لماذا الفضاء مُظلمٌ رغم أنَّه مليءٌ بالنجوم؟
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
عندما ننظرُ إلى السماء ليلاً أو نشاهد صوراً للكون، سَنرى ظلام الفضاء يتخلّله نجومٌ وكواكب لامعة، فلماذا يبدو الفضاء مُظلماً وأسوداً رغمَ أنَّه مليءٌ بالنجوم؟! إنه عددٌ لا يحصى منَ النجوم، وكلها مُشرقةٌ مثل الشمس، لماذا لا يكون الفضاء مُضيئاً كسماءِ الأرض نهاراً؟! في الكون اللانهائي بغضّ النظر عن الاتجاه الذي اخترته، إذا نظرت بعيداً بدرجةٍ كافية، فسوف ترى نجماً أو مجرّة، لذلك ينبغي أن تكون السماء كلها مُشرقةً مثل الشمس، ليلاً ونهاراً.
في عام 1500، حاول ليوناردو دافنشي تفسير ذلك، إذ تُظهر دفاتر مُلاحظاته أنَّه كانَ يراقب مرورَ ضوء الشمس عبرَ دخان الخشب المُحترق، مما يُشيرُ إلى أنَّه فهمَ ظاهرة تشتُّت الضوء. وفي سبعينيات القرن التاسع عشر، شاركَ العالم الإنجليزي، اللورد رايلي، في جزءٍ من تفسير سبب اللون الأسود للفضاء، والمفاجأة أتت من دراسةٍ عام 2021 وجدت أنَّ الفضاء مُشرق أعلى بمرتين مما نتوقع.
لذا سنلقي نظرةً على الأسباب التي تَجعل الفضاء يبدو أسوداً على الرغم من امتلائه بالنجوم والأشياء الأخرى. وسنتناول أيضاً كيفية تأثُّر ظلام الفضاء بالغلاف الجوي، والمسافة بين النجوم، وتوسُّع الكون. [1] [2] [3]
لماذا الفضاء مُظلمٌ؟
تَشتُّت الضوء
بدايةً، نحتاج إلى معرفة شيئين مُهمين حولَ كيفية إدراكنا للضوء:
أولاً: إنَّ ألوان ضوء الشمس المَرئي، ابتداءً منَ اللون البنفسجي الذي يمتلك طولاً موجياً قصيراً إلى الأزرق، والأخضر، والأصفر، والبرتقالي، والأحمر الذي يمتلك طولاً موجياً طويلاً، جميعها تنبعثُ منَ الشمس، ولكن ليسَ بكمياتٍ مُتساوية، إلَّا أنَّ اللون السائد في الطيف المرئي هوَ اللون الأزرق.
ثانياً: تَستشعر أعيننا الضوء الأخضر بشكلٍ أفضل من الألوان الأخرى، وتدرك الضوء الأزرق بشكلٍ جيد، وعندَ مزج الألوان معاً، تَظهر لنا جميع ألوان الضوء المرئي باللون الأبيض.
ينتقلُ الضوء في خطٍّ مستقيمٍ حتى يَصطدم بشيءٍ ما، وبمجرد أن يضرب الضوء جسماً ما ويرتدّ عنهُ، تحدثُ لهُ ظاهرةٌ تُسمّى “التشتُّت”، ويَعتمدُ هذا التشتُّت على حجم الجسيم أو الجزيء والطول الموجي للضوء الساقط. وفي حال عدم وجود المادة والجسيمات التي تبعثر الضوء، فإنَّ الضوء سوف ينتقلُ في خطٍّ مستقيم ولا يتشتّت، وبما أنَّ الفضاء عبارةٌ عن فراغٍ شبه كامل، أي أنَّه يحتوي على عددٍ قليلٍ جداً منَ الجزيئات، فلا يوجد شيء تقريباً في الفضاء بين النجوم والكواكب التي تُشتّت الضوء.
دور الغلاف الجوي
الأرضُ مَحاطةٌ بطبقةٍ من الغازات تُسمّى بالغلاف الجوي، ويتكون هذا الغلاف في الغالب منَ النيتروجين (78 بالمئة)، والأوكسجين (21 بالمئة)، وهناكَ أيضاً كميات صغيرة من ثاني أكسيد الكربون، والأرغون، وبخار الماء، ويُعدُّ الغلاف الجوي جزءاً مهمّاً جداً لبقاء الأرض آمنةً منَ الظروف القاسية للفضاء، كما ويَحمينا من أشعة الشمس الضارة، ويُساعد في الحفاظ على استقرار درجة حرارة الأرض، ويَمنحنا الهواء الذي نَحتاجهُ للعيش.
