أعماق البحار – ماذا يوجد في الأعماق؟ وكم يبلغ الضغط في الأسفل؟
قائمة المحتويات
تُعد أعماق البحار عالمٌ بداخل عالمنا، فهو غامض ومليء بخنادق شاسعة، وجبالٍ شاهقة تَحت الماء، بالإضافة لاحتضانه لمخلوقات تبدو أقرب إلى الخيال العلمي منها إلى الواقع وكثيراً ما يُوصف بأنه الحدود الأخيرة للأرض لأن مساحات شاسعة وأعماق سَحيقة منهُ لا تزال مجهولة وغامضة.
كم يَبلغ عمق المحيط؟
يَبلغ متوسط عمق محيطات العالم حوالي 3700 متر وتبلُغ أعمق نقطة معروفة وهي تشالنجر ديب في خندق ماريانا ما يقرب من 11000 متر تحت مستوى سطح البحر. ويُعتبر هذا العمق سحيق للغاية ويسودهُ ظلام دامس ودرجات حرارة مُنخفضة للغاية بسبب عدم قدرة ضوء الشمس على اختراق طبقة المياه السميكة هذه، علماً أن أكبر عُمق ممكن لضوء الشمس أن يخترق فيه أعماق البحار هو 1000 متر. وفي منطقتنا العربية يبلغ عُمق البحر المتوسط 5109 متر في أعمق نقطة له، أما عمق البحر الأحمر يصل حتى 3040 متر في أعمق نقطة لهُ.
ماذا يوجد في أعماق البحار؟
في هذا العالم المُظلم توجد تضاريس طبيعية مثل الجبال والوديان والبَراكين أيضاً وتنمو كائنات تكيّفت مع هذا الوسط رغم أن درجة حرارة الماء تحوم حول درجة التجمد، عدا عن مستوى ضغط الماء الهائل. من الناحية البيولوجية، تزخر أعماق البحار بالحياة التي تطورت فيها واحدة من أكثر التكيفات إثارة على هذا الكوكب، حيثُ تعتمد العديد من الكائنات الحية في هذه الأعماق على التلألؤ الحيوي وهو توهج ضوئي طبيعي تُنتجه التفاعلات الكيميائية داخل أجسامها إما من أجل التواصل أو جذب الفرائس، أو للتمويه.
وإلى جانب هذه المخلوقات، تَزخر أعماق البحار أيضاً بعدد لا يُحصى من الكائنات الحية الدقيقة كالبكتيريا. على الرغم من عقود من الاستكشاف باستخدام الغواصات والمركبات التي تُشغَّل عن بُعد، ولا يزال جزء كبير من هذا العالم العميق غامضاً إذ يضم أنواعاً لا تُحصى وعجائب جيولوجية لم تُكتشف بعد.
هل توجد حياة بحرية في خندق ماريانا؟
على الرغم من شهرته كواحدة من أكثر البيئات قساوة على وجه الأرض بسبب ظلامه الدامس وبرودته الشديدة، إلا أن خندق ماريانا يأوي مجموعة متنوعة من الكائنات الحية والتي تكيفت مع هذه البيئة. على أعماق تصل إلى ما يقرب من 11,000 متر، تم اكتشاف أنواع مثل ثنائيات الأرجل حيثُ تلعب هذه القشريات الصغيرة دوراً حاسماً في تحليل المواد العضوية التي تهبط من الطبقات السطحية للأسفل.
من أكثر الاكتِشافات إثارة للاهتمام في السنوات الأخيرة هي وجود سمك الحلزون الذي يعيش على أعماق تتراوح بين 7700 و8000 متر. تكيفت هذه الأسماك بشكل خاص مع الضغوط الهائلة في أعماق البحار حيث تكون بنية أجسامها طرية وجيلاتينية، وهذه سِمة تسمح لها بتحمل الضغط الشديد دون أي ضرر. بالإضافة إلى ذلك، اكتشف الباحثون مجموعة متنوعة من الكائنات الدقيقة والمجتمعات الميكروبية التي تُشكل أساس الشبكة الغذائية للخندق.
هل توجد جبال في أعماق البحار؟
بالتأكيد، توجد جبال في أعماق البحار. وتتخذ هذه الجبال شكلين أساسيين:
1- جبال مُنتصف المحيط:
وهي سلاسل جبلية شاسعة تمتد لآلاف الكيلومترات عند مكان التقاء حدود الصفائح التكتونية في أعماق المُحيطات. وعند مكان الالتقاء هذا ترتفع الصهارة من تحت قشرة الأرض بسبب تباعُد الصفائح التكتونية عن بعضها في هذه النقطة، مكونةً قشرة محيطية جديدة. وتبقى هذه السلاسل الجبلية بكامل ارتفاعها وامتدادها مخفية تحت المياه، وغالباً ما يسودُها الظلام، ولا يمكن الوصول إليها إلا بواسطة غوّاصات مُتخصصة.
