Skip links

المادة والمادة المضادة – فرضية ديراك والتحقق التجريبي

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

كل شيءٍ في هذا الكون من النجوم والكواكب إلى أجسامنا مكون من الجسيمات الأولية نفسها، وبعض هذه الجسيمات تمّت ملاحظتها بعد الانفجار العظيم (Bing Bang) بجزءٍ من بليون من الثانية، الجسيمات الأخرى تشكل معظم المادة حتى وقتنا الحاضر.

فرضية ديراك لمفهوم المادة والمادة المضادة

عام 1927 أدخل ديراك (Dirac) مفهوم المادة المضادة بفرضيته التالية: جميع الحالات الطاقية السالبة تكون مشغولةً ولكنها غير ملاحظة، وباعتبار أن جميع الحالات مملوءة، فإن مبدأ الاستبعاد لباولي يمنع مرور إلكترون من حالةٍ طاقيةٍ موجبة إلى حالةٍ طاقيةٍ سالبة والعكس.

يستطيع فوتون طاقته أكبر أو تساوي ضعف الطاقة السكونية للإلكترون أي 1.022 مليون إلكترون فولت اختراق الحالات الطاقية السالبة ونقل إلكترون من الحالة الطاقية السالبة إلى الحالة الطاقية الموجبة، فيصبح هناك نقص في الحالات الطاقية السالبة.

وحسب مبدأ انحفاظ الشحنة هذا النقص موجب فهو الإلكترون المضاد أو البوزيترون. إنها ظاهرة تحويل الطاقة الإشعاعية إلى طاقة كتلية (Materialization) على شكل زوج +e، e فغياب الإلكترون e من الحالات الطاقية السالبة يُترجم بتواجد الإلكترون المضاد. [1]

التحقق من فرضية ديراك

عام 1932 تم التحقق تجريبياً من صحة فرضية ديراك، عندما اكتشف الفيزيائي كارل أندرسون (Anderson) البوزيترون في الأشعة الكونية، وهو من أطلق عليه الاسم بوزيترون وهو الدليل الأول على وجود المادة المضادة. هذا الجسيم له شحنة كهربائية معاكسة لشحنة الإلكترون أي شحنة موجبة، وبهذا اكتشف أندرسون بالتجربة العملية الجسيم المشحون بشحنة موجبة، والذي تكهن ديراك عن طريق الدراسة النظرية البحتة بوجوده، وقد أطلق على هذا الجسيم اسم البوزيترون للإشارة إلى شحنته الموجبة. يرمز للإلكترون السالب e وللبوزيترون بالرمز (+e). [2]

كيف تمَّ التنبؤ بوجود مضاد البروتون؟

إن نظرية ديراك التي تنبأت بوجود جسيم ذي شحنة كهربائية موجبة هو الإلكترون المضاد (البوزيترون)، والذي أثبتت التجارب وجوده بعد التنبؤ النظري، كانت قد تنبأت بوجود جسيم ذي شحنة سالبة هو الجسيم المضاد للبروتون (Antiproton) الصعوبة الرئيسية التي كانت تقف في وجه إثبات وجود مضاد البروتون هو كتلته الكبيرة نسبياً إذا ما قورنت بكتلة الإلكترون، فهي تبلغ 1836 ضعف كتلة الإلكترون.

بما إن الطاقة اللازمة لإنتاج زوج إلكترون-بوزيترون هي 1.022 مليون إلكترون فولت، وفقا لعلاقة آنيشتاين بين المادة والطاقة، بالتالي لتوليد زوج بروتون-مضاد بروتون نحتاج إلى طاقة ضعف المقدار السابق بمقدار 1872 مرة على الأقل، ولم تكن الأجهزة والمنشآت الضرورية لإنتاج مثل هذا القدر من الطاقة متوفرةً للفيزيائيين قبل نهاية الحرب العالمية الثانية وبالذات قبل عام 1950، في عام 1955 تمكن العالم أون شامبرلن (Owen Chamberlain) من اكتشاف مضاد البروتون.

إن ما ينطبق على الزوج بروتون-البروتون المضاد ينطبق على الزوج إلكترون-بوزيترون، عند التقاء الزوج بروتون- البروتون المضاد يفنيان بعضهما، وتتحول كتلتهما إلى طاقة يحملهما فوتونّي غاما كما في المعادلة التالية:

[math]P^{+}+P^{-}\rightarrow 2\gamma [/math]

ولكن الطاقة الناتجة في حال البروتون وضديده أكبر بكثير من حال الإلكترون وضديده. في عام 1965 تمكن الفيزيائيون من تحقيق عكس التفاعل السابق وذلك بتسليط أشعة غاما بطاقة تفوق التفاعل السابق، مما أدى إلى إنتاج البروتون وضديده، والتفاعل الحاصل بين البروتون وضديده يشبه التفاعل الحاصل بين الإلكترون وضديده (البوزيترون)، وقد لاحظ الفيزيائيون ظاهرةً غريبةً تصاحب هذا التفاعل أحياناً، وهي أنه في حال مرور البروتون بجوار ضديده وعدم التصادم معه فإن التفاعل السابق لا يحدث.

