العنصرية عند الأطفال – أسبابها، تأثيرها وكيف نتعامل معها؟
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
العنصرية تعني تفضيل وتمييز فئةٍ عرقيةٍ معينة على فئةٍ أخرى، كما تعني المعاملة غير العادلة أو الظالمة لفئةٍ معينة بناءً على العرق، فهي تمثل نوعاً من التحيُّز الذي يؤثر على العلاقات الاجتماعية، ويتسبّب في تمييز وظلم الأشخاص بناءً على عوامل جينية، أو ثقافية، أو عرقية، كما تعدُّ العنصرية تحدياً كبيراً في معظم المجتمعات، لكن ماذا لو اجتاحت العنصرية عقول أطفالنا الصغار؟
هل يدرك الطفل مفهوم العنصرية؟
في مراحل التطور المبكرة قد يكون فهم الأطفال لمفهوم العنصرية محدوداً، ففي سنٍّ مبكرةٍ جداً لا يكون الأطفال قادرين على إدراك المفهوم بشكلٍ كامل أو التعبير عنه بوضوح. ومع ذلك، فإنهم يتعلمون بشكلٍ تدريجي الاختلافات العرقية والثقافية، ويلاحظون التفاوتات في الألوان والمظاهر الجسدية للأشخاص من حولهم.
فعندما ينمو الطفل ويتفاعل مع العالم الخارجي والأشخاص المختلفين، قد يصبح لديه فهم أكثر وعياً بالعنصرية، كما يلاحظ التمييز بناءً على العرق أو الأصل الثقافي، ويمكن للأطفال أن يكتسبوا هذا الفهم من خلال التجارب الشخصية، مثل: اختبار الطفل موقفاً عنصرياً بنفسه، أو مشاهدته في الواقع، أو عبر وسائل الإعلام. [1]
ما هي الأسباب التي قد تجعل الطفل عنصرياً مع أقرانه؟
هناك عدة أسباب يمكن أن تسهم في ظهور سلوك العنصرية لدى الأطفال مع أقرانهم، ومنها: [1]
1- التأثر بالبيئة المحيطة
يمكن أن يتعرض الأطفال لآراء أو معتقدات عنصرية من بعض الأفراد في بيئتهم المباشرة سواءً كان ذلك في المدرسة أو في المجتمع، بشكلٍ عام يمكن لتلك الآراء أن يكون لها تأثير على الطفل، وتشجعه على اعتماد وجهات نظرٍ عنصرية.
2- نقص الوعي والتعليم
قد يكون لدى الأطفال فهم ضعيف للتنوع الثقافي والاختلافات العرقية، وذلك بسبب نقص التعليم والوعي بالقضايا المتعلقة بالتسامح والتعايش السلمي بين الثقافات المختلفة، بالتالي ينتج عن ذلك عدم القدرة على التعامل بشكلٍ إيجابي ومتساوٍ مع أقرانهم.
3- النماذج السلبية
يمكن أن يكون للنماذج السلبية في حياة الطفل تأثير سلبي على سلوكه، على سبيل المثال: إذا كان الطفل يشهد سلوكاً عنصرياً من قبل أفراد الأسرة، فقد يقلدهم، ويعتبر ذلك سلوكاً مقبولاً.
4- الخوف أو عدم الأمان
قد ينبع سلوك العنصرية لدى الأطفال من الخوف أو عدم الأمان، ففي بعض الحالات قد يستخدم الأطفال العنصرية كوسيلةٍ لبناء شعور الانتماء إلى مجموعةٍ معينة بهدف حماية أنفسهم من احتمالية التمييز أو الاستبعاد.
ما تأثير العنصرية على شخصية الطفل العنصري؟
عندما يمارس الطفل العنصرية، فإن ذلك يشير إلى اتخاذه سلوكاً عدائياً أو متحيزاً تجاه الأشخاص الآخرين بناءً على عوامل، مثل: العرق أو الأصل الثقافي، وإن تأثير العنصرية على شخصية الطفل العنصري يمكن أن يكون سلبياً ومؤثراً على عدة جوانب بما في ذلك: [2]
1- تشويه النظرة للآخرين
يمكن أن يؤدي التمرُّس في العنصرية إلى تشويه نظرة الطفل للآخرين، فيشعر بالتفوق أو الاستحقاق الخاص بسبب عرقه أو أصله الثقافي، وبالتالي يعتبر الآخرين أقل قيمةً أو يستحقون المعاملة بشكلٍ سيء.
2- قلة التسامح والانفتاح الثقافي
يمكن أن يؤثر التمرُّس في العنصرية على قدرة الطفل في التعامل مع التنوع الثقافي والتفاعل مع الآخرين بصورةٍ متساوية ومحترمة، بالتالي يفتقر الطفل العنصري إلى التسامح والانفتاح الثقافي، مما يقيّد آفاقه وتجاربه الاجتماعية.
