الاستعارة المكنية – قرينتها، تقسيماتها وجماليتها
قائمة المحتويات
تُعرّف الاستعارة المكنية عند جَمهرة علماء البيان: “أنها لفظ المشبّه به المُستعار في النفس للمشبّه، والمحذوف المدلول عليه بذكر شيءٍ من لوازمه وخواصه”، أي ذكر لفظ المشبّه وحذف المشبه به مع ترك شيءٍ من لوازم المشبه به، وتسمّى أيضاً الاستعارة الخفيّة، ومنه قول الشاعر أبو العتاهية يهنّئ المهدي بتولّيه الخلافة:
أتتهُ الخلافةُ مُنقادةً
إليهِ تُجرِّر أذيالها
حيث شبه الشاعر (الخلافة) بـ(الغادة)، وهي الفتاة الناعمة، فاستعار لفظ (الغادة) لـ(لخلافة)ثم حذفه، ودلّ عليه بشيءٍ من خواصها، وهي (تجرّر الذيل) على سبيل الاستعارة المكنية. ومنه قول الشاعر أبو ذُؤيْب الهذليّ:
وإذا المنيّةُ أنشبتْ أظفارها
ألفيتَ كلَّ تميمةٍ لا تنفعِ
فقد صوّر الشاعر حتمية الموت، وذلك من خلال أنه قضاء الله الذي لا يُرد، فالمشبه (المنيّة) أي الموت، حيث استعار لها (السّبع) المشبه به المحذوف الذي جاء بقرينةٍ تدلّ عليه، وهي (الأظفار) التي أثبتها للمشبّه (المنيّة) على سبيل الاستعارة المكنية. [1] [2] [3]
قرينة الاستعارة المكنية
يُطلق البلاغيون عليها قرينة المكنية أو الاستعارة التخييلية، وتقوم القرينة بوظيفة صرف ذهن المتلقي عن المعنى الوضعي للفظ المُستعار، فتدفعه إلى المعنى المجازي، أي إثبات لازم المُشبه به المحذوف للمُشبه المذكور مع بقاء ذلك اللازم على حقيقته، وهي قسمان:
1- عقلية: ومنه قولك: “احذرِ الأسد”، وأنت تشير إلى رجلٍ شجاع.
2- لفظية: ومنه قولك: “رعيتُ الغيث”، حيث يراد من كلمة (الغيث) النبات، والقرينة هي كلمة (رعيتُ)، فقد صرفت ذهن المتلقي عن المعنى الوضعي لكلمة الغيث، والذي هو (المطر) إلى المعنى المجازي، والذي هو (النبات).
ومن ذلك قوله (ﷺ): “بُنيَ الإسلامُ على خمس”، حيث شبّه الإسلام بـ(البيت) الذي له دعائم، حيث حذف المشبه، وأبقى شيئاً من لوازمه، وهو (البناء) قرينةً ودليلاً عليه. ومنه أيضاً قول الشاعر المتنبي:
أَبِنتَ الدَّهرِ عندي كلُّ بنتٍ
فكيف وصلتِ أنتِ من الزّحامِ
يصوّر المتنبي الدهر وما حمل له من نوائب ونكباتٍ، وأنه يفاجئه كل يومٍ بجديد، فقد شبه الدهر بـ(الرجل) الذي حذفه، وجاء بقرينةٍ تدلُّ عليه، وهو (بنت)، وهذه القرينة أُثبتت للمشبه المذكور (الدهر)، وهي قرينة الاستعارة المكنية. [1] [2] [4]
تقسيمات الاستعارة المكنية
تُقسم الاستعارة المكنية إلى ثلاثة أقسام، وهي:
1- الاستعارة المكنية الأصلية
سُمّيت أصلية لعدم بنائها على تشبيهٍ تابعٍ لتشبيهٍ آخر مُعتبرٍ أولاً، ويكون اللفظ المُستعار إما اسماً جامداً لذات، كلفظ الأسد الذي يُستعار للرجل الشجاع، وقول الشاعر:
الريحُ تحسدني عليكِ
ولم أخلْها في العِدا
فالمُستعار للمشبه (الريح) هو لفظ (الإنسان) المحذوف، والذي ذُكر شيءٌ من لوازمه (الحسد) على سبيل الاستعارة المكنية الأصلية.
2- الاستعارة المكنية التَّبعيّة
سُمّيت تَبعيّةً لتبعيتها لاستعارةٍ أخرى لأنها في المُشتقات تابعةٌ للمصادر، وفي معاني الحروف تابعةٌ لمتعلّق معانيها، كقولك: “يُعجبني إراقةُ الضاربِ دم الباغي”، فقد شبه الضرب الأليم بالقتل بجامع الإيذاء، حيث استعار القتل للضرب الشديد، واشتقّ من القتل (قاتل) لـ(ضاربٍ ضرباً شديداً) ثم حذفه، ودلّ عليه ما يلازمه، وهو (الإراقة) على سبيل الاستعارة المكنية التَّبعية.
