Skip links
امرأة تلبس كنزة صفراء تصرخ بسعادة وترفع يديها للأعلى

علم السعادة – كيف نسعى وراء السعادة؟ ما الفرق بين السعادة والمتعة؟

الرئيسية » المقالات » الصحة النفسية » علم السعادة – كيف نسعى وراء السعادة؟ ما الفرق بين السعادة والمتعة؟

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

يقول تال بن شاهار الأستاذ في مجال دراسات علم السعادة في كتابه “Happier No Matter What ” (سعيداً، بغضّ النظر) إن هناك تصورٌ خاطئٌ بأن الحياة السعيدة تعني السعادة طوال الوقت، بالطبع لا! الخطوة الأولى لإيجاد السعادة الحقيقية هو الشعور بالتعاسة أولاً. إن تعلُّم قبول المشاعر المؤلمة، وتجربتها هو جزءٌ مهمٌّ من الحياة السعيدة كما أن دراسة المشاعر المؤلمة ضروريٌّ في مجال دراسة السعادة.

هناك أنظمة مضادةٌ للكسر قي كل مكانٍ حولنا وداخلنا، على سبيل المثال: نذهب إلى صالة الألعاب الرياضية، ونرفع الأثقال، ونحن بذلك نضغط على عضلاتنا، ولكننا في الواقع نطوّر ونقوّي هذه العضلات بالضغط عليها، وكذلك الأمر بالنسبة لمفهوم السعادة، فعلى الصعيد النفسي هناك ما يُسمّى بالتقدم بعد الصدمة والانهيار، وغالباً ما يكون هذا أقوى لأنه جاء نتيجةً للضغط والإجهاد.

إن دور علم السعادة هو أنه يطلعنا على الظروف التي يمكننا استغلالها لزيادة احتمالية التطور من المشقّة، فالسعادة أو التعاسة عبارةٌ عن مجموعةٍ من تجارب طويلة المدى.

السعي وراء السعادة

أجرت إيرس موس وآخرون بحثاً استنتجوا من خلاله أن الأشخاص الذين يهتمون بالسعادة، ويسعون وراءها هم في الواقع الأقلُّ سعادةً والأكثر عرضةً للإصابة بالاكتئاب لذلك يجب السعي وراء السعادة بشكلٍ غير مباشر، مثلاً: إذا نظرت إلى ضوء الشمس مباشرةً، فإنها ستؤذي عينيك، ولكن ربما إذا قسّمت ضوء الشمس إلى عناصره أو مكوناته عندها يمكنك إلقاء نظرةٍ على ألوان قوس قزح، وبالتالي أنت تنظر إلى ضوء الشمس، وتستمع بها بشكلٍ غير مباشر، وكذلك السعي وراء السعادة مباشرةً يمكن أن يضرَّ أكثر مما ينفع، ولكن تقسيمها إلى عناصرها يُمكّننا من الاستمتاع، ورفع مستويات السعادة الإجمالية لدينا.

نموذج (SPIRE) وارتباطه بمفهوم السعادة

(SPIRE) هو اختصارٌ يرمز للسعادة (الروحية، الجسدية، الفكرية، العلائقية، العاطفية)، ويُعرّف الكاتب شاهار السعادة على أنها رفاهية الشخص على كل الأصعدة حيث تكون:

1- السعادة الروحانية

تدور الروحانية حول إيجاد معنىً وهدفٍ في الحياة، والعمل، والمنزل.

2- السعادة الجسدية

تتعلق بالتمارين الرياضية، والتغذية، والنوم، والتعافي، فقد أثبتت العديد من الأبحاث أن التمارين البدنية المنتظمة لها تأثيرٌ على صحتنا النفسية، وهي أقوى دواءٍ نفسي، فممارسة الرياضة هي مفتاح السعادة، وعندما يتعلق الأمر بالصحة الجسدية، فان أهمَّ فكرةٍ يجب الحذر منها هي الإجهاد أو التوتر، وهذا ما نسميه بالقاتل الصامت لأنه يُسبّب مشكلةً يُطلق عليها نقص التعافي.

