الاستعارة التصريحية – أنواعها تبعاً للفظ المُستعار وقرينتها
قائمة المحتويات
تُعرّف بأنها لفظُ المشبّه به المُستعار للمُشبّه المحذوف، وقد سُمّيت بالتصريحية لأنه صرّح بلفظ المُشبّه به، كقولك: “رأيتُ قمراً في الحديقة”، فقد صرّح بالمُشبه به (القمر) المُستعار للمُشبّه المحذوف (الفتاة)، والجامع بينهما (الحُسن والجمال). ومنه أيضاً قول الشاعر أحمد شوقي يرثي سعد زغلول:
شيَّعوا الشمسَ ومالوا بضُحاها
وانحنى الشرقُ عليها فبكاها
فقد صرّح الشاعر بالمُشبّه به (الشمس) المُستعار للمُشبّه المحذوف (سعد زغلول)، وجامعهما الضياء وعلوُّ الشأن. [1] [2] [3]
الاستعارة التصريحية تبعاً للفظ المُستعار
حيث لا يكون اللفظ المُستعار فيها ذا طبيعةٍ واحدة، فقد يكون اسم جنسٍ غير مُشتق، فتكون استعارةً أصلية، أو تكون أحد المُشتقّات المعروفة، فتسمّى تبعية.
1- الاستعارة الأصلية
هي الاستعارة التي يكون اللفظ المُستعار أصلياً غير مُشتق أي اسم جنس، وهو الماهية التي تصلح لأن تدلّ على كثيرين دون مراعاة وصفٍ معين، واسم الجنس أنواع:
الحقيقي
يدلّ حقيقةً على كل فردٍ من أفراد مدلوله، كقولك: “رأيت أسداً يترأّسُ المجلس”، والمقصود بالأسد (الرجل الشُّجاع القوي)، فهو يدلُّ من خلال التأويل على كل فردٍ من أفراد مدلوله.
اسم علمٍ اشتُهر بصفة
ومنه قولك: “رأيتُ حاتماً في بيتنا”، فلفظ (حاتم) علمٌ لذاتٍ معروفةٍ منذ الجاهلية بالجود والكرم، فأصبح اسم جنسٍ يطلقونه على كل إنسانٍ كريم.
اسم عين
كقولك: “رأيتُ قمراً في القصر”، أي فتاةً تتمتع بوضاءة الوجه وعلوِّ الشأن.
اسم معنى
أي مصدراً، كقولك: “أغضبني قتلُ زيدٍ أخاه”، ولفظ (القتل) هنا أُريدَ به أذلّه إذلالاً شديداً. ومنه قوله تعالى: ﴿اهدِنا الصِّراط المُستقيم﴾ {الفاتحة 6}، فقد صُرّح بالمُشبّه به (الصّراط) أي الطريق الواضح المُستعار للمُشبّه المحذوف (الدين الحق)، وجامعهما أن كلّ من يسلكه يصل إلى النجاة. وبذلك يكون اللفظ في الاستعارة الأصلية نفسه هو المُشبّه به المُستعار للمُشبّه المحذوف، وليس لفظاً آخر مُشتقاً عنه أو تابعاً له. [1] [2] [3]
2- الاستعارة التّبعية
هي التي يكون اللفظ المُستعار تابعاً لاستعارة معنى يسبقه، فهي تابعةٌ لاستعارةٍ أخرى، وتكون إما فعلاً، أو اسماً، أو مُشتقّاً، أو حرفاً.
الاستعارة في الفعل
الفعل تدلُّ مادة حروفه على حدثٍ معيّنٍ وقع في زمانٍ معين، فيكون ماضياً أو مضارعاً، وتكون الاستعارة في الفعل نوعان:
1- استعارة في مدلول صيغة الفعل أي الزمان، كقوله تعالى: ﴿أتى أمرُ اللهِ فلا تَستعجلوه﴾ {النحل 1}، حيث شبّه الإتيان في المستقبل بالإتيان في الماضي، والجامع بينهما تحقُّق وقوع أمر الله في كلٍّ من الزمنين، حيث استُعير الإتيان في الماضي للمُستقبل، واشتقّ منه الفعل (أتى) بمعنى (يأتي) المحذوف على سبيل الاستعارة التصريحية، لأنه صُرِّح بالمُشبّه به المُستعار للمُشبّه المحذوف، والتّبعية لجريانها في الفعل تبعاً لجريانها في المصدر.
