متلازمة الحصبة الألمانية الخلقية – كيف تحدث؟ وما هي أعراضها؟
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
تؤثر متلازمة الحصبة الألمانية الخلقية ((CRS) Congenital rubella syndrome) على الأطفال حديثي الولادة، ويمكن أن تسبّب العديد من المشاكل الصحية، مثل: أمراض القلب الخلقية، والإعاقة الذهنية، وتمَّ التعرف على هذه المتلازمة في البداية عام 1941 من قبل نورمان جريج (Norman Gregg)، وهو طبيب عيونٍ أسترالي، حيث لاحظ شكلاً غير عادي من إعتام عدسة العين الخلقي لدى أطفال الأمهات اللواتي أصبن بالحصبة الألمانية أثناء الحمل.
بشكلٍ عام انخفض معدل الإصابة بها في الولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ ملحوظ بالتوازي مع انخفاض حالات الحصبة الألمانية منذ ترخيص اللقاح في عام 1969، ورغم ذلك هناك حوالي مئة ألف حالة من حالات (CRS) في جميع أنحاء العالم كل عام. [1] [2]
ما هي متلازمة الحصبة الألمانية الخلقية؟
هي اضطرابٌ مرضيٌّ يصيب الرضع، وينتج عن إصابة الأم بفيروس الحصبة الألمانية (Rubella virus) أثناء الحمل، وعندما تحدث العدوى خلال الأشهر الأولى من الحمل يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة، مثل: الإجهاض، والإملاص، بالإضافة إلى مجموعة من العيوب الخلقية الشديدة، ويكون خطر الإصابة بالعدوى والتشوهات في أعلى مستوياته خلال الأسابيع الـ 12 الأولى من الحمل، وينخفض بعد ذلك.
وتكون العيوب نادرةً في حال إصابة الأم بالحصبة الألمانية في الأسبوع العشرين أو ما بعده من الحمل، وتشمل العيوب الخلقية الشائعة المرافقة: إعتام عدسة العين، وأمراض القلب الخلقية، وضعف السمع، وتأخر النمو. وغالباً ما يظهر لدى الرضع الذين يعانون من الحصبة الألمانية الخلقية أكثر من واحدة من هذه العلامات، ولكن قد تترافق مع عيبٍ واحدٍ فقط، ويعتبر ضعف السمع هو الأكثر شيوعاً. [3]
كيف تحدث الإصابة بمتلازمة الحصبة الألمانية الخلقية؟
الحصبة الألمانية (Rubella) هي عدوى فيروسية خفيفة، والإنسان هو المصدر الوحيد للعدوى، وينتقل الفيروس من خلال الاتصال المباشر، أو عن طريق الرذاذ المتناثر من إفرازات البلعوم الأنفي أثناء السعال، أو العطاس، أو الكلام، ويتكاثر في الغشاء المخاطي للجهاز التنفسي، والعقد الليمفاوية الموجودة في العنق قبل أن يصل إلى الأعضاء المستهدفة عبر الدورة الدموية الجهازية.
وعادةً ما تكون الأعراض خفيفةً إلى غائبةٍ عند الأطفال، ولكنها تصبح أكثر حدةً عندما تظهر في وقتٍ لاحقٍ من مرحلة البلوغ، وتبلغ فترة الحضانة حوالي أسبوعين، وفي هذه الفترة تكون الإصابة معدية، لكن من دون أعراض، وتتبع الأعراض فترة الحضانة، وفي بعض الأحيان يتمُّ الخلط بينها وبين الأنفلونزا، حيث تشمل الأعراض الحمى، وآلام المفاصل، والصداع، وضخامة العقد الليمفاوية.
وقد تكون الحصبة الألمانية أيضاً مصحوبةً بطفحٍ جلدي أحمر، يبدأ على وجه الشخص المصاب، ويمكن أن ينتشر على طول الجذع، ويمكن لهذه المتلازمة أن تعبر المشيمة من امرأةٍ حاملٍ مصابة إلى الجنين النامي بعد الأسبوع الأول من الحضانة، ويبقى الفيروس في مجرى دم الجنين طوال الفترة المتبقية من الحمل، ويمكن للأطفال المولودين بالمتلازمة أن يفرزوا الفيروس بعد الولادة، مما قد يؤدي إلى إصابة الرضع الآخرين والبالغين غير المطعمين.
