ضرب الأطفال – الأسباب، آثاره النفسية وما البدائل الإيجابية؟
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
في عالمنا المعاصر أصبح الاهتمام بالصحة النفسية للأطفال أكثر إلحاحاً من أي وقتٍ مضى، فمع تزايد الضغوط الاجتماعية، والتحديات التكنولوجية، والتغيرات السريعة في نمط الحياة، يواجه الأطفال اليوم مجموعةً فريدةً من التحديات التي قد تؤثر على رفاهيتهم النفسية، ومن أبرز هذه التحديات ضرب الأطفال، وتعرضهم للعنف من قبل ذويهم أو محيطهم.
ما الأسباب التي تدفع الأهل لضرب أطفالهم؟
إن الدوافع وراء ضرب الأطفال من قبل الوالدين متعددة ومعقدة منها: [1]
1- الإحباط والغضب
قد يلجأ بعض الآباء للضرب عندما يشعرون بالعجز أو الإحباط من سلوك الطفل.
2- التقاليد والثقافة
في بعض المجتمعات يُنظر للضرب كوسيلةٍ تأديبيةٍ مقبولة.
3- قلة الخبرة والمعرفة
قد لا يعرف بعض الآباء طرقاً بديلةً للتأديب أو يجدونها صعبة التطبيق، فيلجؤون للضرب كوسيلةٍ أسهل وأسرع.
4- تجارب الآباء الطفولية
الآباء الذين تعرضوا للضرب في طفولتهم قد يكررون هذا السلوك مع أطفالهم.
5- الضغوط الحياتية
الإجهاد والمشاكل الشخصية قد تؤدي إلى سلوكٍ عدواني عند الأهل.
أما بالنسبة لمشروعية ضرب الأطفال، فمعظم الخبراء في مجال تربية الأطفال والصحة النفسية يعارضون ضرب الأطفال بشدة، كما أن العديد من الدول حظرت ضرب الأطفال قانونياً حتى كوسيلةٍ للتأديب، فالأبحاث تشير إلى أن الضرب يمكن أن يؤدي إلى آثار سلبية طويلة المدى على الصحة النفسية للطفل، وبالطبع توجد طرق تأديبٍ بديلة أكثر فعاليةً وأقل ضرراً، مثل: الحوار، وغيرها.
ما هي آثار ضرب الأطفال على حالتهم النفسية؟
إن ضرب الأطفال يمكن أن يترك آثاراً عميقةً وطويلة المدى على حالتهم النفسية من أبرزها: [1]
1- انخفاض تقدير الذات
حيث يشعر الأطفال بأنهم أقل قيمةً من غيرهم، وغير محبوبين، كما قد يطورون صورةً سلبيةً عن أنفسهم تستمر حتى مرحلة البلوغ.
2- زيادة العدوانية والسلوك العنيف
يمكن أن يتعلم الأطفال أن العنف هو وسيلة مقبولة لحل المشاكل، ويميلون إلى استخدام العنف في علاقاتهم المستقبلية.
3 مشاكل في العلاقات
أي مواجهة صعوبةٍ في بناء علاقاتٍ صحيةٍ وآمنة مع الآخرين، كما قد يواجهون مشاكل في الثقة والتواصل العاطفي.
4- الاكتئاب والقلق
يعني ذلك زيادة خطر الإصابة باضطرابات الكآبة والقلق بسبب معاناتهم من مشاعر الحزن والخوف المستمرة.
5- صعوبات في التعلم والتركيز
قد يؤثر الضرب سلباً على القدرات المعرفية والأداء الأكاديمي لدى الطفل، كما قد يسبّب صعوبةً في التركيز والانتباه في المدرسة.
6- اضطرابات ما بعد الصدمة
يمكن أن يؤدي الضرب المتكرر إلى أعراض مشابهة لاضطراب ما بعد الصدمة، كما يمكن أن يزيد من احتمالية تبني سلوكياتٍ خطرة، مثل: تعاطي المخدرات، أو الكحول.