3- ضعف العلاقات الاجتماعية
قد يؤدي سلوك العنصرية إلى تدهور العلاقات الاجتماعية للطفل، فيتمّ استبعاده من مجموعات أقرانه أو يواجه رفضاً من الآخرين بسبب سلوكه العنصري، مما يؤثر سلباً على صداقاته وحياته الاجتماعية.
4- الانغماس في الأفكار المتحيزة
يمكن أن يؤدي استمرار ممارسة العنصرية إلى تعزيز الاعتقادات المتحيزة السلبية، فإذا لم يتمّ توجيه الطفل، وتوفير تعليم وتوعية مناسبةٍ له، فقد يستمر في التفكير بأن العنصرية هي شيء صحيح أو مقبول، وسيصعّب ذلك مهمة تخلصه منها.
كيف يمكن للوالدين والمعلمين التعاون لمساعدة الطفل العنصري على تغيير سلوكه؟
1- التواصل المفتوح
يعني ذلك إنشاء بيئةٍ تفاعلية تشجع الطفل على التحدث عن مشاعره وآرائه بدون خوف من الحكم أو العقاب، والاستماع بصدق إلى مخاوفه، وتفهم دوافعه وتصوراته الخاصة حيال هذا الموضوع.
2- التعرف على الأسباب
محاولة فهم جذور سلوك العنصرية للطفل سواءً كانت ناتجةً عن تأثير البيئة المحيطة به أو تجارب سابقة، فقد يكون هناك عوامل تساهم في تشكيل اعتقاداته العنصرية، مثل: التربية أو الثقافة المحيطة.
3- التوجيه الإيجابي
وذلك بتوجيه الطفل بشكلٍ إيجابي، والاعتراف بجهوده المبذولة في تغيير سلوكه، واستخدام التشجيع والثناء عندما يظهر سلوكاً غير عنصري، ويعبر عن التسامح والاحترام للآخرين.
4- التعليم والتوعية
تقديم معلومات توعوية للطفل حول الاحترام المتبادل وقيم التنوع الثقافي، واستخدام القصص والأمثلة والأنشطة التفاعلية، لتعزيز التفاهم والتسامح.
5- النموذج الحسن
وذلك بأن يكون الأهل نماذج حسنة للطفل من خلال كونهم متسامحين ومحترمين في تعاملهم مع الآخرين، ومن المفيد أيضاً أن يقدم الأهل أمثلة عملية تعكس التنوع والمساواة.
6- توفير فرص التجارب العملية
على الأهل أن يخلقوا فرصاً للطفل كي يتفاعل مع أشخاص من خلفياتٍ ثقافية مختلفة سواءً عبر الزيارات الميدانية أو النشاطات الاجتماعية، وهذا يساعد الطفل على فهم الثقافات الأخرى، وتجربة التعايش الإيجابي.
7- التعاون مع المدرسة
من المهمّ تبادل المعلومات والتوجيهات مع المعلمين وإدارة المدرسة حول تحسين سلوك الطفل، والمساعدة في إعداد برامج أو أنشطة في المدرسة تهدف إلى تعزيز التسامح والتفاعل الإيجابي بين الطلاب.
8- المراقبة والمتابعة
من الضروري القيام بمراقبة سلوك الطفل، ومتابعة تطوره في تغيير سلوكه، وذلك بالبقاء على اتصال مع المعلمين للحصول على ملاحظاتٍ حول تفاعل الطفل في المدرسة، وتقدمه في التعامل مع التنوع الثقافي.
9- التوعية والانفتاح
يجب على الأهل أن يشرحوا لطفلهم بطريقةٍ محببة وجذابة أن اختلاف البشر أمرٌ طبيعيّ يضفي لكل منهم طابع مميز، وأن هذا الاختلاف لا يقلل من شأنهم، وعليهم أيضاً أن يغرسوا الحب في قلبه تجاه كل البشر بغضّ النظر عن مظهرهم، أو مذهبهم، أو مستواهم الاجتماعي.
في النهاية يجب أن ندرك أن التغيير ليس سهلاً، وأن مكافحة العنصرية تتطلب جهوداً مستمرة ومتواصلة، فالعنصرية قضية حساسة ومعقدة تتطلب التفكير العميق والتحليل والتفاعل الإيجابي، لذا لنتعهد بأن نكون جزءاً من التغيير الذي نرغب في رؤيته في العالم، ولنعمل سوياً لنشجع التسامح، والاحترام، والتعايش السلمي بين أطفالنا. [2]
المراجع البحثية
1- Gottman, J. M., Gottman, J., & Declaire, J. (1998). Raising an emotionally intelligent child (63993rd ed.). Simon and Schuster. Retrieved July 19, 2024
2- Elias, M. J. (1997). Promoting social and emotional learning: Guidelines for educators. ASCD. Retrieved July 19, 2024