إنَّ موجات ضوء الشمس الطويلة (الحمراء) تكون أقل فعاليةً منَ الموجات الأقصر (الزرقاء) بسبب جزيئات الهواء الصغيرة الموجودة في غلافنا الجوي، وذلكَ نظراً لأنَّ الضوء الأحمر لهُ طول موجي (700 نانومتر) أكبر بحوالي 1.7 مرةً من الضوء الأزرق (400 نانومتر)، إذ أظهرت نتائج العالم رايلي أنَّ الضوء الأزرق لديهِ فرصةٌ للتشتُّت أكبر بنحوِ 9 مرات منَ الضوء الأحمر.
ويخرج هذا الضوء الأزرق المُتناثر في كل الاتجاهات عبرَ الغلاف الجوي، ويأتي إلينا من جميع أنحاء السماء أثناء النهار، لذا ينتشرُ الضوء في كل الاتجاهات عن طريق الغلاف الجوي، وهذا هوَ السبب في أنَّ السماء تبدو زرقاء خلال النهار، وهو الذي يمنحنا القدرة على رؤية الضوء والألوان، ولأنَّه يتحرَّك في موجات أقصر، لذا فإنَّ الضوء الأزرق ينتشرُ أكثر من الألوان الأخرى.
تتفاعل الذرات والجزيئات والغبار معَ الفوتونات، مما يؤدي إلى انتشارها عبرَ طبقاتٍ متزايدة الكثافة عندَ اقترابها من سطح الجسم، فعندما تكون الشمس قريبةً من الأفق يمرُّ ضوء الشمس عبرَ كميةٍ أكبر من الغلاف الجوي مقارنةً بما هو عليهِ عندما يكون في السماء، وعندما ينتقل الضوء لمسافةٍ أطول عبرَ الغلاف الجوي، فإنَّ مُعظم الضوء الأزرق يتشتّت، ويتحوَّل الضوء المُتبقّي إلى اللون البرتقالي، مما يؤدي إلى لون شروق الشمس وغروبها الجميل، والذي غالباً ما ننعم برؤيته.
ومعَ ذلك، فإنَّ تأثير التشتُّت هذا ليس ثابتاً، إذ يتجاهل تفسير العالم رايلي تأثير بخار الماء، وجزيئات الغبار، والأوزون، والملوثات الكيميائية، واستجابة العين، فكلٌّ من هذهِ الآليات يُمكن لها أن تُعزِّز أو تقلّل من لون شروق الشمس أو غروبها. ينتشرُ ضوء النجوم أيضاً عبرَ الغلاف الجوي، لكن ضوء النجوم البعيدة جداً ليس ساطعاً بما يكفي لرؤيته، ويُمكن أن ينتشر الضوء عن طريق الغبار والغاز، ولهذا السبب تبدو مجرّة درب التبانة عبارةً عن شريطٍ ضبابي من الضوء يمتدُّ عبرَ السماء، فتعملُ الغازات والغبار الموجود في قرص المجرّة على تشتيت الضوء الصادر منَ نجوم هذهِ المجرّة.
كما يُمكن أيضاً أن يتمُّ امتصاص الضوء عن طريق الغبار والغاز، ولهذا السبب تبدو بعض أجزاء مجرّة درب التبانة مُظلمةً في أجزاءٍ منَ السماء. وبالنتيجة، لا يوجد غلافٌ جويٌّ في الفضاء أو على القمر لتشتيت الضوء، لذا ينتقل ضوء الشمس في خطٍّ مستقيمٍ دون أن يتبدّد، وتبقى جميع الألوان معاً، فإذا نظرنا نحوَ الشمس نرى ضوء أبيض لامعاً، بينما إذا نظرنا بعيداً، فلن نرى سوى ظلام الفضاء الفارغ، وذلكَ لعدم وجود أي شيءٍ تقريباً في الفضاء ليبعثر الضوء أو يعيدُ إشعاعهُ إلى أعيننا، لذا فإننا لا نرى أي ضوء، وتبدو السماء بلونها الأسود المَعروف. [4] [5]
تَوسُّع الكون
قد تَعتقد أنَّه بما أنَّ هناك مليارات منَ النجوم في مجرتنا، ومليارات المجرّات في الكون والأجسام الأخرى، مثل: الكواكب، التي تعكس الضوء، فإنَّه عندما ننظر إلى السماء ليلاً، فإنَّها ستكون مشرقةً للغاية، إلّا أننا نرى الفضاء بلونه الأسود المَعروف.
