي جعل البُرد ذا خطوطٍ مستوية كأنها السهام. أما في الاصطلاح البلاغي، فهو أن يجعل قبل الفاصلة من الفقرة النثرية أو القافية من البيت الشعري ما يدلُّ عليها إذا عُرف الروي، وقد أجمع علماء البديع على أن الإرصاد محسّنٌ بديعيٌّ محمود.

في المبدأ البلاغي “إن خير الكلام ما دلّ بعضه على بعض”، ومنه قوله تعالى: “ذلك جَزيناهُمْ بما كفروا وهل نجازي إلا الكَفور” _{{سبأ 17}}، فبعد قراءة صدر الآية (وهل نجازي) سيعرف السامع أن الفاصلة هي (الكفور)، ومن أمثلته في الشعر قول الشاعر زهير بن أبي سلمى:

سئمتُ تكاليف الحياة ومن يعشْ
     ثمانين حولاً لا أبا لكَ يسأمِ

فإن قوله (من يعشْ) بعد الإحاطة بما تقدم سيعرف من خلاله أن القافية هي (يسأم). ^{[1] [2] [3]}

ما أنواع الإرصاد؟

للإرصاد نوعان: ^{[1] [3]}

● أن يدلّ أول البيت على القافية، ويسمّى (التوشيح)، كقول الشاعر:

دعانا والأسنّة مُشرَعات
     فكنّا عند دعوتهِ الجَوابا

فإن بداية البيت (دعانا) دلّت على القافية (الجَوابا).

● وهنالك نوعٌ لا يُحتاج فيه إلى معرفة الروي، كما في قوله سبحانه وتعالى: “ولكلّ أمّةٍ أجل فإذا جاءَ أجلُهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون” _{{الأعراف 34}}.

ما هي جماليات الإرصاد؟

الشعور بالبهجة والسعادة، وذلك بسبب قدرة المتلقي على توقّع الكلام اللاحق من خلال إدراكه للكلام السابق، وذلك بسبب المؤشر الدلالي الموجود في صدر الكلام، والذي يشير إلى آخره، ويسهم في تحديده، وهي حال من توقّع فأصاب، وتفرّس فصحّ تفرّسه. ^{[1] [4]}

ما هي المُزاوجة؟

في اللغة أن يُقرن بين شيئين، أما في الاصطلاح البلاغي، فتعني: أن يذكر معنيان مزدوجان أي من نوعٍ واحدٍ في الشرط والجزاء، وذلك بأن يترتّب على كلّ منهما معنى هو الذي رُتّب على الآخر. منه قوله تعالى: “فمنِ اعتدى عليكُم فاعتدوا عليهِ بمثلِ ما اعْتدَى عليكُم” _{{البقرة 194}}، فقد زاوج المعنى الأول، وهو اعتداء الكفار على المسلمين، والذي ترتّب عليه المعنى الثاني ردُّ المسلمين عليهم بمثل ما اعتدوا. أما في الشعر فيقول الشاعر:

إذا احتربَتْ يوماً ففاضَتْ دماؤُها
    تذكرتِ القُربى ففاضَتْ دموعُها

فقد زاوج بين الاحتراب وتذكر صلة القرابة في الشرط والجزاء، وهذا الأمر ترتّب عليه البكاء. ^{[1] [6]}

ما هي جماليات المُزاوجة؟

تكمن جمالية المُزاوجة في التشابك بين المعاني، وذلك من خلال أسلوب الشرط الذي يتوقف فيه حصول شيءٍ على شيء، فتكون المعاني مترابطةً فيما بينها، بالإضافة إلى ترتّب معنىً على معنى، وتعطي المزاوجة ثراءً للدلالة، والتي يحصل عليها المتلقي مضاعفةً من الجمل الشرطية. ^[1]

ما هو العكس؟

يسمّى التبديل، وعَكَسَ الشيء أي قَلَبه. وفي المعنى البلاغي: أن يتقدّم جزءٌ من الكلام على جزءٍ آخر، ثم يؤخّر المقدّم، ويُقدَّم المؤخَّر.

ما أنواع العكس؟

1- أن يقع بين أحد طرفي الجملة وما أضيف إليه ذلك الطرف، كقولهم: “عاداتُ السادات ساداتُ العادات”، وتعني أن عادات أفاضل الناس هي سيدة العادات، فقد وقع العكس بين طرف الجملة وما أُضيف له، فقد قدّم العادات التي هي في الإعراب (مبتدأ) على السادات التي هي (مُضاف إليه)، ثم عكس، فقدّم السادات (المُضاف إليه) على العادات (المبتدأ).

