Skip links
طفل حزين يضع يديه على خديه

الطفل الكتوم – الأسباب، الصفات وكيف نتعامل معه؟

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

يُعتبر كل طفل عالماً فريداً بحدّ ذاته يحمل بين طياته أحلاماً وآمالاً تشكل شخصيته وتوجهاته، فبعض الأطفال يختارون الصمت، ويفضّلون الاحتفاظ بمشاعرهم وأفكارهم داخلهم بعيداً عن أنظار الآخرين، هؤلاء هم الأطفال الكتومون الذين قد تبدو أصواتهم خافتة، لكنهم يحملون في أعماقهم عوالم غنيةً تحتاج إلى من يفهمها ويحتويها، فكيف يمكننا كأهلٍ ومربين دعمهم ومساعدتهم على التعبير عن أنفسهم دون أن نُشعرهم بالضغط أو القلق؟ في هذا المقال سنتناول أهم السّمات التي تميز الطفل الكتوم، وأفضل السُّبل للتعامل معه كي نمنحه المساحة التي يحتاجها ليكون سعيداً.

ما الأسباب التي تجعل الطفل كتوماً؟

هناك عدة أسباب قد تجعل الطفل يميل إلى الكتمان، وعدم الإفصاح عن مشاعره وأفكاره، ومنها: [1]

1- طبيعة شخصية الطفل

بعض الأطفال يولدون بطبيعةٍ هادئة، ويميلون إلى العزلة والانطوائية كجزءٍ من طبيعتهم.

2- الخجل

يُعتبر الخجل عاملاً رئيسياً للكتمان عند بعض الأطفال، وذلك بسبب شعورهم بعدم الارتياح عند التحدُّث أمام الآخرين أو عند مشاركة مشاعرهم وأفكارهم.

3- قلة الثقة بالنفس

قد يكون الطفل الكتوم غير واثقٍ بنفسه، مما يجعله متردّداً في التعبير عن آرائه خشية الحكم عليه أو التعرُّض للنقد.

4- الخوف من ردود الفعل

بعض الأطفال يتردّدون في التعبير عن مشاعرهم خوفاً من ردود الفعل السلبية أو العقاب، خاصةً إذا كان الوالدان أو المحيطون بهم صارمين أو غير متقبلين لمشاعر الطفل.

5- التجارب السابقة

قد تكون تجارب الطفل السابقة، مثل: التنمُّر عليه أو السخرية من الآخرين أمامه سبباً في دفعه نحو الكتمان لتجنُّب الأذى العاطفي.

6- الرغبة في الاستقلالية

بعض الأطفال يميلون إلى الاستقلالية، ويُفضّلون الاحتفاظ بآرائهم لأنفسهم لأنهم يرون في ذلك وسيلةً لحماية خصوصيتهم.

ما هي الصفات المشتركة للأطفال الكتومين؟

إنهم يتميزون ببعض السمات التي تجعل شخصيتهم مختلفةً عن أقرانهم، ومن السمات المشتركة بينهم: [1]

1- الهدوء والصمت

فهم يميلون إلى التحفُّظ والهدوء وقلة الحديث سواءً مع أفراد العائلة أو في المدرسة، ويفضّلون الاستماع أكثر من المشاركة.

2- قلة التعبير عن المشاعر

أي يظهر عليهم الحذر عند التعبير عن مشاعرهم، كما قد يصعب عليهم الإفصاح عن مشاعرهم بشكلٍ واضحٍ حتى لأقرب الأشخاص منهم.

3- التردُّد في التحدُّث أمام الآخرين

يجدون صعوبةً في الحديث أمام مجموعةٍ من الناس أو عند وجود غرباء، ويفضّلون البقاء بعيداً عن الأنظار.

4- التفاعل الاجتماعي المحدود

يميل هؤلاء الأطفال إلى تكوين عددٍ قليلٍ من الصداقات، ويشعرون بالراحة أكثر عند التواجد مع الأصدقاء أو أفراد العائلة المقربين فقط.