ينتقل الضوء بسرعةٍ معينة، إذ يستغرق ضوء النجوم الموجودة في أقصى نهاية المجرّة (تلك الأبعد عن الأرض) وقتاً أطول للوصول إلى أعيننا مُقارنةً بالنجوم الأقرب إلى الأرض، وهذا يعني أننا عندما ننظر إلى النجوم، فإننا ننظر إلى ضوءٍ ربما تمَّ إرساله منذُ ملايين أو مليارات السنين.
فمثلاً: يبعدُ نجم بروكسيما سنتوري Proxima Centauri حوالي 4.24 سنة ضوئية عن الأرض (أي حوالي 24.9 تريليون ميل (السنة الضوئية هيَ المسافة التي يقطعها الضوء في سنة، أي حوالي 9.46 تريليون كيلومتر، وتُستخدم هذهِ الوحدة لقياس مَدى بعد النجوم لأنَّ ضوءها يستغرق وقتاً طويلاً للوصول إلينا، فكلما استغرق ضوء النجم وقتاً أطول للوصول إلينا، أصبح بعيداً).
وبما أنَّ الضوء يَستغرق وقتاً للانتقال عبرَ الكون، فعندَ توجيه تلسكوبٍ نحوَ شيءٍ بعيدٍ جداً، فإنَّنا في الواقع نرى ذلك الجزء منَ الكون كما كانَ عندما انبعث الضوء منه. تُطلقُ النجوم الضوء بجميع الألوان، حتى الألوان غير المرئية للعين البشرية، مثل: الأشعة فوق البنفسجية، أو الأشعة تحت الحمراء، فإذا تَمكّنا من رؤية الموجات الميكروية، فسوفَ يتوهّج الفضاء كله.
إنَّ هذهِ الأشعة تُسمّى بالخلفية الكونية الميكروية، وهي الطاقة الضوئية الناتجة عنَ الانفجار العظيم، والتي تناثرت بواسطة البروتونات والإلكترونات المَوجودة خلالَ بداية الكون، والتي لا تزال تَملأ الفضاء بأكمله. [6] [7]
الانزياح نحوَ الأحمر
منَ النظريات التي وضعها العلماء أنَّ الكون يتوسَّع مُبتعداً عن الأرض، وبالتالي فإنَّ ضوء النجوم يبتعد أيضاً، لذا يصبحُ الطول الموجي للضوء أطول، وكلما زادَ الطول الموجي، قلَّ الضوء المرئي، حتى لا يكون هناكَ ضوءٌ يُمكننا رؤيته، كما يحدثُ للصوت تماماً.
فعندما نسمع سيارة إسعاف، فإنَّ صوتها يرتفع كلما اقتربت، وينخفض الصوت كلما ابتعدت عنا، وهذا ما يُعرف باسم “تأثير دوبلر”، فعندما يكبر الكون، يتمدّد الطول الموجي للضوء القادم منَ النجوم البعيدة، وينزاحُ نحوَ الأحمر، وذلكَ لأنَّ الموجات الكهرومغناطيسية يجب أن تمرّ عبرَ مساحةٍ أكبر، مما يجعلها أطول.
ومعَ تزايد حجم الكون، يكبر الطول الموجي للضوء الصادر منَ النجوم البعيدة أيضاً، وذلكَ لأنَّ موجات الضوء موزعة على مساحةٍ أكبر، مما يجعلها أقل تركيزاً، وبما أنَّ النجوم والمجرّات البعيدة تبتعد عنا لأنَّ الكون يتوسَّع، لذا فإنَّ النجوم تتحرك بعيداً عنا، فتصبحُ أكثر احمراراً وفقاً لتأثير دوبلر، ويزدادُ الاحمرار كلما ابتعدت هذهِ النجوم عنا أكثر، وبشكلٍ أسرع حتى تصبح تحت حمراء.
