تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

التهاب الطرق الصفراوية (Cholangitis) هي حالةٌ التهابية تصيب الطرق الواصلة بين المرارة، والمعثكلة، والكبد، والقسم الأول من الأمعاء، وتظهر بصورةٍ مزمنة أو حادة، وتتعدّد أسبابها من جرثومية أو انسدادية، كالحصيات المرارية، أو مناعية ذاتية، ويكون الالتهاب أولياً أو ثانوياً.

ما هي الطرق الصفراوية؟

يصنع الكبد الصفراء بدءاً من الحموض الصفراوية، والكولسترول، والمواد الناتجة عن تحطم مكونات الدم، وبقايا العمليات الحيوية المنجزة فيه، وتنتقل هذه الصفراء عبر القنوات الكبدية اليمنى واليسرى اللتان تشكلان القناة الكبدية المشتركة (Common Hepatic duc).

وتجتمع القناة الكبدية المشتركة مع القناة المرارية (Cystic duct) القادمة من المرارة (الحويصل الصفراوي) التي تعتبر بمثابة خزانٍ للصفراء، لتشكلا القناة الصفراوية المشتركة (Bile duct Common) التي تعتبر القناة الأهمّ في الشجرة الصفراوية وأكبرها، إذ يبلغ طول القناة حوالي عشرة سنتيمترات.

وعند دخول القناة إلى القطعة الثانية من العفج (Duodenum) الذي يعدُّ القسم الأول من الجهاز الهضمي تدخل معها القناة المعثكلية المحملة بالإنزيمات المعثكلية الهاضمة، ويتحكم بهذه الفتحة دسام أو مصرة تدعى مصرة أودي. ^{[1] [2]}

ما هي أسباب التهاب الطرق الصفراوية؟

إن الأسباب الشائعة لالتهاب الطرق الصفراوية هي الأسباب الانسدادية، وغالباً ما تكون بسبب وجود حصياتٍ صفراوية (Gallstones) في المرارة، أو القناة الصفراوية المشتركة، أو أثناء القيام بتنظير الطرق الصفراوية ((ERCP) Endoscopic retrograde Cholangiopancreatography)، وبعض الأورام، مثل: سرطانات البنكرياس (Pancreatic cancer)، وأورام الكبد والطرق الصفراوية، أو النقائل الثانوية القادمة إلى الجهاز الصفراوي، أو المناطق المحيطة بها. تعتبر تضيُّقات الطرق الصفراوية من العوامل المزمنة المؤهبة لالتهابها، أو اعتلال الطرق الصفراوية لدى المرضى المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسب، أو الإصابة ببعض أنواع الديدان. ^[3]

ما هي أعراض وعلامات التهاب الطرق الصفراوية؟

تعتمد الأعراض على نوع التهاب الطرق الصفراوية وأسبابها، فقد تكون لا عرضية أو تمتاز بأعراض خفيفة، وتوجد بعض الحالات الشديدة، ومن الأعراض المبكرة جفاف الفم والعينين، والحكة بسبب تراكم الحموض الصفراوية، والتعب، والوهن.

أما استمرار التهاب الطرق الصفراوية، فإنه يؤدي إلى إزمان الحالة، وتظهر على المريض بعض الأعراض، مثل: الألم في منطقة الكبد، والعضلات، والعظام، والمفاصل، وتطبُّل البطن في المنطقة الشرسوفية (أعلى وأوسط البطن)، والتعرق الليلي، وفي حالاتٍ قليلة تظهر الوذمات في الطرفين السفليين، وزيادة التصبُّغ في بعض مناطق الجلد (Hyperpigmentation)، وظهور كتلٍ صغيرة تدعى الصفرومات (Xanthomas) حول العينين وعلى الأجفان نتيجة فرط الشحوم والكولسترول، حتى إن المرض قد يؤثر على المزاج والذاكرة.

