داء القلس المعدي المريئي عند الأطفال – كيفية تشخيصه وعلاجه
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
يُعتبر القلس المعدي المريئي (Gastroesophageal Reflux) شائعاً جداً خلال الأشهر القليلة الأولى من الحياة، وغالباً ما يكون سليماً، ولا يؤثر على النمو، ولا يُّسبب أعراضاً، وعادةً ما يختفي من تلقاء نفسه عند عمر 12 شهراً، ويجب مراعاة التغذية المكثفة، وتغيير نمط الحياة إذا كان القلس متكرراً، ومُسبّباً للمشاكل الصحية.
ومن ناحيةٍ أخرى، فإن داء القلس المعدي المريئي (Gastroesophageal reflux disease)، ويُعتبر أقل شيوعاً، ويترافق مع حدوث العديد من المضاعفات الهضمية والتنفسية، ويحتاج إلى العلاج الدوائي في حال فشل التدابير المحافظة، وتتراوح مدة العلاج من بضعة أسابيع إلى بضعة أشهر.
ويجب تقييم الأطفال المصابين به بشكلٍ منتظم لتحديد ما إذا كان العلاج المستمر ضرورياً، كما ينبغي النظر في إجراء جراحةٍ مضادةٍ للقلس لأولئك الذين يعانون من تضيُّقاتٍ في المريء، أو مضاعفاتٍ تهدّد الحياة، أو إقياءاتٍ معنّدة لا تستجيب على العلاج الدوائي. [1]
كيف يتمُّ تشخيص داء القلس المعدي المريئي عند الأطفال؟
عادةًُّ ما يتم تشخيص القلس المعدي المريئي من خلال أخذ قصةٍ مرضيةٍ مفصلة تتضمن السؤال عن الأعراض، مثل: الألم الحارق، الغثيان، الإقياء، الفواق، التجشُّؤ، ضيق النفس، السُّعال المزمن، نوب توقُّف التنفس، البكاء أو الهياج أثناء الرضاعة، نقص الوزن، كما يُسأل عن الأدوية والمُكمّلات الغذائية التي يأخذها الطفل، والتي قد تهيّج بطانة المعدة أو المريء.
كما يتمُّ السؤال عن نمط تغذية الطفل والأطعمة التي يتناولها، بالإضافة إلى الفحص البدني للطفل، والبحث عن العلامات المرافقة، كالتجفاف، وسوء التغذية، وفشل النمو، كما قد يتمُّ اللجوء إلى استخدام اختباراتٍ تشخيصيةٍ أخرى للمساعدة في تحديد ما إذا كان الطفل يعاني من داء القلس المعدي المريئي أو اضطراباتٍ أخرى في الجهاز الهضمي، ومنها: [2] [3]
1- تصوير الصدر بالأشعة السينية (Chest X-ray)
يمكن من خلاله رؤية العلامات الشعاعية التي تشير إلى انتقال محتويات المعدة إلى المريء، وهذا ما يُسمّى الاستنشاق أو الرشف الرئوي (Aspiration).
2- مراقبة الأس الهيدروجيني (pH monitoring)
يمكن من خلاله قياس درجة الحموضة في المريء، حيث يتمُّ وضع أنبوبٍ بلاستيكي رفيع في فتحة أنف الطفل مروراً بأسفل الحلق، ووصولاً إلى المريء، ويحتوي الأنبوب على مستشعرٍ يقيس مستوى الرقم الهيدروجيني، ويتمُّ توصيل الطرف الآخر من الأنبوب الموجود خارج جسم الطفل إلى شاشةٍ صغيرة يتمُّ من خلالها تسجيل مستويات الرقم الهيدروجيني للطفل لمدة 24 إلى 48 ساعة.
وخلال هذا الوقت يمكن للطفل العودة إلى المنزل، وممارسة أنشطته العادية، ويجب تسجيل أية أعراض يشعر بها الطفل، والتي قد تكون مرتبطةً بالقلس كالسُّعال، وأيضاً تسجيل وقت ونوع وكمية الطعام التي يتناولها الطفل، ثم يتمُّ فحص قراءات الرقم الهيدروجيني مع مقارنتها بنشاط الطفل خلال تلك الفترة الزمنية.
