Skip links
خيوط من الأضواء الملونة داخل نفق للسير

سرعة الضوء – تجارب قياسه من الإغريق إلى مايكلسون

الرئيسية » المقالات » الفيزياء » سرعة الضوء – تجارب قياسه من الإغريق إلى مايكلسون

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

ما هي أول القياسات الجدية لسرعة الضوء؟

إن فكرة هل للضوء سرعة مُقاسة أم هي سرعة لا نهائية، فكرة قديمة جداً ناقشها العلماء الإغريق منذ قرونٍ عديدة، وأيضاً تحدثت دراسات ابن الهيثم بشكلٍ غير مباشر عن وجود آلية لانتقال الضوء، وكذلك دراسات بيكمان وغاليليو، وقد تناولنا هذه المرحلة في مقال سابق.

لكن الدراسات الحقيقية والفعلية لسرعة الضوء كانت على يد عالم الفلك الدنماركي أولي رومر (Ole Romer)، وذلك بعد نحو 50 عامًا من غاليليو. أثناء عمله في مرصده بباريس عام 1676م بدأ رومر بإجراء دراسة منهجية لأحد أقمار المشتري، واسمه القمر آيو (Io)، حيث يخسُف كوكب المشتري هذا القمر بشكلٍ منتظمٍ جدًا أثناء دورانه حول المشتري.

هذه الحركة يمكن التنبُّؤ بها بشكلٍ شبه دقيق، وهي مفيدة لهذا النوع من التجارب، حيث تعمّق رومر في دراسة هذه الظاهرة، فوجد أنه على مدار عدة أشهر بدأ الخسوف يتأخر أكثر فأكثر عما كان يمكن توقعه، فكانت ظاهرة التأخر هذه هي مقدمة عمل رومر على قياس سرعة الضوء، ففي نفس العام توقع رومر بشكلٍ دقيق أن الكسوف القادم سيكون بتاريخٍ محدد، لكن متأخرًا بحوالي عشر دقائق عن المعتاد، فكان كما تحدث رومر وبشكلٍ دقيق.

أوضح رومر أن هذا التأخر ربما يكون بسبب تحرك الأرض والمشتري في مداراتٍ مختلفة، وبينما كانا يتحركان، كانت المسافة بينهما تتغير، وبالتالي فإن الضوء المنعكس من آيو نحو الأرض سيحتاج وقتاً أكبر من الحالة التي تكون فيها المسافة أقرب، بالتالي مع حدوث أكبر “تأخير” ستكون الأرض والمشتري في أقصى مسافةٍ بينهما.

ومن خلال هذه الدراسة تمكن رومر من استنتاج أن ضوء القمر آيو يستغرق حوالي 22 دقيقة للوصول إلى الأرض بأقصى حالات التأخير. كان تقدير رومر الشجاع بدايةً جيدة، لكنه كان مبالغًا فيه بعض الشيء إذا ما قورن بالمعلومات الدقيقة التي نملكها اليوم.

لاحقًا، كتب السير إسحاق نيوتن في كتابه المبادئ: “لأنه من المؤكد الآن من خلال ظواهر أقمار المشتري، والتي تؤكدها ملاحظات مختلف علماء الفلك، أن الضوء ينتشر على التوالي، ويستغرق حوالي سبع أو ثماني دقائق للسفر من الشمس إلى الأرض.”

قام نيوتن بتعديل المسافة بين الأرض والشمس ليحسب أن السفر بينهما سيستغرق حوالي سبع أو ثماني دقائق، وفي تقديرات كل من رومر ونيوتن اقتربت البشرية خطواتٍ كبيرة نحو الحصول على قيمةٍ دقيقةٍ لسرعة الضوء.

ما هي تجربة هويجنز لقياس سرعة الضوء؟

استخدم كريستيان هويجنز (Huygens) تقدير رومر ودمجه مع تقدير قطر الأرض لاشتقاق سرعة جديدة للضوء. أدى عمل هويجنز إلى وصول سرعة الضوء (Speed of light) إلى حوالي 201,168 كيلومترًا في الثانية (إلى أقرب عدد صحيح)، وهذا يمثل حوالي ثلاثة أرباع القيمة الحقيقية البالغة 299.793 كيلومترًا في الثانية. لماذا الخطأ؟ يمكننا تفسير ذلك من خلال الأخذ في الاعتبار أن الوقت الذي يستغرقه ضوء القمر آيو هو حوالي اثنين وعشرين دقيقة بدلاً من القيمة الصحيحة البالغة ستة عشر دقيقة.

ما هي تجربة جيمس برادلي لقياس سرعة الضوء؟

تمّ إجراء المزيد من التحسينات على تقدير سرعة الضوء في عام 1728 ميلادي من قبل عالم الفلك الإنجليزي جيمس برادلي (Bradley)، وأشار أثناء رحلة إبحار في نهر التايمز إلى أن الراية الصغيرة الموجودة على سارية السفينة تغير مواقعها في كل مرة يتحرك فيها القارب، وشبّه هذا الحدث بالأرض التي تدور في مدارها مع ضوء النجوم الشبيه بالرياح التي تلعب بأشرعة القارب ورايته.

