تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

ينتشر مرض الشقيقة بشكلٍ واسعٍ جداً حول العالم، وهو من الأسباب المعروفة للصداع المزمن، تنوعت الأصناف العلاجية المُتّبعة لتدبير داء الشقيقة، إلا أنه لا توجد أصناف تحقّق الشفاء الكامل، ويتعلق الأمر بصعوبة تحديد العامل المُمْرض في الشقيقة، تسعى الأبحاث الطبية الحديثة للوصول إلى طرق تدبيرٍ تحقّق الراحة، وهجوع الأعراض لأطول فترةٍ ممكنة. وبالفعل تتوافر حالياً عددٌ من الأصناف الدوائية قادرةٌ على تحسين حياة المرضى، وتحقُّق الهجوع لأعراض الشقيقة.

إلا أن المشكلة الأساسية في العديد من هذه التدابير هو الأعراض الجانبية للاستخدام المديد لبعض الأصناف الدوائية، مثل: مشتقّات الأرغوت الذي يمتلك أعراضاً جانبيةً مهمة، إلا أنه حديثاً تمّ اقتراح استخدام صنفٍ جديدٍ استطاع تحقيق نتائج ممتازة عند مرضى الشقيقة، ألا وهو السم البوتيليني (Botulinum toxin)، والمعروف بالبوتوكس (Botox).

النتائج الإيجابية التي حققّها البوتوكس قوبلت في البداية بالشكوك حول الفعالية على المدى الطويل، إضافةً للعديد من التساؤلات التي طُرحت حول الآثار الجانبية لاستخدام البوتوكس في تدبير الشقيقة.

ما هو البوتوكس؟

البوتوكس (توكسين البوتولينوم Botulinum toxin) من النوع (أ) هو نوع من السّموم العصبية التي تشلّ العضلات، ويمكن الحصول على البوتوكس من البكتيريا التي تُعرف باسم كلوستريديوم البوتولينوم. تمّ اكتشاف فعاليته عند الأشخاص الذين يعانون من الصداع النصفي المزمن أثناء استخدامه صدفةً ضمن مستحضرات التجميل. تبين فيما بعد أن الأشخاص الذين استخدموا البوتوكس عانوا من نوبات صداع شقيقةٍ أقل، ومن الضروري لمعرفة التطبيقات العلاجية للبوتوكس في الشقيقة، التعرف أولاً على الشقيقة بأنواعها. ^[1]

ما هو مرض الشقيقة وكيف يتظاهر؟

الصداع النصفي (الشقيقة) هو اضطرابٌ عصبيٌّ شائعٌ يتميز بنوباتٍ متكررةٍ من الصداع، وتستمر نوبات الصداع النصفي النموذجية لمدةٍ تتراوح من 4 إلى 72 ساعة، وتتضمن صداعًا يتميز بالخصائص التالية: صداع نابض، أحادي الجانب، والشدة المعتدلة أو الشديدة، ويتفاقم بسبب النشاط البدني الروتيني، ويمكن أن تكون الهجمات مصحوبةً بالغثيان، والقيء، ورهاب الضوء، والصوت.

يمكن تصنيف الشقيقة إلى نمطين أساسين: الصداع النصفي بدون نسمة (aura)، والصداع النصفي مع نسمة (aura)، وأعراض النسمة هي أعراضٌ عصبيةٌ بؤرية تحدث عادةً قبل أو في بعض الأحيان أثناء نوبة الصداع النصفي، وهي قابلة للعكس تمامًا، وتستمر لمدة 5-60 دقيقة. من الممكن أن يعاني المرضى من نوبات الصداع النصفي سواءً بدون أو مع النسمة.

يذكر أن الشقيقة تُصنّف ضمن أنماط فرعية متعددة ومختلفة، ومن بينها الشقيقة النوبية ((Episodic migraine EM)، والشقيقة المزمنة ((Chronic migraine CM)، والاختلاف الرئيسي هو أن الأخيرة تتظاهر على شكل هجماتٍ متفرقةٍ نموذجية من الصداع مع فترات هجوعٍ واضحة بين الهجمات، بينما تتظاهر الشقيقة النوبية بعددٍ كبيرٍ من الهجمات خلال فتراتٍ قصيرةٍ دون فترة هجوع. ^[2]

الأهداف العلاجية ودور البوتوكس في تدبير الشقيقة

الشقيقة مرضٌ عصبيٌّ مزمنٌ لا يوجد علاجٌ نوعيٌّ له، يسبّب نوباتٍ من الصداع الشديد يتبعها هجوع الأعراض لفترةٍ من الزمن لتعود الأعراض للظهور بعد تعرُّض المريض لعاملٍ محرّضٍ لهجمة الشقيقة الحادة (أي هجمة الصداع). تهدف التدابير الحالية المتوافرة حالياً إلى إزالة الألم أثناء الهجمة الحادة، وتخفيض عدد الهجمات التي يعاني منها المريض في اليوم. تشمل الأصناف المستخدمة في تدبير الهجمة الحادة مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs) والتريبتان.

