Published in: اللغة العربية

علم البديع – المُقابلة، مراعاة النظير، المُشاكلة

Author أ. موانا شيخ دبس

Published on: 1 مايو، 2024

أ. موانا شيخ دبس

ما هي المُقابلة؟

أن يُؤتى بمعنيين متوافقين أو عدة معانٍ، ثم يُؤتى بما يقابل هذه المعاني على نفس ترتيبها، وهي من أنواع الطباق، ولكنها تكون بين معنى تركيب وما يقابله، وليست بين ألفاظٍ متضادة، كقوله تعالى: “وجعلنا الليل لباساً، وجعلنا النهار معاشاً” _{{النبأ 10 11}}، فقد أتى بالليل الموصوف بأنه لباسٌ، حيث يأوي فيه الناس، ثم أُتي بما يقابل هذا المعنى تماماً، وهو النهار الذي يستيقظ الناس فيه، ويمارسون حياتهم فيه.

ما هي أنواع المُقابلة؟

1- المقابلة بين معنيين

كقوله تعالى: “فَليَضْحكوا قليلاً، وليَبْكوا كثيراً” _{{التوبة 82}}، فقد جاء بمعنى الضحك الموصوف بالقلّة أولاً، ثم أتي بما يقابله، وهو البكاء الموصوف بالكثرة.

2- المقابلة بين ثلاثة معانٍ

كقول الشاعر المتنبي:

ما أحسنَ الدين والدنيا إذا اجتمعا
       وأقبحَ الكفرَ والإفلاسَ بالرجلِ

فقد قابل بين ثلاثة معانٍ، حيث أتى بالحسن، والدين، والثراء الذي دلّ عليه إقبال الدنيا ثم جاء بما يقابلها على الترتيب: القبح، والكفر، والإفلاس.

3- المقابلة بين أربعة معانٍ

كما في قوله تعالى: “فأمّا من أعطى واتقى وصدّقَ بالحُسنى، فسنيسره لليسرى، وأمّا من بخل واستغنى وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى” (الليل)، فقد جاء بأربعة معانٍ، وهي الإعطاء، والتقوى، والتصديق، واليُسر ثم جاء بما يقابلها على الترتيب، وهي: البخل، والاستغناء أي (الزهد فيما عند ربه، وعدم تقواه)، والتكذيب، والعُسر.

4- المقابلة بين خمسة معانٍ

ومنه قول الشاعر المتنبي:

أزورهم وسوادُ الليلِ يشفعُ لي
      وأنثني وبياض الصُّبح يُغري بي

فقد جاء الشاعر بخمسة معانٍ، وهي: الزيارة، والليل، والشفاعة له، ثم أتى بما يقابلها على الترتيب، وهي: الانثناء (تعني الرجوع)، البياض، الصبح، الإغراء به.

5- المقابلة بين ستة معانٍ

كقول الشاعر شرف الدين:

على رأس عبْدٍ تاجُ عزٍّ يزيّنه
      وفي رجل حرٍّ قيدُ ذلٍّ يُشينه

فالمعاني الستة التي أتى بها الشاعر، هي: على الرأس، العبد، التاج، العزّ، الزينة، ويقابلها: وفي رجل، الحرّ، القيد، الذل، يشينه (بمعنى يقبحه). ^{[1] [2] [3] [4]}

ما هي جماليات المقابلة؟

تعدُّ المقابلة نوعاً من المطابقة، ولا تختلف عنها إلا في الكم، لأن الطباق يكون في معنىً واحد. أما المقابلة، فهي في عدة معانٍ، لذلك فإن المقابلة لها نفس جماليات المطابقة، إضافةً إلى جماليةٍ أخرى، وهي (تحقيق التوقُّع)، فالمتلقي عندما يدرك المعنيين الأوليين في المقابلة يتوقع التقابل الآخر، فيشعر بالمتعة، والتي تكون كمتعة الإنسان حين يتحقق توقُّعه، وتُعتبر المقابلة ذات قدرةٍ فائقةٍ على التمييز بين الأشياء وتوضيحها. ^{[1] [4]}

ما هو مراعاة النظير؟

يسمّى التناسب، والائتلاف، والتلفيق، ويعرفها البلاغيون أن يجمع المتكلم بين أمرين أو أمورٍ متناسبة لا على جهة التضاد، وقد جعله البقاعي والسيوطي واحداً من علوم القرآن في كتابه (الدُّرر في تناسب الآيات والسُّور).

