الثقب الأسود
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
كيف بدأت فكرة وجود الثقب الأسود؟
العالم الألماني كارل شفارتزشيلد في عام 1915 في أحد خنادق الجيش الألماني أثناء الحرب العالمية الأولى كان يملأ وقته في التفكير في معادلات آينشتاين، ونظريته الجديدة في النسبية العامة، حيث كانت معادلات آينشتاين معقدةً للغاية، بحيث يصعب إيجاد حلٍّ شاملٍ لها، لكن شفارتزشيلد حلَّها أثناء هذه الظروف الصعبة.
لقد ظهر من خلال الحلّ أنه إذا تمَّ حشر كتلةٍ في جسمٍ ما (مثل النجم) في حيّزٍ كروي نصف قطره يُسمى الآن نصف قطر شفارتزشيلد، فإن التشوه في المكان سيكون كبيراً جداً لدرجة أننا سنحصل على مكانٍ ذو جاذبيةٍ هائلةٍ جداً، بحيث حتى الضوء لن يفلت من جاذبية هذا الجسم المضغوط (وهو الثقب الأسود)، والمثال الأكثر وضوحاً لمثل هذا الجسم أو الحيّز هو النجم المنهار، هذا الجسم له مجالٌ أو مدىً للتأثير فيما حوله، ويُدعى أفق الحدث (Event horizon).
هذه الفكرة هي البداية الحقيقية الرياضية لاكتشاف الثقوب السوداء حتى يمكننا أن نتخيل كوكباً: مثل الأرض إذا انهار ليشكل ثقباً أسود، سيكون أفق الحدث له بقطر حوالي 9 ميليمتر فقط. كانت الثقوب السوداء نظريةً بحتةً على الورق لفترةٍ جيدةٍ بعد شفارتزشيلد، ولم تكن تُسمى أصلاً بهذا الإسم، بل بأحسن الأحوال كانت تُعرف بالنجوم المنهارة. يُنسبُ لقب ومصطلح “الثقب الأسود” إلى الفيزيائي الأمريكي جون ويلر عام 1964م، علماً أن هذه التسمية لا تُعبر بشكل علمي ودقيق عن هذه الكائنات لأنها في الحقيقة ليست ثقوباً ولا حتى لونها أسود. [1]
ما هو الثقب الأسود؟
هو جسمٌ كونيٌّ ذو جاذبيةٍ كبيرةٍ جداً، بحيث لا يستطيع حتى الضوء الهروب من جاذبيته، بالتالي لا يصدر عن قلبه أشعة، لذلك يصعب رصده أو تصويره بالطرق الاعتيادية. [2]
كيف ينشئ؟
يمكن أن يتشكل بموت نجمٍ ضخم، فعند نهاية حياة هذا النجم يصبح اللبُّ غير مستقر، وينهار النجم على نفسه، وتتطاير الطبقات الخارجية للنجم بعيداً، وتسبب الجاذبية بضغط الكتلة النجمية من جميع الجوانب على قلب النجم المُحتضر، حيث يتمُّ ضغطه إلى نقطة حجمها صفر تقريباً، وكثافةٍ لانهائية تُسمى هذه الحالة بالتفرد (Singularity). [3]
ما هي أنواع الثقوب السوداء؟
يتم تقسيمها من قبل عُلماء الفلك عموماً إلى ثلاث فئات وفقاً لكتلتهم:
1- الثقوب السوداء النجمية (Stellar-mass).
2- الثقوب السوداء فائقة الكتلة (Supermassive).
3- الثقوب السوداء متوسطة الكتلة (Intermediate-mass).
4- الثقوب السوداء البدائية (Primordial black holes).