7- مشاكل في التحكم بالغضب
ويعني ذلك صعوبة إدارة المشاعر، والتعبير عنها بشكلٍ صحي.
8- الشعور بالذنب والخجل
قد يشعر الأطفال بأنهم مسؤولون عن العقاب الذي يتلقونه، وبالتالي يواجهون مشاكل في فهم وإدارة عواطفهم بشكلٍ سليم.
9- مشاكل في النوم
قد يعاني الأطفال من اضطرابات النوم والكوابيس بسبب تعرضهم المستمر للضرب.
كيف يمكن للأهل التوقف عن ضرب أطفالهم؟
إن توقف عن ضرب الأطفال يمكن أن يشكل تحدياً عند بعض الأسر، خاصةً إذا كان هذا الأسلوب متجذراً في التربية التي تلقاها الأهل أنفسهم، وسنقدم بعض الخطوات التي يمكن للأهل اتباعها للتوقف عن ضرب أطفالهم: [2]
1- الاعتراف بالمشكلة والالتزام بالتغيير
يجب على الأهل الاعتراف بأن الضرب ليس أسلوباً فعالاً أو صحياً للتربية، واتخاذ قرارٍ واعٍ بالتوقف عن استخدام العنف الجسدي.
2- فهم الدوافع
يجب تحديد المواقف التي تدفعهم إلى الضرب، وفهم مشاعرهم الشخصية، مثل: الغضب أو الإحباط، التي تسبق الضرب ليتمكنوا من ضبط أنفسهم.
3- تعلم تقنيات إدارة الغضب
من المفيد ممارسة التنفس العميق أو العدّ حتى 10 عند الشعور بالغضب، والابتعاد بشكلٍ مؤقتٍ عن المكان الذي حصل فيه الموقف للتهدئة إذا لزم الأمر.
4- تثقيف النفس حول التربية الإيجابية
وذلك عن طريق قراءة كتب أو حضور دورات عن أساليب التربية الإيجابية، والتعرف على بدائل فعالة للضرب.
5- وضع خطة للتعامل مع السلوكيات الصعبة
وذلك بتحديد استراتيجياتٍ بديلة للتعامل مع سوء السلوك، والتفكير مسبقاً في كيفية الاستجابة للمواقف الصعبة.
6- طلب الدعم
سيكون من المفيد جداً التحدث مع شريك الحياة، أو أحد أفراد العائلة عن المشاعر الراهنة، ومدى جدية الالتزام بالتغيير، أو حتى الاستعانة بمستشارٍ أو أخصائي نفسي إذا لزم الأمر، وذلك من أجل الاهتمام بالصحة النفسية والجسدية، وإدارة الضغوط الشخصية بشكلٍ فعال.
7- الاعتذار والتعلم من الأخطاء
إذا حدث ومارس الأهل الضرب رداً على موقف ما يتوجب عليهم الاعتذار للطفل، وشرح أن هذا السلوك خاطئ، وأنهم يحاولون التخلص منه، واستخدام الموقف كفرصةٍ للتعلم، والإقلاع عن هذا السلوك.
8- وضع تذكيرات إيجابية
عن طريق وضع ملاحظاتٍ أو بطاقاتٍ توعوية في أنحاء المنزل عن أهمية التربية الإيجابية لتهذيب النفس والوعي بأهمية التربية الإيجابية البعيدة عن العنف.
ما هي الأساليب الإيجابية البديلة لتربية الأطفال؟
هناك العديد من الأساليب الإيجابية البديلة لتربية الأطفال التي تعزز نموهم العاطفي والاجتماعي بشكلٍ صحي، ومن بعض هذه الأساليب: [2]
1- التواصل الفعال
أي الاستماع بانتباه للطفل، والتحدث معه بهدوء واحترام حول المشكلة، وتشجيعه على التعبير عن مشاعره.
