Skip links
رجل بالغ يرتدي بدلة رسمية ويجلس على الدرج في أحد الشوارع ويضع يد على جبينه وهو يظهر حزينا

الفشل

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

ما هو الفشل؟

الفشل هو تحديد الهدف، وعدم تحقيقه، وهو تجربةٌ حرجةٌ ومؤلمة، ويعرف بأنه عدم النجاح في تلبية التوقعُّات التي رسمها الإنسان في رأسه لموضوعٍ ما، وسعى لتحقيقها، ولا يوجد إنسانٌ على وجه الأرض لم يفشل بموضوعٍ ما في حياته، ولكن بعض الناس يعرفون كيف يتعلمون معه ليكونوا أكثر نجاحاً في المستقبل، لذلك ينبغي عدم الخوف من الفشل، ولكن تجنُّب أسبابه.

لا أحد يتطلع إلى الفشل بالتأكيد، ولا أن يسمّى فاشلاً، ويمكن أن يكون مفيداً، ويمكن التعلم منه، واكتساب رؤىً جديدةً للعمل بشكلٍ أفضل في المرات القادمة والنجاح، فبعض الإخفاقات تمنحنا معلوماتٍ جديدة، وتعلمنا شيئاً يجعلنا أقرب إلى تحقيق أهدافنا.

يجب إعادة صياغة الفشل في الذهن للمضي قدماً بمرونة، كما يجب أن يفهم الإنسان نفسه، ويتعرف على كيفية الاستفادة من نقاط قوته الطبيعية، لتحديد الخطوات التالية، وتحقيق الأهداف بشكلٍ أسرع وأنجح.

كيف يتمُّ التعافي من الفشل؟

يحدث التعافي من الفشل من خلال إعادة صياغته، ففي المجتمع الفوز هو كل شيء، وإعادة صياغة الفشل هي تقنية تستخدم التدريب لرؤية الموقف بشكلٍ مختلف. في سلسلةٍ وثائقيةٍ تسمّى “الخاسرون” هناك لمحة عن الرياضيين ذوي الأداء العالي أو الفرق التي تعرضت لفشلٍ كبير، وبعيداً عن القصص الفردية، هناك جانب أكثر روعةً عند الرياضيين الخاسرين الذين حولوا معاناة الهزيمة إلى انتصارٍ بشري.

فالمتزلجة على الجليد سوريا بونالي كانت بطلة فرنسا الوطنية تسع مرات، وفازت ببطولة أوربا خمس مرات، ومع ذلك، فقد فشلت في الحصول على الميدالية في جميع مشاركاتها الأولمبية الثلاث، وعندما تقاعدت بونالي كرياضيةٍ محترفة، عملت كمدربة تزلجٍ على الجليد، ومتحدثةٍ تحفيزيةٍ للرياضيين الشباب.

ما هي النقاط المهمّة لإعادة صياغة الفشل؟

1- المبتدئ

لا يمكن الالتزام بمعايير الخبير في بادئ أي أمر، فتجريب الجديد يحتاج عقلية المبتدئ، لذلك لا بدّ من أخذ العديد من الفرص للتحسين، فعندما يكون الإنسان جديداً في شيءٍ ما، يكون احتمال النجاح أقل في بادئ الأمر تماماً، كما لا يمكن للطفل أن يربط حذاءه بنفسه بشكلٍ مثالي في المرات الأولى.

2- فرصة التعلم

الخوف من الفشل هو أحد أقوى مثبطات التعلم، وقد تمّ توضيح أحد الأمثلة في المقالة الكلاسيكية التي نشرتها مجلة هارفارد بيزنس ريفيو بعنوان “تعليم الأشخاص الأذكياء كيفية التعلم”، حيث يشير كريس أرجيريس إلى أن العديد من الأشخاص الناجحين للغاية يخشون الفشل.

