Skip links
رسم توضيحي لتوسع الكون بعد الانفجار العظيم

نظرية الانفجار العظيم

الرئيسية » المقالات » الفضاء » نظرية الانفجار العظيم

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

نظرية الانفجار الكبير (The big-bang theory) هي النظرية السائدة حول أصل الكون في عصرنا الحالي، وتنصُّ هذه النظرية على أن الكون بدأ من نقطةٍ أولية أو نقطة تفرُّد (Singularity) ثم توسعت على مدى مليارات السنين لتشكل الكون الذي نعرفه الآن.

كيف بدأت قصة توسُّع الكون؟

في الواقع كانت هناك بالفعل أدلة رصدية على توسُّع الكون (Universe Findings) في عام 1912، فقد لاحظ عالم الفلك الأمريكي فيستو سليفر (Vesto Slipher) مجرةً حلزونية، وسجل انزياحها الأحمر (Redshift)، وبالتالي هذه المجرّة تسافر بعيدًا عن الأرض. كانت هذه النتائج مثيرةً للجدل إلى حدٍّ كبيرٍ في ذلك الوقت، فتوسُّع الكون لم يكن معروفاً أو متداولاً في الوسط العلمي آنذاك.

وفي عام 1922 وجد عالم الكونيات والرياضيات الروسي ألكسندر فريدمان (Alexander Friedman) أن حلول معادلات النسبية العامة (Genera lrelativity) لألبرت آينشتاين أدت إلى تمدُّد الكون، وهذا كان غير منطقي من وجهة نظر آينشتاين لذلك، وليضمن عدم تمدُّد الكون أضاف ثابتًا إلى معادلاته لتصحيح هذا الخطأ الذي سمّاه الثابت الكوني (Cosmological constant)، وبالتالي القضاء على مشكلة التوسُّع، وقد وُصف هذا لاحقًا بأنه أكبر خطأ فادحٍ في حياة آينشتاين.

وفي عام 1924 تمكن عالم الفلك إدوين هابل (Edwin Hubble) قياس مسافة ابتعاد مجرّةٍ عن مجرّة درب التبانة، فكان ذلك بمثابة الدليل القاطع لتوسُّع الكون. في عام 1927 قام الكاهن والفيزيائي الكاثوليكي الروماني جورج لوميتر (Georges Lemaitre) بحساباتٍ أثبتت مرةً أخرى أن الكون لا بدَّ أن يتوسّع. تمَّ دعم هذه النظرية من قبل هابل عندما وجد في عام 1929 أن هناك علاقة بين المسافة بين المجرات، وكمية الانزياح الأحمر في ضوء تلك المجرة، وكانت المجرّات البعيدة تبتعد بشكلٍ أسرع، وهو بالضبط ما تنبأت به حلول لوميتر.

وفي عام 1931، ذهب لوميتر إلى أبعد من ذلك في تنبؤاته، حيث وجد أن مادة الكون ستصل إلى كثافةٍ ودرجة حرارةٍ لا نهائيتين في وقتٍ محدد في الماضي، وهذا يعني أن الكون يجب أن يكون قد بدأ في نقطةٍ صغيرةٍ وكثيفةٍ من المادة تُسمّى الذرة البدائية. هذا كان داعماً لفكرة الخلق للكون على عكس ما كان سائداً في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي بأن الكون أزلي. [1]

من أين جاء مصطلح الانفجار العظيم؟

إن بحثنا في جوجل عن مصطلح الانفجار الكبير سيعطينا ما يقارب 28.6 مليون نتيجة، وهو مؤشرٌ تقريبيٌّ لشعبية المصطلح الذي أصبح منذ أواخر الستينيات مرادفًا تقريبًا للنموذج القياسي لعلم الكونيات الحديث.

