حقوق الطفل المَنسيّة – أبرزها، التحديات والحلول المُقترحة
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
حقوق الطفل تُشكّل جزءاً أساسياً من المبادئ العالمية التي تسعى لضمان حماية الأطفال، وتوفير بيئةٍ تُتيح لهم النمو السليم، والعيش بكرامة، ورغم أن العديد من الدول قد صادقت على اتفاقية حقوق الطفل التي أصدرتها الأمم المتحدة، إلا أن الواقع يُظهر أن بعض هذه الحقوق لا تزال مهملةً أو مَنسيّةً في الكثير من المجتمعات، مما يتسبّب في حرمان الأطفال من فرص أساسية تضمن لهم حياةً صحيةً ومستقبلاً واعداً. وفي هذا المقال سنستعرض أبرز حقوق الطفل المُهملة والمَنسية.
أولاً: حقُّ الطفل في الهوية والجنسية
هو أحد الحقوق الأساسية التي نصّت عليها المواثيق الدولية، وهو جزءٌ لا يتجزأ من حقوق الإنسان، وينصُّ هذا الحق على أن لكل طفلٍ الحق في أن يُسجَّل عند الولادة، ويُمنح اسماً وجنسية، وتكون له هوية قانونية تعترف بها الدولة، تتضمن الاسم، تاريخ الميلاد، مكان الولادة، وأسماء الوالدين، وتمنح الطفل صفةً قانونيةً في المجتمع.
ما أهمية حقّ الطفل في الهوية والجنسية؟
1- الوصول إلى الحقوق الأساسية
بدون وثائق رسمية تُثبت هوية الطفل سيصعب عليه الوصول إلى العديد من الحقوق الأساسية، مثل: التعليم، الرعاية الصحية، والمشاركة في المجتمع.
2- الحماية من التمييز والإهمال
الأطفال الذين لا يتمُّ تسجيلهم رسمياً يعتبرون غير مرئيين قانونياً، مما يجعلهم عرضةً للاستغلال والتمييز.
3- المُواطنة والانتماء
الحصول على الهوية والجنسية يمنح الطفل إحساساً بالانتماء إلى دولةٍ معينة، ويحميه من خطر انعدام الجنسية الذي يمكن أن يُسبّب له مشاكل قانونية واجتماعيةً خطيرةً في المستقبل.
ما التحدّيات المُرتبطة بحقّ الطفل في الهوية والجنسية؟
1- الحروب والصراعات
في بعض الدول التي تشهد صراعاتٍ أو نزاعاتٍ مسلحة، قد يواجه الأطفال صعوباتٍ في الحصول على الوثائق القانونية اللازمة لتسجيل هويتهم وجنسياتهم.
2- الفقر وعدم الوصول إلى الخدمات
قد لا تتوفر الخدمات الحكومية بسهولةٍ لتسجيل المواليد في المناطق الفقيرة أو الريفية، مما يؤدي إلى حرمان الأطفال من هذا الحق.
3- التشريعات التمييزية
في بعض البلدان هناك قوانين تمييزية تمنع حصول الطفل على الجنسية إذا كان أحد الوالدين غير مواطناً في الدولة، مما يحرم الطفل من حقّه في الحصول على هويةٍ وجنسية.
ما الحلول الممكنة والمُقترحة لهذه المشكلة؟
1- تعزيز الأنظمة القانونية
يجب تحديث الأنظمة القانونية لتسهيل عملية تسجيل المواليد، وتوفير الحماية للأطفال الذين يواجهون خطر انعدام الجنسية.
2- الوصول إلى المناطق المُهمّشة
ينبغي تحسين البنية التحتية في المناطق النائية أو التي تعاني من الصراعات لضمان حصول جميع الأطفال على وثائق رسمية.
3- التوعية بحقوق الطفل
من المهمّ نشر الوعي حول أهمية تسجيل المواليد، والحقوق القانونية للأطفال لضمان حصولهم على كامل حقوقهم. [1]
ثانياً: حقّ الطفل في الحماية من العنف والإساءة
وهو أحد الحقوق الأساسية التي تضمنها الاتفاقيات الدولية، مثل: اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الأمم المتحدة، وهذا الحق يضمن حماية الأطفال من جميع أشكال العنف، بالإضافة إلى حمايتهم من الإهمال والاستغلال.
