الأدوات الفلكية القديمة – المزولة، المُحلّقة وآلية عملهما
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
صحيح أن بدايات علم الفلك كانت منذ قدم التاريخ سواءً في الصين، أو بابل، أو مصر القديمة، لكننا نستطيع القول إن علم الفلك تبلور وانصقل بشكلٍ حقيقي على يد العرب المسلمين.
ما هو الدور العربي في علم الفلك القديم؟
لقد اعتمد العرب قبل الإسلام بشكلٍ كاملٍ على الملاحظات التجريبية للسماء، وخاصةً شروق وغروب النجوم التي كان العرب القدماء يحفظونها مع كامل مواعيدها، بل وأطلقوا التسميات على التشكيلات النجمية الملازمة لهم في حلّهم وترحالهم، فصفاء جو البادية، ورحلاتهم في التجارة والرعي المستمرة جعلت من السماء والنجوم الرفيق الدائم لهم.
لكن البدايات العلمية الحقيقية كانت بعد حوالي قرن من ظهور الإسلام، حيث بدأت حركة ترجمة للنصوص اليونانية الباقية ليتمّ الإضافة عليها بكمٍّ هائلٍ من الدراسات والبحوث، فظهرت البصمة العربية على الموروث اليوناني. كما لا يمكن إنكار أن اهتمام العرب بعلم الفلك جاء من بابٍ ديني، فدين الإسلام يحدّد مواقيت الصلاة وفق أوقاتٍ محدّدة بحسب حركة الشمس.
لذلك كان المسلمون ملزمين بدراسة حركة الشمس، وضبط مواعيد شروقها وغروبها، وحركتها أثناء النهار، وكذلك مواقيت الشعائر الدينية، مثل: الحج، والأعياد المرتبطة بحركة القمر، وطوروا عدداً من أجهزة القياس الرائعة، مثل: المحلّقة، والمزولة الشمسية، والأسطرلاب. [1]
ما هي المزولة الشمسية؟
تُعتبر المزولة الشمسية (Sundial) أقدم نوعٍ من أجهزة قياس الوقت، من خلال موضع ظل بعض الأجسام المُعرّضة لأشعة الشمس، فمع تحرك الشمس عبر السماء يتحرك ظل الجسم مشيراً إلى مرور الوقت، ويرجع تاريخ هذا الجهاز الفلكي القديم إلى حوالي 3500 عاماً قبل الميلاد، تتكون المزولة بأبسط تصميمٍ لها من عصا أو عمود رأسي بحيث طول الظل الذي يلقيه يعطي إشارةً إلى وقت اليوم.
لكن بحلول القرن الثامن قبل الميلاد في مصر سجلت أقدم ساعةٍ شمسيةٍ معروفة ولا تزال محفوظة، وهي ساعة الظل المصرية التي تتكون من قاعدةٍ مستقيمةٍ مع قطعةٍ عرضيةٍ مرتفعةٍ في أحد طرفيها. القاعدة نُقش عليها مقياس من ستة أقسامٍ زمنية، توضع في اتجاه الشرق والغرب مع القطعة العرضية في الطرف الشرقي في الصباح، وفي الطرف الغربي في فترة ما بعد الظهر، ويشير ظل القطعة المتقاطعة على هذه القاعدة إلى الوقت.
أما المزولة الشمسية نصف الكروية، أو نصف الدائرية، فتُنسب إلى عالم الفلك اليوناني أريستارخوس الساموسي حوالي عام 280 قبل الميلاد، والتي كانت مصنوعةً من الحجر أو الخشب، وتتكون من كتلةٍ مكعبةٍ تمّ قطع فتحةٍ نصف كرويةٍ فيها. تمّ تثبيت مؤشر أو قلم في هذه الكتلة بطرفٍ واحدٍ في مركز المساحة نصف الكروية، وكان المسار الذي سلكه طرف ظل المؤشر أثناء النهار تقريبًا قوسًا دائريًا، وكان طول القوس وموقعه يختلفان وفقًا للفصول.
لذلك تمّ نقش عددٍ مناسبٍ من الأقواس على السطح الداخلي لنصف الكرة، حيث تمّ تقسيم كل قوسٍ إلى 12 قسمًا متساويًا، وبالتالي كان كل يومٍ محسوبًا من شروق الشمس إلى غروبها وفق 12 فترة متساوية، وهي تمثل “الساعات”، ولأن طول اليوم كان يختلف باختلاف الفصول، فقد كانت هذه الساعات تختلف أيضًا في الطول من فصلٍ إلى آخر، وحتى من يومٍ إلى يوم، وبالتالي عُرفت بالساعات الموسمية.
