Skip links
جهاز التوكماك

التوكماك – مبدأ عمله، شروط التفاعل وأهمُّ صعوبات تحقيقه

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

ما هوَ التوكماك

التوكماك (Tokamak) مُصطلحٌ روسي يُشيرُ إلى “الغرفة الحلقية ذات الملفات المغناطيسية”، فالتوكماك جهازٌ يُستخدم في أبحاث الاندماج النووي للحبس المغناطيسي للبلازما، ويتألَّف من نظامٍ مُعقّدٍ منَ المجالات المغناطيسية التي تَحصرُ بلازما الجسيمات المَشحونة المُتفاعلة ضمنَ حاويةٍ مُجوفةٍ على شكل كعكة الدونات. يُمكن تَشكيل جسيمات البلازما المَشحونة والتحكُّم فيها بواسطة الملفات المغناطيسية الضخمة الموضوعة حول وعاء التوكماك، ويَستخدم الفيزيائيون هذهِ الخاصية المهمّة لحصر البلازما الساخنة بعيداً عن جدران حجرة التوكماك.

التوكماك

طُرحت فكرة التوكماك لأوّل مرَّة من قبل العالمين الفيزيائيين السوفيتيين إيجور تام وأندرييه ساخروف في خمسينيات القرن الماضي، وبدأ أوَّل توكاماك العمل في روسيا في عام 1958، وأدَّت التطورات اللاحقة إلى بناء مفاعل اختبار توكاماك للانصهار في مُختبر فيزياء البلازما في برينستون، ومفاعل توروس الأوروبي المُشترك في إنجلترا، وكلاهما حقّقا قوَّة اندماجٍ قياسيةٍ في التسعينيات، وقد حفَّزت هذهِ النجاحات 35 دولة على التعاون في مشروع ITER tokamak فائق التوصيل، والذي يهدفُ إلى استكشاف فيزياء البلازما. [1] [2]

مبدأّ عمل التوكماك

يقومُ مفاعل الاندماج التوكماك بعمليةٍ مشابهةٍ لتلك التي تحدثُ ضمنَ النجوم لتبقيها مُشتعلة، إذ تندمج نواتان خفيفتان، مثل: الديوتيريوم، والتريتيوم، وكلاهما نظيران للهيدروجين، ليصبحا عنصر الهيليوم، حيثُ تكون كتلة نواتج الاندماج أقل بنسبة 1 بالمئة تقريباً من نواتي الديوتيريوم والتريتيوم الداخلتين في التفاعل، وبالتالي يتمُّ تحويل هذا الفقد البسيط في الكتلة إلى قدرٍ هائلٍ منَ الطاقة المُنتجة وفقاً لمعادلة آينشتاين الشهيرة E = mc2، أي أنَّ كمية الطاقة المُنتجة تساوي الكتلة المفقودة مُضروبةً بمربع سرعة الضوء.

الديوتيريوم هوَ أحد نظائر الهيدروجين الموجود بوفرةٍ في مياه البحار، لذلكَ فهو مادةٌ شائعةٌ جداً، ويَسهلُ العثور عليها، إذ أنَّ 1 غرام منَ الديوتيريوم، عندَ إخضاعه لتفاعل الاندماج، ينتجُ نفس كمية الطاقة التي ينتجها حرق 30 طناً منَ الفحم. التريتيوم، وهوَ عنصرٌ ضعيفٌ الإشعاع، يتحلل خلال حوالي 12 عاماً، ولا يوجد هذا العنصر في الطبيعة، ولكن يمكنُ الحصول عليهِ مباشرةً داخل المفاعل من خلال الليثيوم، كما يتوفَّر الليثيوم بكثرةٍ على سطح الأرض ضمنَ الصخور.

يتمُّ أولاً إخلاء الهواء والشوائب من حجرة التفريغ ضمنَ المفاعل. بعدَ ذلك، يتمُّ شحن الأنظمة المغناطيسية التي تساعد على حصر البلازما، والتحكُّم فيها ثمَّ إدخال الوقود الغازي، فعندما يمرُّ تيار كهربائي قوي عبرَ الوعاء، يتحلل الغاز كهربائياً، ويتأيّن (يتمُّ تجريد الإلكترونات منَ النواة)، ويُشكِّل البلازما.

