الموسيقى والطفل – متى يميّز بين الألحان وما تأثيرها على حياته؟
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
تبدأ رحلة الطفولة التطورية منذ المراحل الأولى للولادة، حيث يتعرّض الوليد من اللحظات لحياته خارج رحم الأم للعديد من المنبهات والمتغيرات الحسّية السمعية والبصرية والشَّمية، ورغم اكتمال نضج أعضاء الحس المعنية بهذه المنبهات عند الولادة، إلا أن التعرّض المستمر للمنبّهات الحسّية يُحرّض على سرعة نمو ونضج الطفل الروحي، والحركي، والحسي، لذلك فإن لعب الأهل مع الطفل الرضيع (وخاصةً الأم) يعدُّ من العوامل الضرورية جداً لنمو الطفل.
من بين التنبيهات الأكثر أهميةً في تطور الطفل هو صوت الأم، وتحدثها بشكلٍ مستمر مع طفلها، إلا أنه حديثاً وبسبب الانتشار الكبير للموسيقى حول العالم في كل منزل عبر آلات التسجيل والمُشغّلات الموسيقية أصبح السؤال مطروحاً بين الأهل، وحتى بين الأوساط الطبية: “هل تمتلك الموسيقى والألحان الصوتية آثاراً إيجابيةً أم سلبيةً على حياة الطفل؟”.
متى يمكن للطفل أن يبدأ التمييز بين الألحان الصوتية؟
في الواقع يمكن للطفل أن يستجيب للمنبهات الصوتية في عمرٍ باكرٍ جداً، بل أنه من المُثبت أن الجنين في بداية حياته الجنينة يستشعر ويستجيب للتنبيهات الصوتية. تتلخص الاستجابة في معظم الحياة الجنينة للتنبيهات الصوتية الواردة من الأم أو الوسط المحيط بتسرّع النبض وعدد مرات التنفس، إلا أنه مع اقتراب موعد الولادة يكتمل نضج عضو الصوت الداخلي في أذن الجنين، ويتولد لدى بعض الأجنّة استجابة أكثر من مجرد استجابة عصبية ذاتية بسيطة.
بل على العكس من ذلك أُثبت حديثاً أن الجنين في أواخر الحمل يمكنه أن يميز الألحان الصادرة عن آلة الجيتار، وتُبدي صور الرنين المغناطيسي الوظيفي للدماغ عند الجنين استجابةً نوعيةً ضمن الفص الصدغي للمخ، أي أنه يستجيب بآليةٍ مشابهة (إلى حدٍّ ما) لاستجابة الإنسان البالغ للموسيقى. أما عن تأثير التنبيهات الصوتية على الطفل في الحياة الجنينة، وعند الولادة، فإنها تولّد للطفل فيما بعد ذوقاً غنائياً معيناً، بالإضافة إلى وجود دلائل على أن هذه التنبيهات الباكرة تساعد على النُّضج السمعي الباكر عند الطفل.
من الفوائد الفريدة للتعرُّض الصوتي المستمر أثناء الحياة الجنينة تهيئة الطفل للحياة خارج الرحم، حيث إن الاستجابة الأولية للجنين داخل الرحم عند التعرّض للأصوات المرتفعة الشديدة لأول مرة تتمثل بتسرّعٍ واضحٍ لضربات القلب مع زيادة الجريان الدموي (الأمر الذي يحاكي الاستجابة عند التعرّض لشدة).
إلا أنه لوحظ أن التعرُّض المستمر لنفس المنبه الصوتي الشديد أدى إلى اعتياد الجنين على هذا التنبيه، والنتيجة استجابة أخف لهذا التنبيه لم يعد التنبيه الصوتي الشديد يثير استجابة شدّةٍ عند الجنين أي أن المنبهات الصوتية التي يتعرّض لها الجنين تساعده على الاستعداد لمواجهة المنبهات الخارجية عند الولادة.
تأثير الموسيقى ودورها في حياة الرضع والأطفال
يحدث التطور الموسيقي لدى الرضع في المقام الأول في سياق التواصل والغناء الأمومي. تميل الأمهات في جميع ثقافات العالم إلى التحدث مع أطفالهن بطريقةٍ موسيقيةٍ أكثر، وتسمّى هذه الظاهرة “الكلام الأمومي” أو الكلام الموجه للرضع، ويتميز بأسلوبٍ غنائي ذي تردداتٍ صوتيةٍ أعلى ونطاقٍ ممتدٍّ من الأصوات، وأحرف متحركة ممتدة، وإيقاع بطيء.
