ميكانيكيا الكم – كيف بدأت وما هو التشابك الكمي؟
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
ما هي النظرية الموجية؟
على المستوى الأساسي، يتمتع كل من الإشعاع والمادة بطبيعة ثنائية، وهما الطبيعة الموجية والطبيعة الجسيمية، حيث اعتقد معظم علماء الفيزياء في القرن الثامن عشر متأثرين بتصور نيوتن أن الضوء يتكون من جسيمات (Corpuscles). لكن منذ عام 1800 م تقريبًا بدأت الأدلة تتراكم لصالح النظرية الموجية للضوء (wave theory of light)، وفي هذا الوقت تقريبًا أظهر توماس يونج (Thomas Young) أنه إذا مرّ ضوءٌ وحيد اللون (أي ضوء عدا الأبيض) عبر زوجٍ من الشقوق، فإن الشعاعين الناشئين يتداخلان بحيث يظهر على الشاشة بشكلٍ متناوبٍ نمطاً هامشياً من النقاط المضيئة والمُعتمة، والتي تُسمّى الأهداب، وهذه النقاط لا يمكن تفسيرها إلا من خلال النظرية الموجية للضوء، بينما تعجز النظرية الجسيمية عن تفسير مثل ذلك.
بدءًا من عام 1815 م أظهرت سلسلة من التجارب التي أجراها أوغستين جان فرينيل (Augustin-Jean Fresnel) من فرنسا وآخرون، أنه عندما يمرُّ شعاعٌ ضوئيٌّ متوازٍ عبر شقٍّ واحد، فإن الشعاع الخارج منه سوف ينحرف عن مساره، وهذه تجربةٌ أخرى تبين الطبيعة الموجية للضوء، حيث أطلق على هذه الظاهرة بالحيود أو الانعراج (Diffraction).
بحلول نهاية القرن التاسع عشر أصبحت النظرية الموجية تلاقي قبولاً كبيراً في الوسط العلمي، لكنها اصطدمت بظاهرة امتصاص الضوء وإصداره، فهذه النظرية عجزت عن تفسير هذه الظاهرة الغريبة، حيث تشعُّ جميع الأجسام الساخنة طاقةً كهرطيسية (إشعاع الجسم الأسود) بطولٍ موجيٍّ وطاقةٍ تعتمدان على درجة حرارة الجسم، وجرت محاولاتٌ لتفسير ذلك باستخدام الأفكار الكلاسيكية للفيزياء لكنها باءت بالفشل.
كيف بدأت نظرية الكم؟
في عام 1900 م قدَّم عالم الفيزياء النظرية الألماني (Max Planck) ماكس بلانك تفسيراً ثورياً لظاهرة امتصاص وإصدار الضوء التي عجزت النظرية الموجية عن تفسيرها، حيث افترض أن الطاقة الإشعاعية تنبعث بشكلٍ متقطع على شكل حزمٍ أو كمّاتٍ منفصلة من الطاقة، والتي تسمَّى الكوانتا (Quanta) بحيث ترتبط طاقة هذا الكم E بالتردد f، ليشكل هذا التفسير بدايةً لنشوء علمٍ عظيمٍ هو ميكانيكا الكم.
وفي عام 1905 وسّع آينشتاين فرضية بلانك لشرح التأثير الكهروضوئي (Photoelectric effect)، وهو انبعاث الإلكترونات من سطحٍ معدني عندما يتعرَّض للضوء، حيث تعتمد الطاقة الحركية للإلكترونات المُنبعثة على تردّد الإشعاع f، وليس على شدّته حيث أظهر آينشتاين أن هذه النتائج يمكن تفسيرها بافتراضين:
1- أن الضوء يتكون من جسيماتٍ أو فوتونات (Photons).
2- أن الذرة في المعدن يمكنها امتصاص فوتونٍ كاملٍ أو لا شيء، فتحرُّر جزءاً من طاقة الفوتون المُمْتص على شكل إلكترون. فكانت دراسات آينشتاين هذه، والتي نال إثرها جائزة نوبل في الفيزياء داعماً كبيراً لنظرية الكم. [1]
كيف تصف ميكانيكا الكم الذرات؟
في العقد الأول من القرن العشرين، حاول الفيزيائي الدنماركي نيلز بور (Niels Bohr) وصف البنية الداخلية للذرات باستخدام ميكانيكا الكم (Quantum mechanics)، حيث وضع بور الإلكترونات في مداراتٍ حول النواة وفق نظام الكواكب التي تدور حول الشمس، ومن خلال القفز من مدارٍ إلى آخر، يمكن للذرة أن تمتصّ أو تصدر إشعاعًا عند طاقاتٍ معينة.
