كيف يهتدي الحمام الزاجل إلى وجهته؟ وهل يُمكن أن يتوه؟
قائمة المحتويات
يُعرف الحمام الزاجل على مر العصور بالمرسال أو وسيلة الاتصال الأسرع بين طرفين في تلك الأزمان. فقد تَمَّ منذُ زمن بعيد تربية الحمام الزاجل وتدريبه خصيصاً لنقل الرسائل لمسافات طويلة. فقدرتهم الطبيعية على العودة إلى منازلهم جعلت منهم ساعي بريد مثاليين.
كيف يعرف الحمام الزاجل طريقه؟
الحمام الزاجل هو ملّاح رائع، وقُدرته المُذهلة على الملاحة الطويلة المدى تَعتمد على تفاعل مُعقد بين آليات حسية ومعرفية مُختلفة. ومن الأمور التي تدعم هذا النظام الملاحي للحمام الزاجل:
1- التعلّق بالمنزل: يتم تدريب الحمام الزاجل منذُ صغره على التعرف على منزله باعتباره مصدر الغذاء والأمان الرئيسي له. وبغض النظر عن المكان الذي يَنطلق منه، فيشعر الحمام الزاجل برغبة فطرية في العودة إلى هذا المكان المألوف لأنهم يتوقعون الطعام والمأوى هناك.
2- الحس المغناطيسي: يتمتع الحمام الزاجل بقدرته على استشعار المجال المغناطيسي للأرض. ويُعتقد بوجود مستقبلات خاصة توجد في المنقار وتعمل كنوع من البوصلة الطبيعية. وبفضل هذه الحاسة الاستثنائية، يستطيع الحمام تحديد الاتجاهات حتى عندما تكون هناك إشارات بصرية أخرى مفقودة.
3- البوصلة الشمسية: هناك وسيلة توجيه أخرى مهمة وهي بوصلة الشمس أو تحديد اتجاه الشمس خلال النهار، حيثُ يستخدم الحمام موقع الشمس كوسيلة مساعدة لتحديد الاتجاهات والملاحة وبمساعدة هذه الحاسة يمكن للحمام الزاجل تحديد خط السير والالتزام به لمسافات طويلة.
4- المعالم البصرية: يَتمتع الزاجل ببصر ممتاز ويمكنه توجيه نفسه باستخدام بعض العلامات البصرية المألوفة والثابتة كالمدن والجِبال. حيثُ تلعب المعالم التي تم تعلمها سابقاً أثناء الطيران فوق المنزل دوراً مهماً خاصة عند اقترابهم منه. وبمرور الوقت فإن الزاجل ينشئ نوعاً من الخريطة المعرفية التي تساعده على التعرف على التضاريس المُحيطة لمنزله وبالتالي العثور على طريق العودة بشكل أسرع.
5- حاسة الشم: تُشير الدراسات إلى أن حاسة الشمّ تلعبُ أيضاً دوراً في العثور على طريق العودة إلى المنزل. حيثُ يُمكن للزاجل أن يحفَظ مجموعة من الروائح الموجودة حول منزله وإذا تم على سبيل التجرُبة إعاقة حاسة الشم هذه، فإن أداء الملاحة غالباً ما يتدهور. ويشير هذا إلى أن حاسة الشم تساعد الزاجل على تحديد موقعه أيضاً.
ما يُميز الحمام الزاجل هو قدرته على معالجة كل هذه المعلومات الحسية المختلفة في وقت واحد ودمجها في نظام ملاحي متماسك للعثور على الطريق الصحيح إلى المنزل حتى في الظروف الصعبة.
كيف يستشعر الحمام الزاجل المغناطيسية الأرضية؟
يمتلك الحمام الزاجل حاسة الاستشعار المغناطيسي والتي تُمكّنهُ من اكتشاف خريطة المجال المغناطيسي للأرض واستخدامها للملاحة. وقد كَشفَ الباحثون عن آلية عند الزاجل تعتمد على المغنيتيت حيثُ عُثر على بلورات صغيرة من المغنيتيت وهو معدن مغناطيسي طبيعي في أنسجة مُحددة في جسم الحمام، وخاصةً في المنقار العُلوي.
ويُعتقد أن هذه الجسيمات تَعمل كإبر مجهرية داخل البوصلة الطبيعية للزاجل، فعندما يتغير المجال المغناطيسي، يُؤثر ذلك على تكوين هذه الجسيمات، وينتقل هذا التغيير الميكانيكي عبر الأعصاب إلى الدماغ، ويتم ترجمتها على أنها معلومات اتجاهية. يتم في المراحل الأولى من تربية الزاجل على جعله يطير بشكل مُكثف فوق منزله ليقوم بحفظ هذا الموقع ضمن خريطة المجال المغناطيسي للأرض لديه.
هل يمكن لأي حمام آخر أن يقوم بمهمة الحمام الزاجل؟
من حيث المبدأ، فإن العديد من أنواع الحمام لديها رغبة فطرية في العودة إلى منزلها أو المكان الذي نشأت بهِ، حيثُ يشكل لها هذا المكان مصدراً للغذاء والأمان والتكاثر أيضاً. ولكن للحمام الزاجل قدرة خاصة للعودة لمنزله حتى من مسافات بعيدة وذلك بفضّل الخصائص الخُلقية التي منحها الله لها كالحس المغناطيسي أو استشعار مغناطيسية الكُرة الأرضية بالإضافة لحاسة الشم والبصر.