فلا يفنى البروتون وضديده وإنما ينشأ بدلاً عنهما جسيمان جديدان عديما الشحنة الكهربائية ولكل منهما تقريباً نفس كتلة البروتون وضديده، وفيما بعد تمّ التأكد من هوية هذين الجسيمين، وأطلق عليهما تسمية النيوترون (Neutron) وضديده (Antineutron)، وتمّ التعبير عن ذلك وفق المعادلة التالية:

[math]P^{+}+P^{-}\rightarrow n+\overline{n}[/math]

كما ذكرنا سابقاً إن الإلكترون سالب الشحنة وضديده له شحنة معاكسة (موجبة) وإن البروتون موجب الشحنة وضديده سالب الشحنة أي أن أضداد الجسيمات تمتلك شحنات مساوية ومعاكسة لشحنات الجسيمات، فالسؤال الذي يطرح نفسه كيف استطاع الفيزيائيون التفريق والتمييز بين النيوترون وضديده اللذان لا يملكان شحنة كهربائية.

يمكن التمييز بين النيوترون وضديده من عزم الدوران الذاتي (السبين)، وهي خاصية تمتاز بها الجسيمات نتيجة دورانها حول محورها الذاتي الذي يمر بمركز ثقلها. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: بما أن الجسيمات والجسيمات المضادة تمتاز بخواص تناظرية، ولكل جسيمٍ جسيمة مضادة، فلماذا لا تظهر بأعداد متساوية في الوسط المحيط بنا، وبشكلٍ خاص إذا كانت المادة المحيطة بنا مكونة من إلكترونات، وبروتونات، ونيوترونات. [3]

وجود المادة المضادة

لماذا لا يوجد على الأرض عدد مماثل من المواد المكونة من إلكترونات المضادة والبروتونات المضادة والنيوترونات المضادة؟ بما إن الأرض موجودة، فإنه لا يمكنها أن تتكون إلا من أفراد من نوع ندعوه اصطلاحياً بالجسيمات، وذلك لأن الخاصة الأساسية للجسيمات والجسيمات المضادة هي الفناء بوقتٍ قصيرٍ جداً عندما تكون على تماسّ مع بعضها البعض.

فمزيج متساوي الوزن من المادة والمادة المضادة يفنى بسرعة متحولاً إلى فوتونات وميزونات، بالمقابل إذا كانت المادة متواجدة بكمية أكبر من المادة المضادة، فإنه نتوصل في النهاية للإخلاء الكلي للمادة المضادة بالتضحية بجزء من المادة. إذا كان الكون قد تشكل في لحظة الانفجار العظيم عن طريق تفاعلات نووية فأين ذهبت البوزيترونات وأضداد البروتونات التي لابدّ من مرافقتها للتفاعلات السابقة؟ هل شكلت أضداد الجسيمات عالماً آخر أي ما يدعى بالمادة المضادة؟

تتألف المادة المضادة (Antimatter) من ذرات نواتها مكونة من أضداد البروتونات وأضداد النيوترونات، وتدور البوزيترونات حول النواة، وهذه المادة المضادة غير موجودة في عالمنا، وتؤخذ على محمل الأفكار النظرية، لكن في عام 1965 تمّ في مخبر بروكلين في الولايات المتحدة تركيب ذرة مضادة لذرة الهيدروجين الثقيل، وسميت هذه الذرة بضديد الديتيريوم (حيث إن الديتيريوم تحتوي نواته على بروتون ونيوترون وإلكترون يدور حول النواة).

يمكن أن تكون هناك مجرات كاملة من المادة وأخرى من المادة المضادة، وكما نعلم أن التقاء المادة وضديدها يؤدي إلى فناء الاثنين، وتتحول كتلتيهما إلى كميةٍ هائلة من الطاقة، وفعلاً فإن هناك مجرات ونجوم سماوية تُصدر إشعاعاتٍ على شكل ضوء أو موجات راديوية، ويحتمل أن تكون ناتجةً عن تفاعل المادة وضديدها. [4]

المراجع البحثية

1- Discovering the positron. (n.d.). Cern.Ch. Retrieved May 31, 2024

2- What is antimatter?. (n.d). Scientific American. Retrieved May 31, 2024

3- BESIII experiment observed the new evidence of proton-antiproton bound state. institute of high energy physics. (n.d.). Cas.cn. Retrieved May 31, 2024

4- Antimatter. (n.d.). New Scientist (1971). Retrieved May 31, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.