Skip links
رسم توضيحي لأعصاب الجسم عند شخص بالغ

الفيزيولوجيا العصبية للألم

الرئيسية » المقالات » الطب » الفيزيولوجيا العصبية للألم

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

الوخز بالإبرة، والتعرُّض للخدش، والحروق جميع هذه الأمور تشترك بشيءٍ واحد وهو الألم، وعلى الرغم من أن الإحساس بالألم يحدث خلال أجزاءٍ من الثانية، إلا أن السبيل العصبي المسؤول عن حسّ الألم يعدُّ من أكثر السبل العصبية تعقيداً على الإطلاق، وعلى الرغم من كون الإحساس بالألم من الأمور غير المرغوب بها كثيراً، إلا أن حسّ الألم يعدُّ من أهمّ الأحاسيس والحوادث العصبية على الإطلاق، ومن دون هذا الإحساس لا يمكن للإنسان البقاء على قيد الحياة لفترةٍ طويلة.

ما هو حسّ الألم؟

هو الإحساس الناتج عن تنبيه الألياف العصبية الحسية المنتشرة في الجلد أو الأعضاء الداخلية للجسم (المفاصل والعضلات)، وغالباً ما يمكن وصفه بالإحساس غير المرغوب به الذي ينطلق من هذه الألياف، ليتمّ تفسيرها في الدماغ، ويمكن للجميع وصف الإحساس بالألم، إلا أنه إحساسٌ نسبيٌّ بحت يختلف بين إنسانٍ وآخر، وذلك عند التعرُّض للمنبه ذاته، وحتى عند الشخص نفسه يتأثر حسّ الألم بالعديد من العوامل منها ما هو طبيعي، كالعمر أو مرضي، كمرضى السكري الذين لا يشعرون بحسّ الألم في الأطراف في المراحل المتقدمة من مرضهم.

عصبياً، يشتمل حسّ الألم على انتقال السيالة العصبية أي التنبيه العصبي من الألياف العصبية في الجلد والأعضاء الداخلية، حيث إن هذه الألياف تمثل الجملة العصبية المحيطية لتنتقل إلى الجهاز العصبي المركزي بدايةً من القرن الخلفي للنخاع الشوكي، ومنه إلى الدماغ عبر سبيلين أساسين (السبيل النخاع المهادي، والسبيل النخاعي الشوكي)، وكل سبيلٍ له دورٌ معينٌ في تفسير حسّ الألم.

ما هي السبل العصبية المسؤولة عن حسّ الألم؟

يمكن تقسيم الخلايا العصبية المسؤولة عن تفسير حسّ الألم إلى ثلاث خلايا عصبية، حيث تمثل الخلية العصبية الأولى الخلية المسؤولة عن استقبال التنبيه المؤلم في الجلد، والمفاصل، والعضلات، وتحويله إلى سيّالةٍ عصبيةٍ تنتقل عبر ألياف الجهاز العصبي المحيطي إلى الخلية العصبية الثانية الموجودة في المادة الرمادية للنخاع الشوكي، لتنتقل عبر النخاع الشوكي إلى الدماغ.

أثناء انتقال هذه السيالة عبر النخاع الشوكي يمكن الملاحظة أن هذه السيالة العصبية تمر عبر سبيلي النخاعين الدماغيين، وكما أن السيالة تنتهي في الجهة المعاكسة لجهة التنبيه أي إحساس الألم في اليد اليمنى ينتقل عبر النصف الأيسر للنخاع الشوكي، ليتمّ تفسيره في النصف الأيسر من الدماغ، وذلك بالاعتماد على أعضاء معينة في الدماغ تشكل الهدف النهائي، والعصب الثالث في سبيل الإحساس الألم، والسبل التي تسلكها هذه السيالة في النخاع والدماغ هي:

1- السبيل النخاعي المهادي (The Spinothalamic Tract)

وهو السبيل المسؤول عن نقل الدقيق للألم الموضع، حيث إن هذا السبيل ينتهي في الأنوية المهادية في الجهة المقابلة، ووصول السيالة العصبية لهذه الأنوية يؤدي إلى الإحساس بالألم في منطقة التنبيه، ليتمّ بعدها انتقال السيالة إلى القشرة الحسية المخية، ليتمّ لتفسير وربط الإحساس الألم بالعامل الخارجي المُسبّب له.

2- السبيل النخاعي الشبكي (The Spinoreticular Tract)

وهو السبيل المسؤول عن الجانب العاطفي في الإحساس الألم، وتعبر فيه السيالة العصبية من النخاع الشوكي إلى منطقةٍ في جذع الدماغ يطلق عليها اسم التشكيلات الوسيطية في جذع الدماغ (The Brainstem Reticula Formation)، ثم تكمل باتجاه المهاد، ثم الوطاء لتنتهي في القشرة المخية.

