تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

تاريخ تصنيع الزجاج

يُعتقد أن الزجاج ذو منشأ طبيعي تشكل نتيجة تماس الصواعق مع الرمال، وبسبب الحرارة العالية الناتجة عن تلك الصواعق التي تسبّب صهر الرمال موضعياً لتشكل ما يسمّى السيليكا، والذي أطلق عليها فيما بعد اسم الزجاج. يرجح البعض أن السوريين اكتشفوا الزجاج أثناء بحثهم عن النحاس، وذلك كخامةٍ طبيعيةٍ من مخلفات البراكين، كما عرف الزجاج عند سكان ما بين النهرين، وفي العصر الإسلامي تطورت صناعة الزجاج، فتمّت صناعة الشمسيات، والثريات، والقناديل المزخرفة.

وتطورت هذه الصناعة لتصل إلى صناعة الفسيفساء الزجاجية، ويذكر هنا أن الفضل الكبير يعود للصناع العرب في صناعة الطلاء الزجاجي المستخدم لتزيين الأواني الزجاجية. في القرن الثامن الميلادي اخترعت في بلاد الشام طريقة لصنع الزجاج المسطح عرف باسم الزجاج التاجي، وذلك من خلال التدوير السريع لكتلٍ زجاجيةٍ مجوفة لتتسطح تدريجياً. في بدايات تصنيع الزجاج كان ملوناً لوجود شوائب في رمل السيلكا، كأكاسيد الحديد، والكروم، وفيما بعد تمّ التخلص من هذه المشكلة، والحصول على زجاجٍ عديم اللون، وكان ذلك من حوالي 1500 سنة.

ثم انتقلت صناعة الزجاج إلى أوروبا، وتطورت في عصر النهضة أيام الثورة الصناعية، حيث دُرس التركيب الكيميائي للزجاج، وطُورت أفران لصهر الزجاج، وتمّ استخدام تقنياتٍ عالية في صناعته، وتمّ تحضير زجاج المرايا، والزجاج الشفاف واللماع، والألياف الزجاجية، وغيرها من الأنواع الزجاجية. ^[1]

ما هي طرق تحضير الزجاج في الوقت الحاضر؟

1- طريقة الانصهار-التبريد

يتمّ تصنيع الزجاج بطريقة الانصهار – التبريد (Melt-quenching process) على عدة مراحل: ^[2]

– الصهر: حيث تطحن المواد الأولية بشكلٍ جيد، حتى تصبح على شكل بودرة، وتمزج مع بعضها البعض بنسبٍ وزنيةٍ معينة، ثم تدخل إلى الأفران الخاصة ليتمّ صهر الخليط.

– التشكيل: يتمّ تبريد مصهور الزجاج ببطء، حتى يتشكل المصهور بالدرجة المطلوبة.

– التهذيب والتبريد: هي عملية تبريد الزجاج ببطء لتجنب تشققه وتكسره، وتلافي تكوّن مناطق ضعفٍ في الأدوات الزجاجية بعد تشكيلها، حيث توضع المواد الزجاجية في مرمدةٍ درجة حرارتها تتراوح بين 400 و600 درجة مئوية لفترةٍ زمنيةٍ كافية ثم تبرد تدريجياً إلى الدرجة العادية من الحرارة.

2- تقنيـة الترسيب الكيميائي للبخار

طريقة الترسيب الكيميائي للبخار ((CVD) Chemical vapor deposition) من طرق الترسيب المستخدمة، وهي معالجة كيميائية تستخدم لإنتاج مواد صلبة بجودة وأداء عالٍ. يمكن الحصول على نماذج ذرات ذات نقاوةٍ عالية من خلال السيطرة على نقاوة الغازات المستخدمة والمواد الأساسية التي تدخل في التفاعل، ويكون الغشاء المرسب ذو تجانسٍ عال وسمك منتظم، ويتمّ إنجاز الترسيب بهذه التقنية بوقتٍ قصير، ولا تحتاج إلى درجات حرارة عالية، ولذلك فإنها توفر الوقت، مما يجعلها جيدةً من الناحية الإنتاجية.

3- تقنية السول – جيل

تستعمل تقانة Sol-Gel بشكلٍ عام باستخدام أملاح لا عضوية أو الكوكسيدات المعادن كمولدات، وتحدث تفاعلات الحلمهة والتكاثف المتعددة عندما يتمّ خلط المولدات مع الماء أو الوسط المحل والحفازات.

طرق تصنيع الزجاج حسب نوعه والمواد المكونة له

1- طريقة تصنيع زجاج السليكا

تعتبر مادة رمل السليكا من أهمّ مكونات زجاج السليكا لاحتوائها على ثاني أوكسيد السيليكون SiO₂، يجب أن تكون نسبة تواجده في رمل السيليكا المناسب لصنع الزجاج تقريباً حوالي 95 بالمئة، كما أنه يجب أن تكون حبيبات الرمل صغيرة. يتمّ تصنيع زجاج السليكا على عدة مراحل: ^[3]

– توزن مكونات زجاج السليكا (رمل السيليكا، الحجر الجيري، والصودا).