3- اختبار برافو لقياس درجة الحموضة (Bravo pH studies)
بالنسبة للأطفال الأكبر سناً، فيمكن إجراء دراسة الأس الهيدروجيني دون سلكٍ خارجي، وذلك من خلال ربط كبسولةٍ صغيرة بنفس حجم ممحاة قلم الرصاص تقريباً، وتسمّى كبسولة برافو (Bravo capsule) بجدار المريء في نهاية إجراء التنظير الهضمي العلوي.
وترسل هذه الكبسولة معلوماتٍ إلى جهازٍ خارج جسم الطفل يسجل أحداث القلس، وجهاز جمع البيانات هذا يكون بحجم الهاتف الخليوي تقريباً، ويمكن ربطه بحزام الطفل، ويجب أن يبقى الجهاز على مسافة 3 أقدام (حوالي 90 سنتيمتر) من الطفل خلال 48 ساعة من وقت التسجيل.
ويمكن لبعض الأطفال الشعور بالكبسولة أثناء وجودها في مكانها، مما يُسبّب انزعاجاً خفيفاً ومؤقتاً، وبعد انتهاء اليوم الثاني من جمع المعلومات عن القلس لدى الطفل، تسقط كبسولة برافو من بطانة المريء، وتنتقل عبر القناة الهضمية، وتخرج في النهاية مع براز الطفل، وليس من الضروري استرجاعها.
4- قياس الضغط ضمن المريء (Esophageal manometry)
يفحص هذا الاختبار قوة عضلات المريء، ويمكن من خلاله معرفة ما إذا كان الطفل يعاني من القلس أو أية مشاكل في البلع، حيث يتمُّ إدخال أنبوبٍ صغيرٍ في فتحة أنف الطفل، ومنه إلى أسفل الحلق، وبعده إلى المريء، ثم يتمُّ من خلاله قياس الضغط الذي تحدثه عضلات المريء أثناء الراحة.
5- التنظير الهضمي العلوي (Upper gastrointestinal endoscopy)
يسمح بفحص بطانة المريء، والمعدة، والجزء الأول من الأمعاء الدقيقة، وهو أفضل اختبارٍ لتقييم إصابة المريء الناجمة عن القلس، وتشخيص التهاب المريء ومريء باريت، ويمكن أن يساعد أيضاً في تشخيص تضيُّق المريء، وعلى الرغم من أن 10 إلى 20 بالمئة فقط من المصابين ستظهر لديهم نتائج غير طبيعية أثناء التنظير الداخلي، إلا أن هذا الإجراء ضروريٌّ لتقييم احتمال حدوث المضاعفات، واستبعاد الحالات المرضية الأخرى الأكثر خطورةً، والتي تتشابه أعراضها مع القلس المعدي المريئي.
وأثناء التنظير العلوي يتمُّ إعطاء مخدّرٍ للمساعدة في استرخاءٍ منعكس البلع، وقد تُعطى أيضاً مسكناتٍ للألم ومهدئ، ويتمُّ وضع الطفل بوضعية الاستلقاء على الجانب الأيسر، ثم يتمُّ إدخال المنظار من خلال الفم والبلعوم إلى المريء، ومنه إلى المعدة والعفج، حيث ينقل المنظار صوراً لهذه الأعضاء، ويتمُّ عرضها على شاشةٍ يراقبها الطبيب أثناء التنظير.
6- تصوير المريء بالباريوم (Barium Esophagram)
هو دراسةٌ بالأشعة السينية، ويتمُّ فيه ابتلاع محلول تباين يسمّى الباريوم (Barium)، حيث يغطي الباريوم المريء، وباقي الجهاز الهضمي، ثم يتمُّ أخذ صورٍ بالأشعة السينية، مما يُسهّل على الطبيب اكتشاف وجود تشوُّهاتٍ أو تضيُّقٍ ضمن المريء، وعلى الرغم من أنه لا يختبر وجود القلس، إلا أنه مفيدٌ لنفي إصابات المريء الأخرى.
7- دراسة تفريغ المعدة (Gastric emptying study)
يتمُّ إجراء هذا الاختبار لمعرفة ما إذا كانت محتويات معدة الطفل تنتقل إلى الأمعاء الدقيقة بشكلٍ صحيح، حيث إن تأخير إفراغ المعدة يمكن أن يُسبّب عودة محتوياتها إلى المريء.