3- السعادة الفكرية

تتعلق بالتعلم والفضول، فهناك بحثٌ يظهر أن الأشخاص الفضوليين الذين يطرحون العديد من الأسئلة ليسوا أكثر سعادةً فحسب، بل يعيشون أيضاً لفترةٍ أطول لأن ذلك يساهم في تقوية جهاز المناعة، وتعني السعادة الفكرية الانخراط بعمقٍ مع المواد سواءً أكانت نصاً أدبياً، أو عملاً فنياً، أو حتى شيئاً مرتبطاً بالطبيعة. أما السعادة الناجمة من العلاقات، فهي مهمةٌ جداً لأنها المؤشر الأول للسعادة.

نحن كائناتٌ اجتماعيةٌ للغاية، ولابدَّ لنا من التواصل، فإن الوقت الجيد هو الذي نقضيه مع الأشخاص الذين نهتمُّ بهم ويهتمون بنا كما اتضح أن جودة علاقاتنا الاجتماعية هي الشرط الأول الذي يمكننا من خلاله تحقيق السعادة، والقضاء على الهشاشة في نفوسنا.

4- السعادة العلائقية

1- صدر كتاب للمؤلفة بروني وير بعنوان “the top Five Regrets of Dying” أهمُّ خمسة أشياءٍ يندم عليها المرء عند الموت، وفي هذا الكتاب كانت الممرضة بروين ترى أشخاصاً يعانون من أمراضٍ عضال بمعنى أنهم أشخاصٌ على وشك الموت، وقد تحدّثت إلى العديد منهم، وأعربوا عن ندمهم وأسفهم ليس لأنهم لم يجمعوا المزيد من المال، أو لم يقتنوا أشياء كانوا يحبونها، أو مهاراتٍ لم يقوموا بها، بل لأنهم كانوا يجهدون أنفسهم بالعمل، ولم يقضوا وقتاً كافياً ممتعاً مع الأشخاص الذين يحبونهم.

2- هناك دراسةٌ أخرى عادلةٌ ومشهورةٌ جداً تُسمّى دراسة هارفارد حيث نظر الباحثون إلى طلاب جامعة هارفارد، وأعضاء المجتمع خارج الجامعة لمدة 75 عاماً، وكان هذا في ثلاثينات القرن الماضي، وبحلول نهاية الدراسة لم يعد معظم المشاركين على قيد الحياة، وبعد 75 عاماً من جمع الملايين من نقاط بيانات الاستفتاء عن سؤال ما هو المؤشر الأول للسعادة والصحة البدنية؟ كان الجواب مرتبطاً بالعلاقات التي تمتعوا بها طوال حياتهم مع الآخرين، والوقت الذي استمتعوا فيه مع من يحبون سواءً كانت هذه العلاقات ذات مغزىً، أو علاقات رومانسية، أو علاقات مع من يهتمون برعايتهم.

3- العلاقات الاجتماعية الجيدة تأخذ المكانة الأعلى في هرم احتياجاتهم، ولسوء الحظ نرى اليوم العديد من الناس يهملون مكانة العلاقات والتواصل في ظلّ ظروف مشاغل الحياة والعمل، أو التباعد الجسدي بسبب الأمراض كما حدث بفترة فيرس كورونا كوفيد 19.

ومع ذلك تبقى العلاقات الافتراضية ليست بديلاً عن العلاقات الحقيقية هذا في الأوقات العادية، ولكن في الظروف الخاصة أمرٌ رائعٌ أن يكون لدينا هذه التكنولوجيا المتطورة للاتصال والتواصل.

5- السعادة العاطفية

العاطفة جزءٌ من السعادة لكنها مجرد جزءٌ من بناءٍ متعدد الأبعاد، فهي تدور حول التعامل مع المشاعر المؤلمة، وتنشئة مشاعر الامتنان حيث إن احتضان المشاعر المؤلمة أمرٌ بالغ الأهمية.