2- استعارة في مدلول مادة الفعل أي الحدث، ومنه قوله تعالى: ﴿ويُحيي الأرض بعد موتها﴾ {الروم 19}، فقد شبّه تزيين الأرض بالنبات وبثّ النشاط فيها بالإحياء، وجامعهُما الجمال والنفع، ثم استعير المُشبّه به (الإحياء) للمُشبّه (التزيين)، ثم استعير الفعل (يحيي) لـ (يزيّن) على سبيل الاستعارة التصريحية التّبعية. ومن الاستعارة التصريحية التّبعية في فعل الأمر قوله تعالى: ﴿فاصدعْ بما تُؤمر﴾ {الحجر 94}، فقد استعار من (الصّدع) الذي يعني بلّغ الرسلة جهراً، واشتقّ منه فعل الأمر (فاصدعْ) على سبيل الاستعارة التصريحية التّبعية.
الاستعارة في المُشتقّات
إن الاستعارة في المُشتقّات تبعيّةٌ لجريانها في المصادر أولاً، وذلك لأن المصدر هو المعنى القائم بالذات، وهو أسبق بالاعتبار، والمُشتقّات هي: (اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المُشبّهة، اسما الزمان والمكان، اسم التفضيل، اسم الآلة).
– اسم الفاعل، كقولك:” جاءَ هادمُ اللذات” أي الموت، فالاستعارة في قول (هادم)، حيث شبّه (الإذهاب) بـ(الهدم)، وجامعهما الإزالة ثم استعير اللفظ الدّال على المُشبّه به (الهدم) للمُشبه (الإذهاب) ثم استعير اسم الفاعل (هادم) لـ(مُذهِب)، وذلك تبعاً لاستعارة المصدر للمصدر على سبيل الاستعارة التصريحية التّبعية.
– اسم المفعول، كقول المصطفى ﷺ: “وهل يَكبُّ الناس على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم”، حيث شبّه هلاك الناس بما تقول ألسنتهم بالحصاد، فاستعار اللفظ الدّال على المشبه به (حصائدُ) للمُشبه (محصودات)، على سبيل الاستعارة التصريحية التّبعية.
– الصفة المُشبّهة، كقولك على سبيل التهكُّم والسخرية: “رأيتُ عزيزَ القوم”، حيث أنزل الذلّ منزلة العزّ، ثم شبّه الذلّ بالعزّ بجامع الاستعلاء والأبهة في كلّ، فاستعار اللفظ الدّال على المُشبّه به (العزّ) للمُشبّه الذلّ، ثم استعيرت الصفة المُشبّهة (عزيز) لـ(الذليل) تبعاً لاستعارة المصدر للمصدر على سبيل الاستعارة التصريحية التّبعية التهكُّمية.
– اسم التفضيل، كقول الشاعر:
ولئن نطقتُ بشكرِ برِّك مُفصِحا
فلسانُ حالي بالشّكايةِ أنطقُ
حيث شُبّهت دِلالة الحال بالنُّطق، والجامع بينهما إيصال المعنى وإيضاحه في الكل، فاستُعير اللفظ الدّال على المُشبّه به (النّطق) للمُشبّه (الدّلالة)، ثم استعير اسم التفضيل (أنطق) الذي هو على وزن (أفعل) لـ (أدل) تبعاً لاستعارة المصدر للمصدر على سبيل الاستعارة التصريحية التّبعية.
– اسما الزمان والمكان، كقوله تعالى: ﴿يا ويلنا من بَعثنا من مَرقَدنا﴾ {ياسين 52}، أي مكان وزمان موتنا (القبر)، فقد شبّه الموت بالرّقاد بجامع السكون والانفصال عن الحياة، فاستعير لفظ المشبه به (الرقاد) للمشبّه (القبر)، ثم استعير اسم الزمان والمكان، والذي جاء على وزن (مَفْعَل) (مرقَد) لـ(القبر) على سبيل الاستعارة التصريحية التّبعية.
– اسم الآلة، كقولهم: “هذا مفتاح الملك” والمقصود (وزيره)، فقد شُبّه (الوزير) بـ(المفتاح) بجامع تيسير الوصول إلى الملك عن طريقه، فاستعير اللفظ الدال على المُشبّه به (الفتح) للمُشبّه (الوزير)، ثم استعير اسم الآلة، والذي هو على وزن مِفْعال للمشبّه (الوزير) تبعاً لاستعارة المصدر للمصدر على سبيل الاستعارة التصريحية التّبعية.