وبعد ذلك بوقتٍ قصير، قام عالمان يعملان بشكلٍ مستقل بإنشاء صورةٍ كموميةٍ أكثر اكتمالًا للذرة، حيث أنجز الفيزيائي فيرنر هايزنبرغ (Werner Heisenberg) هذا الأمر من خلال تطوير ميكانيكا المصفوفة (Matrix mechanics). وطوّر الفيزيائي النمساوي الأيرلندي إروين شرودنغر (Erwin Schrödinger) نظريةً مماثلةً تسمّى ميكانيكا الموجة (wave mechanics)، وهذا نموذج هايزنبرج-شرودنغر للذرة الذي حل محل نموذج بور، حيث يعمل وفق هذا النموذج كل إلكترون كموجةٍ حول نواة الذرة، ووفق هذا النموذج المدارات الذرية لها مجموعةٌ متنوعةٌ من الأشكال.
ما هي قطة شرودنجر؟
قطة شرودنغر (Schrödinger’s cat) هي تجربةٌ فكريةٌ يُساء فهمها في كثيرٍ من الأحيان، تصف المخاوف التي كانت لدى بعض المطورين الأوائل لميكانيكا الكم بشأن نتائجها. في عام 1935 اقترح شرودنجر تجربةً، وهي عبارةٌ عن قطةٍ ضمن صندوقٍ مغلقٍ موجود فيه مادةٌ مشعّة، ويمكن أن تتسرب في أي لحظة، وتقتل القطة، ويمكن ألا تتسرب، فتبقى القطة على قيد الحياة.
وبما أن الصندوق مغلقٌ، ولا نستطيع رؤية ما يحدث داخله (دون فتحه)، فلن نستطيع أن نجيب على سؤال هل القطة ميتة أم على قيد الحياة. كان شرودنغر يأمل في إظهار سخافة أفكار بور من وجهة نظره بمثالٍ من العالم الحقيقي يعتمد على الطبيعة الاحتمالية للجسيم الكمّي، ولكنه أسفر عن نتيجةٍ لا معنى لها أصلاً. [2]
ما هو التشابك الكمي؟
التشابك الكمي هو أحد نتائج نظرية الكم، حيث سيظهر جسيمان مرتبطان عبر المكان والزمان (متشابكان)، ويدوران باتجاهين متعاكسين (مجازاً) ثم عزلنا أحدهما عن الآخر، ووضعنا كل جسيٍمٍ بمكانٍ مختلفٍ عن الآخر ثم قمنا بتغيير اتجاه دوران الأول، فإن الثاني يبدّل اتجاهه تلقائياً مع أنه بعيدٌ جداً عن الأول.
إذاً هنالك تشابكٌ وارتباطٌ من نوعٍ ما بين الجسيمين، وهذا الارتباط يضمن أن أي تأثيرٍ على الأول سيؤثر على الثاني في ذات الوقت بعيداً عن مفهوم المسافة بينهما. لم يكن آينشتاين راضياً عن تلك الفرضية لأنه ظن أنها تتجاوز وتخرق ما وضعه من قوانين النسبية، لذلك أطلق عليها من باب السخرية اسم (الفعل الشبحي عن بعد) (Spooky action at a distance)، ولكن سرعان ما أطلق عليها شرودنغر اسم التشابك (Entanglement).
من المفاهيم الخاطئة الشائعة حول التشابك هو أن الجسيمات تتواصل مع بعضها البعض بسرعةٍ أكبر من سرعة الضوء، وقد أظهرت التجارب أن هذا غير صحيح، ولا يمكن استخدام فيزياء الكم لإرسال اتصالاتٍ أسرع من الضوء، فالتشابك الكمي يمكن أن يكون هناك ارتباط دون اتصال، ويمكن اعتبار الجسيمات ككائنٍ واحدٍ أصلاً.
لقد ثبت أن التشابك هو أحد أهمّ جوانب ميكانيكا الكم، ويحدث في العالم الحقيقي طوال الوقت، ويجري الباحثون في كثير من الأحيان تجارب باستخدام التشابك الكمي، وتعدُّ هذه الظاهرة جزءًا من الأساس لمجال الحوسبة الكمومية الناشئ (Quantum computing). [3]
المراجع البحثية
1- Squires, G. Leslie (2023, September 9). quantum mechanics. Encyclopedia Britannica. Retrieved October 15, 2023
2- Mann, A. (2022, March 4). What is quantum mechanics?. Live Science. Retrieved October 15, 2023
3- Vidick, T. (n.d.). What is entanglement and why is it important?. Caltech Science Exchange. Retrieved October 15, 2023