ومن المفارقات أن هذا المصطلح صاغه أشدُّ المعارضين لنظرية الانفجار العظيم، وهو فريد هويل (Fred Hoyle) في عام 1949 حيث أطلق اسم الانفجار العظيم على هذه النظرية من باب السخرية والاستهجان، وعلى الرغم من أنه من المُتفق عليه على نطاقٍ واسعٍ أن الانفجار الكبير هو تسميةٌ خاطئة، لأن ما حدث ليس انفجاراً بالمعنى الحرفي بما يوحيه مصطلح انفجار من عشوائيةٍ وفوضى، إلا أن هذا المصطلح تمَّ اعتماده في الأوساط العلمية حيث تمَّت كتابة أكثر من ألف مقالةٍ علميةٍ بعنوان الانفجار الكبير في عنوانها. [2]

كيف تطور الكون وفق نظرية الانفجار العظيم؟

1- مرحلة الحالة المفردة (Singularity)

في البداية كانت كل المادة تتكاثف وتتجمّع في نقطةٍ واحدةٍ ذات كثافةٍ لا نهائية، وحرارةٍ شديدة ندعوها الحالة المفردة، وفي هذه الحالة لم تكن هناك قوىً فيزيائية، وهذه الفترة تُدعى زمن بلانك (Planck period of time) حيث تمتدُّ فترة من اللحظة 0 إلى ما يقارب من 43-10 ثانية، وبسبب الحرارة الشديدة، والكثافة العالية تصبح الحالة المفردة غير مستقرة إلى حدٍّ كبير لتبدأ بالتوسُّع والتبرد شيئاً فشيئاً، مما يؤدي إلى ظهور القوى الأساسية للفيزياء (القوى القوية، القوى الضعيفة، الجاذبية، الكهرطيسية).

وعندما أصبح الزمن بين 43-10 ثانية و 36-10 ثانية، بدأت القوى الأساسية بالانفصال عن بعضها البعض والتمايز، وكانت الخطوة الأولى في ذلك هي قوة الجاذبية، ومن الزمن من 36-10 ثانية إلى 32-10 ثانية تصبح درجة حرارة الكون أقلّ مما كانت عليه بحيث تتمكن القوى الكهرومغناطيسية والقوى النووية الضعيفة من الانفصال والتمايز عن بعضها.

2- مرحلة التضخيم (Inflation Epoch)

مع تكوين القوى الأساسية الأولى للكون بدأ عصر التضخُّم الذي استمر من اللحظة 10 ثانية إلى اللحظة 32 ثانية من زمن بلانك حتى نقطةٍ غير معروفة، وفي هذه المرحلة كان الكون يمتاز بوجود كثافة طاقةٍ عالية، وأن درجات الحرارة والضغط المرتفعة بشكلٍ لا يصدق أدت إلى التوسُّع السريع والتبريد.

نتيجة لذلك، تمَّ إنشاء وتدمير أزواج الجسيمات والجسيمات المضادة بجميع أنواعها بشكلٍ مستمر في الاصطدامات، والتي يُعتقد أنها أدت إلى هيمنة المادة على المادة المضادة في الكون الحالي، وبعد توقف التضخم كان الكون يتكون من البلازما، بالإضافة إلى جميع الجسيمات الأولية الأخرى، ومن هذه النقطة فصاعدًا بدأ الكون يبرد، وتجمَّعت المادة وتشكلت.

3- عصر التبريد (Cooling Epoch)

ومع استمرار حرارة وكثافة الكون في الانخفاض أخذت القوى الأساسية للفيزياء والجسيمات الأولية شكلها الحالي. في زمن من 6 إلى 10 ثوانٍ بدأ تشكيل البروتونات والنيوترونات، ونظرًا لأن درجات الحرارة لم تكن عاليةً بما يكفي لإنشاء أزواجٍ جديدة من البروتون والبروتون المضاد، فكان وجود الجسيمات المضادة نادراً جداً، فلا يوجد سوى جسيمٍ مضادٍّ واحدٍ من كل 1010 من البروتونات والنيوترونات الأصلية.