كما يمكن أن تسبّب العدوى عيوباً في نمو الجنين، قد تكون أكثر خطورةً عندما تصاب الأم بالحصبة الألمانية في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل مقارنةً بالفترة اللاحقة، وتنتج شدة العيوب المترافقة مع المتلازمة عن عدة عوامل، مثل: حساسية الجنين للتأثيرات المسخية، ونقل الأجسام المضادة الأمومية إلى الجنين، وزيادة استجابته المناعية مع تقدم الحمل، ويدرس الباحثون كيف يدمر الفيروس الخلايا المصابة في تجارب على نماذج حيوانية، مثل: القرود، والأرانب، والجرذان، وغيرها.
تشير نتائج الدراسات إلى أن الفيروس يقصر دورة حياة الخلية، ويزيد من موت الخلايا المبكر (موت الخلايا المبرمج) مقارنةً بالخلايا غير المصابة، وتحدث العيوب الخلقية لأن فيروس الحصبة الألمانية يؤثر على مجموعاتٍ معينة من الخلايا أثناء النمو، وقد يؤدي زيادة موت الخلايا أيضاً إلى نقص الوزن عند الولادة، وتأخر النمو داخل الرحم. [4]
أعراض متلازمة الحصبة الألمانية الخلقية
يمكن أن تختلف أعراض متلازمة الحصبة الألمانية الخلقية (CRS) وشدتها بشكلٍ كبير، وكلما حدثت العدوى في وقتٍ مبكرٍ من الحمل، زادت احتمالية إصابة الطفل بأعراض حادة وشديدة، وقد تظهر على الطفل علامات قليلة أو معدومة عند الولادة إذا كان يعاني من شكل خفيف من المتلازمة، ويمكن أن يظهر عدد من الأعراض بعد الولادة مباشرة، والبعض الآخر يظهر لاحقاً، وتشمل: [2] [4] [5] [6] [7]
1- عند حديثي الولادة
– انخفاض الوزن عند الولادة.
– علامات أو نتوءات متعددة على شكل دائرة زرقاء أو أرجوانية في الجلد، وتسمّى طفح فطيرة التوت (Blueberry muffin rash).
– بقع أرجوانية، أو حمراء، أو بنية على الجلد، وتسمّى فرفرية (Purpura).
– صغر حجم الرأس.
2- فقدان السمع الحسي العصبي
ويعتبر من المضاعفات الأكثر شيوعاً، ويحدث في حوالي 60 بالمئة من الحالات، وغالباً يكون ثنائي الجانب، وتعتبر المتلازمة أحد أسباب فقدان السمع، حيث وجدت إحدى الدراسات أنها تسبّب ما يصل إلى 32 بالمئة من حالات فقدان السمع.
3- الإصابة القلبية
يمكن أن يسبّب الفيروس أيضاً عيوباً خلقيةً في القلب والأوعية الدموية، مما يؤثر على تدفق التروية الدموية ومستوى الأكسجة لدى الطفل، وأحد التشوهات الشائعة هو عيب الحاجز البطيني (VSD)، وهو عبارة عن ثقبٍ في الحاجز أو الجدار الذي يفصل بين البطينين الأيسر والأيمن للقلب.
ومن العيوب الشائعة الأخرى هو القناة الشريانية السالكة (PDA)، وهي عبارة عن بقاء القناة الشريانية التي تربط الشريان الرئوي مع الشريان الأبهر مفتوحةً دون أن تغلق تلقائياً بعد الولادة كما في الحالة الطبيعية، وقد تسبّب متلازمة الحصبة الألمانية الخلقية أيضاً تضيق لصمام الرئوي، وهو تضيّقٌ غير طبيعي للصمام المتصل بالشريان الرئوي، مما يعوق تدفق الدم من القلب إلى الرئتين.