عندما تنشط جزيئات البلازما تتصادم وتبدأ في التسخين، وتُساعد طريقة التسخين هذهِ على إيصال البلازما إلى درجة حرارة الاندماج (بين 150 و300 مليون درجة مئوية)، ويمكنُ للجسيمات “المُنشِّطة” إلى هذهِ الدرجة أن تتغلَّب على تنافرها الكهرومغناطيسي الطبيعي، وبالتالي اندماجها معَ بعضها البعض، مما يؤدي إلى إطلاق كمياتٍ هائلةٍ منَ الطاقة. يتمُّ في مفاعلات التوكماك جعل البلازما تطفو وسط المفاعل دون أن تلامس أيّاً من أجزائه عن طريق مغنطيسات تحافظ على البلازما في مسارٍ دائري، كما يظهرُ في الشكل أسفل. [3] [4] [5]

الحقول اللازمة لحصر البلازما ضمن مفاعل التوكماك

لحصر البلازما ضمنَ مفاعل التوكماك، نحتاجُ إلى ثلاثة أنواعٍ منَ الحقول المغناطيسية، هي: [6]

1- الحقول الحلقية

يتمُّ توليد هذهِ الحقول بواسطة الملفات الحلقية، وتَهدفُ هذهِ الملفات إلى تكوين حقلٍ مغناطيسي على طول محور التماثل للآلة، وبالتالي إجبار جزيئات البلازما المَشحونة على التدفُّق على طول هذا الاتجاه.

2- الحقول الرأسية

يتمُّ إنتاج الحقول الرأسية بواسطة ملفاتٍ خارجية تَسمحُ بالتحكُّم في موضع البلازما.

3- الحقل البوليدي

لمزيدٍ منَ الاستقرار، هناك حاجة إلى مجالٍ مغناطيسي عمودي، ويتمُّ توفير هذا المجال من خلال ملفات بولويدال، وهيَ حلقاتٌ كبيرة تحيطُ بإطار الحلقة بأكملها، بما في ذلكَ ملفاتها الحلقية، حيثُ تقومُ مجموعةٌ منَ الملفات المُجسّمة المُتعددة بأقطار مُختلفةٍ بدفع البلازما المُتوسّعة إلى مركز إطار الحلقة، مما يوفِّر استقراراً أفضل لعمود البلازما، وعادةً ما يُستخدم لتحديد موضع البلازما وتَشكيلها، وهيَ في بعض الأحيان عبارةٌ عن هياكل كبيرةٍ جداً.

يُمكن تلخيص عمل هذهِ الحقول في التوكماك كما يلي، تقومُ ملفات الحقل المغناطيسي بحصر جزيئات البلازما للسماح للبلازما بتحقيق الظروف اللازمة للاندماج. تولِّد مجموعةً واحدةً منَ الملفات المغناطيسية مجالاً حلقياً مكثّفاً موجهاً لمسافةٍ طويلةٍ حولَ محيط الحلقة، ويقومُ الملف اللولبي المركزي (المغناطيس الذي يحمل تياراً كهربائياً) بإنشاء مجالٍ مغناطيسي ثانٍ موجّهٍ على طول الاتجاه “اللولبي”.

وهوَ الطريق القصير حولَ إطار الحلقة، ويؤدي مكوناً المجال إلى مجالٍ مغناطيسي ملتوٍ يحصر الجزيئات في البلازما، وتقومُ المجموعة الثالثة منَ ملفات المجال بتوليد حقل بولويدال خارجي يقومُ بتشكيل البلازما ووضعها، كما يظهر في الشكل أسفل. يستطيعُ التوكماك الحفاظ على تيارات البلازما عندَ مستوى ميغا أمبير، وهوَ ما يعادل التيار الكهربائي في أقوى صواعق البرق.

الشروط الضرورية لحدوث تفاعل الاندماج ضمن التوكماك

هناك شروط ضرورية لحدوث تفاعل الاندماج ضمن التوكماك، سنذكرُ أهمها: [7]

1- التسخين

تبلغُ درجة الحرارة اللازمة لحدوث تفاعل الاندماج الديوتيريوم – التريتيوم (DT) على الأرض 150 مليون درجة، أي حوالي 10 مرات أكثر سخونةً من قلب الشمس، وذلكَ لكي يندمج الديوتيريوم معَ التريتيوم. الطريقة الفعَّالة لنقل هذهِ الطاقة هيَ التسخين الأومي، وذلكَ من خلال السماح للتيار الكهربائي بالتدفُّق عبرَ البلازما، منَ المُمكن تَسخين البلازما حتى حوالي 20 إلى 30 مليون درجة مئوية، وبمجرد أن تتشكَّل البلازما بفضل التسخين الناتج عن التيار الكهربائي، يُمكنُ تسخينها بشكلٍ أكبر باستخدام الموجات الدقيقة.

وللحفاظ على حرارة البلازما منَ الضروري دائماً تطبيق تدفُّق الطاقة، وبمجرد الوصول إلى درجة الحرارة التي تتمُّ فيها تفاعلات الاندماج، والمُعروفة باسم “الاشتعال”، تنتج التفاعلات نفسها مُعظم الطاقة اللازمة للحفاظ على البلازما عندَ درجة الحرارة المطلوبة. ومعَ بدء تشغيل المفاعل، لن يتمُّ توفير سوى 10-30 بالمئة منَ الطاقة اللازمة للحفاظ على درجة حرارة البلازما.