ونتيجةً لذلك، فإنهم يميلون إلى الاستجابة للفشل كردّة فعل، ويتصرفون لتجنُّب ذلك أو تجنُّب الاعتراف به، وفي هذه العملية، فإنهم يفوتون فرصة التعلم والتطور من خلال تجربة شيءٍ ما، والحصول على نتيجةٍ مختلفةٍ عما كان متوقعاً أو مأمولاً. عندما يحدث شيء مختلف عما توقعناه، فإننا نتعلم الكثير عن الموقف والافتراضات. نحن أيضاً نتعلم المزيد عن أنفسنا، وكيف نتعامل مع النكسات، وما هو غير متوقّع.

3- الكمالية

في حال كان هناك نزعة قوية للكمال، فيمكن تصنيف الأشياء على أنها فاشلة، وهي في الحقيقة ليست كذلك، على سبيل المثال: قد يرتكب الإنسان خطأ أثناء العرض التقديمي في اجتماعٍ رفيع المستوى، وعلى الرغم من التعليقات الممتازة من جميع الحاضرين إلا أنه يركز اهتمامه على اللحظة الوحيدة التي لم تسر كما هو مخططٌ لها تماماً، لذلك يجب عدم السماح للكمال بأن يكون عدواً للتقدُّم.

4- التحيُّز

هو عبارة عن ممارساتٍ أو معتقداتٍ متأصلة في نظامٍ يضرُّ بمجموعاتٍ مختلفة، حيث يستمر التحيُّز المنهجي ضدّ الأشخاص السود، أو النساء، أو الأشخاص ذوي الإعاقة، وغيرهم. كانت سوريا بونالي واحدةً من المتزلجين السود القلائل في التسعينات التي تمّ الحكم عليها بقسوة لأنها لم تجسد الأميرة البيضاء المثالية في التزلج على الجليد للسيدات، وقد وصفها الحكام بأنها رياضية، وليست فنية، فقد كان للتحيُّز تأثيرٌ على إخفاقاتها في الألعاب الأولمبية.

5- الغموض

إن عوالمنا أصبحت غامضةً بشكلٍ متزايد، ولا يمكن التنبُّؤ بها، فمن كان يتوقع أن يقلب الوباء العالمي كورونا في عام 2019 عالم العمل بين عشية وضحاها. إن تجنُّب الفشل يكاد يكون مستحيلاً في بعض البيئات، وخاصةً تلك التي تكون شديدة التقلب، وقد تكون هناك عوامل أخرى تسبّب التشتُّت والتوتر، وعندما يؤدي الغموض إلى تقليل احتمالية تحقيق الهدف.

فلا بدّ من تعديل الأهداف أو محور العمل مع محاولة تلافي الأخطاء الناتجة عن الإهمال أو سوء التخطيط، مع إدراك عدد المرات التي يمكن أن تؤدي فيها الظروف المتغيرة إلى قلب أفضل الخطط الموضوعة رأساً على عقب. لابدّ من التركيز عما يمكن تعلمه للعمل بشكلٍ أفضل في ظل واقع التوتر والغموض بدلاً من التحسُّر على تغير العالم حول الخطة المثالية.

6- المحاولة والخطأ

أحد المبادئ الأساسية للتفكير التصميمي هو فكرة الفشل والتعلم من الفشل، حيث تتبنى هذه العقلية الفشل كجزءٍ طبيعي من العملية الإبداعية، وتوفر التجربة والخطأ الفرصة لتحسين الأمور بشكلٍ مستمر، وكما قال توماس أديسون عبارته الشهيرة عن اختراع المصباح الكهربائي “أنا لم أفشل، لقد وجدت للتو 10000 طريقة لن تنجح”. عند رؤية الإخفاقات كنقاط بيانات، فهنا تُخلق فرصةٌ جديدة للتحسين.

7- تجدد الدافع

في بعض الأحيان، يصبح الفشل البسيط هو النكسة التي تثير الالتزام المتجدد بهدفٍ أو مشروع، ويمكن أن يوفر حافزاً للمحاولة من جديد والنجاح.