ورأى برادلي أيضًا أن “رياح” ضوء النجوم يمكن اعتبارها إما تهب خلف “قارب الأرض” القادم أو نحوه. كما شبه بشكل آخر ضوء النجوم بهطول أمطار غزيرة في يوم خالٍ من الرياح مع كون الأرض إنساناً يسير في دائرة بخطى فضائية ثابتة، فلن يكون الاتجاه الوارد للمطر عموديًا، بل بزاوية، حيث سيكون لضوء النجوم سرعة رأسية وأفقية.

لقد استنتج برادلي بدراساته أنه نظرًا لسرعة الأرض التي تبلغ حوالي 29 كيلومتر في الثانية، فإنه كان يعلم أن عمل رومر قدّر سرعة الضوء بحوالي 10000 مرة أكثر، ومن هذا المنطلق، استنتج برادلي أن التباين الزاوي في الضوء الوارد كان بحجم الزاوية الصغيرة لمثلث قائم الزاوية.

سيكون للمثلث جانب واحد أطول بـ 10000 مرة من الجانب الآخر. إن ظهور التلسكوب، وتحسين الهندسة في ذلك الوقت يسمح بقياس هذه الزاوية الصغيرة بدقة، ومن تجربته الفكرية وملاحظاته، استنتج برادلي أن سرعة الضوء تبلغ حوالي 297.729 كيلومترًا في الثانية، وهذه قيمة قريبة جداً من القيمة الحقيقية. [1]

ما هي تجربة فيزو في قياس سرعة الضوء؟

تمَّ تسجيل أول قياسٍ أرضي دقيق لسرعة الضوء على يد العالم الفرنسي أرماند فيزو (Fizeau) في عام 1849ميلادي، حيث قام يزو بتركيز مصدر الضوء من خلال مُقسّم الأشعة على شكل عجلةٍ مسنّنة دوارة، ثم تمّ تسليط الضوء المار بين أسنان تلك العجلة على مرآة تبعد مسافة حوالي 8 كيلومترات.

حيث يتمُّ تجميع الضوء ثم عكسه مرةً أخرى إلى نقطة الأصل، ثم تمَّت زيادة سرعة دوران العجلة حتى يتمَّ حجب الضوء العائد بواسطة السن الموجود على العجلة المجاورة للمساحة التي مر من خلالها، وباستخدام هذه البيانات، أصبح فيزو قادرًا على حساب سرعة الضوء مقيدًا بدقة قياساته، وهي حسب فيزو 315000 كيلومتر في الثانية.

ما هي تجربة فوكو ومايكلسون في قياس سرعة الضوء؟

تمَّ تعديل تجربة فيزو لاحقًا على يد الفيزيائي الفرنسي جان ليون فوكو (Foucault)، والذي استبدل العجلة المسنّنة بمرآةٍ دوارة، وبهذا الترتيب الجديد، حدد فوكو سرعة الضوء لتكون 298000 كيلومتر في الثانية، وهي أقرب بكثير إلى القيمة المقبولة اليوم.

كما تمكن فوكو أيضًا من إدخال أنبوبٍ مملوء بالماء بين المرآة الدوارة والمرآة البعيدة، والتحديد بشكلٍ قاطعٍ أن سرعة الضوء تنخفض عندما يتحرك عبر الماء بدلاً من الهواء، وقد قطع هذا الاستنتاج شوطاً طويلاً نحو دحض النظرية الجسيمية، التي تنص على أن سرعة الضوء في الماء ستكون أكبر منها في الهواء.

كما تمّ تحسين طريقة فوكو من قبل الكثيرين، حيث تمّ إجراء القياس الأكثر دقةً بواسطة ألبرت أ. مايكلسون (Michelson)، وكان متوسط ​​نتيجة عددٍ كبيرٍ من القياسات التي أجراها مايكلسون هو 299,774 كيلومتر في الثانية، وهي أقرب وأدق نتيجةً للقيمة المقاسة اليوم، والتي تبلغ 299,793 كم/ثانية.

أخيرًا، من المثير للاهتمام ملاحظة أن النظرية الكهرومغناطيسية تسمح بالتنبُّؤ بسرعة الموجات الكهرومغناطيسية في الفضاء الحر، بقيمة ناتجة تبلغ 299,979 كيلو متر/ثانية، وهي ضمن 0.1 بالمئة من القيم المقاسة الأكثر دقة. [2]

المراجع البحثية

1- McFadden, C. (2017, April 25). Physics in a nutshell: a brief history of the speed of light. Interesting Engineering. Retrieved June 19, 2024

 2-Speed of light. (n.d.). Spie.org. Retrieved June 19, 2024

Comments are closed.

This website uses cookies to improve your web experience.