ما أنواع العنف والإساءة التي يمكن أن يتعرَّض لها الأطفال؟
1- العنف الجسدي
مثل: الضرب، الحرق، أو أي شكلٍ من أشكال العقاب البدني.
2- العنف النفسي
يشمل التحقير، الإهانة، التهديد، أو أي نوعٍ من المعاملة التي تؤدي إلى تحطيم الثقة بالنفس أو القلق الدائم.
3- العنف الجنسي
يشمل أي نوعٍ من الاعتداء أو الاستغلال الجنسي للطفل.
4- الإهمال
مثل: عدم توفير التغذية المناسبة أو الرعاية الصحية والتعليم، هذا كله يعدُّ من أشكال الإساءة للطفل.
ما أهمية حقّ الطفل في الحماية من العنف والإساءة؟
1- النموُّ الجسدي والنفسي الصحي للطفل
إن التعرُّض للعنف أو الإساءة يؤثر سلباً على نموّ الطفل الجسدي والنفسي، فالأطفال الذين يتعرّضون للعنف قد يعانون من اضطراباتٍ سلوكيةٍ أو نفسيةٍ طويلة الأمد، مثل: القلق، الاكتئاب، أو صعوبةٍ في بناء علاقاتٍ صحيةٍ مع الآخرين.
2- تعزيز الشعور بالأمان
يمكن الجزم بأن الأطفال الذين يعيشون في بيئةٍ خاليةٍ من العنف يتمتعون بإحساس بالأمان، مما يُعزّز ثقتهم بأنفسهم، ويساعدهم على التطور بشكلٍ صحي وسليم.
3- منع انتقال العنف عبر الأجيال
الأطفال الذين يتعرّضون للعنف في صغرهم قد يميلون إلى استخدام العنف في حياتهم لاحقاً، لذا فإن حماية الطفل من العنف يساعد في كسر هذه الحلقة المتكررة، ويُقلّل من انتشار العنف في المجتمع.
ما التحدّيات التي تواجه حماية الأطفال من العنف والإساءة؟
1- القبول الاجتماعي للعنف
في بعض الثقافات يُعتبر استخدام العقاب البدني وسيلةً تربويةً مقبولة، مما يصعب من جهود التوعية بضرورة حماية الطفل من العنف.
2- عدم الإبلاغ عند التعرُّض للعنف
الأطفال ضحايا العنف غالباً ما يخشون الإبلاغ عن المُعتدين بسبب الخوف من العقاب أو عدم تصديقهم، خصوصاً إذا كان المعتدي من أفراد العائلة أو شخصاً في موقع سلطة.
3- نقص القوانين أو عدم تطبيقها
قد تكون هناك قوانين غير كافيةٍ لحماية الأطفال من العنف، أو قد يكون هناك ضعفٌ في تطبيق هذه القوانين في بعض البلدان، مما يُصعّب من هذه المهمة.
ما الحلول الممكنة لحماية الأطفال من العنف والإساءة؟
1- تعزيز القوانين والتشريعات
يجب على الدول ضمان وجود قوانين واضحة وصارمة تحمي الأطفال من العنف بجميع أشكاله، وتضمن تطبيق هذه القوانين بشكلٍ فعّال.
2- التوعية المُجتمعية
يجب نشر الوعي بين الآباء والمجتمع بأهمية حماية الأطفال من العنف، وتوفير طرقٍ تربويةٍ بديلةٍ بعيدةٍ عن العقاب الجسدي.
3- توفير أنظمة حمايةٍ فعالة
وذلك بإنشاء مراكز دعم للأطفال ضحايا العنف، وتوفير خدمات المشورة النفسية والقانونية لهم بشكلٍ مستمرٍّ ومجاني.
4- تعزيز دور المدرسة
يجب أن تكون المدارس بيئةً آمنةً للأطفال، وأن تلعب دوراً في اكتشاف أي علاماتٍ للعنف أو الإساءة، والإبلاغ عنها. [1]
ثالثاً: حقُّ الطفل في بيئةٍ صحيةٍ وآمنة
حقُّ الطفل في بيئةٍ صحيةٍ وآمنة هو أحد الحقوق الأساسية والضرورية لضمان نموّ الطفل جسدياً ونفسياً بشكلٍ سليم، ويتمثل هذا الحقّ في توفير بيئةٍ خاليةٍ من المخاطر التي قد تهدّد صحة الأطفال أو سلامتهم سواءً كانت هذه المخاطر بيئية، اجتماعية، أو حتى قانونية.