5- التفكير العميق

يتميزون بتفكيرٍ ناضج، وغالباً ما يفكرون ملياً قبل اتخاذ أي قرار أو قبل التحدُّث.

6- الاعتماد على الذات

يفضّلون القيام بالأمور بمفردهم، ويحبون الاعتماد على أنفسهم، ويجدون في العزلة فرصةً للتفكير وترتيب أفكارهم.

7- الميل إلى الكتابة أو التعبير غير اللفظي

قد يكون لدى هؤلاء الأطفال ميلٌ إلى التعبير عن أفكارهم من خلال الكتابة أو الرسم بدلاً من التحدُّث.

8- تجنُّب المواقف التي تسبّب التوتر

يبتعدون عن المواقف التي تتطلب تفاعلاً اجتماعياً كبيراً أو تلك التي قد تعرُّضهم للتوتر أو الضغط النفسي.

9- الانضباط والسلوك الهادئ

غالباً ما يتميزون بسلوكٍ منضبطٍ وهادئ، ويتجنّبون إثارة المشاكل، ويميلون إلى اتباع القواعد.

كيف يمكن أن تؤثر هذه السّمة على حياة الطفل؟

تؤثر سمة الكتمان على حياة الطفل بعدة طرقِ سواءً على الصعيد الاجتماعي، أو النفسي، أو الدراسي، ومن هذه التأثيرات: [2]

1- صعوبة تكوين صداقات

قد يجد الطفل الكتوم صعوبةً في تكوين علاقات مع أقرانه، مما قد يشعره بالعزلة والوحدة، فميله للعزلة يقلّل من فرص التعرُّف على أصدقاء جدد، ويجعل تفاعله الاجتماعي محدوداً.

2- انخفاض الثقة بالنفس

عدم القدرة على التعبير عن المشاعر والأفكار قد يضعف ثقته بنفسه، حيث يشعر بأنه مختلفٌ عن أقرانه الذين يستطيعون التواصل بحريةٍ وسلاسة.

3- التأثير على الأداء الدراسي

الكتمان قد يجعل الطفل يتردّد في طلب المساعدة عند الحاجة أو المشاركة في النقاشات داخل الفصل، مما قد يؤثر على مستواه الدراسي خصوصاً في المهام التي تتطلب تفاعلاً أو تعبيراً.

4- زيادة التوتر والضغط النفسي

بسبب الاحتفاظ بالمشاعر وعدم التحدُّث عنها يعاني الطفل من توتّرٍ داخلي قد يتفاقم مع مرور الوقت، وقد ينعكس ذلك في هيئة اكتئابٍ أو قلقٍ زائد.

5- صعوبة التعامل مع الضغوط

يجد الطفل الكتوم صعوبةً في مواجهة التحديات أو الضغوط لأنه لا يتحدث عنها، مما يزيد من احتمالية شعوره بالإحباط أو الانسحاب عند مواجهة المشاكل.

6- التعرُّض لسوء الفهم من الآخرين

فالطفل بسبب كتمانه لمشاعره قد يُساء فهمه من قِبل أقرانه أو معلميه، فيظنون أنه غير مهتمّ أو متكبر، مما يزيد من احتمالية العزلة الاجتماعية لديه.

7- صعوبة التعبير عن الاحتياجات والرغبات

قد يصعب على الطفل الكتوم التعبير عن احتياجاته العاطفية، مثل: الشعور بالخوف أو الضيق، وهذا قد يجعله غير قادر على طلب الدعم المناسب من الأهل أو المعلمين.

8- الميل للأنشطة الفردية

يميل الطفل الكتوم إلى الأنشطة الفردية، مثل: القراءة أو الرسم، مما قد يقلّل من مشاركته في الأنشطة الجماعية، ويحدُّ من قدرته على تطوير مهارات العمل الجماعي.

كيف يجب التعامل مع الطفل الكتوم؟

يتطلب التعامل مع الطفل الكتوم تفهُّماً ودعماً خاصين من الأهل والمعلمين لمساعدته على التعبير عن نفسه في بيئةٍ آمنة ومريحة، وسنطرح هنا بعض الخطوات الفعّالة للتعامل معه: [2]

1- خلق بيئةٍ آمنةٍ ودافئة

من المهمّ توفير جوّ يشعر فيه الطفل بالراحة والأمان للتعبير عن مشاعره وأفكاره دون خوف من الحكم أو النقد، ويجب على الأهل والمعلمين أن يكونوا داعمين، ويتجنّبوا إصدار الأحكام.