2- وضع قواعد وحدود واضحة
ويعني ذلك شرح أسباب وضع القواعد التي يفرضها الآباء للطفل كي يفهم سبب عدم تجاوزها، وشرح عواقب اختراق هذه القواعد، أي أن هناك عقوبة يجب أن يتحمل الطفل مسؤوليتها عند الغلط.
3- تجربة عواقب أفعال الطفل
أي السماح للأطفال بتجربة نتائج أفعالهم (ما لم تكن خطيرة) ليتمكنوا من فهم سبب رفض الوالدين لهذا الفعل من البداية.
4- التعزيز الإيجابي
ويعني تقديم الدعم للسلوك الجيد بالثناء والتشجيع أو استخدام نظام المكافآت.
5- مراقبة سلوك الأهل والانتباه له
حيث يجب على الأهل إظهار السلوك الذي يريدون رؤيته في أطفالهم، والتصرف بالطريقة التي يتوقعونها منهم.
6- إعطاء الطفل فاصل زمني بعد إثارة المتاعب
ويعني ذلك جعل الطفل يجلس بهدوء لمراجعة ما قام به، والتفكير بروية للتهدئة، وليس كعقاب، هذه التقنية تساعد الطفل على التعامل مع مشاعره، والسيطرة عليها.
7- حل المشكلات كعائلة
أي يجب إشراك الأطفال في إيجاد حلول للمشاكل، وتعليمهم مهارات التفكير النقدي.
8- تقنية (الوقت الخاص)
أي قضاء وقتٍ نوعي مع كل طفلٍ بشكلٍ فردي للتركيز على الاهتمامات والأنشطة التي يحبها الطفل، فهذا يقلل مشاعر العزلة والغضب عند الطفل، ويوطد علاقته بوالديه.
9- استخدام اللعب كأداةٍ تعليمية
وذلك بتعليم الطفل المهارات والقيم من خلال الأنشطة الممتعة، كاستخدام الدمى في عرض مسرحي لتمثيل مواقف معينة، وتعليم السلوكيات المناسبة.
10- تعزيز الاستقلالية عند الطفل وتعليمه المسؤولية
أي السماح للأطفال باتخاذ القرارات المناسبة لعمرهم، هذا يشجعهم على حل بعض مشكلاتهم بشكلٍ مستقل، ويعلمهم تحمل مسؤولية أفعالهم.
11- إظهار الطفل لمشاعره
يجب مساعدة الأطفال على تسمية وفهم مشاعرهم، وإظهار التعاطف معها حتى عند عدم الموافقة على سلوكهم، كما يجب على الآباء التعبير عن مشاعرهم وتوقعاتهم بدلاً من إلقاء اللوم على الطفل. مثلاً: يجب القول: “أشعر بالإحباط والحزن عندما تفعل هذا” بدلاً من “أنت دائماً تفعل هذا “.
في نهاية المطاف نودُّ التذكير بأن رحلة التربية هي رحلة حب وتعلم مستمر، وعندما نتخلى عن أساليب العنف والضرب، ونتبنى نهجاً إيجابياً في تربية أطفالنا، فإننا نزرع في قلوبهم بذور السلام والتفاهم، لذا دعونا نسعى جاهدين لخلق بيئةٍ منزليةٍ مليئةٍ بالحب والاحترام المتبادل، لينمو أطفالنا، ويصبحوا أفراداً سويين قادرين على التعامل مع تحديات الحياة بإيجابيةٍ وحكمة.
المراجع البحثية
1- Kohn, A. (2006). Unconditional parenting: Moving from Rewards and punishments to love and reason (1st ed.). Simon and Schuster. Retrieved August 18, 2024
2- Faber, A., & Mazlish, E. (2012). How to talk so kids will listen & listen so kids will talk (Updated edition). Simon and Schuster. Retrieved August 18, 2024