الأم النرجسية – صفاتها، تأثيرها على أطفالها وطرق العلاج
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
الأمومة هي أسمى الأدوار التي يمكن أن تلعبها المرأة في حياتها، فالأم رمز العطاء والحب غير المشروط، كما أنها أساس الأسرة لأنها تساهم برعايتها وحنانها في تكوين شخصية الطفل وبناء مستقبله، لكن ماذا لو كانت الأم نرجسية؟
من هي الأم النرجسية وما صفاتها؟
الأم النرجسية هي الأم التي تتمحور حياتها حول ذاتها واحتياجاتها الخاصة بشكلٍ مفرط، مما يجعلها تهمل احتياجات أبنائها العاطفية والنفسية، فهي تسعى دائماً للحصول على الاهتمام والإعجاب، كما تهتمُّ بصورتها أمام الآخرين أكثر من اهتمامها بصحة ومحبة أطفالها، ومن أبرز صفاتها: [1]
1- التحكُّم والسيطرة
فهي تميل إلى فرض سيطرتها على كامل تفاصيل حياة أبنائها مُعتقدةً أنها تعرف الأفضل دائماً.
2- الاستغلال العاطفي
تستخدم مشاعر أبنائها لتحقيق أغراضها الخاصة، وغالباً ما تجعلهم يشعرون بالذنب إذا لم يستجيبوا لرغباتها.
3- نقص التعاطف
فهي تفتقر إلى القدرة على فهم احتياجات ومشاعر أطفالها، والاستجابة لهم، والتعاطف معهم.
4- الاهتمام بالمظهر الخارجي
تهتمُّ بصورة الأسرة أمام المجتمع أكثر من الروابط الحقيقية داخل الأسرة.
5- الإحساس بالعظمة
تعتقد أنها تستحقُّ معاملةً خاصة، وتكون متطلّبةً جداً مُتجاهلةً بذلك متطلبات واحتياجات أبنائها.
ما هي الأسباب التي تؤدي إلى كون الأم نرجسية؟
الأم النرجسية قد تتكون شخصيتها بهذه الطريقة نتيجة عدة عوامل نفسية واجتماعية منها: [1]
1- التربية في بيئةٍ نرجسية
قد تكون الأم نفسها قد نشأت في أسرةٍ نرجسية، حيث تعلّمت أن الاهتمام بالذات هو الوسيلة الأساسية للحصول على التقدير، وهذا النوع من التربية يمكن أن يعزّز السمات النرجسية في الشخصية.
2- عدم تلبية احتياجاتها العاطفية في الطفولة
إذا كانت الأم قد تعرّضت لإهمالٍ عاطفي أو لنقصٍ في الرعاية والتقدير خلال طفولتها، قد تسعى فيما بعد إلى ملء هذا الفراغ عن طريق التركيز المُفرط على ذاتها، والبحث عن الإعجاب المستمر من قبل الآخرين.
3- تدنّي تقدير الذات
على الرغم من أن الأم النرجسية تبدو متعجرفةً وواثقة، إلا أن هناك غالباً شعورٌ خفيٌّ لديها بالنقص وعدم الأمان، هذه المشاعر تدفعها إلى محاولة تعويضها بالسيطرة والبحث عن إعجاب الآخرين.
4- الضغط المُجتمعي والمثالية
بعض النساء يتعرضن لضغوطٍ مُجتمعيةٍ للظهور بمظهر الأم المثالية أو المرأة الناجحة في كل شيء، هذا الضغط قد يدفعهن إلى تطوير سلوكياتٍ نرجسية للحفاظ على صورةٍ معينةٍ أمام المجتمع.
5- اضطرابات الشخصية
في بعض الحالات قد يكون هناك تشخيصٌ طبيٌّ لاضطراب الشخصية النرجسية، وهو اضطرابٌ نفسيّ يتصف بالاهتمام المفرط بالذات، والحاجة المستمرة للتقدير، والشعور بالتفوق على الآخرين.
6- الصدمات النفسية
إن تعرُّض الأم لصدماتٍ نفسيةٍ في حياتها، مثل: الفقدان، أو الطلاق، أو التجارب الصعبة قد يؤدي إلى تطوير ميولٍ نرجسيةٍ كوسيلةٍ دفاعيةٍ لحماية نفسها من الألم.
