Skip links

المَجاز العقلي – تعريفه، ما هي أشهر صورُه وجمالياته؟

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

يُدعى المَجاز العقلي، أو الحُكمي، أو المَجاز في الإثبات، أو الإسناد المَجازي، ويُعرّف بأنه إسناد الفعل أو ما في معناه أي (اسم الفاعل، اسم المفعول، المصدر، الصفة المُشبّهة) إلى غير ما هو له، أي (إسنادهُ إلى شيءٍ ليس من حقّه أن يُسند إليه لأنه ليس وصفاً له)، لعلاقةٍ مع قرينةٍ مانعةٍ من إرادة الإسناد الحقيقي، وقد تكون العلاقة زمانية، أو مكانية، أو مصدرية، أو مفعولية، أو فاعلية.

وهذا النوع من المَجاز يكون في الحكم، أو الإثبات، أو الإسناد، وهو يدلُّ على شيءٍ واحد، وهو نسبة شيءٍ إلى شيء، كقولك: “اجتهدَ زيدٌ”، فقد أُثبتَ الاجتهاد لزيد، وقولك: “أنبتَ الربيعُ البقل”، حيث نُسِبَ البقل إلى الربيع، فالربيع مُثبَتٌ له البقل، ومُثبَتٌ هو الإنبات، وسرُّ تسميته كما يراها الجرجاني أنه العلاقة الإسنادية التي تُدرَك بالعقل، لأنه يتجاوز اللغة ليمسّ جوهر الإسناد.

يكون إثبات الشيء بالشيء إما حقيقياً، أو مجازياً، أو حُكمياً على النحو الآتي:

الإثبات الحقيقي: وهو إثباتُ الشيء بالشيء، كقولك: “فازَ زيدٌ في المسابقة”، فإن نسبة الفوز إلى محمد هي نسبةٌ حقيقية، لأن محمد يستحقُّ أن يُثبَت له الفوز.

الإثبات المجازي أو الحُكمي: وهو إثباتُ الشيء لشيءٍ آخر غير ما هو له على الحقيقة، كقوله تعالى: ﴿فما ربحتْ تجارتهُم وما كانوا مُهتدين﴾ {البقرة16}، فقد نُسِب الربح إلى التجارة، وهي نسبةٌ مجازيةٌ غير حقيقة لأن صاحب الربح الحقيقي هو الكافرون وليس التجارة، والذي أجاز إسناد الربح إلى التجارة لا إلى الكافرين هو علاقةٌ أو مُلابسةٌ بين التجارة والكافرين، أي بين الفاعل المَجازي والفاعل الحقيقي.

أما من أمثلته في الشعر قول الشاعر الصُّلتان العبدي:

أشابَ الصغيرُ وأفنى الكبيرَ
كرُّ العُداةِ ومرُّ العَشيْ

علّق الجرجاني على هذا البيت بإثبات الشيب فعلاً لكرِّ العشي، أي الليالي، فاعتبره إسناداً على سبيل المَجاز العقلي، حيث إن الليالي غير قادرةٍ على هذا الفعل حقيقةً، والفاعل الحقيقي هو الله عزّ وجل، ولا يجوز إسناد هذا الفعل إلى غيره، ويربط حقيقة المَجاز بالنظم، وهذا المَجاز لا يكون إلا في الجملة المفيدة دون الكلمة المفردة، ويجيزهُ ملابسةٌ أو علاقةٌ بين المُثبَتِ له الحقيقي، والمُثبَت له المجازي. [1] [2] [3] [4]

أشهر صور الإسناد المجازي الذي تُجيزه العلاقات في المجاز العقلي

1- الإسناد إلى الزمان

كقولك: “نهاركَ صائمٌ وليلكَ قائم”، فقد أُسند فعلا الصيام والقيام إلى النهار والليل، وهما فعلان يقوم بهما الإنسان، وهو مجازٌ عقلي علاقته الزمانية.

2- الإسناد إلى المكان

كقوله تعالى: ﴿وجعلنا الأنهارَ تجري من تَحتهم﴾ {الأنعام6}، فقد أُسند الجري الذي هو فعلٌ للماء وليس للأنهار، بل أمكنة الأنهار، وهذا إسنادٌ عقلي علاقته المكان.

3- الإسناد إلى السّبب

كقوله تعالى: ﴿يا هامانُ ابنِ لي صرحاً لعلّي أبلغُ أسبابَ السَّماوات﴾ {غافر36}، فقد أُسند فعل البناء إلى هامان وزير فرعون، وهو لا يبني بيده، بل يأمر عماله بالبناء، فأمر هامان هو سببٌ للبناء، وهذا مجازٌ عقلي علاقته السّببية.

4- الإسناد إلى المصدر

كقول الشاعر:

قد عَزَّ عِزُّ الأُلى لا يبخلونَ على
أوطانهمْ بالدم الغالي إذا طُلِبا

فقد أُسند الفعل (عزّ)، وهو فعلٌ للإنسان إلى المصدر (العزّ)، فالمجاز عقلي علاقته المصدرية.

