Skip links
مسبار باركر الفضائي بالقرب من الشمس الضخمة ويظهر حجمه الصغير أمامها ويوجه أجهزة الاستشعار نحوها ويملك لاقط إشارة طويل

مسبار باركر الشمسي المهمَّة الأولى لاستكشاف أعماق الشمس

الرئيسية » المقالات » الفضاء » مسبار باركر الشمسي المهمَّة الأولى لاستكشاف أعماق الشمس

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

استطاعت البشرية منذ زمن بعيد استكشاف الكثير من الكواكب والأجسام الفضائية عبر أجهزة الرصد أو بشكل أدقّ عبر إرسال مهمّات استكشاف لهذه الأجسام عن قرب، وبفضل هذه المهمّات استطعنا الوصول إلى كواكب بعيدة عن الأرض والتعرف على خصائصها، إلا أن إرسال مهمّات مشابهة لاستكشاف الشمس لم يكن بالأمر السهل على الإطلاق.

ما الذي قد يجعل إرسال مسبار استكشافي نحو الشمس مهمةً صعبةً ومعقدة؟

 يتبادر إلى الذهن أن المشكلة الأولى هي الحرارة المرتفعة وأشعة الشمس، والتي قد تجعل فكرة الاقتراب منها أمراً صعباً، وبالفعل فإن درجة الحرارة المرتفعة تشكل أحد العقبات أمام إرسال أي مهمة إلى الشمس، ولكن على عكس التوقع، فإن درجة الحرارة على سطح الشمس أقلّ من درجة الحرارة في أعلى طبقات غلافها الجوي.

أحد المشاكل الأخرى التي لعبت دوراً رئيسياً في تأخير إطلاق أولى المهمّات هو اختيار المدار المناسب الذي يستطيع المسبار من خلاله الاقتراب بما فيه الكافية من الشمس، فلا يمكن إرسال المسبار باتجاه الشمس مباشرةً لأنه سيخضع لتأثير جاذبية العديد من الكواكب، بالإضافة للشمس مما يجعله يدور ضمن مدارات بعيدة عن الشمس وغير مفيدة في دراسة الشمس بالدقة الكافية.

ممّ يتألف الغلاف الجوي للشمس؟

يتألف الغلاف الجوي للشمس بشكل رئيسي من ثلاث طبقات: (Photosphere، Chromosphere، Corona) حيث تُعتبر طبقة (Photosphere) أي الطبقة الضوئية أعمق طبقة للشمس استطاعت البشرية رصدها عن بعد، وعند هذه الطبقة التي تُعتبر فعلياً سطح الشمس تتراوح درجة الحرارة ما بين 11000 إلى 7460 فهرنهايت، والتي تُعتبر بالفعل درجة حرارة مرتفعةً جداً.

 إذا ابتعدنا قليلاً عن سطح الشمس، ووصلنا إلى الطبقة الثالثة والأخيرة يُفترض أن تصبح درجة الحرارة أقلّ بشكل ملحوظ مما يجعل هذا المدار هدفاً مناسباً لتستقرَّ فيه المهمات الاستكشافية للشمس، لكن في الواقع تصل درجة الحرارة في هذه الطبقة (Corona) إلى ما يقارب 3.5 مليون فهرنهايت أي حوالي 300 ضعف درجة الحرارة على سطح الشمس، وذلك لسبب غير محدد بدقة إلى يومنا هذا مما جعل تطوير مسبار قادر على اختراق هذه الطبقة مهمةً صعبةً، وقد استغرق وقت طويل لتطوير مسبار قادر على اختراق هذا المجال من الغلاف الجوي للشمس. [1]

أول مسبار يلمس الشمس

في عام 2018 أعلنت ناسا عن إطلاق مسبار باركر الشمسي (Parker Solar Probe) لدراسة الشمس بشكل أدقّ من أي وقت مضى، ففي عام 2021 أصبح مسبار باركر أول مسبار يستطيع (لمس) الشمس، وبلفظ أدقّ استطاع دخول الطبقة الثالثة من طبقات الغلاف الجوي للشمس طبقة Corona، وذلك بالاعتماد على العديد من التقنيات الحديثة.