4- الإصابة العينية
وتشمل التظاهرات العينية الأكثر شيوعاً:
اعتلال الشبكية الصباغي (Pigmentary retinopathy)
ويعدُّ أحد المظاهر العينية الأكثر شيوعاً الموجودة لدى ما يصل إلى نصف المصابين بالحصبة الألمانية الخلقية، وقد يكون أحادي أو ثنائي الجانب، ويوصف كلاسيكياً بأنه اعتلال الشبكية بمظهر الملح والفلفل (salt and pepper retinopathy)، وهذه التغييرات الصباغية عادةً لا تكون ذات أهميةٍ بصرية، ولها انتشار وشدة متغيرة، ويزداد التصبغ المُنقَّط أو المُرَقّش المنتشر عادة في البقعة الصفراء على مدى عدة سنوات.
وقد يظهر اعتلال الشبكية أحياناً مثل: التهاب الشبكية الصباغي، حيث تتغير رواسب الصباغ من الأشكال الدقيقة، والمتناثرة، والحبيبية إلى ما يشبه التصبغات الوصفية لالتهاب الشبكية الصباغي التي تبدو مثل شكل العظام، وتكون هذه التغيرات أكثر شيوعاً في القطب الخلفي، وتحدث بسبب ضمور وتغيرات الصباغ في ظهارة الشبكية الصبغية (RPE)، ومعظم حالات اعتلال الشبكية تكون ثابتة، ونادراً ما تتطور إلى نمو غير طبيعي للأوعية الدموية تحت الشبكية، مما يسبّب فقدان البصر المفاجئ.
الساد أو إعتام عدسة العين (Cataracts)
ترتبط متلازمة الحصبة الألمانية الخلقية بإعتام عدسة العين النووي الخلقي الذي يتميز بمظهره الأبيض اللؤلؤي (pearly white)، حيث يبطئ الفيروس تكاثر وانقسام الخلايا الظهارية في العدسة، ونتيجةً لذلك تتحلل ألياف العدسة، وتصبح معتمة، وتسبب الساد العيني.
ويحدث هذا فقط عندما تصاب الأم بالفيروس في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، وقد يكون إعتام عدسة العين ثنائي الجانب، وذلك في معظم الحالات أو أحادي الجانب بسبب نمو إحدى العينين بشكلٍ أسرع من الأخرى، ومن الصعب تحديد مدى الانتشار الدقيق، فقد يتراوح بين 16إلى 85 بالمئة من الحالات، وتشير بعض الدراسات إلى أن إعتام عدسة العين هو مظهرٌ بصريٌّ أكثر شيوعاً من اعتلال الشبكية.
صغر العين (Microphthalmia)
يمكن أن تترافق الحصبة الألمانية الخلقية مع صغر المقلة في حوالي 10 إلى 20 بالمئة من الحالات، ويكون في هذه الحالة قطر عيون الأطفال حديثي الولادة أقل من 16.6 ميلي متر، وقد يكون هذا أيضاً أحادياً أو ثنائياً، وغالباً ما يكون خفيفاً.
ويعتقد أيضاً أن سبب حدوثه يرجع إلى تأخر نمو العين بسبب تداخل الفيروس مع الانقسام الفتيلي، وتترافق هذه الحالة مع معدلاتٍ أعلى من الرأرأة، وإعتام عدسة العين، واعتلال الشبكية، مما يؤدي إلى اضطراباتٍ بصرية، ونظراً لطبيعة العين الصغيرة، يعدُّ مدُّ النظر أكثر شيوعاً من قصر النظر.
الزرق (Glaucoma)
يعتبر الزرق الخلقي المترافق مع تغيُّم القرنية من المضاعفات الشائعة الأخرى للحصبة الألمانية الخلقية، وقد يكون الزرق ثانوياً نتيجة لإعتام عدسة العين أو صغر المقلة، ويحدث هذا النوع من الزرق عادةً في العقد الثاني من العمر. والزرق عبارة عن مجموعةٍ من أمراض العين التي تؤدي إلى تخريب العصب البصري الذي يرسل الصور إلى الدماغ، ويحدث فيه ارتفاع في ضغط العين نتيجة تراكم السوائل في الجزء الأمامي من العين، ويزداد سوءاً بمرور الوقت، وإذا تفاقم الضرر يمكن أن يسبّب الزرق فقدان البصر الدائم أو العمى التام في غضون بضع سنوات.
الحَوَل (Strabismus)
يعتبر الحَوَل نتيجةً شائعةً للمظاهر البصرية الأخرى المرافقة للحصبة الألمانية الخلقية، وقد قدرت بعض الدراسات أن الحَوَل منتشر في حوالي 25 بالمئة من الحالات، ويعدُّ الحَوَل الأنسي هو الأكثر شيوعاً، ولكن قد يحدث الحَوَل الوحشي أيضاً في بعض الأحيان.