2- الجبال البحرية:
هي جبال معزولة، غالباً ما تكون مخروطية الشكل، وتتشكل عادةً نتيجة للنشاط البُركاني. ترتفع هذه الجبال من قاع المحيط بمئات أو حتى آلاف الأمتار، ويُمكن أن تُشكل بؤراً حيوية للحياة البحرية. وتخلق هذه التضاريس الفريدة للجبال البحرية تيارات تُحرك العناصر الغذائية من الأعماق.
كيف يَدرُس البشر ويستكشفون أعماق البحار؟
تتُمّ دراسة واستكشاف أعماق البحار باستخدام مجموعة من التقنيات المُتقدمة والأساليب المُبتكرة مثل الروبوتات والمُستشعرات عن بُعد والمُصممة خصيصاً للتغلب على الظروف القاسية، مثل الضغط العالي والظلام الدامس ودرجات الحرارة المنخفضة جداً. ومن هذه الأساليب:
– تقنية السونار: يبدأ رسم خرائط أعماق البحار بتقنية السونار حيثُ تُصدر أجهزة قياس صدى الصوت وأنظمة السونار ذات المسح الجانبي موجات صوتية ترتد عن قاع البحر، مما يُنتج صوراً مُفصلة للتضاريس الطبيعية تحت الماء. ولا يَكشُف هذا الرسم الصوتي عن تضاريس معالم قاع البحر فحسب، مثل الخنادق والسهول وحتى الجبال تحت الماء، بل يُساعد أيضًا في تحديد المناطق ذات أهمية خاصة مثل السُفن التاريخية الغارقة لمزيد من الاستكشاف والأبحاث.
– الاستكشاف الآلي: يتم استخدام المركبات المُسيرة عن بُعد (ROVs) والمركبات الآلية ذاتية القيادة (AUVs) نظرًا للأعماق الشاسعة للبحار، ونادراً ما يكون من الممكن إجراء مراقبة بشرية مباشرة. تُربَط هذه الروبوتات بسفن الأبحاث، وتنقل لها بيانات الفيديو عالية الدقة وبيانات الاستشعار الآني. بالإضافة إلى المسوحات البصرية، يُمكن لبعض هذه الروبوتات جمع العينات لدراسة كيمياء وبيولوجيا أعماق البحار عن طريق استخدام الملاقط والقوارير المُثبتة على هذه الروبوتات لجمع العينات.
– الغواصات المأهولة: على الرغم من خطورتها وحدود قدرة عَملها بسبب قيود العمق والوقت، إلا أن الغواصات المأهولة، كانت حاسمة في أبحاث أعماق البحار. تُتيح هذه المركبات للعلماء المراقبة المباشرة للنظم البيئية المعقدة في الأسفل، مثل المجتمعات المُتشكلة بالقرب من فتحات البراكين البحرية.
كم يبلغ الضغط في قاع البحر؟
يَعتمد الضغط في قاع البحر على العُمق بشكل رئيسي، فكلما زادَ عمق البحر زاد وزن الماء فوق أي نقطة، وبالتالي يرتفع الضَغط، ويمكن حساب الضغط في قاع البحر عند عمق مُعين باستخدام المعادلة التالية:
الضغط= الضغط الجوي+(الكثافة×الجاذبية×العمق) حيث:
– كثافة مياه البحر (حوالي 1025 كجم/م³).
– الجاذبية الأرضية (حوالي 9.81 م/ث²).
– العمق تحت مستوى سطح البحر (بالمتر).
وبشكل تقريبي يكون الضغط عند كل 10 أمتار من العمق يعادل 1 مرة من الضغط الجوي عند سطح البحر أي أنه عند عمق 11000 متر في خندق ماريانا يكون الضغط يعادل 1100 مرة من الضغط الجوي، أي حوالي 1136.8 كيلو جرام لكل سم3. هذا الضغط الشديد هو نتيجة مباشرة لوزن المياه الهائل، وتتطلب هذه الظروف القاسية أن تكون الكائنات الحية التي تعيش في الأعماق السحيقة، وكذلك الهندسة التي تقوم عليها تقنيات استكشاف أعماق البِحار، قوية ومبتكرة بشكل استثنائي.
إن القوى الهائلة الموجودة في هذه الأعماق لا تتحدى البراعة الهندسية للبشر فحسب، بل تُثير أيضاً الإعجاب بمرونة الحياة في مثل هذه البيئات القاسية.