ما هو تأثير الأم النرجسية على أطفالها؟
إن تأثير الأم النرجسية على أطفالها للأسف يمكن أن يكون عميقاً ومتعدّد الأبعاد، وقد يترك آثاراً طويلة الأمد على تطورهم النفسي والعاطفي، فبعض التأثيرات الشائعة تشمل: [1]
1- تدنّي الثقة بالنفس
الأم النرجسية تُعطي تقديراً مشروطاً، هذا ما يؤدي إلى تطوير مشكلاتٍ في الثقة بالنفس، وعدم الأمان لدى أطفالها.
2- مشاكل في العلاقات
قد يواجه الأطفال صعوباتٍ في إقامة علاقاتٍ صحية في المستقبل لأنهم قد يتعلمون أن العلاقات تُبنى على المصالح المشتركة بدلاً من الرعاية والدعم المُتبادل.
3- القلق والضّغط النفسي
قد تؤدي توقُّعات الأم النرجسية العالية من أطفالها، وعدم الاستقرار العاطفي لدى الأطفال إلى مشكلاتٍ في الصحة النفسية، مثل: القلق، والاكتئاب، وذلك بسبب شعورهم بالضغط لتحقيق توقُّعات الأم، ومواجهتهم لصعوباتٍ في التعامل مع تقلُّبات حالتها المزاجية،
كما يؤدي نقص التعاطف من قبل الأم مع أطفالها إلى خلق صعوباتٍ لديهم في تطوير مهارات التعاطف، وفهم مشاعر الآخرين، وهذا ما سيؤثر على قدرتهم في بناء علاقاتٍ صحيةٍ في المستقبل.
4- فقدان الهوية الشخصية
يمكن أن يشعر الأطفال بأنهم مطالبون بتلبية احتياجات الأم وتوقعاتها بدلاً من تطوير هويتهم الشخصية واهتماماتهم الخاصة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى فقدان الشعور بالذات، وصعوبةٍ في تحديد الأهداف الشخصية.
5- الصراع الداخلي والشعور بالذنب
قد يشعر الأطفال بالذنب لعدم قدرتهم على تلبية احتياجات الأم أو قد يعرّضهم هذا للإحباط، مما يؤدي إلى صراعاتٍ داخلية، وشعور غير مُبرّرٍ بالمسؤولية.
6- العزلة الاجتماعية
في بعض الحالات قد يدخل الأطفال في عزلةٍ اجتماعية، وذلك بسبب شعور الأم النرجسية بالتهديد من العلاقات الاجتماعية على أطفالها، مما يقلّل من تفاعلهم مع أقرانهم، ويضرّ علاقاتهم الاجتماعية.
كيف يمكن علاج الأم النرجسية؟
إن علاج الأم النرجسية يشكّل تحدياً كبيراً نظراً لأن النرجسية غالباً ما تكون جزءاً من بنية الشخصية، وترتبط بأنماط تفكيرٍ وسلوكياتٍ مُتجذّرةٍ بعمقٍ فيها، لكن رغم صعوبة التغيير، إلا أن التحسُّن ممكن من خلال العمل على تعديل السلوك، وزيادة الوعي الذاتي، وتحسين العلاقات مع الآخرين، خاصةً الأبناء، وسنذكر فيما يلي بعض الطرق التي قد تساعد في علاج الأم النرجسية: [2]
1- العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
حيث يركز هذا العلاج على مساعدة الأم للتعرف إلى أنماط التفكير السلبية وتغييرها، وهذا النوع من العلاج يساعد الشخص على إدراك كيف تؤثر أفكاره وسلوكياته على علاقاته، ويشجع على تطوير طرقٍ جديدةٍ للتفكير والتفاعل.
2- العلاج بالحوار
قد يساعد الحوار في استكشاف الجذور العميقة للنرجسية، مثل: الصدمات أو التجارب السلبية في الطفولة، وفهم هذه الأسباب يمكن أن يُسهم في تحسين القدرة على التعامل مع مشاعر النقص، والبحث عن طرق صحية للارتباط بالآخرين.
