التناضح العكسي – كيف يَعمل؟ ما أهمُّ تطبيقاته الصناعية؟
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
ما هوَ التناضح العكسي؟
يُعتبر التناضح (Osmosis) واحداً من أهمّ العمليات في الطبيعة، حيثُ تَميل من خلالها جزيئات المُذيب إلى المرور عبرَ غشاءٍ نصف نافذٍ من محلول أقل تركيزاً إلى محلول أكثر تركيزاً حتى الوصول لمساواة التركيزين على كلٍّ من جانبي الغشاء، إذ يميل المحلول الأقل تركيزاً بشكلٍ طبيعي إلى الانتقال إلى محلولٍ ذي التركيز الأعلى.
على سبيل المثال: إذا كان لدينا وعاءٌ مملوءٌ بالماء بتركيزٍ مُنخفضٍ من الملح ووعاءٌ آخر مملوء بالماء بتركيزٍ عالٍ من الملح، مفصولان بغشاءٍ نصف نافذ، فإنَّ الماء ذو تركيز الملح المنخفض سيبدأ في التحرك نحوَ الوعاء ذي التركيز المرتفع من الملح، إذ يَسمح الغشاء نصف النافذ بمرور بعض الذرات أو الجزيئات دونَ غيرها، كامتصاص جذور النباتات للماء من التربة، أو امتصاص الكلية للماء من الدم.
في التناضح العكسي (Reverse Osmosis) نقوم بعكس العملية السابقة، وذلك بتطبيق ضغطٍ على الوسط الأعلى تركيزاً لتتحرك جزيئات الماء إلى الوسط الأقل تركيزاً، فنحصل على مياهٍ نقيةٍ صالحةٍ للشرب والاستخدام. لذا في عملية التناضح، تتحرَّك جزيئات الماء عبرَ الغشاء نصف النافذ من سائلٍ قليل التركيز إلى سائلٍ عالي التركيز، وهذا لا يتطلب أيَّة طاقة، ولا أيَّة عمليةٍ خارجية.
بينما في عملية التناضح العكسي، تتحرك جزيئات الماء عبرَ غشاءٍ نصف نافذ من السائل الأعلى تركيزاً إلى السائل الأقل تركيزاً، وهذا يتطلب تَطبيق الضغط في السائل ذي التركيز الأعلى تاركاً وراءهُ المواد المُذابة، حيثُ يَسمح الغشاء بمرور مكونات المحلول الصغيرة، مثل: الماء العذب، بينما يمنع مرور الجزيئات الكبيرة، مثل: الأملاح، والشوائب الأخرى.
يُمكن أن يزيل التناضح العكسي 95 إلى 99 بالمئة من الأملاح (الأيونات) الذائبة، والجسيمات، والغرويات، والمواد العضوية، والبكتيريا منَ المياه، حيثُ يقوم الغشاء بتنقية الملوثات بناءً على حجمها وشحنتها، وكلما زادت الشحنة الأيونية للمادة الملوثة زادَ احتمال عدم قدرتها على المرور عبرَ الغشاء نصف النافذ.
لا تستطيع أنظمة التناضح العكسي إزالة الغازات الذائبة، مثل: ثاني أكسيد الكربون (CO2)، بشكلٍ جيد كونها ليست شديدة التأيُّن (مَشحونة) أثناء وجودها في المحلول، ولها وزنٌ جزيئيٌّ منخفضٌ جداً. [1] [2] [3]
تاريخ اكتشاف ظاهرة التناضح العكسي
لُوحظت ظاهرة التناضح العكسي لأوَّل مرَّة في عام 1748 من قبل جان أنطوان نوليت من خلال الأغشية نصف النفوذة، وعلى مَدى المئتي عام التالية، كانَ التناضح العكسي مُجرد ظاهرةً مخبرية، بعدها قامَ الباحثون في كلٍّ من جامعة كاليفورنيا، وجامعة فلوريدا بتحلية مياه البحر في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، إلَّا أنَّ التدفُّق كانَ منخفضاً جداً لدرجة أنَّه لم يكن قابلاً للتطبيق تجارياً.