الاستعارة في الحرف
إن معاني الحروف جزئية، لذلك فهي تابعةٌ لمتعلّقات معانيها، وفي الاستعارة يتخذ الحرف معنى غير معناه الأصلي، ومنه قوله تعالى: ﴿فالتقطهُ آل فرعونَ ليكونَ لهم عدوّاً وحَزَناً إن فرعونَ وهامانَ وجنودَهُما كانوا خاطئين﴾ {القصص 8}، فلام التعليل الذي تعني ترتُّب ما بعدها على ما قبلها، والتي اتصلت بالفعل الناقص (يكون) استعملت في غير التعليل، حيث التقطه آل فرعون ليكون حبيباً وسروراً لهم لا ليكون عدواً وحزناً، والجامع بينهما أن كلاً منهما مترتًبٌ على الالتقاط.
حيث شُبهّت العداوة والحزن المترتبتين على الالتقاط الفعلي بالمحبة والسرور المترتبين على الالتقاط فيما كان يأمل به فرعون، ثم استعيرت اللام تجاوزاً لترتُّب السبب الحقيقي (المحبة والسرور) للسبب غير الحقيقي (العداوة والحزن) على سبيل الاستعارة التصريحية التّبعية، وقد سُمّيت تصريحية لأنه صُرّح فيها بالحرف المنقول من المُشبّه به إلى المُشبّه، وتبعيّة لأنها تابعةٌ لتشبيه. [1] [4] [5]
قرينة الاستعارة التبعية
القرينة مؤشّرٌ دِلالي يحدّد كون الكلمة مُستعارة من مدلولها الأصلي لمدلولٍ آخر بينه وبين الأول علاقة تشابه، وتعود قرينة الاستعارة التّبعية إلى الفاعل، نائب الفاعل، المفعول به.
1- الفاعل
كقوله تعالى: ﴿إناّ لمّا طغا الماء حملناكُم في الجارية﴾ {الحاقة 11}، فقد أُسند الطغيان، والذي يعني (تجاوز الحدّ) إلى (الماء) الفاعل، والطغيان هو من شأن الإنسان.
2- نائب الفاعل
كقوله تعالى: ﴿وضُربَتْ عليهمُ الذِّلّةُ والمَسْكَنة﴾ {البقرة 61}، فقد أُسند إلى نائب الفاعل (الذّلة) لفظ (ضُربت)، بمعنى (حُكم على الكافر المُعاقب)، وهو من شأن الخيام التي تُضرب في الأرض، وليس الذِّلّة، فالاستعارة تبعيّة.
3- المفعول به
كقول الشاعر ابن المعتزّ:
جُمِعَ الحقُّ لنا في إمام
قتلَ البُخلَ وأحيا السّماحة
فقد دلّ المفعول به (البخل) بمعنى أزال و(السّماحا) بمعنى أحيا على أن فعل القتل هنا استعارة تبعيّة.
4- الاسم المجرور
كقوله سبحانه وتعالى: ﴿فبشّرهمْ بعذابٍ أليم﴾ {الانشقاق 24}، فقد دلَّ الاسم المجرور (العذاب) على أن الفعل (بشّر)، والذي يعني (أنذرْ)، على أن الاستعارة تبعية تهكُّمية، لأن التبشير الحقيقي لا يتعلّق بالعذاب. [1] [4] [5]
المراجع البحثية
1- عيسى غلي العاكوب. (2005). الاستعارة التصريحية. المفصل في علوم البلاغة العربية (pp. 468–481). essay, مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية. Retrieved September 16, 2024
2- دحلان، احمد بن زيني، (1851). رسالة في الاستعارات. مجموع خمس رسائل (pp. 8–9). Retrieved September 16, 2024
3- السيد أحمد الهاشمي. (n.d.). في تقسيم الاستعارة باعتبار ما يتصل بها من الملائمات وما لا يتصل. جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع. essay, Islamic Books. Retrieved September 16, 2024
4- عيدروس، عبد الرحمن بن مصطفى. (2020). الاستعارة التبعية. رسالتان في الاستعارة والمجاز. دار الكنب العلمية. Retrieved September 16, 2024
5- أحمد المراغي. (2020). قرينة الاستعارة التبعية . علوم البلاغة البيان – المعاني البديع. دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت / لبنان. Retrieved September 16, 2024