ما أهمية حقِّ الطفل في بيئةٍ صحيةٍ وآمنة؟
1- ضمان النموّ السليم
البيئة الصحية تُتيح للطفل النموّ في مكانٍ يخلو من العوامل التي قد تؤثر سلباً على صحته الجسدية، مثل: التلوُّث البيئي، المواد السامّة، أو قلة النظافة العامة.
2- الحماية من المخاطر
البيئة الآمنة تحمي الطفل من التعرُّض للإصابات أو الحوادث، كما تقيهم من التعرُّض للعنف أو الاستغلال.
3- التطوُّر النفسي والاجتماعي
الأطفال الذين ينشؤون في بيئةٍ آمنةٍ وصحية يميلون إلى أن يكونوا أكثر استقراراً من الناحية النفسية، وأكثر قدرةً على بناء علاقاتٍ صحيةٍ مع الآخرين.
ما هي التحدّيات التي تواجه هذا الحقّ؟
1- التلوُّث البيئي
يعاني العديد من الأطفال من آثار التلوُّث المتنوّعة، مثل: تلوث الهواء والماء اللذان يؤديان إلى مشاكل صحية مزمنة تؤثر على جودة حياتهم.
2- المناطق المُتضرّرة من الصراعات
في مناطق النزاعات والحروب يعاني الأطفال من انعدام الأمان، مما يحرمهم من حقّهم في بيئةٍ توفر لهم الحماية، وتشعرهم بالدفء والاستقرار.
3- الفقر وسوء التغذية
الأطفال الذين يعيشون في بيئاتٍ فقيرةٍ يحتاجون إلى الغذاء الصحي والمياه النظيفة، مما يؤثر بكل أسفٍ على صحتهم، ونموّهم الجسدي والعقلي.
4- الإهمال المُجتمعي
عدم توفر المساحات العامة الآمنة للعب والترفيه يحدُّ من قدرة الأطفال على تطوير أنفسهم من الناحية البدنية والنفسية.
هل توجد حلولٌ ممكنةٍ كي يستطيع الأطفال الحصول على هذا الحقّ؟
بالطبع هناك حلول يمكن تطبيقها لتحسين وصول هذا الحقّ لكل طفل، ومن أبرز هذه الحلول:
1- تحسين البنية التحتية
من خلال العمل على توفير المياه النظيفة والمرافق الصحية في المناطق التي تعاني من ضعف البنية التحتية.
2- التشريعات البيئية
من خلال سن القوانين التي تحدُّ من التلوث الصناعي، وتفرض معايير صحية لضمان بيئةٍ نظيفة.
3- إعادة تأهيل المناطق المتضرّرة
يجب على المنظمات الدولية والحكومات المحلية العمل على تأمين بيئةٍ آمنةٍ للأطفال في مناطق النزاع، وتوفير مراكز حمايةٍ مؤقتة أو دائمة لهم، إضافةً إلى إعادة تأهيل هذه المناطق لتصبح صالحةً للعيش مجدّداً.
4- تعزيز برامج التوعية
من الضروري نشر الوعي بين المجتمعات المحلية حول أهمية البيئة الصحية والآمنة للأطفال، ودورها في تأمين مستقبلٍ أفضل لهم. [2]
رابعاً: حقّ الطفل في المشاركة
يعدُّ حقّ الطفل في المشاركة من الحقوق المهمّة التي تعزّز شعور الطفل بالمسؤولية والانتماء، وتوفر له فرصةً للتعبير عن آرائه، والمساهمة في القرارات التي تؤثر على حياته، وهذا الحقّ يعترف بقدرة الطفل على التفكير والمشاركة، ويُعتبر جزءاً أساسياً من عملية نموّه الاجتماعي والنفسي.
ما أهمية حقِّ الطفل في المشاركة؟
1- بناء الثقة بالنفس
مشاركة الطفل في اتخاذ القرارات يعزّز ثقته بنفسه، ويمنحه شعوراً بالقدرة على التأثير في محيطه، مما يساعده في تطوير شخصيةٍ قويةٍ ومستقلة.
