Skip links

الحقيقة والمجاز – تعريفهما، المجاز المرسل وعلاقاته

تعريف الحقيقة في اللغة والاصطلاح

هي وصفٌ على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي حقيق بمعنى حاقّ، والمعنى اللغوي لكلمة الحقيقة هو الثُّبوت والوجوب، يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي: “الحقُّ نقيض الباطل”، فالحق هو الأمر الثابت والباطل هو الأمر المعدوم الذي لا ثباتَ له، كقوله تعالى: ﴿قالَ الذينَ حقَّ عليهمُ القول﴾ {القصص63}، أي ثبتَ ووجبَ عليهم.

أما في الاصطلاح، فيقول البلاغيون: “هي الكلمة المُستعملة فيما وُضعت له في اصطلاح التخاطب”، أي تكون الكلمة ثابتةٌ على أصلها لا تزايله ولا تفارقه، فكلمة (أسد) حين تستعمل في الحيوان المفترس تكون حقيقة.

أقسام مصطلح الحقيقة عند البلاغيين

قسّم البلاغيون الحقيقة إلى أربعة أقسام، وهي: لغوية، شرعية، عرفية، عامة وخاصة، والسبب في ذلك كما قال القزويني: “الحقيقة لغوية وشرعية وعرفية: خاصة أو عامة، لأن واضعها إن كان واضع اللغة فلغوية، وإن كان الشارع فشرعية، وإلا فعرفية، والعرفية إن تعيّن صاحبها نُسبَت إليه،

كقولنا: كلامية نحوية وإلا بقيت مطلقة”، فحين يستعمل المُتكلّم كلمة (الصلاة) تكون فيما وُضعت له في اصطلاحات أهل الشرع (الأركان الخاصة) حقيقة، وتكون عند استعمالها من قبل أهل اللغة (الدعاء) حقيقةٌ أيضاً. [1] [3]

تعريف المجاز في اللغة والاصطلاح

يُعرّف المجاز في اللغة بأنه مصدرٌ ميمي على وزن (مَفْعَل)، وهو من جاز المكان يجُوزُه إذا تعدّاه. أما في الاصطلاح البلاغي، أنه نقل الكلمة من معناها الأصلي، واستعمالها في غير ما وُضعت له، فهي جائزةٌ معناها الأصلي أو مُجوّزٌ بها مكانها الأصلي، مع قرينةٍ مانعةٍ للمعنى الأصلي، وهكذا اتخذ المصدر (مجاز) معنى اسم الفاعل (جائز) أو اسم المفعول (مَجُوزٌ به)، ويهتمُّ علم البيان بالمجاز دون الحقيقة لأنه يحصل فيه اختلاف الطرق والتراكيب في وضوح الدلالة على المعنى المراد.  

أنواع المجاز

للمجاز نوعان: المفرد والمركّب.

1- المجاز المفرد

هي الكلمة التي تستعمل في غير ما وُضعت له في اصطلاح التخاطب، وذلك لوجود علاقةٍ بين المعنى الأول (الوضعي) والمعنى الثاني (المجازي) مع قرينةٍ مانعةٍ من إرادة المعنى الوضعي، ويكون هذا المجاز في الكلمات المفردة، ويتضمن تعريف المجاز على مصطلحين مهمّين وهما، العلاقة والقرينة.

العلاقة

هي صلة أو ملابسة بها يتعلق المعنى المجازي للكلمة بالمعنى الوضعي، فيُسهّل انتقال ذهن المتلقي من المعنى الأول (الوضعي) إلى المعنى الثاني (المجازي)، فالعلاقة بين كلمة (قمر) بمعناها الوضعي الكوكب المعروف، و(قمر) في قولك: “التقيتُ قمراً في الحديقة”، بالمعنى المجازي، والذي تريد به (الفتاة الحسناء) تسهّل انتقال ذهن المتلقّي من المعنى الأول إلى الثاني.

القرينة

هي الأمر الذي يجعله المتكلم دليلاً على أنه أراد باللفظ غير معناه الوضعي، وهي نوعان: لفظية، كتركيب (في الحديقة) في المثال السابق، والذي يدلُّ على المعنى المجازي أي (الفتاة الحسناء)، وحالية: هي التي تُدرَك من واقع حال المتكلم.  [1] [2]

أقسام المجاز المفرد تبعاً للعلاقة

يُقسم إلى قسمين بحسب العلاقة إلى قسمين، فعندما تكون العلاقة بين المعنى الوضعي للكلمة والمعنى المجازي المُراد في السياق (المُشابهة) يسمّى المجاز (استعارة) كما في كلمة (قمر) المُستعارة للفتاة الحسناء، وحين تكون العلاقة بين المعنيين شيئاً آخر غير المشابهة، فيسمّى المجاز (مرسلاً).