وقد استُخدمت ساعة أريستارخوس الشمسية على نطاقٍ واسعٍ لعدة قرون، ووفقًا لعالم الفلك العربي البتاني (حوالي 858-929 ميلادي)، كانت لا تزال مستخدمةً في البلدان الإسلامية خلال القرن العاشر. اخترع عالم الفلك البابلي بيروسوس (ازدهر حوالي 290 قبل الميلاد) نوعًا مختلفًا من هذه الساعة الشمسية عن طريق قطع جزءٍ من السطح الكروي جنوب القوس الدائري الذي تتبعه طرف الظل في أطول يوم في السنة.
طور اليونانيون ببراعتهم الهندسية، وبنوا ساعاتٍ شمسيةً ذات تعقيدٍ كبير، على سبيل المثال: يحتوي برج الرياح في أثينا ذو الشكل المثمّن، والذي يعود تاريخه إلى حوالي 100 قبل الميلاد، على ثماني ساعاتٍ شمسيةٍ مستوية تواجه نقاطًا أساسية مختلفة من البوصلة. علاوةً على ذلك تتميز العديد من الساعات الشمسية اليونانية القديمة بأسطح مخروطية مقطوعة في كتل حجرية يكون محور المخروط (الذي يحتوي على رأس العقرب) موازيًا للمحور القطبي للأرض.
في العصور الوسطى كان المسلمون هم أفضل من طور المزولة وحسن من تصميمها ودقة عملها، وذلك لأنها وفرت وسيلةً لتحديد الأوقات المناسبة للصلاة. في الواقع، تحتوي معظم الساعات الشمسية الإسلامية على خطوطٍ تشير إلى هذه الأوقات. زاد المسلمون من تنوُّع ودقة تصميم المزولة من خلال استخدام علم المثلثات، وذلك لبراعتهم الكبيرة في هذا العلم، على سبيل المثال: اخترعوا المزولة الشمسية المزودة بعقربٍ موازٍ للمحور القطبي للأرض.
في بداية القرن الثالث عشر الميلادي كتب أبو الحسن المراكشي عن بناء خطوط الساعات على الأسطوانات والمخروطية، وأنواع أخرى من الساعات الشمسية، ويُنسب إليه الفضل في تقديم ساعاتٍ متساويةٍ ودقيقةٍ استخدمت للأغراض الفلكية. ولا تزال حتى اليوم العديد من المساجد تحوي مزاول قيد العمل، مثل: مساجد حلب، ودمشق، والقاهرة القديمة، وحتى القرن التاسع عشر كانت المزاول الشمسية العربية لا تزال تُستخدم لإعادة ضبط الساعات الميكانيكية. [2]
ما هي المُحلّقة (ذات الحلق)؟
تتكون الآلة المُسمّاة “ذات الحلق” (Armillary sphere) من حلقاتٍ معدنيةٍ متحدة المراكز، تحوم الأرض في مركزها والأجرام السماوية حولها، استخدمها علماء الفلك المسلمين في العصر الوسيط، وذلك لأنهم اهتموا بنَمْذجة السماء والحركات الكوكبية، مما مكنهم من الاقتراب إلى الكثير من الحقائق المعروفة حالياً.
بدأ صنع المحلقات واستخدامها في القرن الثامن، وكان الفزراري المتوفّى حوالي 796ميلادي أول من كتب عنها ببغداد في كتابه ” العمل بالأسطرلاب ذات الحلق”، ووصل تصميمها إلى مستوى رفيع من التقدُّم في القرن العاشر، وكانت تُصنع على نوعين رئيسين:
– النوع الأول: محلقات توضيحية تركز على الأرض، ودائرة خط الاستواء، والمدارات الدوائر القطبية كلها مرتبطة بحلقةٍ مدرّجةٍ محورها محور خط الاستواء، وهذا النوع لا يظهر القمر، ولا الكواكب، ولا النجوم، ولكنه يبين الحركات النسبية للأجرام السماوية حول الأرض.
– النوع الثاني: مُحلقات رصدية مختلفة عن النوع الأول لعدم احتوائها على الكرة الأرضية في المركز، ولوجود أجهزة إبصارٍ على الحلقات، كانت تُستخدم لتحديد الإحداثيات وقيمٍ أخرى، كتب العديد من الفلكيين عن المحلقات، من أشهرهم جابر بن أفلح الأشبيلي في القرن الثاني عشر، وقد أشار إلى وصفها وطريقة عملها بشكلٍ دقيقٍ جداً. [3]
وُجدت العديد من المُحلقات في المراصد التي كان يشتغل فيها العلماء المسلمون، مثل: مرصد مراغة في القرن الثالث عشر، ومرصد أولغ بيك بسمرقند في القرن الخامس عشر.
المراجع البحثية
1- Arab Astronomy. (n.d.). Teach Astronomy. Retrieved November 16, 2024
2- Britannica, T. Editors of Encyclopaedia (2024, October 12). sundial. Retrieved November 16, 2024
3- المحلّقة-ذات-الحلق. (N.d.). Arrabita.Ma. Retrieved November 16, 2024