Skip links
رسم توضيحي ثلاثي الأبعاد لمجموعة من كوكب الأرض المتوازية

الأكوان المتوازية – هل هي حقيقة؟

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

من أول من أطلق فكرة الأكوان المتوازية؟

كان الفيزيائي وطالب الدكتوراه هيو إيفرت (Hugh Everett) البالغ من العمر 27 عامًا أول من طرح فكرة نظرية الأكوان المتوازية (Parallel universes theory) أو بترجمةٍ أخرى العوالم المُتعدّدة، وذلك في أطروحته للدكتوراه عام 1957، لكن ماذا تعني هذه النظرية، ولماذا خلقت كل هذا الجدل؟! [1]

ماذا نعني بفكرة الأكوان المتوازية؟

يُحبُّ الخيال العلمي فكرة الأكوان المتوازية، فنحن قد نعيش في حياةٍ واحدةٍ من عددٍ لا نهائي من الحَيَوات المُحتملة، وقد استهوت هذه الفكرة كتّاب الدراما في المسلسلات والأفلام، لكن الموضوع تعدّى أن يكون مجرد خيالٍ علمي. فكوننا الضخم بشكلٍ لا يمكن تصوره تدور فيه تريليونات من المجرّات في الفضاء، وكلٌّ منها يحتوي على تريليونات النجوم، ويتكهّن بعض الباحثين الذين يدرسون نماذج الكون بأن قطر الكون قد يبلغ 7 مليارات سنة ضوئية، ويعتقد آخرون أنه قد يكون لانهائيًا.

قبل حوالي 13.7 مليار سنة، كان كل ما نعرفه عن الكون عبارة عن تفرُّدٍ لا متناهي الصغر (Singularity)، ثم وفقًا لنظرية الانفجار العظيم، انفجر الكون، فتضخّم بسرعةٍ أكبر من سرعة الضوء في جميع الاتجاهات خلال جزءٍ صغيرٍ من الثانية، فقبل مرور [math]10^{-32}[/math] ثانية، انفجر الكون إلى الخارج ليبلغ حجمه [math]10^{26}[/math] ضعف حجمه الأصلي في عمليةٍ تسمّى التضخُّم الكوني (Cosmic inflation).

وكل هذا قبل التوسُّع الفعلي للمادة الذي نفكر فيه عادةً على أنه الانفجار العظيم الحقيقي، ومع تباطؤ التضخُّم، ظهر طوفان من المادة والإشعاع، مما أدى إلى إنشاء كرةٍ ناريةٍ من الانفجار العظيم، وبدأت في تكوين الذرات، والجزيئات، والنجوم، والمجرّات التي تملأ اتساع الفضاء المحيط بنا. عملية التضخُّم والانفجار العظيم الغامضة تعطي احتمالية وجود أكوانٍ متعدّدة أو بتسميةٍ أخرى أكوانٍ متوازيةٍ وفق ما افترضه هيو إيفرت.

ما هي الأكوان الفقاعية؟

افترض الفيزيائي النظري ألكسندر فيلينكين (Alexander Vilenkin)، أن التضخُّم الكوني لم ينته في كل مكانٍ في نفس الوقت إنما يستمر في أماكن أخرى، وهذا ما يسمّى بنظرية التضخُّم الأبدي (Eternal inflation). ومع انتهاء التضخُّم في مكانٍ معين يتشكل كونٌ فقاعيٌّ جديد. هذه الأكوان الفقاعية لا يمكنها الاتصال ببعضها لأنها تستمر في التوسُّع بشكلٍ مستقلٍّ إلى اللانهاية، كما لا يمكن أن نصل إلى حافة أي فقاعةٍ أبدًا لأن الحافة تستمر بالابتعاد عنا بسرعةٍ أكبر من سرعة الضوء، مما يجعل الوصول إليها مستحيلاً فيزيائياً.

ولكن، حتى لو تمكّنا من الوصول إلى الفقاعة التالية، فإن كوننا المألوف بثوابته الفيزيائية وظروفه الصالحة للسكن سيكون مختلفًا تمامًا عن الكون الفقاعي الافتراضي المجاور الذي وصلنا إليه، ولن يكون أصلاً ملائماً لوجودنا فيه. هذه الصورة للكون، أو الأكوان المتوازية يعتبرها البعض تفسيراً للتساؤل القديم عن ظهور ثوابت الطبيعة، وعن ترابطها العجيب، وكأنها مضبوطةٌ بدقةٍ لظهور الحياة واستمرارها.