في القشرة المخية تتفعّل القشرة المخية الحسية الجسمية الأولية والثانوية، ويمكن ملاحظة تفعيلها بوضوح أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي خلال تحريض حسّ الألم، إلا أنه يمكن كذلك ملاحظة تنبيه القشرة الحزامية الأمامية والتي عادةً ما ترتبط باتخاذ القرار والمحاكمة العقلية، إلا أن بعض الدراسات الحديثة تؤكد على دور هذه القشرة في عملية تفسير حسّ الألم. [1]

ما هي المستقبلات والنواقل العصبية المسؤولة عن حسّ الألم؟

يعتمد النقل العصبي للسيالة العصبية المسؤولة عن حسّ الألم على ناقلين عصبيين رئيسين الغلوتامات (Glutamate)، وسباستنس بي (Substance p).

1- الغلوتامات

وهو الناقل المشاهد بمعظم حالات الألم العصبي الحاد، وهو يختصّ بالمُستقبلات العصبية الموجودة في الجلد، والمسؤولة عن النقل السريع لحسّ الألم، والتي تُعرف بالمُستقبلات (A-Delta)، مثل: الألم المشاهد في الحروق، والألم الناتج عن الطعن بأداةٍ حادة، ويمكن مشاهدة هذه المُستقبلات العصبية المختصة بالناقل غلوتامات ضمن القرن الخلفي (الظهري) للنخاع الشوكي.

يمكن كذلك ملاحظة مُستقبلات الغلوتامات في الدماغ خاصةً في المهاد والوطاء، وتفعيل هذه المُستقبلات يؤدي إلى تحريض حسّ الألم، إلا أن للغلوتامات دوراً تثبيطياً للألم في حال تفعيل مستقبلاته في مناطق أخرى في جذع الدماغ، وخاصةً في لبّ المادة الرمادية المحيطة بالمسال (Periaqueductal Grey Medulla)، مما يجعل الغلوتامات الناقل الرئيسي المنظم لحسّ الألم في الدماغ.

2- سباستانس بي (Substance p)

بالإضافة لوظائفه المختلفة، مثل: تنظيم تقلص الخلايا العضلية الملساء، والنقل الأيوني، وتنظيم عمل الجهاز المناعي في السبيل الهضمي، في حسّ الألم يعمل الناقل SP على نقل السيالة التي تُعنى بحسّ الألم المزمن، والذي يمكن مشاهدته في الحالات الالتهابية، وذلك بالاعتماد على مستقبلاتٍ ذات نهايةٍ حرة يطلق عليها بالألياف C، حيث إن هذه المُستقبلات بطيئة النقل العصبي نسبياً، مما يجعلها قادرةً على نقل حسّ الألم على فترةٍ طويلةٍ لتولّد الشعور بالألم المستمر لفتراتٍ طويلة (أي الألم المزمن).

تنتقل السيالة العصبية الناتجة عن تنبيه المُستقبلات الخاصة بالناقل SP إلى القرن الخلفي للنخاع الشوكي، ولا توجد مُستقبلاتٌ لهذا الناقل الدماغ على عكس الغلوتامات، يعتمد مبدأ عمل معظم مسكنات الألم الأفيونية، كالمورفين (Morphine) على إغلاق مستقبلات هذه النواقل في النخاع الشوكي لتثبيط انتقال حسّ الألم المزمن.

ما هي أهمية حسّ الألم؟

على الرغم من كون حسّ الألم غير مرغوبٍ به، بالإضافة لكونه العرض الرئيسي للكثير من الأمراض، إلا أنه من أهمّ التنبيهات الحسية الضرورية لحماية الإنسان من الأمراض التي يكون فيها الألم العرض الأبرز، والذي قد يوجه إلى وجود اضطراباتٍ باطنةٍ أكبر، وبغيابه كما في بعض الأمراض، كالسكري يلاحظ أن المريض يتأخر في مراجعة الطبيب.

وتكون الأعراض قد تفاقمت كما في القدم السكرية، حيث إن المريض لا يرجع الطبيب إلا بعد ظهور تشوهاتٍ واضحةٍ في القدم، وذلك لعدم وجود حسّ الألم نتيجة الاختلاطات العصبية لداء السكري، بالإضافة إلى أن حسّ الألم ضروريٌّ للنمو الطبيعي للطفل، حيث إن غياب حسّ الألم عند الرضع نتيجة بعض الأمراض الوراثية يؤدي إلى تعريض الطفل إلى الرضوض بشكلٍ مستمر دون أن يشتكي منه الأمر الذي يؤدي تعرُّضه للأذى المستمر، وحدوث الوفاة المبكرة نتيجة غياب حسّ الألم. [1]

المراجع البحثية

1- Abpp, R. J. G. P., Ray, C. T., PhD, Spights, K., Ms, T. G., Beggs, E., & Candidate, R. H. P. (2016, June 16). The Neuroscience of Pain. Medcentral. Retrieved December 20, 2023 

This website uses cookies to improve your web experience.