Skip links
طفل يرتدي نظارات ويضحك وتجلس أمامه فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة

الطفل السليم – ما تأثير الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة عليه؟

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

يولد الأطفال في عالمٍ مليءٍ بالتنوُّع والاختلاف، حيث يتمتع كلٌّ منهم بقدراتٍ وخصائص فريدةً تجعل منه شخصاً مميزاً، وبينما ينشأ الطفل السليم في بيئةٍ تُتيح له النمو الطبيعي، يظهر في محيطه أقرانٌ من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يواجهون تحدّياتٍ مختلفة، ولكنهم يحملون قصصاً مُلهمة، وتجارب تستحق التقدير، فكيف يؤثر وجود الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة على الطفل السليم؟ في هذا المقال نستكشف أبعاد هذا التأثير، وأهميته في بناء جيلٍ يتّسم بالفهم، والاحترام للآخر.

ما التأثيرات الإيجابية لوجود أطفالٍ من ذوي الاحتياجات الخاصة في بيئة الطفل السليم؟

إن وجود أطفالٍ من ذوي الاحتياجات الخاصة في بيئة الطفل السليم يساهم في تعزيز العديد من التأثيرات الإيجابية التي تنعكس على شخصيته، ونموّه النفسي والاجتماعي، ومن أبرز هذه التأثيرات:

1- تعزيز التعاطف والإنسانية

يتعلم الطفل السليم التعاطف مع الآخرين من خلال ملاحظة احتياجات زملائه المختلفين، والتعامل معهم برفق، ويساهم التفاعل مع أطفال ذوي احتياجات خاصةً في تقوية حس الإنسانية لدى الطفل السليم، مما يساعده على رؤية العالم من منظورٍ مختلف.

2- بناء مهارات التقبُّل واحترام الاختلاف

يتعلم الطفل السليم أن الاختلاف طبيعي سواءً في القدرات الجسدية أو العقلية، وأن الجميع يستحقُّ التقدير والاحترام، كما أن وجود الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة يُكسب الطفل السليم فهماً أعمق للتنوُّع البشري، وأهمية التعايش مع الآخرين بصرف النظر عن اختلافاتهم.

3- تنمية المهارات الاجتماعية

إن التفاعل مع أصدقاء من ذوي الاحتياجات الخاصة يعزّز مهارات التواصل الفعّال لدى الطفل السليم، مثل: الاستماع الجيد، وفهم مشاعر الآخرين والتعاون.

4- تعزيز الصبر لدى الطفل

يتعلم الطفل السليم الصبر عند التعامل مع أطفال قد يحتاجون إلى وقتٍ أطول لفهم الأمور أو تنفيذ المهام، فيصبح أكثر استعداداً لمساعدة الآخرين، والاهتمام بهم.

5- بناء روح القيادة والمسؤولية

يشعر الطفل السليم بمسؤوليةٍ أكبر تجاه زملائه من ذوي الاحتياجات الخاصة، مما يُعزّز لديه مهارات القيادة وحب المساعدة.

6- تطوير الذكاء العاطفي

التفاعل مع أطفال ذوي احتياجات خاصة ينمّي لدى الطفل السليم القدرة على فهم مشاعر الآخرين، وإدراك احتياجاتهم غير المُعلنة، مما يرفع من مستوى ذكائه العاطفي.

7- تحسين السلوك الأخلاقي

يكتسب الطفل السليم قيماً أخلاقيةً عاليةً من خلال هذه التجربة، مثل: الرحمة، والاحترام، والعطاء، مما ينعكس إيجابياً على سلوكه في المجتمع.

لكن ماذا عن التأثيرات السلبية؟

على الرغم من التأثيرات الإيجابية الكبيرة لوجود أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في بيئة الطفل السليم قد تظهر بعض التحدّيات أو التأثيرات السلبية، ومن أبرزها:

1- نقص الوعي أو الفهم

قد يشعر الطفل السليم بالارتباك أو عدم فهم سلوكيات أو احتياجات زملائه من ذوي الاحتياجات الخاصة إذا لم يتمّ شرح ظروفهم أو تعليم الطفل السليم كيفية التفاعل معهم، مما يؤدي إلى تكوين أفكار خاطئة أو مشاعر غير مريحةٍ تجاه الاختلاف بينهم.

2- احتمالية الشعور بالإهمال

في بعض الحالات قد يشعر الطفل السليم بأن المعلمين أو البالغين يولون اهتماماً زائداً بزملائه من ذوي الاحتياجات الخاصة على حسابه، مما قد يثير لديه شعوراً بالغيرة أو التهميش.

3- التأثير على الأداء الأكاديمي

قد يتأثر تركيز الطفل السليم في بعض الأحيان، فإذا كان لديه زميل يعاني من تحدّياتٍ تؤثر على البيئة الصفية (مثل: الصعوبة في الاندماج أو سلوكياتٍ غير متوقّعة)، فيشعر بأن المعلم يخصّص وقتاً كبيراً لشرح الدروس أو التعامل مع احتياجاتٍ محددةٍ لزميله، مما يُبطئ سير العملية التعليمية.

4- احتمال حدوث التنمُّر

في بعض الحالات قد يواجه الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة مواقف تنمُّر أو سخرية من بعض الأطفال السليمين الذين لم يتمّ توعيتهم بأهمية التقبُّل، لذلك قد يتأثر الأطفال السليمون أيضاً نفسياً نتيجة وجود بيئةٍ غير صحية لكلا الطرفين.