هناك أدلة سريرية جيدة، على أن كلتا المجموعتان من المواد فعّالة في العلاج لنوبات الصداع الشقيقة الحاد. من ناحيةٍ أخرى، فقد تبين أن كلاً من مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية والتريبتان قد تؤدي إلى الصداع الناجم عن الإفراط في استخدام الدواء. لذلك، فإن التحدي يكمن في تثبيط الشقيقة بأقل جرعةٍ ممكنة.

الأصناف السابقة يمكنها تحسين الأعراض بشكلٍ خاص عند مرضى الشقيقة النوبية EM، إلا أنها لا تحقّق هجوعاً أو تباعداً بين هجمات الشقيقة، لذا فهي موجهةٌ بشكلٍ خاص لمرضى الشقيقة النوبية على عكس الأدوية المتوفرة لتحقيق الهجوع عند مرضى الشقيقة المزمنة CM.

تشمل الأصناف المُستخدمة لتدبير الحالات المزمنة من الشقيقة: فالبروات (Valproate)، أميتريبتيلين (Amitriptyline)، جابابنتين (Gabapentin)، توبيراميت (Topiramate)، والأونابوتولينومتوكسين أ (البوتوكس) الأخير هو المادة الوحيدة التي وافقت عليها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) للعلاج الوقائي لـ CM.

وأصبح البوتوكس من التدابير المفضّلة لتدبير الشقيقة المزمن، وتحقيق الهجوع، وتحسين أعراض مرض الشقيقة المزمنة. على الرغم من الاعتماد الحديث نسبياً على البوتوكس، إلا أن آثاره تفوقت على الأصناف الدوائية الأخرى في تدبير الشقيقة المزمنة، يذكر أن البوتوكس لا يحقّق نتائج مشجّعةً لدى مرضى الشقيقة النوبية، وغيرها من أنماط الشقيقة غير المزمنة. ^{[1] [2]}

ما هي الآلية العلاجية للبوتوكس في تدبير الشقيقة المزمنة؟

بعد الحقن بالبوتوكس يُلاحظ وفق آلية معقدة انخفاض إفراز النواقل العصبية الألمية المسؤولة عن توليد الألم في صداع الشقيقة، الأمر الذي يقلّل من عدد النوبات الألمية التي تحتاج للنواقل العصبية الألمية كي تتولد، إلا أن هذه الآلية لا تؤثر على النوبة الحادة بشكلٍ مباشرٍ، الأمر الذي يفسر الفعالية النوعية للبوتوكس في تحقيق التباعد والهجوع بين الهجمات لدى مرضى الشقيقة المزمنة. ^[2]

مدة العلاج

لا يُعرف سوى القليل عن مدة التأثيرات المسكنة للأونابوتولينومتوكسين أ، من المفترض أنه يشبه مدة تأثيره المرخي للعضلات، لذلك استخدمت معظم الدراسات فترة علاجٍ ثابتة مدتها 12 أسبوعًا لحقن الأونابوتولينومتوكسين أ. تُظهر الدراسات السريرية في استخدام البوتوكس أنه قد يكون من المفيد تكييف فترات العلاج بشكلٍ فردي مع احتياجات المرضى. ومع ذلك، فإن فترات العلاج الأقصر تترافق مع زيادة خطر تكوين الأجسام المضادة ضدّ السم البوتيليني، مما يؤدي إلى فشل العلاج. ^[2]

الآثار الجانبية

عادةً ما ترتبط التأثيرات الضارة للبوتوكس بمنطقة الحقن. أما التأثيرات الضارة الجهازية، فهي نادرة جدًا، وعادةً ما تكون التأثيرات الجانبية المرتبطة بالحقن خفيفةً وعابرة، ونادراً ما تؤدي إلى إيقاف العلاج. من بينها آلام الرقبة، وألم موقع الحقن، وتدلّي الجفن، والضعف العضلي هي الأكثر شيوعًا، توثق البيانات المستمدّة من الدراسات السريرية المختلفة أن العلاج باستخدام أونابوتولينومتوكسين أ مقبول على المدى الطويل دون مخاطر مهمة أو آثار جانبية شديدة. ^{[1] [2]}