8- قد يكون الفشل بسبب عمليةٍ غير مكتملة

فقد يكون الشيء الذي يبدو فاشلاً مجرد وصفٍ مزيفٍ لعمليةٍ غير مكتملة.

9- النجاح مقابل الفشل

إذا كان تعريف الفشل هو عدم تحقيق الهدف، فالنجاح أكبر من تحقيق الهدف نفسه من الناحية النفسية، والأهمُّ من ذلك أنه من الممكن أن تشعر بأنك شخصٌ ناجحٌ حتى في مواجهة الفشل. في خطابٍ ألقته سوريا بونالي أمام الطلاب في التزلج الفني على الجليد في هارلم قالت: “ليس عليك انتظار ميدالية لتجعل حياتك مختلفة. إذا بذلت 100 بالمائة، فقد فعلت الأفضل. أشعر بالرضا حيال ذلك، أشعر بالإيجابية وأستمر”.

يمثل هذا الاقتباس تمييزاً مهماً بين أهداف العملية وأهداف النتائج، لكن في مجتمعنا، لا نميل إلى الاعتراف بهذه الإنجازات العملية وتقديرها، وبدلاً من ذلك نجعل الشعور بالنجاح مشروطاً بالنتيجة. في الواقع من المهمّ الشعور بالنجاح، ولكن ربط النجاح بتحقيق الأهداف فقط لا يكفي للشعور بالرضا.

لذلك يجب الشعور بالنجاح لكل الجهود المبذولة بدلاً من النتائج فقط، والنجاح الحقيقي هو معرفة ما تريده من الحياة، والشعور بالفخر بالذات لاستثمار ما هو مفيد. يمكن أن يكون النجاح والفشل ذاتياً للغاية، وقد تساعد العقلية الأكثر انفتاحاً على إعادة صياغة الفشل بسرعة وتحقيق النجاح.

ما هي مراحل الفشل؟

حدّد مؤلف كتاب العادات الذرية جيمس كلير ثلاث مراحل للفشل، وهي:

1- فشل التصور

عندما لا يكون الإنسان متأكداً بشأن ما يريد من الحياة أو إذا كان لا يشعر بالهدف، والمعنى لحياته.

2- فشل التكتيكات

وهو عندما يعرف الإنسان ما يريد، ولكن ليس لديه خطة واضحة أو فعالة لتحقيقها، على سبيل المثال: ربما يحدث الفشل في إكمال المشروع لأن هناك فقط مخطط عام، وليس خطة رئيسية، وحتى أولئك الذين يكونون فعالين في التخطيط الاستراتيجي في مكان العمل يواجهون صعوبةً في بعض الأحيان، خاصةً مع ترجمة تلك المهارات إلى تكتيكاتٍ للتطوير الشخصي أو القيادي، وهذا هو المكان الذي يمكن أن يكون فيه تتبع العادات وتطويرها فعالاً.

3- فشل الاستراتيجية

وهو عندما يكون هناك خطة، ويتمُّ إتباعها، لكنها لا تحقُّق الهدف، فهناك عددٌ لا نهائي من العوامل التي قد تؤثر على النجاح. يعدُّ فشل الاستراتيجية لحظةً مثاليةً لتوظيف مهارات التفكير التصميمي، والبدء في العمل على الإعادة. إن فهم سبب الشعور بالفشل يمكن أن يساعد في التغلب على التحديات التي تواجه نتائج العملية الخاصة، وربما تكون العملية ببساطة غير منتهية.

بعد ذلك سيؤدي التفكير في هذا إلى تجديد الدافع لإكمال العملية، وتحقيق نتائجها بنجاح، ولا أحد يستطيع تجنُّب الفشل طوال الوقت، وليس هذا هو القصد، فنحن نعيش في عالمٍ يعتمد فيه نجاحنا كأفراد وفرق على تعلمنا أكثر وأسرع لأداء أفضل، فإذا لم نفشل من المحتمل أننا لا نتحمل ما يكفي من المخاطر.