3- العلاج الأسري
يهدف العلاج الأسري إلى تحسين التواصل داخل الأسرة بما في ذلك بين الأم وأطفالها، كما يمكن أن يساعد في خلق بيئةٍ داعمةٍ من خلال فتح النقاش حول مشاعر الأطفال، وتأثير سلوك الأم عليهم، حيث يساعد المُعالج في توجيه النقاشات لتكون بنّاءة، وتساعد الأم على فهم احتياجات أطفالها بشكلٍ أفضل.
4- التدريب على التعاطف
تطوير التعاطف هو أحد الأهداف الأساسية لعلاج النرجسية، فالأم النرجسية تحتاج إلى تعلم كيفية فهم مشاعر الآخرين، والاهتمام باحتياجاتهم، ويمكن أن تشمل هذه العملية تدريباتٍ على التعاطف، مثل: التفكير في مشاعر الآخرين قبل اتخاذ قرارات أو التعامل معهم.
5- الوعي الذاتي وتقبُّل النقد
النرجسية غالباً ما تترافق مع عدم القدرة على تقبُّل النقد، لذلك يجب أن تعمل الأم على تعزيز وعيها الذاتي، والقدرة على تقبُّل الانتقادات البنّاءة، والنظر إلى سلوكها من منظور الآخرين، والعمل على التغيير بدلاً من الدفاع عن نفسها.
6- تطوير مهارات التواصل
إن تعزيز مهارات التواصل الفعّال يمكن أن يساعد الأم على بناء علاقاتٍ صحية مع أطفالها، كما يمكنها أن تتعلم كيفية التعبير عن مشاعرها واحتياجاتها بطريقةٍ صحية، وتعلُّم كيفية الاستماع والاستجابة لاحتياجات ومشاعر أطفالها.
7- العمل على إدارة الغضب والانفعالات
ففي كثيرٍ من الأحيان تتعرّض الأم النرجسية لنوبات غضب أو مشاعر سلبية قوية عند شعورها بالرفض أو الانتقاد، لذا من خلال العلاج يمكن أن تتعلم كيفية إدارة هذه المشاعر بشكلٍ صحي، والتفاعل معها بطريقة لا تؤثر سلباً على علاقاتها.
8- الانضمام إلى مجموعات دعم
يُعدُّ الانضمام إلى مجموعات الدعم للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الشخصية النرجسية أو الأمهات اللواتي يعانين من تحدّياتٍ عاطفية مصدراً هاماً للتشجيع، وتبادل النصائح العملية.
9- الصبر والمثابرة
إن علاج النرجسية يحتاج إلى وقت، حيث إن تغيير الأنماط السلوكية المُتجذّرة في الشخصية يستغرق وقتاً طويلاً، لذا من المهمّ أن تتحلى الأم بالصبر، وأن تدرك أن التحسّن التدريجي هو نجاحٌ في حدّ ذاته.
10- الدعم من أفراد العائلة
يُعدُّ دعم أفراد العائلة مهمّاً جداً في رحلة العلاج، ويتمُّ ذلك من خلال توفير بيئةٍ مُشجّعةٍ تساعد الأم على التعامل مع التحدّيات، والاستمرار في العلاج. في الختام يبقى الأمل موجوداً دائماً، فمن خلال الوعي والرغبة في التغيير يمكن للأم النرجسية أن تخطو خطواتٍ نحو تحسين سلوكها، وتعزيز علاقتها مع أبنائها، وخلق بيئةٍ أسريةٍ صحية ومليئة بالتعاطف، فالعلاج والتفاهم هما المفتاح لتجاوز الصعوبات، وبناء مستقبلٍ أفضل ليس فقط للأم، ولكن لأطفالها أيضاً.
المراجع البحثية
1- Morrigan, D. (2021). You’re Not Crazy – It’s Your Mother: Understanding and healing for daughters of narcissistic mothers. Augsburg Books. Retrieved September 16, 2024
2- McBride, K. (2009). Will I Ever Be Good Enough?: Healing the daughters of narcissistic mothers (Reprint edition). Atria Books. Retrieved September 16, 2024