وفي هذه الفترة سيطرت الفوتونات على كثافة طاقة الكون، وبعد دقائق قليلة بدأت أيضًا الفترة المعروفة باسم التشكّل النووي للانفجار الكبير (Big Bang nucleosynthesis ) بفضل انخفاض درجات الحرارة إلى مليار الكلفن، وانخفاض كثافة الطاقة إلى ما يعادل الهواء تقريبًا بدأت النيوترونات والبروتونات في الاتحاد لتكوين أول النوى في الكون (نواة الديتريوم، وهي أحد نظائر الهيدروجين) وذرات الهيليوم، ومع ذلك ظلت معظم بروتونات الكون غير متحدةٍ كنواة هيدروجين.

وبعد حوالي 379000 سنة، اتحدت الإلكترونات مع هذه النوى لتكوين الذرات (معظمها هيدروجين)، في حين انفصل الإشعاع عن المادة، واستمر هذا الإشعاع في الانتشار، وهو ما يشكل ما يُسمّى الخلفية الكونية الميكروية (CMB)، والتي تعدُّ اليوم أقدم ضوءٍ في الكون. ومع توسُّع الإشعاع CMB، فقد تدريجيًا كثافته وطاقته، ويمكن رؤية الإشعاع CMB في جميع الاتجاهات على مسافة حوالي 13.8 مليار سنة ضوئية، ولكن تقديرات المسافة الفعلية له تضعه على بعد حوالي 46 مليار سنة ضوئية من مركز الكون.

4- عصر التشكّل (Structure Epoch)

على مدار عدة مليارات من السنين التي تلت عصر التبريد بدأت المناطق الأكثر كثافةً في مادة الكون تنجذب إلى بعضها البعض بفعل الجاذبية لتشكل سحبًا غازية، ونجومًا، ومجرات، وكواكب وغيرها من الهياكل الفلكية التي نلاحظها بانتظام اليوم، وهذا ما يُعرف بعصر التشكل. [3]

ماهي أدلة نظرية الانفجار العظيم؟

1- الانزياح نحو الأزرق والانزياح نحو الأحمر (Blueshift and redshift)

عندما تنزاح خطوط الامتصاص للطيف الكهرطيسي نحو اللون الأزرق، فإن ذلك يُسمّى انزياحًا نحو الأزرق، وهذا يعني أن المجرّة تقترب منا. أما إذا انزاحت خطوط الامتصاص نحو المنطقة الحمراء من الطيف، فإن ذلك يسمّى انزياحًا أحمر، وهذا يعني أن المجرّة تبتعد عنا، وعند دراسة خطوط الامتصاص في جميع المجرّات تقريبًا نجد أنها تنزاح نحو الأحمر، وبالتالي الكون في توسُّعٍ مستمر.

2- إشعاع الخلفية الكونية الميكروي (CMBR)

اكتشف CMBR من قبل الأمريكيان أرنو بنزياس (Arno Penzias) وروبرت ويلسون (Robert Wilson) بالصدفة في عام 1964حيث تمّ تحديده في النهاية على أنه إشعاعٌ من خارج مجرة درب التبانة، ويُعتبر إشعاع الخلفية الكونية الميكروي (CMBR) هو الإشعاع الحراري المتبقي من الانفجار الكبير حيث تبلغ درجة حرارتها 2.725 كلفن أو 2.725 درجة مئوية فوق الصفر المطلق، وينتشر إشعاع الخلفية الكونية الميكروي في الكون بأكمله، ويمكن اكتشافه في جميع أنحاء السماء في أي وقتٍ من النهار أو الليل. [4]

المراجع البحثية

1- Jones, A. Z. (2007, December 21). Understanding the big-bang theory. ThoughtCo. Retrieved September 9, 2023 

2- Kragh, H. (2013). Big Bang: the etymology of a name. Astronomy & Geophysics, 54(2), 2.28-2.30. Retrieved September 9, 2023 

3- Williams, M. (2015, December 18). What is the Big Bang Theory? Phys.org. Retrieved September 9, 2023 

4- Turito. (2022, August 20). Big Bang Theory and its Evidence. US Learn; Turito. Retrieved September 9, 2023 

This website uses cookies to improve your web experience.