2- التواصل بطرقٍ غير مباشرة

بعض الأطفال الكتومين يجدون صعوبةً في الحديث المباشر، لذا يمكن للأهل استخدام وسائل غير مباشرة، مثل: الرسم، أو الكتابة، كوسيلةٍ للتواصل مع الطفل، مما يسهّل عليه التعبير عن مشاعره.

3- التعبير عن الدعم والتقدير

أي أن يشعر الطفل بأنه مقبول كما هو، وإظهار التقدير لدقة ملاحظاته وتفكيره، وتجنُّب مقارنته بأقرانه، بل على العكس يجب إخباره أنه مميّزٌ بطريقة تفكيره وأسلوبه.

4- تجنُّب الضغط عليه للحديث

لا يجب الضغط على الطفل للإفصاح أو الحديث عن كل شيء، فقد يزيد هذا من توتره، ويجعله أكثر ميلاً للكتمان، فمن الضروري منحه الوقت الكافي ليعبر عن نفسه عندما يشعر بالراحة.

5- الاستماع باهتمامٍ وحب

عندما يرغب الطفل في الحديث من المهمّ الاستماع له بانتباه واهتمام دون مقاطعة، فهذا يساعده على الشعور بأن كلامه مهمّ، ويستحقُّ الاستماع.

6- تشجيعه على بناء الثقة بالنفس

وذلك بتقديم أنشطةٍ تعزّز ثقة الطفل بنفسه، مثل: المشاركة في أنشطةٍ ممتعة يفضّلها أو تشجيعه على تعلم مهارات جديدة، فنجاحه في هذه الأنشطة قد يعزّز من شعوره بالثقة في قدرته على التعبير عن نفسه.

7- تشجيع النشاطات الجماعية

قد يكون من المفيد تشجيع الطفل على المشاركة في أنشطةٍ جماعيةٍ بشكلٍ تدريجي، مثل: الفرق الرياضية أو مجموعات اللعب الصغيرة ليكتسب مهارات التواصل تدريجياً دون ضغط.

8- إعطاء الطفل نموذجاً إيجابياً في التعبير

يمكن للأهل والمعلمين أن يكونوا قدوةً في التعبير عن المشاعر بشكلٍ صحي، على سبيل المثال: أن يقولوا بأنفسهم كيف يشعرون في مواقف مختلفة، مما قد يشجع الطفل على التعبير والإفصاح عما في داخله.

في نهاية المطاف يبقى الطفل الكتوم كزهرةٍ تنمو بصمت، وتحتاج إلى رعايةٍ خاصة، واحتواءٍ عميقٍ لتزهر وتعبّر عن جمالها الداخلي، فكل طفل مهما بدا هادئاً أو منطوياً يحمل في قلبه عالماً من الأفكار والمشاعر التي تستحقُّ الفهم والتقدير، ونحن كأهلٍ ومعلمين نلعب دوراً مهماً في خلق بيئةٍ آمنةٍ ومحبّةٍ تتيح له أن يكون على طبيعته ليعبر عن ذاته، ويشارك عالمه بأمان وثقة، فبلمساتٍ بسيطة من التفهُّم والصبر يمكننا أن نفتح له أبواب التعبير والإبداع ليكبر ويواجه العالم بقلبٍ مليء بالثقة والإيمان بنفسه.

المراجع البحثية

1- Cain, S., Mone, G., & Moroz, E. (2016). Quiet Power: The secret strengths of introverts. National Geographic Books. Retrieved November 14, 2024

2- Kurcinka, M. S. (2006). Raising Your Spirited Child rev ed: A guide for parents whose child is more intense, sensitive, perceptive, persistent, and energetic (Revised ed. edition). William Morrow Paperbacks. Retrieved November 14, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.