ويَعتمد مقدار الانزياح الأحمر للنجم وخفوته على مَدى بعدهُ، فكلما كانَ النجم أبعد، زاد انزياح ضوئه نحوَ الأحمر أكثر. وباختصار، إذا عشنا في كونٍ لا نهائي وغير مُتغيّر، فإنَّ السماء بأكملها ستكونُ مشرقةً مثل الشمس، إلَّا أننا نرى السماء مظلمةً في الليل، وذلكَ لأنَّ الكون كانَ لهُ بداية، لذا فالضوء الصادر منَ النجوم البعيدة جداً، وإشعاع الخلفية الكونية الأكثر بعداً ينزاح إلى اللون الأحمر بعيداً عن الشمس. [8] [9]
مفارقة أولبرز
هذهِ المفارقة، المَعروفة في الفيزياء وعلم الفلك باسم مفارقة أولبرز Olbers’ paradox، يُمكن تفسيرها من خلال نظرية توسُّع الزمكان (الزمان والمكان)، إذ تفترضُ بأنَّ كوننا يتوسَّع بسرعةٍ أكبر من سرعة الضوء، لذا فإنَّ الضوء القادم من بعيد يتمدّد ويتحوَّل إلى موجاتٍ تحت حمراء، وأشعة ميكروويف وموجات الراديو التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، لذا يبدو الفضاء أسود للعين المجردة. [10]
كما أنَّ النجوم تبعثُ الضوء بجميع أطيافه، حتى الأطياف غير المرئية للعين البشرية، مثل: الأشعة فوق البنفسجية، أو الأشعة تحت الحمراء، فلو تَمكّنا من رؤية هذهِ الموجات لرأينا كل التوهُّج الفضائي بالتأكيد، ويمكن تفسيرُ هذهِ المفارقة عن طريق نظرية الانفجار العظيم.
التي تقولُ: “بأنَّ الكون كانَ متجمّعاً في نقطةٍ واحدةٍ في الزمان والمكان، ثمَّ توسَّع بسرعةٍ كبيرةٍ جداً، وبعدَ وقتٍ قصيرٍ من الانفجار العظيم، كانَ الكون بأكمله ساخناً وكثيفاً، مثل قلب النجم، وبعدَ بضع مئات الآلاف منَ السنين بعدَ الانفجار العظيم، تَمكَّن الضوء منَ القفز إلى الفضاء، وكانَ كل شيء، وفي كل اتجاه، مُشرقاً مثل سطح النجم، ومعَ ازدياد توسُّع الكون، امتدت الأطوال الموجية للضوء المرئي الأولي للخارج، وانسحبت إلى الطرف الواسع منَ الطيف الكهرومغناطيسي حتى أصبحت موجات ميكروويف، وهذا هوَ إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، والذي يُمكننا اكتشافهُ في كل اتجاه يُمكننا النظر إليهِ في الكون، لذا فإنَّ توسُّع الكون أدى إلى تمديد الأطوال الموجية حتى أصبح الضوء غير مرئي لأعيننا”.
المراجع البحثية
1- Why is the sky blue on Earth, but black in space or on the Moon? | Science Guys. Union University, a Christian College in Tennessee. (n.d.). Retrieved September 21, 2024
2- Means, T. (2021, June 26). Why does outer space look black?. livescience.com. Retrieved September 21, 2024
3- Staff, A. (2023, May 18). How is it that in space, despite the Sun’s presence, the surroundings look black? Apollo photos show a black sky, even with strong sunlight on the surface. Astronomy Magazine. Retrieved September 21, 2024
4- Sharp, T., & Dobrijevic, D. (2023, July 23). Earth’s atmosphere: Facts about our planet’s protective blanket. Space.com. Retrieved September 21, 2024
5- Discover why the sky is dark at night and why space appears dark. (n.d.). [Video]. Encyclopedia Britannica. Retrieved September 21, 2024
6- Shulman, D. (2024, August 22). Proxima Centauri | Mass, Distance, Planets, & Facts. Encyclopedia Britannica. Retrieved September 21, 2024
7- Joseph, A. (2017). Astronomical and biological organizational relationships. In Elsevier eBooks (pp. 257–305). Retrieved September 21, 2024
8- Planets for Kids. (2019, June 10). Why is space black?. Retrieved September 21, 2024
9- Script, T. (2023, August 22). Why is Space dark even though the sun exist there? – Trending script – medium. Medium. Retrieved September 21, 2024
10- Olbers’ paradox. (n.d.). This Document Is Copyright as Described in the Copyright Notice. Retrieved September 21, 2024