ثمَّ اكتشف سيدني لوب من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس تقنياتٍ لصنع أغشيةٍ تتميَّز بطبقةٍ رقيقةٍ فعالة، وبحلول عام 2019، كان هناك ما يقرب من 16000 محطة لتحلية المياه تَعمل حول العالم، وتُنتج حوالي 95 مليون متر مكعب يومياً، وكانَ ما يقارب من نصف هذا العدد مُتواجداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. [4] [5] [6] [7]
مبدأ عمل التناضح العكسي
للتناضح العكسي آليةٌ مُشابهةٌ لتلك الموجودة في الشكل (a)، حيثُ يتمُّ فصل محلولين عندَ الضغط الجوي بواسطة حاجزٍ مادي موجود ضمن خزانين يحتويان على سائلين منَ الماء والملح لهما تركيزين مختلفين C1 وC2، حيثُ C1<C2، فعندما تتمُّ إزالة هذا الحاجز الذي يفصل بينهما يَحدث انتشارٌ طبيعيّ من السائل الأقل تركيزاً إلى السائل الأعلى تركيزاً حتى يصبح التركيزين في كلا المحلولين مُتعادلاً، وعندَ هذهِ النقطة يتمُّ الوصول إلى التوازن، وسوف تتطابق التدفُّقات، ويكون التدفُّق الكلّي صفراً.
يوضِّح الشكل (السابق) نفس النظام التجريبي، ولكن هنا يتمُّ فصل المحلولين بواسطة غشاء نصف نافذ يُمكن للمذيب المرور من خلاله، ولكن لا يسمح بمرور الأيونات والجزيئات الأكبر. في هذهِ الحالة تحدث ظاهرة التناضح، ويمرُّ المحلول المُخفّف عبرَ الغشاء إلى المحلول الأكثر تركيزاً، بينما لا تستطيع الأيونات الموجودة في المَحلول الأكثر تركيزاً المرور عبرَ الغشاء، وتبقى محصورةً ضمنه.
ونتيجةً لانتقال المذيب من أحد جانبي الغشاء إلى الجانب الآخر، تتغيّر مستويات كلا المحلولين، كما يُمكن رؤيته في الجزء العلوي منَ الخزانات، وعندما ينخفض مُستوى المحلول المُخفف، يرتفع مُستوى المحلول الأكثر تركيزاً. وبمجرد توقف التدفُّق، كما في الشكل (c)، وعدم تغيُّر المستويات في الخزانين معَ مرور الوقت، يكون النظام قد وصل إلى التوازن.
يؤدّي الاختلاف في مستويات السائل في الخزانين إلى توليد ضغطٍ هيدروستاتيكي مساوٍ تماماً للضغط الأسموزي (الضغط الأسموزي هوَ الضغط الهيدروستاتيكي اللازم لوقف تدفُّق المذيب عبرَ غشاءٍ نصف نافذٍ يفصل بين سائلين بتركيزين مُختلفين). وعندَ تطبيق ضغطٍ طفيفٍ على المحلول الأكثر تركيزاً، يقلُّ التدفُّق عبرَ الغشاء، وإذا زدنا الضغط ببطء، يتمُّ الوصول إلى نقطة يُصبحُ عندها التدفُّق عبرَ الغشاء صفراً، أي يتوقف المُذيب عن التدفُّق عبرَ الغشاء، ويكون الضغط المُطبَّق في هذهِ اللحظة يساوي الضغط الأسموزي.
وإذا زدنا الضغط أكثر، ينعكس التدفُّق، ويتدفّق المُذيب عبرَ الغشاء في الاتجاه المُعاكس، أي من جانب المحلول الأكثر تركيزاً إلى الجانب الذي يحتوي على المحلول الأقل تركيزاً كما في الشكل (d)، وعندها تُسمّى هذهِ العملية بالتناضح العكسي، حيثُ يتمُّ فصل المُذيب في المحلول المركَّز، والذي يمرُّ عبرَ غشاء نصف نافذ.
وذلكَ عن طريق تَطبيق ضغطٍ يجب أن يكون على الأقل أكبر من الضغط الأسموزي، وكلما زادَ الضغط المُطبَّق، زادَ التدفُّق الذي يتخلل الغشاء، ومن المهمّ وضع مُرشِّح مُسبقٍ بحجم مسام أكبر لالتقاط المواد الصلبة الأكبر حجماً قبلَ دخولها إلى نظام التناضح العكسي. [8]
أنواع الأغشية المُستخدمة في ظاهرة التناضح العكسي
تخَتلف أحجام مسام الأغشية المُستخدمة في ظاهرة التناضح العكسي من 0.1 إلى 5000 نانومتر، حيثُ يقوم الترشيح الأوَّلي بإزالة الجزيئات التي يبلغ حجمها 1 ميكرومتر أو أكبر، ويقوم الترشيح الدقيق بإزالة الجزيئات التي يبلغ حجمها 50 نانومتر أو أكبر، ويقوم الترشيح الفائق بإزالة الجزيئات التي يبلغ حجمها حوالي 3 نانومتر أو أكبر، ويقوم الترشيح النانوي بإزالة الجزيئات التي يبلغ حجمها 1 نانومتر أو أكبر، وتُعتبر أكثر أنواع الأغشية شيوعاً هي: [7]
– الأغشية الحلزونية.