فنطاق الكتلة هو الذي يحدد نوع الثقب الأسود. [4]
1- الثقوب السوداء النجمية
عندما ينفد وقود نجمٍ تزيد كتلته عن ثمانية أضعاف كتلة الشمس، ينهار جوهره وينفجر على شكل مستعرٍ أعظم، إذا كانت كتلته حوالي 20 ضعف كتلة الشمس أو أكثر، فإن قلب النجم ينهار ليشكل ثقباً أسود من النوع النجمي. يمكن أن تتراوح كتل هذه الثقوب المولودة حديثاً من بضعة أضعاف إلى مئات المرات من كتلة الشمس، اعتماداً على كتلة النجم الذي نشأ منه المُستعر الأعظم. [5]
ويمكن أن تستمر الثقوب ذات الكتلة النجمية في اكتساب الكتلة من خلال الاصطدام بالنجوم، والثقوب الأخرى. يسحب الثقب من هذا النوع الغاز من النجوم القريبة، فتسخن بدرجةٍ كافيةٍ لإنتاج الأشعة السينية، وهذا من أكثر الأدلة التي يمكن أن يتركها الثقب الأسود النجمي. [6]
2- الثقوب السوداء فائقة الكتلة
تحتوي كل مجرةٍ كبيرةٍ بما في ذلك مجرتنا درب التبانة، على ثقبٍ أسود فائق الكتلة في مركزها. هذه الأجسام العملاقة لها كتلة من مئات الآلاف إلى مليارات المرات من كتلة الشمس، على الرغم من أن بعض العلماء يضعون الحد الأدنى بعشرة آلاف كتلة الشمس. [7]
الثقب الأسود في مركز مجرتنا، تبلغ كتلته 4 ملايين مرة كتلة الشمس، وهي صغيرةٌ نسبياً مقارنةً بتلك الموجودة في بعض المجرات الأخرى. على سبيل المثال الثقب في مركز مجرة Holmberg 15A كتلته 40 مليار كتلة شمسية على الأقل، والثقوب الفائقة يمكن أن تنمو عن طريق التغذي على أجسام أصغر، مثل: أقاربها الثقوب السوداء النجمية. يمكنهم أيضاً الاندماج مع الثقوب الأخرى الفائقة عندما تصطدم المجرات.
3- الثقب الأسود المتوسط
يشعر العلماء بالحيرة من الفجوة الحجمية بين الثقوب السوداء النجمية، والثقوب السوداء الهائلة، حيث يُعتقد أنه يجب أن تكون هنالك سلسلة متصلة من الأحجام على مدار الزمن الكوني، كان من المفترض أن تكون التصادمات بين الثقوب السوداء النجمية قد أنتجت بعض الثقوب المتوسطة الكتلة، حيث يجب أن تتراوح هذه من حوالي مئة إلى مئات الآلاف من أضعاف كتلة الشمس. [8]
4- الثقوب السوداء البدائية
يفترض العلماء أنها تشكلت في الثانية الأولى بعد ولادة الكون، ويحتمل أن تكون كتلتها تتراوح من 100000 مرة أقل من مشبك الورق إلى 100000 مرة أكثر من الشمس. ثمَّ توسّع الكون وتبرّد بسرعة. [9]
الآن بعد 13.8 مليار سنة، لم يجد العلماء بعد دليلاً قاطعاً على وجودها. ومع ذلك من الممكن أن تكون قد تبخرت مع تقدم عمر الكون بسبب العمليات الميكانيكية الكمومية التي تحدث على حواف أفق الحدث. وفقاً للتنبؤات النظرية فإن الثقوب ذات الكتلة الأقل (تلك ذات الكتلة الأقل من جبل صغير) سوف تتبخر بسرعةٍ أكبر من الثقوب الكبيرة مما قد يعني أن العديد من هذه الثقوب السوداء المبكرة قد تبددت. لكن الثقوب السوداء البدائية الأكثر ضخامةً يمكن أن تظل باقيةً عبر الكون.[10]
كيف يتم رصد الثقب الأسود؟
هنالك عدة طرق من أهمها:
1- موجات الجاذبية
وهي من أشهر تنبؤات آينشتاين التي تمَّ إثباتها عام 2016، وهي قد تكون عن اندماج ثقبين أسودين. كما أن تأثير عدسة الجاذبية للثقب تُعتبر من أهم الأدلة على وجوده في مكان ما، علماً أن عدسة الجاذبية تسبب برؤية النجوم في مكان مختلف عن مكانها الأصلي بسبب انحناء الضوء الصادر عنها عند مروره بالقرب من ثقبٍ أسود. [11]
2- سلوك الأجسام المجاورة لها
تؤثر الثقوب السوداء على الأجسام المجاورة، فمثلاً: عندما تمَّت مراقبة نظام ثنائي من النجوم المدارية عام 2020، وجد أن لهما سلوكاً غريباً في الحركة، وأن حركتهما تختلف عن المتوقع، فتبين أن هذا الشذوذ في الحركة سببه تأثرها بثقبٍ أسود قريب منها، حيث وجدوا أن له 4 أضعاف كتلة الشمس، ويقع على بعد 1000 سنةٍ ضوئيةٍ عنا.