زُوِّد المسبار بدرعٍ شمسي مؤلف من رغوة الكربون (Carbon foam)، والتي تتميز بالوزن الخفيف جداً بالإضافة إلى الثباتية الحرارية لهذه المادة، مما مكّنه من تحمل درجات حرارة مرتفعة جداً تصل لحوالي 2600 فهرنهايت، الأمر الذي مكَّنه من الاقتراب ودراسة الحقل المغناطيسي للشمس، ودراسة ظاهرة التوهُّج الشمسي (Solar flare) التي تمثل ألسنة لهب شديدة الحرارة تنطلق من طبقة (Photosphere)، وتمتدُّ إلى الطبقات الأعلى من الغلاف الجوي للشمس. [1] [2]

ما جعل هذا المسبار مميزاً هو اقترابه الشديد من الشمس، والذي حدث أول مرة في عام 2021 ثم أكمل مداره مبتعداً عن الشمس، وهذه الرحلة ستتكرر أكثر من 20 مرة خلال السنين السبع القادمة، وفي كل مرة يصغر مدار المسبار حول الشمس سيتمكن من الاقتراب أكثر من سطحها أثناء دورانه في مداره، وقد استطاع مسبار باركر الاقتراب إلى هذا الحدّ باستغلاله لمرور كوكب الزهرة، فعندما يقترب كوكب الزهرة من مدار مسبار باركر، فإن المسبار يستغلُّ جاذبية هذا الكوكب كعامل دفعٍ إضافي نحو الشمس، وتتكرر هذه الظاهرة في جزء معين من مدار المسبار، فيحصل دفع إضافي يجعل المسبار أقرب من الشمس في كل مرة بفضل جاذبية كوكب الزهرة.

إنجازات مسبار باركر

على الرغم من أن المسبار لا يزال في أولى مراحل عمله نسبياً إلا أن نجاح إطلاقه بما يحتويه من تقنيات يمثل إنجازاً بحدّ ذاته، وكما ذكر سابقاً بعد فترة قصيرة من إطلاق باركر استطاع أن يصبح أول مسبار يقترب من الغلاف الجوي للشمس حيث يبعد عن سطح الشمس مسافة 42.72 مليون كيلومتر فقط. بالإضافة إلى كون المسبار أسرع جسم تطلقه البشرية على الإطلاق بسرعة تصل إلى حوالي247 ألف كيلو متر في الساعة، وما يميز رحلة هذا المسبار أن كلا الرقمين يستطيع كسرهما مرةً أخرى في عام 2024 عندما يقترب من الشمس مرةً أخرى ببعد يصل فقط إلى 6.2 مليون كيلو متر، وبسرعة تصل إلى 700 ألف كيلومتر. [3]

استطاع المسبار إجراء العديد من القياسات الشمسية، وهو في داخل الغلاف الجوي الشمسي، وذلك باستخدام العديد من أجهزة التصوير التي قد زُوّد بها، وباستخدام هذه الأجهزة استطاع مسبار باركر التقاط أدلة على وجود منطقة خالية من أي غبار أو أجسام فضائية محيطة بالشمس. في السابق تنبَّأ عالم الفضاء (Henry Norris Russell) أن حرارة الشمس يجب أن تكون كافيةً لأن تُفتّت أي جسم محيط بها على بعدٍ معين، وبعد بحثٍ طويل عن أدلة تثبت وجود هذه المنطقة استطاعت الكاميرا (WISPER) الموجودة في مسبار باركر إثبات وجود هذه المنطقة ضمن نطاق دائري يُقدر نصف قطره بحوالي 3.5 مليون كيلومتر. [3]

مازال مسبار باركر يكشف لنا المزيد من أسرار نجمنا بما يحمله من تقنيات، وبما يحمله من حصيلة تطوير ودراسة استغرقت حوالي 70 سنة.

المراجع البحثية

1- Sharp, T. (2022, April 8). The Sun’s atmosphere: Photosphere, Chromosphere and Corona. Space.com. Retrieved May 1, 2023

2- Garner, R. (2018, July 5). Cutting-edge heat shield installed on NASA’s Parker Solar Probe. NASA. Retrieved May 1, 2023

3- Hatfield, M. (2022, April 29). Amazing achievements from Parker Solar Probe. NASA. Retrieved May 1, 2023

  1. السفر بين النجوم - كاف
    Permalink

Comments are closed.

This website uses cookies to improve your web experience.