كيف يتمُّ علاج داء القلس المعدي المريئي عند الأطفال؟
1- تغييرات نمط الحياة
تشمل بشكلٍ رئيسي ما يلي:
عند الرضع
1- حمل الطفل أثناء الرضاعة بحيث يكون الرأس والصدر أعلى من البطن، وأما بعد الانتهاء منها، فيُنصح بحمل الطفل بوضعٍ عمودي لمدة تتراوح بين 15 إلى 30 دقيقة، حيث يمكن أن تساعد الجاذبية في منع عودة محتويات المعدة إلى المريء.
2- وقد حذرت منظمة الغذاء والدواء الأميركية (The U.S. Food and Drug Administration) من نوم الرضيع بعمر أقل من سنة على البطن، حتى لو كان يعاني من القلس المعدي المريئي بسبب خطورة حدوث متلازمة الموت المفاجئ عند الرضيع، ويجب دائماً وضع الرضع النائمين في وضعية الاستلقاء على الظهر.
3- في حال الرضاعة بواسطة الزجاجة، فمن المفيد إبقاء الحلمة مملوءةً بالحليب، وبهذه الطريقة لن يبتلع الطفل الكثير من الهواء أثناء الوجبة، ويمكن تجريب حلماتٍ مختلفة حتى الحصول على واحدة تسمح لفم الطفل بالالتصاق جيداً بالحلمة أثناء الرضاعة.
4- مساعدة الطفل على التجشُّؤ عدة مرات أثناء الرضاعة بالزجاجة أو الرضاعة الطبيعية.
عند الأطفال الأكبر سناً
1- تخفيف الوزن في حال كان الطفل يعاني من زيادة الوزن أو البدانة.
2- ارتداء الملابس الفضفاضة حول الخصر.
3- النوم مع رفع رأس السرير قليلاً للأطفال الذين يعانون من أعراضٍ ليلية.
4- عدم الاستلقاء لمدة 3 ساعات بعد تناول الطعام.
5- كما يجب على الآباء أو مقدّمي الرعاية المدخنين الإقلاع عن التدخين، ويجب منع أي أحد من التدخين بالقرب من الأطفال، لأن التدخين السلبي يمكن أن يُسبّب القلس المعدي المريئي.
2- تغيير النظام الغذائي
عند الرضع
1- بالنسبة للرضع الذين يتغذون على الحليب الصناعي، فإن إنقاص حجم الوجبات وزيادة عددها قد يُقلّل من نوبات القلس، وتُعدّ أول خطوةٍ يجب القيام بها وتجربتها.
2- كما تعمل تركيبات الحليب المضادة للقلس (Antiregurgitant formulas) المتوفرة تجارياً على تقليل معدل حدوث القلس.
3- كما تؤدي إضافة عوامل تزيد من سماكة وجبة الحليب، على سبيل المثال: ملعقة كبيرة من حبوب الأرز لكل 30 ميلي ليتر من الحليب الصناعي تؤدي إلى تقليل معدل حدوث القلس، ويمكن أن تؤدي إلى زيادة الوزن، ولكن لا ينبغي القيام بهذا الإجراء دون استشارة الطبيب.
4- بالنسبة للرضع الذين يعانون من قلسٍ ناتجٍ عن الحساسية لبروتين حليب البقر، ويأخذون حليباً صناعياً، فيتمُّ إيقافه، وإعطاء تركيبات حليبٍ خاصة مكونة من الأحماض الأمينية، أما بالنسبة للرضع الذين يتغذون على الرضاعة الطبيعية، فإن إزالة الأطعمة المُسبّبة للحساسية، مثل :حليب البقر، ومشتقات الألبان، والأجبان من النظام الغذائي للأم قد يؤدي إلى تحسين الأعراض.
عند الأطفال الأكبر سناً
1- تجنُّب الأطعمة التي تحتوي على الكثير من السكر أو الأطعمة الحارة جداً.
2- تجنُّب الشوكولاته، والنعناع، والمشروبات التي تحتوي على الكافيين.
3- تجنُّب المشروبات الحمضية، مثل: الكولا، أو عصير البرتقال.
4- تناول وجباتٍ صغيرةٍ متعددة على مدار اليوم بدلاً من الوجبات الكبيرة.
5- التواصل مع مقدم رعاية الصحية الخاص بالطفل قبل التقليل من تناول الدهون، حيث لم يتمّ إثبات فائدة تخفيف الوارد منها في تخفيف حدوث القلس عند الأطفال، كما أنها تُعتبر من العناصر الغذائية الضرورية لنمو الطفل بشكلٍ صحي.