3- الأشعة السينية
يسحب الثقب الأسود الغاز من النجوم القريبة، فتسخن بدرجةٍ كافيةٍ لإنتاج الأشعة السينية، وهذا من أكثر الأدلة التي يمكن أن يتركها الثقب الأسود النجمي، فوفق ذلك كُشف حتى الآن عن حوالي 50 ثقبٍ أسود في مجرة درب التبانة، لكن العلماء يعتقدون أنه قد يكون هنالك ما يصل إلى 100 مليون في مجرتنا وحدها.
هل تمَّ تصوير الثقوب السوداء؟
في أبريل/نيسان 2019، في شكل صورة مباشرة من نوع فائق الكتلة في مركز مجرة “ميسييه 87” (Messier 87) تمَّ التقاط الصورة الحقيقية للثقب الأسود بواسطة تلسكوب “أفق الحدث”.
حيث يتكون هذا التلسكوب من شبكةٍ كبيرةٍ من التلسكوبات المنتشرة في جميع أنحاء العالم. كانت جودة الصورة النهائية أفضل. وتظهر النتيجة بوضوح الظل الداكن للثقب الذي تبلغ كتلته 6.5 مليارات كتلة شمسية.
المراجع البحثية
1- Clegg, B. (2022, June 28). What is a black hole and how did we discover them? Black holes: What are they and how did we discover them? | BBC Science Focus Magazine. Retrieved March 21, 2023
2- Dutfield, S. (2019, April 10). How to detect Black Holes. How It Works. Retrieved March 21, 2023
3- Encyclopædia Britannica, inc. (n.d.). Black Hole. Encyclopædia Britannica. Retrieved March 21, 2023
4- Arca-Sedda, M., & Capuzzo-Dolcetta, R. (2019, February). The megan project II. gravitational waves from intermediate-mass and binary black holes around a supermassive black hole. NASA/ADS. Retrieved March 29, 2023
5- Lorimer, D. R., & Kramer, M. (2005). Handbook of pulsar astronomy (Vol. 4). Cambridge university press.
6- Detecting black holes. Lecture 26: Detecting Black Holes. (n.d.). Retrieved March 29, 2023
7- Volonteri, M. (2012, August 6). The formation and evolution of massive Black Holes. arXiv.org. Retrieved March 29, 2023
8- Lai, K.-H., Hannuksela, O. A., Herrera-Martín, A., Diego, J. M., Broadhurst, T., & Li, T. G. F. (2018, November 26). Discovering intermediate-mass black hole lenses through gravitational wave lensing. arXiv.org. Retrieved March 29, 2023
9- carr, B., Yokoyama, J. ichi, Sendouda, Y., & Kohri, K. (2021, December 7). Constraints on primordial black holes – iopscience – institute of physics. Retrieved March 29, 2023
10- NASA. (2023, January 3). Black Holes. NASA. Retrieved March 21, 2023
11- American Physical Society. (2016, February 11). Observation of gravitational waves from a binary black hole merger. Physical Review Letters. Retrieved March 29, 2023
Comments are closed.