2- تشجيع المسؤولية
عندما يشارك الأطفال في اتخاذ القرارات يتعلمون قيمة المسؤولية والالتزام بنتائج اختياراتهم، مما يعزّز شعورهم بالمسؤولية تجاه أنفسهم ومجتمعهم.
3- التأقلم الاجتماعي
المشاركة تساعد الطفل على تحسين مهاراته في التواصل، وتعلم كيفية التعاون مع الآخرين، مما يسهم في تكوين علاقاتٍ اجتماعيةٍ صحيةٍ له.
ما هي أشكال مشاركة الطفل؟
1- المشاركة في القرارات الأسرية
وذلك من خلال إشراك الطفل في اتخاذ القرارات المُتعلّقة به وبحياته اليومية، مثل: اختيار نشاطاته الرياضية أو تنظيم جدوله الدراسي.
2- المشاركة في المدرسة
من خلال إعطاء الأطفال فرصاً للتعبير عن آرائهم في الأنشطة المدرسية، والمشاركة في مجالس الطلبة، حيث يتعلمون التعبير عن آرائهم.
3- المشاركة في المجتمع
يتمُّ هذا بإشراك الأطفال في الأنشطة المُجتمعية والحملات التطوعية، مما يُتيح لهم أن يساهموا في بناء مجتمعهم، وتحقيق التغيير الإيجابي فيه.
ما هي التحدّيات التي تقف أمام حقِّ الطفل في المشاركة؟
1- التقاليد المُجتمعية
في بعض الثقافات يكون للآباء والمجتمع سيطرة كبيرة على حياة الطفل، مما يؤدي إلى تهميش صوته، واعتبار آرائه غير ضرورية.
2- النظرة التربوية التقليدية
بعض المؤسسات التعليمية تركّز على التعليم التقليدي، أي تلتزم بأسلوب تعليمٍ يعتمد على التلقين والحفظ، حيث يكتفي الأطفال بتلقّي المعلومات وحفظها دون إعطائهم الفرصة للتعبير عن آرائهم أو التفكير النقدي، وفي هذا النوع من التعليم يميل المعلمون إلى نقل المعلومات دون تشجيع الطلاب على طرح الأسئلة أو المشاركة في الأنشطة الجماعية، وهذا ما يحدُّ من نموّ شخصية الطفل، ويقلّل من فرصه في تطوير مهارات الحوار والتعاون.
3- ضعف الدعم التشريعي
في بعض الدول قد لا توجد قوانين تشجّع على إشراك الأطفال في القرارات المتعلّقة بهم وبمصيرهم.
ما الحلول المُمكنة لتعزيز حق الطفل في المشاركة؟
1- التوعية بأهمية مشاركة الأطفال
أي تعزيز الوعي لدى الآباء والمعلمين بأهمية إعطاء الأطفال فرصةً للتعبير عن آرائهم، والمشاركة في القرارات.
2- دعم التشريعات الداعمة لحقوق الطفل
يجب أن تعمل الحكومات على سنّ قوانين تضمن مشاركة الطفل في القرارات التي تؤثر على حياته مهما كانت بسيطة.
3- تشجيع مشاركة الأطفال في المناهج التعليمية
يمكن للمدارس أن تنظم أنشطةً صفيةً تتيح للأطفال التعبير عن آرائهم، والمشاركة في اتخاذ القرارات. [2]
في الختام يمكن القول إن حماية حقوق الطفل ليست مجرد مسؤولية قانونية، بل هي واجب إنساني لضمان نشوء الأطفال في بيئةٍ تُتيح لهم النمو بكرامة وأمان، فالأطفال هم عماد المستقبل، وتوفير حقوقهم كاملة هو الطريق الأمثل لبناء مجتمعاتٍ صحيةٍ ومستقرة، كما أن الحديث عن حقوق الطفل المَنسيّة لا يمكن أن ينتهي بمجرد تناوله في هذا المقال، فهناك العديد من الحقوق الأخرى التي لا يزال يُغفَل عنها في كثيرٍ من المجتمعات، وتتطلب المزيد من التوعية والجهود لحمايتها وتفعيلها.
المراجع البحثية
1- The child in international Refuge Law. (N.d). Amazon.com. Retrieved October 23, 2024
2- Fortin, J. (2009). Children’s rights and the developing law (3rd ed.). Cambridge University Press. Retrieved October 23, 2024