أما الحالة الحادة من التهاب الطرق الصفراوية، تشمل وجود ارتفاعٍ في درجة الحرارة لمدةٍ تزيد عن أربعة وعشرين ساعة، والعروءات (الشعور بالبرد والقشعريرة رغم دفء الجو)، والغثيان، والإقياء، ويلاحظ الطبيب الفاحص تضخُّم الكبد، أو الطحال، أو كلاهما خلال فحص البطن، وانخفاض ضغط الدم عند فحص العلامات الحيوية، ويظهر اللون الغامق للبول خلال فحص البول العياني، وزيادة في مستوى كولسترول الدم عند إجراء الفحوص الدموية. ^{[3] [4]}

كيف يُعالج التهاب الطرق الصفراوية؟

يعالج التهاب الطرق الصفراوية، وخاصةً الحالات الحادة منها بعلاج العامل المسبّب، وتزويد المريض بالصادات الحيوية الوريدية، مثل: البنسلين Penicillin)، وسفترياكسون (Ceftriaxone)، وميترونيدازول (Metronidazole) المعروف باسم فلاجيل، وسيبروفلوكساسين (Ciprofloxacin). أما الحالة المزمنة، فلا يوجد علاج شافٍ لها، ويستخدم دواء يدعى يورسودوكسي كوليك (Urodeoxycholic) لزيادة دفق الصفراء، وحماية الكبد من الاختلاطات، وتعويض السوائل والشوارد مع الالتزام بمنع الطعام والشراب عن طريق الفم في المرحلة الحادة من المرض.

في حال فشل المعالجة الدوائية يتمُّ تدبير التهاب الطرق الصفراوية، فيلجأ الطبيب للمعالجة التنظيرية التي تهدف إلى إزالة الحصيات، وتوسيع الطرق الصفراوية بالتوسيع بالبالون، ويقوم الطبيب عبر التنظير بعمليةٍ تدعى (Sphincterotomy) أو بضع المصرة التي يتمُّ فيها قطع العضلات بين القناة الصفراوية المشتركة والقناة المعثكلية، ويتطلب ذلك التسكين والتخدير أثناء العملية، وقد يقوم الطبيب بنفس هذه العملية، ولكن عن طريق الجلد مستعيناً بالتخدير الناحي، وفي المقام الأخير قد يضطر الطبيب للاستعانة بالجراح، والقيام بالإجراء الجراحي.

تتمُّ المحافظة على سلامة الطرق الصفراوية من الالتهابات، وغيرها من الأمراض باتباع حميةٍ غذائيةٍ مناسبة، وذلك بتقليل كمية الدهون، مثل: الموجودة في الوجبات الجاهزة والأطعمة المعالجة، لأنها تحرض إنتاج الكولسترول، وإفراز الصفراء، مما يؤهب للإصابة بالحصيات الصفراوية، وأمراض الكبد الدهنية، كما يطلب من المريض الاعتدال أو تجنّب شرب الكحول، والامتناع عن الإفراط في تناول الأدوية لأنها تؤثر على صحة الأقنية الصفراوية، وتزيد من الإمراضية. ^[5]

ما هي اختلاطات التهاب الطرق الصفراوية؟

إن الأشخاص المصابين بالتهاب الطرق الصفراوية المترافق مع عدوى جرثومية تتطور لديهم خراجات في الكبد المؤدية إلى الإصابة بالقصور الكبدي أو دخول هذه الجراثيم إلى مجرى الدم، مما ينتج عنه أعراض تجرثم الدم (Bacteraemia)، وفي بعض الحالات الحرجة تحدث لدى المصاب الصدمة الإنتانية (Septic shock) الذي يستهدف أي عضو من الجسم، فيصاب المريض مثلاً بقصورٍ كلوي حاد، أو سوء وظيفة الجهاز الدوراني والتنفسي، أو أذيةٍ في مكونات الدم.

أما اختلاطات المعالجة لالتهاب الطرق الصفراوية تنظيرياً أو جراحياً، فتشمل النزف أو أذية جدار الأقنية الصفراوية، وما ينتج عنه من تسرب الصفراء إلى جوف البريتوان أو تشكل نواسير مفتوحة على بنى أخرى، وفي حال ضعف الاهتمام بتعقيم الأدوات يصاب المريض بالعدوى، وتتفاقم أعراض حالته الالتهابية. ^{[3] [4] [6]}

إنذار التهاب الطرق الصفراوية

يعتمد إنذار التهاب الطرق الصفراوية على عمر المريض وأمراضه المرافقة، وتظهر التقارير معدل الوفيات حوالي سبعة عشر بالمئة حتى أربعين بالمئة، وهي نسبة عالية، ويبقى التشخيص المبكر والعلاج تنظيرياً للطرق الصفراوية عاملاً مهماً لزيادة احتمالية الشفاء والبقيا، وذلك في حال تدارك الأخطاء، وتدبير الاختلاطات، كما تؤثر قيمة ألبومين المصل المنخفضة والثابتة رغم المعالجة، وظهور علاماتٍ سرطانيةٍ مبكرة في الجهاز الصفراوي أو البنى المجاورة على احتمالية البقيا أو الوفاة. ^[6]