المجاز المُرسل

هو الكلمة المُستعملة في غير ما وُضعت له لعلاقة غير المُشابهة مع قرينةٍ مانعةٍ من إرادة المعنى الوضعي. لقد تبيّن للبلاغيين أن علاقات هذا الفن البياني مرسلةٌ غير مُقيّدةٍ بعلاقةٍ واحدة، ووقفوا عند أكثرها وروداً في أساليب العرب. [1] [2] [3]

علاقات المجاز المُرسل

1- السببية

يكون فيها المعنى الوضعي للكلمة سبباً للمعنى المجازي الذي يأتي عليه في السياق، وهي تُجيز تسمية الشيء باسم سببه، ومنه قوله تعالى: ﴿يدُ اللهِ فوقَ أيديهم﴾ {الفتح10}، فكلمة (اليد) هي مجازٌ مرسل، وتعني (القدرة)، والعلاقة سببية، وذلك لأن أكثر ما تظهر القوة في اليد، والقرينة (فوق أيديهم) لأنه لا معنى لا يمكن أن تكون اليد بالمعنى الحقيقي فوق أيدٍ أخرى.

2- المُسبّبِية

يكون فيها المعنى الوضعي للفظ المذكور مُسبَّبَاً عن المعنى المجازي، وهذه العلاقة تُجيز تسمية الشيء باسم مُسبّبِه، ومنه قوله تعالى: ﴿لقد أنزلنا إليكمْ كتاباً فيه ذكركُم﴾ {الأنبياء10}، فكلمة (ذكركُم) تعني هنا (شرفكم)، والشرف يُذكر، وفي ذلك إشارةٌ إلى أن الذكر مُسبّبٌ عن الشرف، فالعلاقة مُسبَّبِية، والقرينة (أنزلنا إليكم).

3- اللازمية   

حيث يكون المعنى الوضعي للفظ المذكور لازماً للمعنى المجازي، وتُجيز هذه العلاقة تسمية الشيء باسم لازمه، كقولك: “طلع الضوء” ، تريد بها الشمس، فكلمة (الضوء) مجازٌ مرسلٌ علاقته لازمية لأنه ملازمٌ للشمس، ويوجد حين وجودها، والقرينة الفعل (طلع).

4- الملزومية

يكون فيها المعنى الوضعي للكلمة ملزوماً بالمعنى المجازي، وهي تُجيز تسمية الشيء باسم ملزومه، كقولك: “ملأتِ الشمسُ الغرفة”، فكلمة الشمس تعني هنا الضوء، وهي مجازٌ مرسل سُمّي فيه اللازم (الضوء) باسم ملزومه (الشمس)، والقرينة الفعل (ملأت).

5- الحالّية

يكون فيها المعنى الوضعي للكلمة حالاً في المعنى المجازي، ويُجيز تسمية المحل باسم الحالِّ فيه، ومنه قوله تعالى: ﴿خُذوا زينتكُمْ عندَ كلِّ مسجد﴾ {الأعراف31}، تعني كلمة (زينتكم) (لباسكم)، فهي مجازٌ مرسل سُمّي فيه المحل (اللباس) باسم الحالِّ فيه (الزينة)، لأنها حالّةٌ فيه وقائمةٌ به، والقرينة الفعل (خذوا).

6- المحليّة

يكون فيها المعنى الوضعي للكلمة محلاً للمعنى المجازي، ويُجيز تسمية الحال باسم محلّه، كقوله تعالى: ﴿فليدعُ ناديه﴾ {العلق17}، فكلمة (ناديه) تعني هنا (أهل ناديه)، حيث سُمّي القوم باسم المكان الذي يجتمعون فيه، وهو (النادي)، والقرينة حالية.

7- الجزئية

يكون فيها المعنى الوضعي للفظ المذكور جزءاً للمعنى المجازي، وتُجيز هذه العلاقة تسمية (الكل) باسم جزئه، كقوله تعالى: ﴿فأقمْ وجهكَ للدينِ القيّم﴾ {الروم43}، فكلمة (وجهك) تعني هنا (ذاتك)، أي المُراد الإنسان نفسه، فاعتبر الوجه الذي هو جزءٌ من الإنسان مجازاً عن ذات الإنسان كلها، والقرينة التي منعت المعنى الوضعي هو الفعل (أقمْ)، والعلاقة جزئية.

8- الكلّيّة

يكون فيها المعنى الوضعي للفظ المذكور كلّاً للمعنى المجازي، وتُجيز هذه العلاقة تسمية الجزء باسم كلّه، كقوله تعالى: ﴿يجعلون أصابعهُمْ في آذانهم﴾ {البقرة19}، فكلمة (أصابعهم) تعني هنا (أناملهم)، وهو مجازٌ مرسل علاقته الكلية، حيث سُمّي الجزء (الأنامل) باسم الكل (الأصابع)، والقرينة حالية، وهي أنه من غير الممكن إدخال الإصبع كلها في الأذن.