5- الإصابة العصبية
قد تحدث العلامات والأعراض الناتجة عن إصابة الجهاز العصبي المركزي عند الولادة أو تصبح واضحةً مع نمو الطفل ونضوجه، ويعاني ما بين 10 إلى 20 بالمئة من الأطفال المصابين بمتلازمة الحصبة الألمانية الخلقية من التهاب السحايا والدماغ النشط عند الولادة، ومن المضاعفات العصبية أيضاً انتباج اليافوخ، ونقص التوتر، والخمول، والنوبات الاختلاجية، والتي قد تحدث عند 25 بالمئة من الأطفال المصابين، وعادةً لا يتمُّ ملاحظتها إلا بعد فترة الوليد، وهي في الغالب نوبات حركية بسيطة أو تغيرات حركية مفاجئة.
ويكشف فحص السائل الدماغي الشوكي (CSF) عن وجود نسبةٍ مرتفعةٍ من البروتين، وكثرة الكريات البيضاء الخفيفة، ويمكن في كثيرٍ من الأحيان عزل فيروس الحصبة الألمانية من السائل الدماغي الشوكي، وعند بلوغ الطفل عمر 1 إلى 4 أشهر تبدأ الأعراض الأخرى بالظهور، مثل: التهيُّج، والأرق، وعدم الاستقرار الحركي، ورهاب الضوء، ووضعية التشنُّج الظهري (ارتداد الرأس نحو الخلف مع تقوس العنق والظهر، وينتج عن تشنج العضلات المحورية على طول العمود الفقري)، وتأخر النمو.
ومع ذلك، فمن اللافت للنظر أنه بين عمر 6 و12 شهراً، يبدو أن ما يقرب من نصف هؤلاء الأطفال يتحسنون، ويكتسبون معالم النمو. وتشمل الاضطرابات العصبية الأخرى المرتبطة بالمتلازمة انخفاضاً في كمية المادة الرمادية في الدماغ، مما يسبّب تأثيراً على الوظيفة العقلية، وإعاقات في النمو، ويؤدي إلى اضطراب الحركة والتنسيق، وتأخر الكلام.
6- الاضطرابات المرضية والتشوهات الأخرى
ومنها عيوب الغدة الدرقية، فقد يحدث فرط أو نقص في نشاط الغدة الدرقية، والتي تنتج هرمونات للتحكم في نمو الجسم والاستقلاب الغذائي، ويمكن أن تؤثر التغيرات في الغدة الدرقية بعدة طرق، مثل: زيادة الوزن، أو الرجفان، أو زيادة القلق، ويمكن أن تسبّب المتلازمة أيضاً داء السكري من النمط الأول، وضخامة الكبد والطحال، والإصابة العظمية، والتأثير على نقي العظم، مما قد يسبّب نقص الصفيحات الدموية، وفقر الدم الانحلالي.
المراجع البحثية
1- Paller, A, S. Mancini, A, J. (2016). Congenital Rubella Syndrome. ScienceDirect. Retrieved May 30, 2024
2- Cleveland Clinic. (2024, February 21). Congenital Rubella Syndrome. Retrieved May 30, 2024
3- Chapter 15: Congenital Rubella Syndrome – Vaccine Preventable Diseases Surveillance Manual | CDC. (n.d.). Retrieved May 30, 2024
4- O’Neil, E. Drago, M (Ed). Congenital Rubella Syndrome (CRS). Embryo Project Encyclopedia. Retrieved May 30, 2024
5- EyeWiki. (2024, April 17). Congenital rubella syndrome. Retrieved May 30, 2024
6- Caroça, C. Vicente, V. Campelo, P. Chasqueira, M. Caria, H. Silva, S. Paixão, P. Paço, J. (2017). Rubella in Sub-Saharan Africa and sensorineural hearing loss: a case control study. BMC Public Health. Retrieved May 30, 2024
7-Tidy, C. Doctor. (2023, September 22). Congenital Rubella Syndrome (Rubella and Pregnancy) |.Patient.Info. Retrieved May 30, 2024
Comments are closed.