فوفق نظرية الأكوان المتوازية المراقبين الأذكياء (مثل: البشر) موجودون فقط في تلك الفقاعات النادرة التي تحتوي الثوابت الفيزيائية الملائمة لهذا الظهور، في المقابل، فإن بقية الكون المتعدّد تكون قاحلةً بلا حياة لأنها بلا ثوابت فيزيائية ملائمة. ويرى فيلنكين أنه في بعض أكوان الفقاعات اللانهائية خارج عالمنا، قد يكون هناك مراقبون أذكياء آخرون، ولكن في كل لحظةٍ تمر نبتعد عنهم بشكلٍ كبيرٍ ومتسارع، ولن نتقاطع أبدًا معهم، بالتالي لن نلتقي بهم. [2]

هل يتوافق ميكانيكا الكم مع نظرية الأكوان المتوازية؟

لقد وافقت نظرية الأكوان المتوازية وفق ما فرضه إيفرت (Everett) على الكثير مما اقترحه الفيزيائي نيلز بور (Niels Bohr) عملاق ميكانيكا الكم بشأن العالم الكمومي، فقد وافق على فكرة التراكب (Superposition)، والذي يعني أن النظام الكمي، مثل: الإلكترون، يمكن أن يوجد في حالاتٍ متعدّدة في وقتٍ واحد، وكذلك توافقت النظريتان على مفهوم الدوال الموجية (Wave functions).

ولكن اختلفت نظرية الأكوان المتوازية مع ميكانيكا الكم في جانبٍ حيويٍّ واحد، فوفقاً لإيفرت، فإن قياس ورصد أي جسمٍ كمومي لا يجبره على الدخول في حالةٍ واحدة، وبدلاً من ذلك، فإن القياس الذي يتمُّ إجراؤه لجسمٍ كمومي يتسبّب في انقسامٍ فعلي في الكون، فالكون يتضاعف حرفياً، وينتج كونٌ واحدٌ لكل احتمالٍ من احتمالات القياس.

على سبيل المثال: لنفترض أن دالة الموجة لكائن كمومي بماهيته المزدوجة (جسيم، موجة) في نفس الوقت، فعندما يقيس ويرصد الفيزيائي هذا الكائن الكمومي، فهناك نتيجتان محتملتان: إما أن يتمَّ قياسه كجسيمٍ أو يتمَّ قياسه كموجة. بالتالي ينقسم الكون إلى كونين منفصلين لاستيعاب كلٍّ من النتائج المحتملة، فيقيس الفيزيائي في أحد الكونين الجسم في شكل موجة، ويقيس نفس الفيزيائي في الكون الآخر الجسم كجسيم.

وهذا ما يفسّر أيضًا كيف يمكنك قياس جسيمٍ واحدٍ في أكثر من حالة. قد يبدو الأمر مزعجًا، لكن تفسير إيفرت للعوالم المتوازية له آثار تتجاوز المستوى الكمي، فإذا كان للفعل أكثر من نتيجةٍ محتملة، فعندئذٍ ينقسم الكون عندما يحدث هذا الفعل، وهذا صحيح حتى عندما يختار الشخص عدم القيام بأي فعل، وهذا يعني أنه إذا وجدت نفسك يومًا ما في موقف، حيث كان الموت نتيجةً محتملة، ففي كون موازٍ لعالمنا، ستموت!!

ما العلاقة بين نظرية الأكوان المتوازية والوقت؟

هناك جانبٌ آخر مزعج في تفسير العوالم المتوازية، وهو أنه يُقوّض مفهومنا للوقت باعتباره خطيًا. تخيل خطًا زمنيًا يوضّح تاريخ الحرب العالمية الثانية مثلاً، إن الخط الزمني القائم على تفسير العوالم المتوازية لا يبين لنا خطاً مستقيماً يُظهر الأحداث الجديرة بالملاحظة، وهي تتقدم إلى الأمام، بل إن الخط الزمني القائم على تفسير العوالم المتوازية من شأنه أن يُظهر لنا كل نتيجةٍ محتملةٍ لكل فعلٍ يتمُّ اتخاذه، فهنالك عددٌ لا نهائي من الحروب العالمية الثانية كل واحدةٍ تحدث في كون، لكن بمعطياتٍ مختلفة ونتائج مختلفة.

 كيف لنا أن نعرف ما إذا كانت نظرية العوالم المتعدّدة صحيحة؟

لا يوجد حتى الآن برهانٌ تجريبيٌّ لصحة أو عدم صحة نظرية الأكوان المتوازية إنما اقتصر الأمر على فرضياتٍ فكرية ودراسات نظرية سُمّيت الانتحار الكمومي (Quantum suicide)، وقد جددت هذه التجربة الفكرية الاهتمام بنظرية إيفرت، ولا يزال حتى اليوم يسعى العديد من علماء الفيزياء والرياضيات إلى التحقيق في آثار هذه النظرية بعمق، ولكنهم لا يزالون في بداية الطريق. [3]

المراجع البحثية

1- NOVA | Parallel Worlds, Parallel Lives | Science Fiction and Fact (non-Flash) | PBS. (n.d.). Retrieved October 20, 2024

2- Parallel universes: Theories & evidence. (2021, November 3). Space.com. Retrieved October 20, 2024

3- Does a parallel universe really exist? (1970, January 1). HowStuffWorks. Retrieved October 20, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.