9- اعتبار ما كان

يكون فيها المعنى الوضعي للفظ المذكور صورةً أو حالةً كان عليها في الماضي، وهي تُجيز تسمية الشيء باسم ما كان عليه في الماضي، كقوله تعالى: ﴿وآتوا اليتامى أموالهم﴾ {النساء2}، فإنه من المعلومٌ أن إيتاء الأموال في مثل هذه الحال لا يكون إلا بعد البلوغ، فإن كلمة يتامى هنا تعني البالغين الذين يجوز إعطاؤهم أموالهم ليتصرفوا بها، فإنهم في وقت الخطاب بالغون،

وقد تجاوزوا مرحلة اليُتم، فقد استخدمت كلمة (اليتيم) لـ (البالغين)، ولا توجد علاقة مشابهة بين الكلمتين، والعلاقة هي (اعتبار ما كان عليه البالغون في الماضي من يُتم)، وهذا الذي أجاز استخدام (اليتامى) لـ (البالغين)، والقرينة التي منعت إرادة المعنى الوضعي هو الفعل (آتوا).

10- اعتبار ما يكون

يكون فيها المعنى الوضعي للكلمة حالةً سيكون عليها المعنى المجازي، وهي تُجيز تسمية الشيء باسم ما سيكون عليه في المستقبل، كقوله تعالى: ﴿إنك ميّت﴾ {الزمر31}، فكلمة (ميّت)، وهو (حيّ) هي مجاز مرسل علاقته اعتبار ما سيكون عليه، أي أن ستموت، والقرينة حالية، فهو لم يكن ميتاً في الزمن الذي أنزلت فيه الآية.

11- المُجاورة

يكون فيها المعنى الوضعي للكلمة المذكورة مجاوراً للمعنى المجازي، وهي تُجيز تسمية الشيء باسم مُجاوره، كقوله تعالى: ﴿وأرسَلنا السّماء عليهمْ مِدرارا﴾ {الأنعام6}، فإن كلمة (السماء)، والتي تعني هنا (المطر)، هي مجازٌ مُرسل، والعلاقة بينهما (المجاورة)، والقرينة هي (مدرارا)، فالسماء لا تُرسل مدرارا.

12- العموم

يكون فيها المعنى الوضعي للكلمة عاماً يُقصد به معنىً خاصاً، وهي تُجيز تسمية الخاص باسم العام، كقوله تعالى: ﴿الذينَ قالَ لهمُ الناس﴾ {آل عمران 173}، فكلمة الناس هي خاصة برجلٍ يسمّى نُعيْم بن مسعود الأشجعي، حيث سُمّي الخاص (نُعيْم) بالعام (الناس)، والقرينة حالية.

13- الخصوص

يكون فيها المعنى الوضعي للكلمة خاصاً يُقصد به معنىً عاماً، ومنه تسمية القبائل بأسماء أشخاص، مثل: (ربيعة، عدنان، تغلب).

14- الآلية

يكون فيها المعنى الوضعي للكلمة آلةً للمعنى المجازي، ويُجيز تسمية الأثر الناتج باسم آلته، ومنه قوله تعالى: ﴿فإنّما يسّرناهُ بلسانك﴾ {مريم97}، فكلمة (لسانك) تعني هنا (لغتك)، وهو مجاز مرسل علاقته الآلية، حيث سمّي الأثر الناتج عن اللسان، وهو (القرآن) (باللسان)، والقرينة الفعل (يسرناه).

15- التعلّق الاشتقاقي

هي إقامة صيغةٍ اشتقاقيةٍ مكان صيغةٍ أخرى شريطة انتمائهما إلى مادةٍ واحدة، وله عدة أنواع:

– إطلاق المصدر على اسم المفعول، كقوله تعالى: ﴿ولا يحيطونَ بشيءٍ من علمه﴾ {البقرة255}، فالمصدر (علمه) أُطلق على اسم المفعول (معلومه)، فهو مجازٌ مرسل علاقته التعلّق الاشتقاقي.

– إطلاق اسم الفاعل على اسم المفعول، كقوله تعالى: ﴿لا عاصمَ اليوم من أمرِ الله﴾ {هود43}، فاسم الفاعل (عاصم) أُطلق على اسم المفعول (معصوم).

– إطلاق اسم المفعول على اسم الفاعل، ﴿فاتخذت من دونهم حجاباً مستورا﴾ {مريم17}، فاسم المفعول (مستورا) أُطلق على اسم الفاعل (ساتراً). [1] [4]

المراجع البحثية

عيسى علي العاكوب -1. (2005d). مقدمة في الحقيقة والمجاز. In المفصل في علوم البلاغة (pp. 447–515). essay, مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية. Retrieved October 6, 2024

أحمد الهاشمي -2. (n.d.). في المجاز. جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع. Retrieved October 6, 2024

3- الجبوري، أحمد حمد محسن .(2017) .الحقيقة والمجاز في الاصطلاح .موسوعة أساليب المجاز في القرآن الكريم. Retrieved October 6, 2024

4- IslamKotob. (n.d). تطور حقيقة المجاز المرسل. المجاز المرسل في لسان العرب .عند ابن منظور. Retrieved October 6, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.