تحدث الفيلسوف الروماني سيسرو عن الامتنان، وعرفه بأنه أم الفضائل كلها، فنحن عندما نقدر الخير في حياتنا نحصل على المزيد منه، وهذه العناصر الخمسة مجتمعة (الروحية، الجسدية، الفكرية، العلائقية، العاطفية) تخلق ضوء الشمس والسعادة في نفوسنا.

ويضيف الدكتور شاهار أنه لا يوجد هناك نقطة يكون الإنسان قبلها غير سعيد، وبعدها يكون سعيداً لأن السعادة هي سلسلةٌ متصلة، وهي رحلة الحياة، وكل ما لدينا هو توقُّعاتٌ واقعيةٌ وغير واقعية حول ما هو ممكن، فليس من الضروري أن تسير الأمور دائماً نحو الأفضل وعلى ما يرام، ولكن يمكننا أن نكتسب الخبرات، ونتعلم تحقيق أفضل الأشياء.

العلاقات الاجتماعية عبر الإنترنت

تنمية العلاقات الاجتماعية ودعمها عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي يبقى أفضل من عدم التواصل، ولكنه لا يحقق ذات الأهداف والنتائج لأننا بمثل هذا التواصل لا يمكننا العناق مثلاً، وهذا أمرٌ مهمّ. هناك بحثٌ يثبت أن الأطفال المحرومون من اللمس والعناق لا يتطورون جسدياً ونفسياً مثل أولئك الذين يتمُّ احتضانهم من قبل أولياء أمورهم، والقائمين على رعايتهم، وبذلك حرماننا من اللمس لمدة شهور لا يجعلنا في أفضل حالاتنا، وبالتالي يؤثر سلباً على مقدار سعادتنا.

علاقة النوم بالسعادة

هناك حاجةٌ نفسيةٌ أخرى مهمّة مثل اللمس، وهي النوم، يجب على الإنسان أن يحصل على سبع أو ثمان ساعات في الليلة الواحدة، وهذا مهمٌّ جدا للنمو، والتطور العاطفي، والمعرفي، ومفيدٌ للصحة الجسدية، والنفسية، والعقلية معاً. أحياناً نمرُّ بظروفٍ تمنعنا من الحصول على القدر الكافي من النوم أو القسط الكافي من الراحة لشهورٍ طويلة.

مثلاً: عندما يكون لديك طفلٌ صغيرٌ رضيع، أو عندما تكون في مرحلة التدريب الأساسي في خدمة الجيش، وغيرها في مثل تلك الظروف أنت تعاني من الحرمان، وهذه مشكلةٌ عميقة، نحن نتكيف مع هذا الحرمان، ولكنه في الواقع يؤثر على شعورنا بالسعادة.

الفرق بين السعادة والمُتعة

إن مفهوم السعادة أكبر بكثيرٍ من مفهوم المُتعة، ولا يمكن المساواة بين السعادة والمتعة، فالمتعة شيءٌ آنٍ، مثل: قضاء وقتٍ ممتعٍ حالي لا تستطيع أن تبني من خلاله شيئاً مفيداً للمستقبل أما السعادة، فهي الاستمتاع بما تقوم به في الحاضر مع بناء هدفٍ ذو قيمةٍ للمستقبل.

مفهوم السعادة أكبر بكثير من مفهوم المُتعة، فإن فهم السعادة على أنها مجرد مُتعة ليس أمراً مضللاً فحسب، بل ضارٌّ جداً لأننا حينها لن نقبل بالتجارب الصعبة مع أن هذه التجارب هي جزءٌ لا يتجزأ من الحياة، ولا يمكننا أن نكون سعداء ونتطور مع أننا جميعاً نتمنى ذلك.

بدون تجربة المعاناة، والخيبة، والألم، والحزن، فهذه المشاعر هي إنسانية طبيعية، ومهمة، ومشوار السعادة يبدأ عندما نعطي أنفسنا الإذن والفرصة لتجربة مجموعةٍ كاملةٍ من المشاعر الإنسانية التي تُكسبنا خبراتٍ نتعرف من خلالها على أهمية اتصال العقل مع الجسد.

This website uses cookies to improve your web experience.