ما هي أنواع مراعاة النظير؟

1- مراعاة النظير بين أمرين

ومن ذلك قوله تعالى: “وهو السَّميع البصير” _{{الشورى 11}}، فهنالك تناسبٌ بين السَّمع والبصر، وذلك من جهة أنهما من الحواس الخمسة.

2- مراعاة النظير بين أكثر من أمرين

كما قال الشاعر أبو الطيب المتنبي:

الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني
   والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ

فقد ناسب الشاعر بين (الخيل والليل) مع البيداء للدلالة على شجاعته، كما ناسب بين (السيف والرمح) الذين هما أيضاً من لوازم الشجاعة، وناسب بين (القرطاس والقلم) للدلالة على أنه شاعرٌ وأديب.

3- تشابه الأطراف

هو أن يختم المتكلم كلامه بما يناسب أوله في المعنى، كقوله تعالى: “كتابٌ أحكمتْ آياتهُ ثم فُصّلت من لدنْ حكيمٍ خبير” _{{هود 1}}، فقد ختمت الآية بـ (حكيم خبير)، وهي تناسب إحكام الله جلّ وعلا لآياته، وتبصرّه وخبرته فيها.

4- إيهام التناسب

وهو إيراد لفظين يكون لأحدهما معنيان: أحدهما غير مناسبٍ للمعنى، والآخر مناسبٌ لمعنى سابقه، وهو المقصود في السياق، والآخر غير مناسبٍ لمعنى سابقه، ولكنه غير مقصودٍ في السياق، كقوله تعالى: “الشمس والقمر بحسبان، والنجم والشجر يسجدان” _{{الرحمن 5  6}}،

فالمقصود بالنجم هنا النبات الذي يظهر على الأرض بلا ساق، وهو يتناسب مع الشجر، لكن المعنى المعروف للنجم هو الكوكب، فهنا النجم يناسب الشجر. أما الشمس والقمر، فهما أيضاً متناسبان، لكن هناك مراعاة ٌ للنظير أيضاً بين النجم، والشمس، والقمر ليس متناسباً من حيث المعنى السياقي مع الشجر، بل من حيث معناه (الكوكب)، لذلك سُمّيت الصورة (إيهام التناسب) لأنها توهم بالتناسب، ولا يوجد تناسب. ^{[1] [4]}

ما هي جماليات مراعاة النظير؟

من أبرز هذه الجماليات ما يلي: ^{[1] [4]}

● الانسجام، والتناغم، والاتساق، وهذه الأمور تنتمي إلى الجمال، وتساهم في إيقاظ الحس الجمالي.

● يُضفي هذا الفن البديعي مظهراً من مظاهر القوة والمتانة على الكلام، فالمعاني المتناسبة تقوّي وتعزّز دلالة بعضها، وذلك ينميها، ويشدّ أزرها.

● إن استخدام هذا المحسّن البديعي يوحي بقدرٍ عالٍ من الوعي واليقظة عند صاحبه، حيث استطاع أن يأتي بكلامٍ، ويربط بينه بشبكةٍ من العلاقات المعقّدة.

ما هو تعريف المُشاكلة؟

تعني في اللغة المماثلة والمشابهة، أما في الاصطلاح البلاغي، فهي أن يعبّر عن شيءٍ بلفظٍ غيره لوقوعه في صحبته، كقوله تعالى:” تعلمُ ما في نفسي، ولا أعلم ما في نفسك” _{{المائدة 116}}، فقد عبر عن الذات الإلهية العليّة بكلمة (نفس) لوقوعها في صحبة (نفسي)، والمعنى: تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك.

ومن أمثلة المشاكلة في الشعر قول عمرو بن كلثوم:

ألا لا يَجهلنْ أحدٌ علينا
     فنجهلَ فوقَ جهلِ الجاهلينا

فكلمة (الجهل) وردت هنا بمعنى (الردّ بقوةٍ وعنف)، وذلك لوقوعها في صحبة الجهل.

ما هي جماليات المُشاكلة؟

إن مبعث الجمال في المُشاكلة يكمن فيما يلي:

● تُبرز سلطان بعض الألفاظ في السياق على نحو يستدعي فيه مشاكلاتها اللفظية، وإن كانت بمعانٍ أخرى.

● تدرك المتلقي حالةٌ من بهجة التعرف ولذّة الاكتشاف، وذلك حين يتوهّم أولاً أن مدلول الكلمة المأتي بها هو مدلول الكلمة الأولى.

● تشفي ظمأ النفوس لرؤية المتماثلات في معرضٍ واحد. ^{[1] [4]}