2- أن يقع بين متعلّقي فعلين في جملتين، كقوله تعالى: “يوُلجُ الليلَ في النهار ويُولجُ النهارَ في الليل” _{{فاطر 13}}، فالليل والنهار متعلقان بالفعل (يُولج)، وقد قدّم الليل على النهار ثم عكس وقدّم النهار على الليل.

3- أن يقع بين لفظين في طرفي الجملتين، ومنه قوله تعالى: “ما عليكَ من حسابهم من شيء وما من حسابكَ عليهم من شيء” _{{الأنعام 52}}، فإن (ما عليك) و(عليهم) لفظان وقعا في طرفي الجملة، وقدّم أولاً (ما عليك) على (من حسابهم) ثم عكس، وقدم (من حسابك) على (عليهم).

ومنه قول الشاعر المتنبي:

فلا مجدَ في الدنيا لمنْ قلَّ مالُه
   ولا مالَ في الدنيا لمنْ قلَّ مجدُهُ

فقد عكس لفظين في طرفي الجملة، حيث قدّم المجدَ على المال ثم عكس وقدّم المالَ على المجد.

4- أن يكون بترديد مصراع البيت معكوساً، ومنه قول الشاعر من (بحر الرمل):

في هواكمْ يا سادَتي مُتُّ وجْداً
    متُّ وجْداً يا سادتي في هواكمْ

فقد عكس في ترديد مصراعي البيت، حيث قدم (هواكم) على (متُّ وجداً) ثم عكس، فقدّم (متُّ وجداً) على (هواكم). ^{[1] [7]}

ما هي جماليات العكس؟

● يساعد على جلاء الفكر، وتصوير دقائق المعاني.

● يحقّق جمالية التقابُل بين المعاني.

● يُكسب الكلام موسيقيةً واضحةً من خلال تشابه المُتباعدين وتشابه المُتقاربين.

● يُبرز الطاقة التعبيرية العالية للألفاظ، وذلك حين تنسّق تنسيقاً خاصاً.

● يُظهر قدرة المتكلم على تقديم أكبر قدرٍ من الدلالة باستخدام الصورة اللفظية. ^[1]

ما هو تعريف الاستخدام؟

في الاصطلاح البلاغي: أن يذكر في الكلام لفظٌ ذو معنيين يرُاد به أحد هذين المعنيين، ثم يُعاد عليه ضميرٌ أو إشارةٌ بمعناه الآخر، أو يُعاد عليه ضميران يُراد بثانيهما غير ما يُراد بالأول، ومنه قوله تعالى: “فمن شَهدَ منكمُ الشهرَ فليَصُمْهُ” _{{البقرة 185}}، فإن لفظ (الشهر) له معنيان: الهلال، أيام رمضان، وقد أُريد منه المعنى الأول، أما الضمير (الهاء) في كلمة (يصُمْه)، فهو عائدٌ إلى أيام شهر رمضان. ومنه قول الشاعر من (البحر الوافر):

أراعي النجمَ في سيري إليكم
      ويرعاهُ من البيدا جوادي

فإن لفظ (النجم) له معنيان: النباتُ الذي لا ساقَ له، والكوكب، وقد أُريد بلفظه الصريح معنى الكوكب، ثم أعاد الضمير (الهاء) في كلمة (يرعاه) على المعنى الثاني، وهو النبات. ^{[1] [5]}

ما هي جماليات الاستخدام؟

● إن جمالية هذا المحسّن تكاد تنطبق على جمالية (التورية)، ولكنه ينفرد عنه بجماليةٍ أخرى هي (التعرُّف المُتتابع)، حيث يقف المتلقي أمام دلالة اللفظ حائراً غير مستيقنٍ له ثم يبدأ بتعرُّف معناه بشكلٍ محدّد كلما تقدّم في النص.

● إن جمالية الاستخدام تعود إلى استخدام الألفاظ في معانيها المختلفة.

● فيه أيضاً جمالية (التعجيب)، حيث إن استثمار المعاني المتعددة للفظ الواحد، يثير دهشة وإعجاب المتلقي. ^[1]