5- تحمُّل مسؤوليةٍ زائدة

إذا تمّ تكليف الطفل السليم بمساعدة زميله من ذوي الاحتياجات الخاصة دون توجيهٍ مناسب أو بمعدّلٍ يفوق قدرته، فقد يشعر بالضغط أو الاستياء.

6- الشعور بالخوف أو الانزعاج

بعض الأطفال السليمين قد يعانون من مشاعر خوف أو انزعاج نتيجة مواجهتهم لسلوكياتٍ غير مألوفة من زملائهم، مثل: حركات مفاجئة أو ردود أفعال غير متوقّعة.

7- تقليد السلوكيات غير المألوفة أو المتكرّرة

قد يلاحظ الطفل السليم بعض السلوكيات الفريدة لدى الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، مثل: الحركات المتكرّرة، الصراخ، أو ردود الفعل غير الاعتيادية، مما قد يدفعه إلى تقليدها بدافع الفضول، أو التسلية، أو ربما سيعتقد الطفل السليم أن هذه السلوكيات طبيعية ومسموح بها، مما قد يؤدي إلى تبنّي بعض السلوكيات التي قد تكون غير مناسبةٍ له.

ما هو دور الأهل لتجنُّب التأثيرات السلبية على الطفل؟

1- التوعية بأسلوبٍ بسيطٍ وفعّال

يجب أن يشرح الأهل لطفلهم بطريقةٍ تناسب عمره أن لكل طفلٍ خصائصه واحتياجاته، وأن اختلاف زملائه من ذوي الاحتياجات الخاصة لا يعني أنهم أقل شأناً، كما يمكن استخدام القصص أو الرسوم المتحركة التربوية التي تعزّز قيم التقبُّل والتفاهم لديهم.

2- التركيز على السلوكيات الإيجابية

أي تعليم الطفل كيف يساعد زملاءه بلطف، وتشجيعه على المبادرات الإيجابية، مثل: اللعب معهم أو مساعدتهم في المهام البسيطة، كما يجب التأكيد على فكرة أن التقليد ليس دائماً أمراً جيداً خصوصاً إذا كان سلوكاً غير مناسب، فإذا لوحظ تقليده لسلوكٍ غير ملائم، يجب أن يتمّ تصحيح الأمر برفق عبر توضيح الفرق بين السلوك غير الطبيعي والسلوك الطبيعي.

3- الحوار المستمر

بفتح باب النقاش مع الطفل حول تجربته مع زملائه من ذوي الاحتياجات الخاصة، وسؤاله عن مشاعره أو المواقف التي يواجهها لتقديم الإرشادات المناسبة بشأنها.

4- القدوة الحسنة

أن يكون الأهل مثالاً يُحتذى به في تقبُّل الآخرين واحترامهم، ليقتدي الطفل بسلوكهم الإيجابي.

5- دعم استقلالية الطفل

وذلك بمساعدة الطفل على بناء شخصيته المستقلة، وتعزيز ثقته بنفسه، ليشعر بالفخر بهويته وسلوكياته الخاصة دون تقليد الآخرين.

ما هو دور المعلمين لتجنُّب التأثيرات السلبية على الطفل؟

1- خلق بيئةٍ متوازنة

وذلك بتوفير بيئةٍ صفيةٍ تجعل كل الأطفال يشعرون بالمساواة والقبول بحيث يتمُّ دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة دون الإخلال باحتياجات الطفل السليم، وتشجيع التفاعل من خلال الأنشطة التعاونية التي تظهر نقاط قوة كل طفل.

2- توعية الأطفال

بتخصيص وقتٍ لتثقيف جميع الطلاب حول أهمية تقبُّل الاختلاف بطريقةٍ إيجابية، وبأسلوبٍ مبسّطٍ يناسب أعمارهم.

3- الملاحظة والتدخُّل السريع

حيث يجب مراقبة التفاعل بين الأطفال، والتدخُّل فوراً إذا لوحظ تقليد الطفل السليم لسلوكياتٍ غير مناسبة، وشرح الأسباب خلف سلوك زميله بشكلٍ يساعده على فهم الموقف.

4- تعزيز السلوكيات الإيجابية

مدح الطفل السليم عند إظهاره لسلوكياتٍ إيجابية، مثل: التعاون أو مساعدة زملائه لتعزيز تلك السلوكيات لديه.

5- التواصل مع الأهل

يجب إبقاء الأهل على اطلاعٍ دائمٍ بتطورات الطفل السلوكية في المدرسة، والتعاون معهم لحلّ أي تحدّياتٍ تواجه الطفل. [1]

في نهاية المطاف، يظل وجود الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في بيئة الطفل السليم فرصةً ذهبيةً لتطوير شخصيته، وبناء قيمٍ إيجابيةٍ تُعزّز من تقبُّله للتنوُّع، واحترامه للآخرين. ومع ذلك، فإن هذه التجربة تحتاج إلى دعمٍ وتوجيهٍ مستمر من الأهل والمعلمين لضمان تحقيق الفائدة المرجوة، وتجنُّب أي آثار سلبية قد تنشأ عنها، فعندما نتعاون جميعاً لتوفير بيئةٍ مليئةٍ بالحب والتقبُّل، فإننا لا نساهم فقط في بناء أفراد متسامحين ومتعاونين، بل نُسهم أيضاً في بناء مجتمعٍ أكثر وعياً وإنسانية.

المراجع البحثية

1- Brillante, P. (2017). The essentials: Supporting young children with disabilities in the classroom. Essentials series. Retrieved November 17, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.