الوصل الدماغي المعوي – آلية عمله، وظائفه ودوره في بعض المُتلازمات
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
من المعروف أن الحالة النفسية يمكنها أن تتحكّم في حياة الشخص من كافة جوانبها الفكرية والعملية، ويمكنها كذلك أن تتحكّم بالعمليات الحيوية التي تحدث داخل جسم الإنسان، فمن المعروف أن الأشخاص الذين يعانون اضطراب المزاج لأي سببٍ كان يمكن أي يُترجم ذلك بضعف تركيز، وسوء الوظائف الهضمية، وكذلك مشاكل واضطراباتٍ مهمّة أخرى، كالعقم، واضطراب الدورة الطمثية عند النساء.
الترابط المباشر بين العامل النفسي واضطراب الوظائف العضوية غير مُفسَّر بشكلٍ كاملٍ في الكثير من الحالات، وعادةً يندرج العامل النفسي كأحد التفاسير المُحتملة في الأمراض مجهولة السبب. أحد ميزات الجهاز الهضمي المثُبتة علمياً أنه جهازٌ يتمتّع بتنظيمٍ عصبيٍّ ذاتي دون وجود تداخُلٍ من الجهاز العصبي المركزي (مركز العواطف والأحاسيس)، وبناءً على ذلك، فإنه يمكن افتراض استقلالية الجهاز الهضمي عن الحالة النفسية للشخص.
إلا أن الواقع يؤكّد على وجود أعراض وعلامات هضمية ناتجة عن اضطرابٍ نفسي أو تقلُّبٍ مزاجي دون وجود إصابةٍ عضويةٍ هضمية. سابقاً كان تأثُّر الجهاز الهضمي بالتقلُّبات المزاجية غير مُفسّر بشكلٍ كامل، أي أن الارتباط العصبي الهضمي النفسي لم يكن مفهوماً بشكلٍ تامٍّ في السابق، إلا أنه حديثاً تبيّن أن للجهاز العصبي المركزي تأثيراً مباشراً على الجهاز الهضمي عبر ألياف عصبيةٍ تصل مباشرةً من الدماغ إلى المعدة والأمعاء لتشكّل ما يسمّى بالوصل الدماغي المعوي (Gut-brain connection).
ما هو الوصل الدماغي المعوي؟
الوصل الدماغي المعوي أو الجهاز العصبي المعوي (The enteric nervous system) هو مجموعةٌ من الألياف العصبية التي تربط بين الدماغ والجهاز الهضمي بمكوناته كافة، ويُعدُّ هذا الجهاز مسؤولاً عن نقل أوامر الجهاز العصبي المركزي إلى الجهاز الهضمي أو العكس.
ما هي آلية عمل الوصل الدماغي المعوي؟
في الحالات الطبيعية تنظم فعالية الجهاز الهضمي عبر مجموعةٍ من العقد العصبية المنتشرة على طول الجهاز الهضمي، وهي التي تتولى مهمّة تنظيم التقلُّص العضلي للسبيل الهضمي، وتنظيم إفراز الهرمونات والإنزيمات الهاضمة، وذلك دون تدخُّل الجهاز العصبي المركزي.
إلا أنه يُلاحظ ترافق اضطراب وظائف الجهاز الهضمي عند الإصابة بأمراض مختلفة أنها قد لا ترتبط مباشرةً بالجهاز الهضمي، مثل: الشعور بالمغص البطني عند الإصابة بالتهابات الرئة، أو الشعور بالقهم في حالات الصداع، أو ضعف الشهية والإسهال عندما يعاني المريض من التقلُّبات المزاجية، أو المرور بشدّةٍ نفسيةٍ أو اجتماعية (كامتحان هام وغيرها).
وإن وجود استجابةٍ هضميةٍ لمثل هذه الحالات يقترح وجود ترابطٍ ذهني هضمي مباشر، وهذا الترابط يتحقّق عبر الوصل الدماغي المعوي، وذلك عبر ألياف العصب القَحْفي المُبهم (العصب القَحْفي العاشر)، والذي تصل أليافه بين الدماغ والعقد العصبية الذاتية الموجودة في المعدة، والأمعاء، والبنكرياس، وغيرها، ويستجيب عبرها الجهاز الهضمي تبعاً للحالة المرضية أو الاضطراب الذي يعاني منه المريض بتوجيهٍ من الدماغ. [1] [2]
ما هي الحالات التي يتفعَّل فيها الوصل الدماغي المعوي؟
– الجوع والشّبع.
– تفضيلات الطعام والرغبة الشديدة.
– الحساسيات الغذائية وعدم تحمُّلها.
– حركة الأمعاء (حركات العضلات).
– الهضم.
– الاسْتِقْلاب.
– المزاج.
– السلوك.
– مستويات التوتُّر.
– حساسية الألم.
– الوظيفة المعرفية.
