Skip links
جملة علم البديع، المبالغة مكتوبة باللغة العربية

علم البديع – المبالغة، المذهب الكلامي والتفريع

الرئيسية » المقالات » اللغة العربية » علم البديع – المبالغة، المذهب الكلامي والتفريع

ما هي المبالغة؟

تعرف المبالغة في اللغة أنها الاجتهاد في الأمر، وعدم التقصير فيه. أما في الاصطلاح البلاغي، فهي أن يدّعي المتكلم أن وصفاً من الأوصاف بلغ من الشدّة أو الضعف حدّاً مُستبعداً أو مستحيلاً. اختلف أرباب البديع في المبالغة، فمنهم من عدّها من المحسّنات البديعية، وأنها مقبولةٌ مطلقاً، بل الفضل مقصورٌ عليها لأنهم يرون خير الشعر أكذبه، وخير الكلام ما كان مُبالغاً فيه. أما آخرون، فقد اعتبروها مردودةً مطلقاً، وخير الكلام ما خرج مخرج الحق، وجاء على منهج الصدق. [1] [2]

ما أنواع المبالغة؟

جمع البلاغيون المبالغة المقبولة في أنواعٍ ثلاثة، وهي: التبليغ، والإغراق، والغلو.

1- التبليغ

حيث يكون فيه الوصف المُدّعى ممكناً في العقل والعادة، ومنه قوله تعالى: ﴿ظلماتٌ بعضها فوق بعض إذا أخرجَ يدهُ لم يكدْ يراها﴾ {النور 40}، فإن وجود الظلمات المُطبقة التي لا تكاد تُرى فيها اليد أمرٌ ممكن عقلاً وعادةً. ومنه في الشعر قول الشاعر في وصف سرعة الفرس:

إذا ما سابقتها الريحُ فرّتْ
وألقتْ في يدِ الريحِ الترابا

فإن من الممكن عقلاً وعادةً أن تكون الفرس بهذه السرعة.  

2- الإغراق

حيث يكون المدّعى بالوصف ممكناً عقلاً لا عادة، ومنه قوله تعالى: ﴿يكادُ سَنا برقهِ يذهبُ بالأبصار﴾ {النور 43}، فإن النظر إلى البرق يمكن عقلاً أن يؤدي إلى العمى وذهاب البصر، ولكنه ليس من عادة البشر النظر إلى البرق. ومنه في الشعر قول الشاعر عمرو بن الأيهم التغلبي:

ونكرم جارنا ما دامَ فينا
ونتبعهُ الكرامةَ حيثُ مالا

فإنه ادّعى أن كرمه يلاحق جاره، وهذا ممكن عقلاً وممتعٌ عادةً.  [1] [2] [3]

3- الغلو

حيث يكون المدّعى مستحيلاً عقلاً وعادةً، وله نوعان: مقبول ومردود.

المقبول

وهو ثلاثة أنواع:

1- ما اقترن به أداة من الأدوات التي تقرّبه للإمكان، مثل: (يكاد) التي هي للمقاربة، و(قد) للاحتمال، و(لو، ولولا) للامتناع، ومن أمثلتها: قوله تعالى: ﴿يكادُ زيتُها يضيءُ ولولا لمْ تمسَسهُ نار﴾ {النور 35}، فمن غير العادة أن يضيء الزيت دون أن تمسّه النار، واقترانه بـ (يكاد) قرّبه للإمكان، وقارب أن يكون مبالغة. ومنه قول المتنبّي مفتخراً:

لو برزَ الزمانُ إليّ شخصاً
لخضّبَ شعرُ مفرقه حسامي

فمن المستحيل أن يتجسّد الزمام بهيئة شخصٍ يبارزه الشاعر ويغلبه، فاقترن بـ (لو) الذي قربه من الإمكان.

2- ما جمّلهُ حسنُ تخييل، كقول الشاعر ابن عبد ربه يصف محبوبته بدقة الخصر:

يا من تقطّع خصْرهُ من رقّةٍ
ما بالُ قلبكِ لا يكون رقيقا

فخصر المحبوبة لشدّة دقته قد تقطّع، وهذا ممتنعٌ عقلاً وعادةً، ولكن ما انطوى عليه من حسن تخييل جعله مقبولاً.

3- ما أُخرج مخرج الهزل والخلاعة، كقول الشاعر:

أسكرُ بالأمسِ إنْ عزمتُ على الش
ربِ غداً إنْ ذا من العجبِ

لشدّة حبه وشوقه لشرب الخمر، فإنه يسكر قبل الموعد الذي حدّده للشرب بيومين، وذلك مستحيلٌ عقلاً وعادةً، لكن سياق الهزل والخلاعة الذي قُدّم فيه جعله مقبولاً، ومنه قولهم على سبيل الظُّرف: “فلانٌ يسكرُ على الرائحة”.