2- زمن الاحتجاز

تحتاج البلازما للحفاظ على الطاقة التي يتمُّ توفيرها لها بالطريق الموضّحة سابقاً بارامتر آخر أيضاً هوَ زمن احتجاز الطاقة،فإذا كان لمفاعل زمن احتجازٍ طويلٍ جداً، فسوفَ يَستغرقُ الأمر القليل منَ الطاقة لتسخينه، وإذا كانَ زمن الاحتجاز قليلاً، فسوفَ يَستغرقُ الأمر الكثير منَ الطاقة للحفاظ على درجة الحرارة.

3- المجال المغناطيسي

تَعتمدُ جودة العزل في مفاعل التوكماك على المجال المغناطيسي، فإذا كانَ المجال المغناطيسي قوياً بما فيهِ الكفاية، فإنَّه يَسمحُ بالاحتفاظ بالطاقة، أي الحرارة داخل البلازما. للقيام بذلك، نحتاجُ إلى مجالاتٍ مغناطيسيةٍ شديدة الكثافة، ولكن هناك حدٌّ للكثافة التي يُمكن تطبيقها، فمنَ الناحية التقنية، يُمكنُ إنتاج مجالاتٍ تصلُ إلى حوالي 12 تسلا، أي حوالي 200 ألف ضعف المجال المغناطيسي للأرض.

كما ويجبُ الحفاظ على توازن البلازما في وضعٍ معين. ويحدثُ ذلكَ بفضل المجالات المغناطيسية المُساعدة التي تمنع البلازما من مُلامسة جدران المفاعل، مما يؤدي إلى انخفاضٍ مفاجئٍ في درجة حرارة البلازما وتبديدها.

4- أبعاد المفاعل

منَ المخطط في مفاعل الاندماج المُستقبلي أن تكونُ هناكَ حاجةٌ إلى حجمٍ حلقي من البلازما بنصف قطر صغير يبلغُ حوالي متر واحد معَ شكلٍ مُشابهٍ لشكل الدونات، ولذلكَ ستكون هناكَ حاجة إلى آلةٍ كبيرةٍ جداً مُجهزةٍ بجميع الأنظمة اللازمة لإنتاج المجال المغناطيسي.

وسيكون قطر المفاعل حوالي 20 متراً وارتفاعه 10 أمتار، وهذا سيكون لهُ مزايا عديدة، أهمّها هيَ إمكانية تناوب فترات الصيانة الروتينية. تبلغُ سعة المفاعل حوالي 1000 متراً مكعباً، لذا لن يحتاج إلّا لكميةٍ ضئيلةٍ منَ الوقود، أي حوالي نصف جرام فقط لتشغيل المفاعل.

الصعوبات أمامَ تحقيق مفاعلات التوكماك

في الوقت الحالي تتمثّلُ الصعوبات أمامَ مفاعلات التوكماك في الحفاظ على استمرار التفاعل الإندماجي، أي على دوام حرارة البلازما، حيثُ إنَّ أختلاف السرعة في طبقات البلازما الداخليّة والخارجيّة يسبّبُ تداخلاتٍ تُقلل من درجة الحرارة، مما يتطلَّب جعل الحقل المغناطيسي أو القوة المغناطيسيّة في شكلٍ لولبي، وهذا يتمُّ عن طريق تمرير تيارٍ كهربائي في البلازما يُساهم في رفع درجة حرارتها معَ خفض التداخلات غير المناسبة، كما أنَّ تبريد المفاعل لايسمح بتشغيلهُ المتواصل، فهوَ يعمل فقط بشكلٍ نبضي، لذا ما تزال مفاعلات التوكماك قيدَ البحث والتجربة، ولم تصل إلى مرحلة الاستغلال الاقتصادي بعد. [8]

المراجع البحثية

1- EUROfusion. (2024, June 7). History of Fusion. Retrieved October 9, 2024

2- Mitchell, N., Bessette, D., Gallix, R., Jong, C., Knaster, J., Libeyre, P., Sborchia, C., & Simon, F. (2008). The ITER magnet system. IEEE Transactions on Applied Superconductivity, 18(2), 435–440. Retrieved October 9, 2024

3- Tokamak Fusion Test Reactor. (n.d.). Princeton Plasma Physics Laboratory. Retrieved October 9, 2024

4- The Editors of Encyclopaedia Britannica. (2024, September 26). Tritium | radioactive, hydrogen, decay. Encyclopedia Britannica. Retrieved October 9, 2024

5- Encyclopedia, E. (n.d.). Tokamak plasma – Images – Free Downloads. Retrieved October 9, 2024

6- The physics of the Tokamak – the fusion power plant . (2021, June 24). Consorzio RFX. Retrieved October 9, 2024

7- DOE Explains. . .Tokamaks. (n.d.). Energy.gov. Retrieved October 9, 2024

8- Ball, P. (2024, February 20). What is the future of fusion energy?. Scientific American. Retrieved October 9, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.