3- الاستعارة المكنية المُرشّحة
هي الاستعارة التي تكون قرينتها تلائم المُشبه فقط، كقول: “نطقَ لسانُ الحالِ بكذا”، فقد شبه الحال بإنسانٍ الذي استعير ثم حُذف وأُتي بشيءٍ من لوازمه، وهو اللسان، وإثبات اللسان للحال هو القرينة، والنطق ترشيح لأنه يلائم المُشبه به فقط، ومنه أيضاً قول الشاعر تأبّط شراً متحدّثاً عن سيفه:
إذا هزَّهُ في عظم قرنٍ تهلّلتْ
نواجذُ أفواهِ المنايا الضّواحكِ
فقد شبه الشاعر المنايا (جمع منيّة، وتعني الموت) بأناس، وبعد التناسي والادعاء استعار في نفسه (الناس) للمنايا ثم حذف المشبه به، ودلّ عليه بذكر بعضٍ من خواصه، وهو (الأفواه)، والتي أثبتها للمشبه على سبيل الاستعارة المكنية، وإثبات لازم المشبه به (الأفواه) للمشبه (المنايا) استعارة تخييلية، وقوله (نواجذ) هو ترشيحٌ لهذه الاستعارة، أي تقوية لادعاء الاتحاد بين الطرفين.
الاستعارة المكنية المُجرّدة
هي الاستعارة التي تكون قرينتها أيضاً تلائم المشبه فقط، كقول: “نطقت الحال الواضحة بكذا”، حيث شبه الحال بإنسان، وبعد التناسي والادعاء استعير الإنسان للحال ثم حُذف ودُلّ عليه بذكر شيءٍ من خواصه، وهو (النطق)، وإثبات النطق للحال استعارة تخييلية، ووصف الحال بالوضوح (تجريد) لأنه من خواص المُستعار له.
الاستعارة المكنية المُطلقة
هي التي لم تقترن بشيءٍ يلائم المشبه ولا المشبه به، ومنه قول الشاعر زهير بن أبي سلمى مُنفّراً من الحرب: [1] [2] [3]
فتُغلِلُ لكم مالا تغلُّ لأهلها
قرى بالعراق من فقيرٍ ودرهمِ
شبّه الشاعر الحرب بالمزرعة التي تنتج الغلال، ثم استعار لفظ المشبه به (المزرعة) للمشبه (الحرب) ثم حذفه، ودلّ عليه بذكر بعضٍ من خواصه، وهو (تُغلل) على سبيل الاستعارة المكنية، وإثبات (الأغلال) للحرب هو قرينة الاستعارة، وهي مُطلقة لعدم ذكر ملائمٍ لأيٍّ من الطرفين.
جمالية الاستعارة المكنية
إن جمالية الاستعارة المكنية تكمن فيما تفعله من تشخيصٍ للمعاني وتجسيمها، ومن البلاغيين من يسمّي هذا النوع بـ(التشخيص)، حيث تكتسب فيها المعاني والجمادات صفاتٍ الكائنات الحيّة، وعدّ تلك الصور البيانية من أجمل الصور لما يُبثُّ فيها من حركةٍ وحياةٍ عند الجمادات، حيث يقول عبد القاهر الجرجاني في ذلك: “وضربٌ آخر من الاستعارة، وهو ما كان نحو قوله: إذا أصبحت بيد الشمال زمامها، وهي أن تجعل للشيء شيئاً ليس له، فقد ادعيتَ أن للشمال يداً، ولا يكون للريح يد”.
تعدُّ الاستعارة المكنية عند البلاغيين أكثر بلاغةً من الاستعارة التصريحية، وذلك من خلال توكيد المعنى وتوضيحه، مما يؤدي إلى إعمال العقل واجتهاده أكثر من الاستعارة التصريحية.” [1] [2]
المراجع البحثية
1- عيسى علي العاكوب. (2005). الاستعارة المكنية .المفصل في علوم البلاغة .(pp. 488–493). essay, مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية. Retrieved September 6, 2024
2- طائي، محمد علي إبراهيم. (2014). الاستعارة في الحديث النبوي الشريف. (pp. 15–16). Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah. Retrieved September 6, 2024
3- أحمد الهاشمي. (1999). في الاستعارة باعتبار اللفظ المستعار. جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع. مكتبة الآداب للنشر والتوزيع. Retrieved September 6, 2024
4- عيدروس، عبد الرحمن بن مصطفى. (2020). نتيجة البشارة بمعرفة الاستعارة. رسالتان في الاستعارة والمجاز. دار الكتب العلمية، Retrieved September 6, 2024