بالإضافة إلى ذلك، تميل الأمهات إلى طرح الكثير من الأسئلة على أطفالهن الرضع (ارتفاع اللحن في الجملة) على الرغم من أن أطفالهن لا يستطيعون الإجابة عليها لغويًا بعد. إن ربط الجملة بتردّداتٍ صوتية أعلى يثير انتباه الرضيع، ومن المحتمل أن هذا الأسلوب في التحدث يعمل على إقامة اتصالٍ مع الرضيع، ويثير استعداد النطق اللغوي لدى الرضيع.
في حين أن التحدث إلى الرضع عادةً ما يكون أعلى حدةً مقارنةً بالتحدث إلى البالغين، فإن الغناء للرضع غالبًا ما يكون أعلى بنصف نغمة فقط مقارنةً بالغناء للبالغين. إضافةً إلى أن نغمة الأصوات الغنائية عادةً ما تكون نغمةً ناعمة، وتعمل هذه السمات المميزة للكلام والغناء للرضع على إنشاء رابطةٍ عاطفيةٍ بين الطفل والأم.
ترتبط النغمات العالية والأصوات الأبطأ بالسعادة والعاطفة، كما أن انتظام الإيقاعات في الغناء وأغاني الأطفال يعزّز التنسيق مع الحركة، وخلق تواصلٍ عاطفي بين الأم والرضيع. فوائد الغناء والموسيقى تتعدى الروابط العاطفية بين الأم والطفل، وبالنظر إلى فوائد الغناء للرضع، تجدر الإشارة إلى أن للموسيقى آثار إيجابية على مستويات الانفعال والتوتر.
أظهر الرضع بعمر ستة أشهر انخفاضًا ملحوظًا في مستويات الكورتيزول بعد الاستماع إلى أمهاتهم وهي تغني، وأصبح الرضع أكثر هدوء بعد أن كانوا منزعجين أو أكثر هياجًا، أي أن الاستماع إلى الموسيقى أدى إلى انخفاضٍ في الانفعالات (يظهر في انخفاض الكورتيزول)، ومعه انخفاض توتر الرضيع الأمر الذي يلعب دوراً مهماً في النمو السليم للطفل، كما تمّ ملاحظة أن الغناء أكثر فعاليةً من “الكلام الأمومي” في تنظيم مستويات التوتر لدى الرضع.
ما هو المميز في التنبيهات الموسيقية عند الأطفال؟
ما الذي يجعل التحفيز الموسيقي، وخصوصاً غناء الأم، ذا فائدةٍ في التطور الروحي والمعرفي عند الرضيع؟ ينشط إدراك الموسيقى مناطق عديدة من الدماغ. الفص الصدغي الأيمن هو المهيمن على إدراك التنبيهات الصوتية، علاوةً على ذلك، أثناء إدراك طبقة الصوت واللحن.
يتمّ تنشيط المخيخ أيضًا، وخاصةً نصف الكرة الأيسر، الذي لديه اتصالات مع نصف الكرة المخية الأيمن، ويشارك أيضًا الفص الصدغي الأيسر، والقشرة الحركية أمام الجبهية، والمخيخ في إدراك الإيقاع، وتنشط بالإضافة إلى ذلك النوى القاعدية والقشرة الحزامية وهي مناطق لها أدوار معقدة في الإدراك المعرفي والترابط الذهني.
ومع ذلك، قد تشارك كل من النوى القاعدية والقشرة الحزامية ليس فقط في معالجة الإيقاع، ولكن أيضًا في الانتباه والوعي والإدراك، وتعمل الاستجابات الحركية للموسيقى على تنشيط المناطق الحركية والحسية في القشرة الدماغية. العديد من المناطق الدماغية تتشارك في الاستجابة للمنبهات الصوتية الغنائية عند الطفل، وتتفعّل الذاكرة، والفضول، والمهارات السمعية عند الطفل الذي يستمع للموسيقى، وذلك بفضل النشاط الملاحظ للقشرة الجبهية، والتي تعنى بشخصية وانفعالات الطفل، حيث يمكن ملاحظة نشاطٍ قشري مشابهٍ عند البالغين عند الاستماع إلى الموسيقى المُفضّلة لديهم. [1]
المراجع البحثية
1- Poćwierz-Marciniak، I.، & Harciarek، M. (2021). The effect of musical stimulation and mother’s voice on the early development of musical abilities: a Neuropsychological perspective. International Journal of Environmental Research and Public Health، 18(16)، 8467. Retrieved September 20، 2024