– توضع المكونات في بوتقة من الجرافيت، وتسخن في فرن عند درجة حرارة 2000 درجة مئوية حتى يتمّ الانصهار بشكلٍ كامل.

– يتمّ تبريد الزجاج المنصهر في درجة حرارة 600 درجة مئوية.

يستخدم زجاج السيليكا لإنتاج الزجاج المسطح المستخدم للمباني، والسيارات، وحاويات الأطعمة، والمشروبات، وأدوات المائدة.

2- طريقة تصنيع الزجاج المعدني

يتمّ تصنيع الزجاج المعدني بصهر المواد النقية، وبالنسب المطلوبة (غالباً ما تكون خليط من أكاسيد المعادن حديد، نيكل، ونحاس أو زنك، ومغنيزيوم) ثم تخلط هذه المواد، ويتمّ تقليبها عدة مرات لتحقيق التجانس، ويسخن الخليط الناتج بعد ذلك إلى درجة التحول اللابلوري (ضمن المجال 500 و600 درجة مئوية)، فتصبح السبيكة المتشكلة على شكل سائلٍ سميك، وتصب في قالب التشكيل ثم يعاد تجميد المادة المصهورة قبل أن تعيد ذرات المادة ترتيب نفسها، والوصول إلى الحالة البلورية.

بما أن المواد الصلبة موجودة بالحالتين البلورية واللابلورية (الزجاجية)، لذا يوجد احتمالان عند الانتقال من حالة السائل المتوازنة إلى الحالة الصلبة، وهما: التبلور، والتحول الزجاجي. عندما يبرد المصهور ببطء إلى نقطة التجمد (Freezing point) أو الأدنى منها يمكن أن يحدث التبلور. في حين يؤدي التبريد السريع للمصهور إلى ازدياد لزوجته، وتتقيد حركة الذرات، وتصبح طاقتها منخفضة، ويتحول المصهور إلى زجاج صلب دون أن يتبلور. يستخدم الزجاج المعدني في العديد من التطبيقات منها: ^[4]

● الاتصالات السلكية واللاسلكية والهواتف المحمولة.

● في قطع غيار الطائرات.

● الطلاءات الصناعية للمواد لمنع تآكلها.

● صناعة الدروع المضادة للذخيرة.

● صناعة المرايا.

3- طريقة تصنيع الألياف الزجاجية

تستخدم طريقة السحب لتصنيع الألياف الزجاجية، ويتمّ ذلك عن طريق الصهر المباشر للمواد الأولية أو عن طريق عملية إعادة صهر المواد الأولية التي تكون على شكل قطعٍ زجاجية صغيرة، فيتمّ خلط المواد الخام ببعضها، وتصهر في فرن (هنا يجب الأخذ بعين الاعتبار التركيب الكيميائي للألياف حسب مجال استخدامها، ففي الفلاتر يجب أن تكون قليلة المواد القلوية أو من دونها. أما في المجالات الأخرى، فتكون عادية التركيب، وتحوي على القلويات).

في طريقة صهر القطع الكروية الصغيرة، تؤخذ المواد المنصهرة من الفرن ثم تقص إلى كراتٍ صغيرة ثم تبرد وتغلف ثم تؤخذ الكرات الزجاجية لمصنع تصنيع الألياف، حيث يعاد صهرها مرةً أخرى في فرنٍ كهربائي خاص ذي درجات حرارة عالية، ثم يمرر المصهور الزجاجي من خلال ثقوبٍ صغيرة في وعاء من البلاتين ذات أقطار حسب الطلب، ثم تسحب هذه الألياف وترش بغراء خاص، وتلف على البكرات لتشكيل خيوط مستمرة. ^[5]

4- طريقة تصنيع الزجاج الضوئي

توزن مكونات الزجاج الضوئي، وغالباً ما تكون بعض أكاسيد وهيدروكسيدات النترات، والكربونات، ويمكن إضافة الفوسفات أو الفلور لإضفاء صفة الشفافية على الزجاج ثم توضع المكونات في فرن ليتمّ صهرها. يحتاج تصنيع الزجاج الضوئي إلى أسلوب خاص في الصهر، فقديماً تمّ تحضيره بكمياتٍ صغيرة ضمن بواتق بورسلانية. أما حديثاً، فيحضر في بواتق خاصة من البلاتين. يستخدم الزجاج الضوئي في العديد من التطبيقات: ^[6]

– تصنيع العدسات المختلفة الطبية.

– تصنيع المواشير (المجاهر) التلسكوبات.

– يستخدم في أنظمة الليزر.

– يستخدم في أجهزة استشعار الضغط.