– الأمراض والاستجابات المناعية. [1]
ما هي وظائف الوصل الدماغي المعوي؟
الاستجابات المُشاهدة في الجهاز الهضمي نتيجة الوصل الدماغي المعوي من إسهال، أو إمساك، أو نفخ وقهم، والشعور بالشبع، وغيرها من العوامل تشكّل جزءاً من الاستجابة الشاملة يتحكّم بها الدماغ في حالات الخطر، والشدة، والأمراض، وذلك لمواجهة أي عوامل إمراضية خارجية.
فمثلاً: عند الإصابة بالزكام الشائع من الطبيعي أن يعاني المريض من أعراض الزلّة التنفُّسية البسيطة، وانسداد فتحتي الأنف نتيجة الإفراز المخاطي الزائد مع سعال وعطاس، وهذه الأعراض رغم أنها تسبّب إزعاجاً للمريض، إلا أنها تساهم في طرد الفيروسات المسبّبة للزكام من الرئتين.
نلاحظ أيضا عند مريض الزكام أعراض إسهال دون وجود إمراضيةٍ مباشرة تصيب السبيل الهضمي، إلا أن هذه الاستجابة هي أيضاً تعمل على إفراغ الأمعاء من أي عوامل مُمْرضة، وتساهم في تحقيق الشفاء التام الكامل من أي عاملٍ مُمْرضٍ قد يتسبّب بتفاقم الإصابة بالزكام.
في حالةٍ مشابهةٍ أخرى نلاحظ في حالات الشدة أن الإنسان يعاني من تغييرٍ في عادات التغوُّط، وذلك استجابةً للحالة الاجتماعية المحيطة، وتزول الأعراض الهضمية بزوال الشدة أو التقلُّب المزاجي العاطفي.
يمكن تتبُّع نفس النمط في حالات الاكتئاب والخمول، حيث يعاني المريض من اللامبالاة، وضعف الرغبة بالقيام بنشاطاتٍ رياضيةٍ مختلفة، ونجد خمولاً هضمياً كذلك متمثلاً بإمساك وضعف الفعالية العضلية في الجهاز الهضمي بسبب التنبيه الحاصل من الوصل الدماغي المعوي. [1]
كيف يساهم الوصل الدماغي المعوي في إمراضية بعض المُتلازمات؟
من الأمثلة الشائعة نذكر مُتلازمة الأمعاء الهيوجة (Irritable bowel syndrome) والتي يعاني فيها المريض من تقلُّبٍ في عادات التغوُّط من نوب الإسهال والإمساك مع السلامة الكاملة للأمعاء والجهاز الهضمي، ولا يترافق مع هذه الاضطرابات أي إصابةٍ جهازيةٍ مهمة، إنما فقط يوجد عند بعض المرضى اضطرابات نفسية، كالاكتئاب، وفي هذا المرض يُتّهم الوصل الدماغي المعوي بتحريض التغيُّر في عادات التغوُّط بسبب اضطراب الحالة النفسية.
يمكن أيضاً أن يعمل الوصل الدماغي المعوي في كلا الاتجاهين، أي أن بعض الأمراض الهضمية البسيطة قد تحرّض استجابةً جهازيةً واسعة، فبعض الأمراض لا يتعدّى تأثيرها مستوى الجهاز الهضمي، إلا أن استجابة الجسم تشمل جميع الأجهزة الأخرى، وذلك لأن الوصل الدماغي المعوي يرسل إشاراتٍ إلى الجهاز العصبي المركزي في حالة إصابة الجهاز الهضمي بمرضٍ معين (كداء كرون Crohn’s disease)، وعندها يُفعِّل الجهاز العصبي المركزي استجابةً شاملةً لمواجهة الاضطرابات الهضمية، إلا أن هذه الاستجابة بهذه الحالة (في داء كرون) تكون مُعيبةً تسبّب تفاقم الأعراض عند المريض. [1]
مشاركة البكتيريا الدقيقة المعوية في تأثير عمل الوصل الدماغي المعوي
تحتوي الأمعاء بشكلٍ طبيعي على بكتيريا طبيعية غير مُمْرضة لها دور في تنظيم عملية الهضم، وحديثاً أُثبت أن لهذه البكتريا وظائف أخرى متعددة، حيث تشير الأبحاث العلمية إلى أن البكتيريا في الأمعاء لها دورٌ مهمٌّ في التفاعلات ثنائية الاتجاه بين الأمعاء والجهاز العصبي. يتفاعل الجهاز الهضمي والبكتيريا المعوية مع الجهاز العصبي المركزي عن طريق تنظيم كيمياء الدماغ، والتأثير على أنظمة الغدد الصمّاء العصبية المرتبطة بالاستجابة للتوتر، والقلق، ووظيفة الذاكرة. [2]
المراجع البحثية
1- Professional، C. C. M. (2024، May 1). The Gut-Brain connection. Cleveland Clinic. Retrieved October 28، 2024
2- Carabotti، M.، Scirocco، A.، Maselli، M. A.، & Severi، C. (2015، June 1). The gut-brain axis: interactions between enteric microbiota، central and enteric nervous systems. Retrieved October 28، 2024