– أغشية السيراميك.
– أغشية الفولاذ المُقاوم للصدأ.
– الأغشية الأنبوبية.
– أغشية الألياف المُجوَّفة.
التطبيقات الصناعية لظاهرة التناضُح العكسي
تتوزَّع أهداف محطة التناضُح العكسي للاستخدام الصناعي على النحو التالي: [8] [9] [10]
– 50 بالمئة من أجل تحلية مياه البحر والمياه قليلة الملوحة.
– 40 بالمئة من أجل إنتاج المياه عالي النقاوة للصناعات الإلكترونية والصيدلانية، وإنتاج الطاقة.
– 10 بالمئة من أجل أنظمة إزالة التلوث للمياه الصالحة للشرب، وللاستخدامات الصناعية، وفيما يلي بعض التطبيقات الأكثر شيوعاً لأنظمة التناضُح العكسي في العمليات الصناعية:
1- تحلية المياه المالحة
غالباً ما يُستخدم التناضُح العكسي لتحلية المياه المالحة. إنَّ تحلية المياه هيَ عملية فصل المُحتوى الملحي المُذاب في المياه المالحة إلى مستوى يُمكن استخدامه لغرضٍ مُحدد، إذ تبلغ ملوحة المياه المالحة من 2000 ميلي غرام / لتر – 10000 ميلي غرام / لتر، ويتمُّ مُعالجتها باستخدام ضغوطٍ تتراوح بين 14 بار – 21 بار.
ولتحقيق مُعاملات تصفيةٍ أكبر من 90 بالمئة وتركيز ملوحة أقل من 500 ميلي غرام / لتر، وهي القيم التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية كشرطٍ لصلاحية الشرب، تُستخدم محطات المُعالجة وحداتٍ غشائية ملفوفة بشكلٍ حلزوني، وتمرُّ هذهِ العملية بعدَّة مراحل أهمها:
المُعالجة المُسبقة
تُعالج مياه التغذية مُسبقاً لإزالة المواد الصلبة العالقة، ولضبط مُستوى الرقم الهيدروجيني، وإضافة مثبّطٍ للتحكم في القشور التي قد تسبّبها كبريتات الكالسيوم في مياه التغذية.
الضغط
يتمُّ استخدام مضخة النظام لرفع ضغط مياه التغذية المُعالجة مُسبقاً إلى ضغط تشغيلٍ مناسبٍ لأغشية النظام وملوحة مياه التغذية.
الانفصال
تَمنع أغشية التناضح العكسي مرور الأملاح الذائبة بينما تَسمحُ بمرور المياه المُنتجة المُحلاة.
2- إنتاج الماء عالي النقاوة
يَسمح التناضح العكسي بالحصول على مياه بالجودة التي تتطلبها الصناعة الإلكترونية (تركيز المواد الصلبة الذائبة أقل من 200 ميلي غرام / لتر). وتكمن المُشكلة الرئيسية في هذا النوع من التركيبات بالتلوث الحيوي للأغشية، ولهذا السبب منَ الضروري إرفاق أنظمة التعقيم التي تَستخدم الأشعة فوق البنفسجية.
3- مُعالجة مياه الصرف الصحي
نُفذَّت العديد منَ محطات مُعالجة المياه بالتناضح العكسي، حيثُ يتمُّ استخدامها بانتظامٍ كمرحلةٍ أخيرة منَ المُعالجة لإبعاد الشوائب البكتيرية والكيميائية عن الماء. ويُعتبر استخدام التناضح العكسي في مُعالجة مياه الصرف الصحي مَحدوداً لارتفاع تكاليف التشغيل بسبب مشاكل تلوث الأغشية.
في حالة مياه الصرف الصناعي، يتمُّ استخدام التناضح العكسي في تلكَ الصناعات، ومنَ الممكن تحَسين كفاءة العملية من خلال استعادة المكونات التي يمكنُ إعادة تدويرها في عملية الإنتاج، كصناعات الجلفانوبلاستي، وطلاء الهياكل المعدنية، والصناعات النسيجية.
4- الاستخدامات العسكرية
تمَّ تَصنيع وحداتٍ كبيرةٍ لتنقية المياه بالتناضح العكسي (ROWPU) للاستخدام العسكري، وقد تمَّ اعتمادها من قبل القوات المُسلحة للولايات المتحدة والقوات الكندية. بعض النماذج تكون في حاويات، وبعضها عبارةً عن مقطورات، وبعضها الآخر عبارةً عن مركبات. تتمُّ مُعالجة الماء بالبوليمر لبدء عملية التخثُّر. بعدَ ذلك، يتمُّ تشغيلها من خلال مرشِّح مُتعدد الوسائط، حيثُ يَخضع للمعالجة الأولية، مما يؤدي إلى إزالة التعكُّر، ثمَّ يتمُّ ضخّه من خلال مُرشح عادةً ما يكون مَصنوعاً منَ القطن الحلزوني.