المردود

ما يكون ليس ممكناً لا في العقل ولا في العادة، وليس من الأنواع الثلاثة للمقبول، ومنه قول المتنبّي في مدح سيف الدولة الحمداني:

تجاوزتَ مقدارَ الشجاعةِ والنُّهى
إلى قولِ قومٍ أنتَ بالغيبِ عالمُ

فإن علم الغيب أمرٌ استأثر به الله عزّ وجل، ويستحيل على الإنسان وأي كائنٍ من كان أن يعلم به، فهذا من الغلو المردود، ويؤول بقائله إلى الكفر.[1] [3] [4]

ما هي جماليات المبالغة؟

إن محدودية الفكر تجعل الإنسان يتفاعل مع كل غريبٍ وجديد، فالنفوس البشرية أطوع للوهم منها للعقل، وما المبالغة عن هذا ببعيدة، وتختلف المبالغة في الشعر عن النثر، فالشعر يتوجه إلى الوهم، أما النثر، فيتوجه إلى العقل. [1]

المذهب الكلامي

أن يأتي الأديب البليغ على صحة دعواه، وإبطال دعوة خصمه بحجةٍ عقلية، أو برهانية، أو غير ذلك، ويُعرّفه البلاغيون: أن يُدلّل المتكلم على مطلوبه بمقدّماتٍ يستلزم التسليم بها التسليم بهذا المطلوب. وخير الشواهد على هذا الفنّ البديعي قوله عزّ وجل: ﴿لو كانَ فيهما آلهةٌ إلا اللهُ لفسدَتا﴾ {الأنبياء 22}، فإن فساد السماوات والأرض (أي خروجهما عن النظام الذين هما عليه)، وهو باطل، يستلزم تعدّد الآلهة، وهو باطلٌ أيضاً. [1] [5]

ما هي جماليات المذهب الكلامي؟

يستمدُّ المذهب الكلامي جماليته من جمالية الادعاء الذي يُثبته الدليل، وهي من وسائل التأثير التي يستخدمها المتكلم، فيمتلك به قوة التأثير على متلقّي كلامه، ولهذا الفن قدرةٌ كبيرةٌ على إثارة الانفعالات والاستجابات، وعند استخدامه في الشعر، فإنه سيضيف إليه الروعة والجلال، لأن يجمع ما بين التخييل الذي هو من سمات الشعر، والإقناع الذي هو من سمات الخطابة والنثر. [1]

التفريع

لغةً يعني فرّعت من هذا الأصل فروعاً أي استخرجتها، وفي الاصطلاح البلاغي له معنيان، وهما:

1- التعليق، وهو أن يثبت لمتعلقٍ أمر حكمٍ بعد إثبات ذلك الحكم لمتعلّقٍ له آخر على وجه يشعر بالتفريع والتعقيب. ومنه قول الشاعر الكُميت بن زيد الأسدي يمدح أهل البيت:

أحلامكم لسقام الجهل شافيةٌ
كما دماؤكم تشفي من الكَلَبِ

فالدماء هي المتعلق الثاني والأحلام هي المتعلق بهم الأول، حيث أثبت لمتعلقهم الثاني الدماء التي تشفي من الكَلَب حكماً أنه أثبت ذلك لمتعلقهم الأول أنها تشفي من داء الجهل، فقد كانت العرب تزعم أن دماء الملوك تشفي من داء الكَلَب.

2- النفي والجحود، وهو أن يأخذ المتكلم في وصفٍ فبقول: “ما كذا”، ويصفه بمعظم أوصافه اللائقة به في الحسن والقبح، ثم يجعل منه أصلاً يفرّع منه معنى، فيقول: “بأفعل من كذا” ومنه قول ابن سناء بن الملك:

إليك فما بدر المقنّع طالعا
بأسحرَ من ألحاظِ بدر المعمم

فهو يشير إلى المقنّع الخراساني الذي ادّعى الربوبية، وأنه أظهر صورة القمر من مسيرة شهرين إلى الناس، فهو ينفي ذلك عنه، ويُظهر كذبه وغيّه. [1] [2]

المراجع البحثية

1- عيسى علي العاكوب. (n.d.). المبالغة- المذهب الكلامي- التفريع. المفصل في علوم البلاغة العربية (pp. 590–595). essay. Retrieved May 8, 2024

2- ابن معصوم الحسني. (1903). المبالغة. أنوار الربيع في أنواع البديع. Retrieved May 8, 2024

3- عبد العزيز عتيق. (n.d.). المبالغة. .علم البديع (pp. 99–108). essay, دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان . Retrieved May 8, 2024

4- عبد الله خضر حمد. (2023). موسوعة علوم اللغة العربية : علوم البلاغة علم العروض. essay, دار القلم للطباعة و النشر و التوزيع – بيروت / لبنان. Retrieved May 8, 2024

5- أحمد بن إبراهيم الهاشمي، السيد، ملا محمد النوغراني. (n.d.). المذهب الكلامي (2017).توضيح شواهد جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع .  Retrieved May 8, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.