3- العلاج الدوائي
مضادات مستقبلات الهيستامين (H2 H2-receptor antagonists)
وتشمل كل من: سيميتيدين (Cimetidine)، ورانيتيدين (Ranitidine)، وفاموتيدين (Famotidine) ، نيزاتيدين (Nizatidin)، وتعمل هذه الأدوية على تقليل إفراز حمض المعدة عن طريق التثبيط التنافسي للتفاعل بين الهيستامين ومستقبلاته الموجودة في الخلايا الجدارية للمعدة، ولكنها لا تُقلّل من تكرار القلس المعدي المريئي، وهي أقل فعاليةً من مثبطات مضخة البروتون.
مثبطات مضخة البروتون (Proton pump inhibitors)
تشمل أوميبرازول (Omeprazole)، وإيزوميبرازول (Esomeprazole)، ولانسوبرازول (Lansoprazole)، وهذه الأدوية تمنع بشكلٍ انتقائي إفراز الحمض عن طريق منع عمل مضخات الهيدروجين، والبوتاسيوم، والأدينوزين ثلاثي الفوسفات الموجودة على غشاء الخلية الجدارية في المعدة.
وتساعد مثبطات مضخة البروتون على تحسين عسر الهضم، ومنع إصابة المريء الناجمة عن الحمض، وتسريع شفاء التهاب المريء، وتُعتبر أفضل من مضادات مستقبلات الهيستامين H2 للاستخدام عند الأطفال، وذلك لأن فعاليتها أكبر، كما أنها آمنةٌ نسبياً، وجيدة التحمُّل. ومن الآثار الجانبية الشائعة المرتبطة باستخدامها النعاس، والدوار، والصُّداع، والطفح الجلدي، والغثيان، وآلام البطن، والإسهال، والإمساك.
مضادات الحموضة (Antacids Antacids)
مثل: هيدروكسيد الألومنيوم (Aluminum hydroxide)، وكربونات الكالسيوم (Calcium carbonate)، وهيدروكسيد المغنيسيوم (Magnesium hydroxide)، وتُعتبر غير مفيدة في علاج داء القلس المعدي المريئي عند الرضع، ولكن يمكن استخدامها على المدى القصير عند الأطفال الأكبر سناً، والبالغين لتخفيف حرقة المعدة.
وتعمل عن طريق تقليل درجة حموضة المعدة، وبالتالي تقليل تعرض بطانة المريء للحمض أثناء نوبات القلس، ولكن استخدامها المزمن قد يؤدي إلى الكساح الناقص الفوسفات، أو التسمُّم بالألومنيوم (يُسبّب هشاشة العظام، سميةً عصبية، فقر الدم صغير الكريات)، لذلك لا ينصح عموماً بالعلاج المضاد للحموضة المزمن.
4- العلاج الجراحي
إن الاستطبابات المطلقة للجراحة هي الحالات المرضية المُهدّدة للحياة، مثل: القصور القلبي الرئوي، وانقطاع التنفس، ومتلازمة الموت المفاجئ عند الرضيع، وتشمل الاستطبابات الأقل خطورةً فشل النمو عند الطفل، أو التهاب وتضيُّق المريء، أو الإقياءات المعنّدة، أو المشاكل المزمنة، مثل: الاضطرابات العصبية، والتليُّف الكيسي، أو وجود خطرٍ كبيرٍ للإصابة بالمضاعفات المرتبطة بالقلس، أو عدم الاستجابة على العلاج الدوائي، وتتراوح نسبة نجاح العمل الجراحي من 60 إلى 90 بالمئة، وتشمل المضاعفات الممكنة العدوى في مكان الجراحة:
النزيف، وانثقاب الأمعاء، واسترواح الصدر، وفتق الحجاب الحاجز، وتضيُّق المريء، والاختناق ببعض المواد الصلبة، وإصابة العصب المبهم، ومتلازمة الإغراق (انتقال محتويات المعدة إلى الأمعاء بسرعةٍ كبيرة)، والانسداد المعوي، ويجب الإلمام بهذه المضاعفات جيداً قبل إجراء التداخل الجراحي مع ضرورة المتابعة طويلة الأمد للطفل بعد الجراحة. [1] [2] [3] [4]