تقومُ هذهِ العملية بتنقية أي جسيماتٍ أكبر من 5 ميكرو متر، وتزيل كل العكارة تقريباً. يتمُّ بعدَ ذلكَ تغذية الماء المُصفَّى من خلال مضخة مكبسٍ عالية الضغط إلى سلسلةٍ من أوعية التناضح العكسي، فتتمُّ إزالة 90.00-99.98 بالمئة منَ إجمالي المواد الصلبة الذائبة في المياه الخام إذ تتطلب المَعايير العسكرية ألّا تحتوي النتيجة على أكثر من 1000-1500 جزءاً في المليون حسب قياس التوصيل الكهربائي، وأخيراً يتمُّ تطهير المياه بالكلور كمرحلةٍ أخيرة.
5- صناعة المواد الغذائية
يُعدُّ التناضح العكسي وسيلةً أكثر اقتصاداً لتركيز السوائل (مثل: عصائر الفاكهة) منَ المعالجة الحرارية التقليدية، ويتميَّز تركيز عصير البرتقال والطماطم بمزايا تَشمل انخفاض تكلفة التشغيل، والقدرة على تجنّب المُعالجة الحرارية، مما يجعلهُ مناسباً للمواد الحساسة للحرارة، مثل: البروتين، والإنزيمات.
كما ويُستخدم التناضح العكسي في صناعة الألبان لإنتاج مَساحيق بروتين مصل اللبن والحليب المركَّز، ويتمُّ تركيز مصل اللبن (السائل المُتبقي بعدَ تصنيع الجبن) معَ التناضُح العكسي من 6 بالمئة إلى 10-20 بالمئة مواد صلبة قبلَ مُعالجة الترشيح الفائق، ويُمكنُ بعدَ ذلكَ استخدام المثبِّت في صنع مساحيق مصل اللبن، بما في ذلكَ بروتين مصل اللبن المَعزول.
6- إنتاج الهيدروجين
يُستخدم التناضح العكسي لإنتاج الهيدروجين على نطاقٍ ضيق، إذ يُستخدم أحياناً لمنع تكوين رواسب معدنية على سطح الأقطاب الكهربائية. وبالنتيجة يُمكن القول بأنَّ أنظمة التنقية بالتناضح العكسي قويةٌ بما يكفي للتخلص من 99 بالمئة من جميع الملوثات التي يمكن أن تكون موجودةً في المياه، ولهذا السبب يتمُّ اعتماد هذهِ الأنظمة من قبل عددٍ مُتزايد من المنشآت الصناعية والشركات في جميع أنحاء العالم.
في حين أنَّ تقنيات الترشيح الأخرى يُمكن أن تكون فعّالةً في إزالة الملوثات منَ المياه، لذا فإنَّ أنظمة التناضح العكسي هي من بين التقنيات الوحيدة التي يُمكن استخدامها على نطاقٍ تجاري دونَ إنفاق الكثير منَ المال.
المراجع البحثية
1- Puretec. (2024, July 22). The basics of reverse osmosis. Puretec Industrial Water. Retrieved September 10, 2024
2- Tuset, S. (2021, June 1). Reverse osmosis process and applications. Condorchem Enviro Solutions. Retrieved September 10, 2024
3- The Editors of Encyclopaedia Britannica. (2024, July 13). Solvent | Definition, Examples, & Facts. Retrieved September 10, 2024
4- Glater, J. (1998). The early history of reverse osmosis membrane development. Desalination, 117(1–3), 297–309. Retrieved September 10, 2024
5- Cadotte, J. E., & Corp, F. (1979, February 22). US4277344A – Interfacially synthesized reverse osmosis membrane. Google Patents. Retrieved September 10, 2024
6- Jones, E., Qadir, M., Van Vliet, M. T., Smakhtin, V., & Kang, S. (2019). The state of desalination and brine production: A global outlook. The Science of the Total Environment, 657, 1343–1356. Retrieved September 10, 2024
7- Osmosi inversa – Wikiwand articles. (n.d.). Retrieved September 10, 2024
8- Admin. (2023, June 16). Everyday uses of reverse osmosis water. Culligan Nation. Retrieved September 10, 2024
9- O’Donnell, D. (2023, January 17). Industrial Applications of Reverse osmosis (RO) Systems. Sensorex Liquid Analysis Technology. Retrieved September 10, 2024
10- Ecologix Systems. (2018, September 28). Reverse Osmosis explained and usage. Retrieved September 10, 2024