الحب – ما هو تأثيره؟ وهل يمكن أن تصبح المشاعر زائفة؟
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
سابقاً كانت المشاعر البشرية من حب، غضب، وكره صعبة التفسير والفهم، وكان الربط والتفسير العصبي والعلمي الدقيق لهذه المشاعر ضبابياً، ولربما كانت مشاعر الحب والإعجاب بشكلٍ خاص عصيةً على التفسير العلمي، كأن يذكر في الأدب الطبي سابقاً “مرض العشق” للطبيب الشهير ابن سينا، والذي يصف ما يشعر به أي شخصٍ عندما يمرُّ بالقرب ممن يحب من تسارع ضربات قلب، وتوتر، ولهفة دون أن يجد تفسيراً لهذه التغيرات الجسدية.
ومع تقدم الطب، وازدياد فهمنا للعقل والمشاعر البشرية أصبحت الصورة مكتملةً حول كيفية تولد مشاعر الحب، أليس كذلك؟ الإجابة ببساطة: ليس بعد! فرغم التقدم الطبي، مازال التفسير يعطي إجابةً ناقصة، كما إن التقدم الطبي نفسه طرح مشاكل أخلاقية حول إمكانية التحكم بهذه المشاعر.
بيولوجياً، ما هو الحب؟
الحب ليس مجرد شعورٍ روحي فقط، إنما هو تفاعلٌ كيميائيّ متداخل يحدث ضمن الدماغ ناتجٌ عن اجتماع عدة نواقل عصبية تُفرَز، وتنتقل بشكلٍ متناسق ومضطرد بمجرد رؤيتنا لشخصٍ نحبه، ومصطلح الحب بحدّ ذاته يمكنه وصف ثلاثة أشكال مختلفة من المشاعر: الشهوة (أي التي تتعلق بالرغبة الجنسية)، والانجذاب، والتعلق، وكل شعور مما سبق يشمل نواقل عصبية وآليات معينة، ورغم تداخلها (وفي كثيرٍ من الأحيان تكون هذه المشاعر مجتمعةً مع بعضها البعض)، إلا أنه من الممكن جداً أن يشعر الإنسان بالرغبة دون أن يكون هناك تعلق أو انجذاب، أو تعلق دون غيره. [1] [2]
1- الرغبة (Lust)
وهي المصطلح المعبر عن الغريزة الجنسية البشرية أي دافع الانجذاب للجنس الآخر، وهي المحفّز الأساسي لعملية التكاثر، والحفاظ على الجنس البشري، تتفعّل الرغبة الجنسية بالاعتماد على التستوسترون عند الذكر، والأستروجين عند الأنثى، هذه الهرمونات الجنسية هي العامل الأساسي لتكوين الصفات الشكلية للذكر والأنثى، (ولربما باللفظ أدق: الصفات الشكلية للرجل والمرأة).
من الملفت أن تأثير هذه الهرمونات ليس متساوياً بشكلٍ تام بين الذكر والأنثى، أي إن تأثير التستوستيرون عند الرجل أشدّ من تأثير الأستروجين عند الأنثى، وبعبارةٍ أخرى، الدافع الجنسي بشكلٍ عام يكون أكبر عند الرجل منه عند الأنثى. كثيرا ما يتهم الحب بشكلٍ عام على أنه دائماً ما ينطوي على الرغبة الجنسية فقط، وأن ارتباط وجود الحب هو ارتباط وثيق بالرغبة الجنسية، إلا أن الهرمونات الجنسية بشكلٍ عام ينخفض إفرازها مع التقدم بالسن، وتأثيرها يختلف من شخصٍ لآخر، أي إن الرغبة الجنسية ليست ضروريةً ليكون الشعور حباً.
2- الانجذاب (Attraction)
رغم التقارب بين الانجذاب والرغبة (واختلاطها لدى الكثير) يمكن للانجذاب أن يكون منفصلاً عن الرغبة، وهو بكل بساطة أن تشعر بالامتنان أو السعادة بمجرد التحدث أو القرب ممن تحب، وهذه السعادة والامتنان تقع على عاتق الدوبامين الذي يفرزه الوطاء ليفعل ما يسمّى بدارة المكافئة، حيث إن القرب ممن تحب يزيد إفراز الدوبامين، فتتفعّل دارة المكافأة.
وبتفعيلها يتولد لدى الإنسان شعور المكافأة (أي شعور الرضا والسعادة)، ولهذه الدارة دور أيضاً في السعادة أثناء الاتصال الجنسي (وهنا تتداخل الرغبة والانجذاب) أي إن تفعيل هذه الدارة يدفع الإنسان لتكرار التجربة السابقة (سواءً التقرب ممن تحب أو الاتصال الجنسي)، وذلك للحصول على سعادةٍ مرةً أخرى، وذلك كله يصف ما يدعى بالانجذاب.
يذكر أن دارة المكافأة والدوبامين قد تسبّب الإدمان، أي بعبارةٍ أخرى يمكن للانجذاب أن يصبح إدماناً ،أو أن يصبح شديداً، وعندها يصبح الابتعاد عمن تحب صعباً للغاية، وذلك كأن تسمع بالمسلسلات مصطلح الحب يؤلم، وأن الفراق صعب، في الواقع هذه المعاناة تمثل وصفاً دقيقاً لما قد يعاني منه أي شخصٍ أُجبر على فراق من يحب لأي سببٍ كان، والذي يترجم إلى عدم إمكانية تفعيل دارة المكافأة مرةً أخرى، الأمر الذي تنتج عنه أشكالٌ مختلفة من الاكتئاب واللامبالاة.