هذه الخصائص تجعل من الصعب على الأنواع الأخرى من الحمام العثور على طريق العودة من مسافات بعيدة جداً. وتُشكّل هذه الفطرة لدى الزاجل حجر الأساس الذي يهتم به المُربون ويقومون بتطويره ليصبح الحمام الزاجل حمام سِباق.
ماهي المسافة التي يمكن للحمام الزاجل أن يقطعها؟
لا توجد مسافة قياسية موثّقة رسميًا، حيثُ إن الكثير من المعلومات تأتي من التقارير الميدانية والمصادر غير الرسمية. ومع ذلك، تُشير التقارير والمساهمات من مُربي الحمام إلى أن بعض الحمام الزاجل يُمكنه تغطية مسافات تصل إلى 2000 كيلو متر في رحلات طويلة المدى وأحيانا تكون هذه المسافات الطويلة فوق البحر. على سبيل المثال، أفادت تقارير أوروبية أن الزاجل في بعض السباقات أكمل مسارات تمتد من إسبانيا وحتى رومانيا وهي مسافة بطول 2000 كيلو متر وما يميز هذه المسافة أن نصفها تماماً فوق البحر.
العوامل التي تؤثر على قدرة الحمام الزاجل على التعرف على طريق العودة
مستوى التدريب: بدون تدريب يكون من الصعب، ولكن ليس مُستحيلاً على الحمام الزاجل العودة لمنزله من مسافات بعيدة جداً، حتى لو كان يعرف الطريق. فهو بحاجة لمُساعدات بدنية كعضلات الأجنحة القوية، والقدرة على تحمّل العطش والجوع لفترات طويلة. كل هذا يتم تَدريب الزاجل عليها بشكل مُنتظم ليكون أكثر قدرة على اجتياز المسافات الطويلة خلال زمن قصير، خِلاف ذلك ستتراكم الدهون حول عَضلات الأجنحة وتُضعِف قدرتها على تحريك هذه العضلات لمسافات طويلة، وهذا ما يُجبر الزاجل على أخذ استراحات أثناء الطيران مما يؤثر على عملية العودة للمنزل بسبب احتمالية تعرُضه للافتراس خلال فترات استراحته.
الطعام: يلعب الطعام دوراً مُهماً في المسافات التي يُمكن للحمام الزاجل أن يقطعها ويؤثر عليها بشكل لا يُمكن تخيله. وذلك لسبب بسيط جداً، في حين أن أية غذاء عادي يُمكن ان يَمنحهُ الطاقة إلا أن هذه الطاقة يُمكن أن تكون محدودة وحَجمُها في المعدة كبير مما يُغير من الديناميكية الهوائية لجسم الزاجل بسبب انتفاخ المعدة بالتالي يزيد من مُقاومة الهواء لجسمه واستهلاك طاقة أكبر والتي ممكن أن تكون بالأصل قليلة. لهذا يتم الجَمع بين الطعام ذو الحجم الصغير وفي نفس الوقت يمدّ الحمام الزجل بطاقة عالية تَجعلهُ أكثر قدرة على تحمل المَسافات الطويلة. يمكن تشبيه هذا الطعام مثلاً بالتمر فهو يُعد صغير الحجم، ولكن يمد الإنسان بطاقة كبيرة.
الظروف الجوية: يمكن للظروف الجوية غير المُستقرة مثل الأمطار والرياح القوية أو الغُبار الجوي الكثيف أن يُضيف صعوبات على الزاجل ويؤثر على المسافة التي يُمكن للزاجل أن يقطعها.
الأداء الفردي: كما الإنسان يختلف الحمام الزاجل أيضاً في أدائه الطبيعي في الطيران وقدرته على التحمل حتى في حال تساوي ظروف التربية والتدريب.
هل يُمكن للحمام الزاجل أن يُضيّع طريقه؟
نعم، على الرُغم من أن الزاجل معروف بُقدرته المُتميزة على تحديد الاتجاهات، إلا أنه قد يَفقدها في ظل ظروف معينة كالتالية:
الظروف الجوية السيئة: يُمكن للرياح القوية، والضباب الكثيف، والأمطار الغزيرة، أو العواصف الرعدية أن تُعطل الإشارات البصرية والحسية التي يَعتمد عليها الزاجل مثل المعالم الجُغرافية وموقع الشمس.
الاضطرابات المغناطيسية: بما أن الحمام يستخدم المجال المغناطيسي للأرض من أجل المِلاحة، فإن الشذوذ أو الاضطرابات المغناطيسية في مناطق جُغرافية مُعينة يمكن أن تؤثر مؤقتاً على تحديد اتجاهه. عدا ذلك يُمكن للمناطق التي تحتوي بشكل مُكثّف على أبراج للتوتر الكهربائي العالي أن تؤثر أيضاً على الزاجل بسبب المجال المغناطيسي التي تُسببه أكبال التوتر العالي.
المشاكل الصحية: يُمكن للإصابات أو المَرض المُفاجئ أثناء طريق العودة أن تَحُدّ من مهارات الملاحة لدى الحمام الزاجل.
إن القُدرة المُذهلة التي يَتمتع بها الحمام الزاجل في العثور على طريق العودة لا تَعتمد على آلية واحدة، بل على تفاعُل العديد من وسائل الملاحة. فإن هذا التكامل المُعقد بين إدراك المجال المغناطيسي وموقع الشمس والحاسة البصرية يُمكّنهم من التنقل بدقة حتى في المسافات الطويلة.