5- إسناد ما بُني للفاعل إلى المفعول

كقوله تعالى: ﴿لا عاصمَ اليومَ من أمرِ الله﴾ {هود43}، المعنى أنه لا معصوم اليوم من أمر الله، فقد أُسند اسم الفاعل إلى اسم المفعول، وهو مجازٌ عقلي علاقته المفعولية.

6- إسناد ما بُني للمفعول إلى الفاعل

كقوله تعالى: ﴿إنّهُ كانَ وعدهُ مأتيا﴾ {مريم61}، المعنى أن وعده آتٍ، فقد أُسند اسم المفعول (مَأتي) إلى اسم الفاعل (آتٍ)، وهو مجازٌ عقلي علاقته الفاعلية. [1] [2] [3]

أشهر مواضع المَجاز العقلي

1- مجيء المَجاز العقلي في القرآن الكريم، كقوله تعالى: ﴿يُذبّح أبناءهم ويستحي نساءهم﴾ {القصص4}، فقد أُسند فعل الذّبح إلى فرعون الذي يأمر جنوده بهذا الفعل، فإن فرعون هو السبب في قتل بني إسرائيل، فهذا مجازٌ عقلي علاقته السّببية.

2- مجيء المجاز العقلي في الإنشاء كما في الخبر، كقوله تعالى: ﴿أَصلواتكَ تأمرك﴾ {هود87}، فقد أُسند الأمر إلى الصلاة، وهو من فعل الإنسان، وقد جاء المَجاز العقلي في الاستفهام.

3- وقوعه في النسبة الإضافية، كقوله تعالى: ﴿إنَّ قرآنَ الفجرِ كانَ مَشْهودا﴾ {الإسراء 78}، فقد نُسبَت قراءة القرآن، والتي هي فعل القارئ إلى الفجر، وهو مجازٌ عقلي علاقته الزمانية.

أنواع قرينة المَجاز العقلي

ولها أربعة أنواع:

1- اللفظية

حيث تُذكر ذكراً لفظياً، كقولك: “بنى الأغنياء مسجداً بفضل أمهر البنائين”، فقد ذُكرت القرينة، وهي الفاعل الحقيقي للبناء، وهي (أمهر البنائين).

2- العقلية

كقولك: “حُبّي إلى دمشق ساقني إليها”، فالفاعل الحقيقي هو الدافع للزيارة وليس الشوق، وهو يُدرَك بالعقل.

3- المُدرَكَة بالعادة

كقولك: “كتبَتِ المقالةُ موضوعاً جميلاً عن التلوُّث”، فالمقالة ليست الفاعل الحقيقي، وإنما الكاتب الذي يُدرَك بالعادة.

4- الحالية

كقولك: “كتب الصديق رسالةً إلى صديقه المسافر” فالقرينة هنا حالية إذا كان الصديق أُمّياً لا يعرف الكتابة، وطلب من أحدٍ ما كتابة الرسالة. [1] [5]

جماليات المَجاز العقلي

يُعتبر المَجاز العقلي ضرياً من التصوير البياني الشائع الاستخدام، وهو أسلوبٌ عقليٌّ فصيحٌ فيه دلالةٌ على تجاوز الحقيقة، حيث يُعبّر عن سعة استخدام اللغة العربية لمفرداتها، وقدرتها على تجاوز حدودها المُعجميّة، فتصبح قادرةً على إيصال المعاني الدقيقة، وتفي بمقاصد المتكلّمين.

وهي قادرةٌ على تنشيط نفس المتلقي، وإثارة حسّه وخياله، وإعمال عقله لإدراك مظاهر التجاوز في الإسناد، ويُعتبر من مفاخر العرب، وكنزاً من كنوز البلاغة، حيث يقول ابن رشيق القيرواني في كتابه (العُمدة): “إنّ العرب كثيراً ما تستعمل هذا المجاز، وتعدّه من مفاخر كلامها، وهو دليل الفصاحة، وبه بانت لغتها عن سائر اللغات، والمَجاز في كثيرٍ من الكلام أبلغ من الحقيقة، وأحسن موقعاً في القلوب والأسماع”. [1] [5]

المراجع البحثية

1- عيسى علي العاكوب. (2005). المجاز العقلي.المفصل في علوم البلاغة . (pp. 523–529). essay, مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية. Retrieved October 27, 2024

2- عبد العزيز عتيق. (1982). المجاز العقلي. علم البيان. دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان. Retrieved October 27, 2024

يوسف رحايمي -3. (n.d.). الإثبات بالقوال البياني والتأسيس لحجاجية البيان. الإثبات في العربية : دراسة نحوية تداولية(pp. 529–531). essay, مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية. Retrieved October 27, 2024

4- أحمد الهاشمي. (2023). المجاز العقلي . جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع. وكالة الصحافة العربية. Retrieved October 27, 2024

عمر مصطفاي -5. (n.d). المجاز العقلي. علوم البلاغة في القرن العشرين. Retrieved October 27, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.