3- التعلق (Attachment)
أن تتعلق أي تحافظ على علاقاتٍ طويلة الأمد، يختلف عن باقي أشكال الحب بأنه يظهر في تعلق الأم وابنها، الأخ وأخيه، التعلق بين الأصدقاء، وبالطبع تعلق الشخص مع من يحب، أي إن التعلق يظهر في جميع أشكال العلاقات الحميمية وغير الحميمية، وذلك تحت تأثير كل من الأوكسيتوسين (Oxytocin) والفازوبرسين (Vasopressin). على عكس الانجذاب والرغبة، فإن التعلق يتميز بأن الهرمونات المسؤولة عنه هي هرمونات بطيئة التأثير طويلة الأمد الأمر الذي يساعد على بقاء هذه العلاقات الاجتماعية مستمرة.
ويوصف الأوكسيتوسين على وجه الخصوص بأنه هرمون الحب، والذي يتمُّ إفرازه بكمياتٍ كبيرةٍ أثناء الاتصال الجنسي، أو أثناء إرضاع الأم لطفلها، أو أثناء الولادة، أي من الممكن إفرازه استجابةً لأحداثٍ ليست بالضرورة أن تكون ممتعةً أو سعيدة، إلا إن هذه الأحداث تولد العلاقة التي تجمع الأم مع ابنها على سبيل المثال.
بالطبع هنا لا يجب إنكار وظائف الأوكسيتوسين الأخرى التي تتعلق بالولادة، والمخاض، وإفراز الحليب عند الأم. من الضروري دوماً التمييز بين أشكال الحب الثلاث: التعلق، والانجذاب، والرغبة، لأنه ليست بالضرورة أن تكون متداخلةً أو مجتمعة، والأهم من ذلك أنها لا تتعلق دوماً بالدافع الجنسي.
ظواهر فريدة متعلقة بالحب
وصف الحب لا يقف عند التعلق، والانجذاب، والرغبة، بل هناك العديد من الظواهر الأخرى الفريدة: [2] [3]
– البعض يصف الشعور الباطن الغريب لحظة رؤية أو التقرب ممن يحب، سابقاً هذه الظاهرة لم تكن تحظى باهتمامٍ أو تفسيرٍ من الناحية الطبية، لكن حديثاً فسرت هذه الظاهرة على أنها سيالة عصبية تنتشر عبر العصب العاشر القحفي (والذي ينتشر في البطن) إلى الدماغ لتعطي هذا الشعور الذي يصعب تفسيره.
– ما الذي يسبّب التوتر في الحب؟ يرتبط هذا التوتر بتفعيل الجهاز العصبي الودّي (والذي يتفعّل تزامناً مع تفعيل دارة المكافأة)، وتفعيل هذا الجهاز يؤدي إلى ازدياد ضربات القلب، وازدياد معدل التنفس، والإحساس بالتوتر، والذي كان سابقاً يعزى للإصابة بداء العشق.
– من الظواهر الطريفة المتعلقة بالحب ألا وهي الحماقة، يتولى الفص الجبهي مهام المحاكمة العقلية، والتفكير المعقد الناقد، ومحاكمة الذات، والتصرف الراشد الواعي، ويبدو أن الحب (وبشكلٍ أخص الرغبة الجنسية) تثبط نشاط هذا الفص بشكل خاص، أي إن الحب يسبّب التصرف باندفاع، بعفوية أو حتى بحماقة لدرجةٍ معينة.
لربما قد تظهر الصورة لدى البعض مكتملةً ومفسرةً حول الحب بأشكاله المختلفة، إلا أن استكشاف المشاعر البشرية لا ينتهي. من الأسئلة التي تحوم حول الحب:
– ما هي العوامل التي تزيد أو تنقص من مشاعر الحب؟
– ما هي أسباب الاختلاف الجذري لهذه المشاعر من شخصٍ لآخر؟
– ماهي الأسباب التي تؤدي إلى الشذوذ أو الانحراف بالغرائز الفطرية عند البشر؟
ولربما الأخيرة لا تزال حتى الآن غير واضحة. كما أن الفهم الطبي للحب بجميع أشكاله، وجميع الوسائط الطبية المتعلقة به (كالأوكسيتوسين، والفازوبروسين، والدوبامين، وغيرها) ولّد مشكلةً أخلاقيةً أكبر: هل يمكن التلاعب بهذه المشاعر؟
هل يمكن للمشاعر أن تصبح زائفة؟
جميع الهرمونات السابقة تستخدم طبياً ودوائياً لعلاج العديد من الأمراض النفسية والعصبية، (كالدوبامين في علاج الباركنسون) الأمر الذي يفتح الأفق حول إمكانية استخدام هذه الأدوية من أجل التحكم بالمشاعر البشرية. هذا السؤال لا يزال يناقش أخلاقياً إلى يومنا هذا، وتطبيقه على أرض الواقع قد يهدد بجعل أحد أنبل المشاعر البشرية مجرد مشاعر تزداد وتنقص بحجة دواء. [3]
المراجع البحثية
1- Carter، C. S.، & Porges، S. W. (2012). The biochemistry of love: an oxytocin hypothesis. EMBO Reports، 14(1)، 12–16. Retrieved May 31، 2024
2- SITNFlash. (2020، June 19). Love، Actually: The science behind lust، attraction، and companionship – Science in the News. Science in the News. Retrieved May 31، 2024
3- Earp، B. D.، Sandberg، A.، & Savulescu، J. (2014). The medicalization of love. Cambridge Quarterly of Healthcare Ethics/CQ. Cambridge Quarterly of Healthcare Ethics، 24(3)، 323–336. Retrieved May 31، 2024
Comments are closed.