ما هي نقاط القوة في خدمة تحقيق الأهداف؟

في كثيرٍ من الأحيان نحن نتبنى فكرياً التجريب والمخاطرة، ولكننا نريد أن نفعل ذلك بكفاءةٍ دون فشل، وليس هذا هو القصد، بل الهدف هو أن يكون الإنسان مرناً في مواجهة الفشل، حيث يستخدم الشخص المرن نقاط القوة هذه في خدمة تحقيق الأهداف الآتية:

1- التعاطف مع الذات

اللطف تجاه الذات والآخرين المتورطين في الفشل، فهناك فرق بين الاعتراف بالفشل وبين توبيخ الذات عليه.

2- سرعة الإدراك

الاستعداد للتعلم بسرعة من الإخفاقات، والتركيز على الفرص الجديدة.

3- عقلية التطور

اتخاذ نهج المتعلم بشكلٍ افتراضي دون ردّ فعلٍ دفاعي أو إلقاء اللوم، وبدلاً من ذلك، يجب التفكير بعمق، ومحاولة التغيير، والاختلاف في المستقبل.

4- حل المشكلات

 البقاء فضولياً ومبدعاً مع جمع البيانات لإبلاغ القرارات والخطوات التالية.

5- الغرض والمعنى

عدم الندم مع إعادة التواصل مع المعنى الأكبر وراء الهدف، واستخدامه لتحريك أساليب جديدة.

6- الإقرار

تقدير الجهود المبذولة، والشعور بالنجاح من خلال تقييم العملية بقدر النتيجة أو أكثر منها.

عدم الخوف من الفشل

في ظهورها الأخير في الألعاب الأولمبية عام 1988 تزلجت سوريا بونالي، وهي مصابةٌ في وتر مع علمها أن هذا قد يكون آخر أداءٍ لها كرياضيةٍ هاوية، فقد نفذت شقلبتها الخلفية المميزة بشكلٍ مثالي، فبالنسبة لها في تلك اللحظة لم تكن ترى نفسها ضحية، فقد كان تجاوز حدود الرياضة، والتعبير عن نفسها أكثر أهميةً من نتائج الحكام، وقد أعطاها الجمهور تصفيقاً حاراً بينما أعطاها الحكام درجاتٍ منخفضة.

التعلم من الفشل

الفشل معلمٌ عظيم، ويمكن أن يكون درساً قيماً بالنسبة لنا على المدى الطويل، وينبغي أن نكون قادرين على امتحانه، واستخلاص الدروس منه. يعدُّ إجراء تحليل الفشل والنظر في أسبابه الجذرية طريقةً رئيسيةً للتعلم منه، وينطبق هذا بشكلٍ خاص على الفشل المعقد، حيث لا يكون سبب الفشل واضحاً على الفور.

من الجيد معرفة ما نقوم به بشكلٍ صحيح في وظائفنا أو أعمالنا، ولكن ردود الفعل على الفشل تمنحنا شيئاً لا يقل أهمية، فهي عملية تعلم أو لحظة قابلة للتعلم حول الأخطاء التي نرتكبها أيضاً في كثير من الأحيان، حيث يمكن أن تكون حالات الفشل الصغيرة في وقتٍ مبكر من المشروع بمثابة تجربة.

كما يمكن لهذه الإخفاقات أن تخلق ابتكاراً يؤدي إلى النجاح في المستقبل. الفشل ليس سيئاً بطبيعته، بل على العكس من ذلك توفر معظم حالات الفشل فرصاً مذهلةً لاكتساب رؤىً جديدةً عن الذات أو العمل، حتى إن بعض حالات الفشل تخلق الفرصة للانتصار. [1]

المراجع البحثية

1- Thompson, Ed.D, P. (2021a, August 18). What Is Failure and How Can We Make the Most of It?. betterup. Retrieved March 20, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.