داء السل ما هي جرثومة السل؟ الأعراض والعلاج
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
يُصنّف داء السل من أكثر الأمراض الإنتانية شيوعاً على مستوى العالم، ويبلغ عدد المصابين سنوياً حوالي عشرة ملايين مصاب، أما نسبة الوفاة تقدر بواحد ونصف مليون إنسان سنوياً، ويحتلُّ المرتبة الثانية من حيث عدد الوفيات بعد فيروس الكورونا Covid-19 حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية WHO في عام 2020. [1]
جرثومة السل
اكتشفت جرثومة السل (Mycobacterium Tuberculosis) عام ألف وثمانمئة واثنين وثمانين 1882 على يد الطبيب روبرت كوخ (Robert Koch)، وهي تنتمي لعائلة جراثيم (Mycobacterium)، فهي عصياتٌ إيجابية الغرام وإيجابية الكاتالاز (Catalase positive)، والكاتالاز هو الإنزيم الذي يحفّز تحويل بيروكسيد الهدروجين إلى الماء.
بالإضافة إلى أنها عصياتٌ غير قادرةٍ على الحركة (Non Motile) وغير متبوغة (أي لا تشكل أبواغاً في ظروف التكاثر غير المناسبة)، وهي جراثيم ضعيفةٌ ومحبةٌ للنمو في وسطٍ غني بالأوكسجين، ويتمُّ زرع هذه البكتيريا على وسطٍ خاص يدعى لوفشتاين جونسن، وتتصف هذه الجراثيم ببطء النمو إذ تنقسم في وسط الزرع كل 24 ساعة، ويتألف جدار جرثومة السل من أربع طبقات تكون من الداخل إلى الخارج:
1- الطبقة الداخلية (The Iinnermost layer): وهي طبقة مكونة من الببتيدات السكرية (Peptidoglycans).
2- الطبقات المتوسطة والخارجية: مكونة من الليبيدات الحموض الدسمة بشكلٍ أساسي. [2]
عدوى السل
تصيب جرثومة السل عدة أعضاء من جسم الإنسان، ولا سيما الرئتين كونها محبةٌ للوسط الغني بالأوكسجين، وتنتقل العدوى عبر مخالطة الأشخاص المصابين بالسل، والانتقال يكون عن طريق الهواء في حالات العطاس، والسعال، والاقتراب من المرضى في الأماكن المزدحمة، ويُعتبر الأشخاص المسنين والأطفال الذين تبلغ أعمارهم أقل من خمسة سنوات، وناقصو المناعة.
مثل: مرضى الإيدز، أو المصابين بالسل سابقاً، أو المتعاطين للأدوية المثبطة للمناعة أكثر عرضةً للإصابة بعدوى السل، ويجب التنويه على أن جرثومة السل لا تنتقل عن طريق لمس الجلد، أو التقبيل، أو مشاركة الطعام، والشراب مع المصاب، وينقسم الأشخاص المخالطين للمصابين بالسل إلى مرضى عرضيين أو غير عرضيين. [1]
ما هي أعراض الإصابة بالسل؟
عند دخول جراثيم السل إلى جسم الإنسان يبدأ جهاز المناعة بمهاجمته، وعند التغلب عليها يكون المصاب لا عرضياً، أما عند فشل جهاز المناعة بالقضاء عليها تظهر الأعراض على الشخص حسب مكان الإصابة، فعند دخول الجراثيم للرئتين تتظاهر على المريض أعراض تنفسية صدرية.
مثل: السعال المستمر لأكثر من أسبوعين المصاحب للقشع الذي يحوي على بقع من الدم، وألم صدري مع حرارة وعروءات (تناوب حرارة وبرودة)، وتعرق مع تعب، وضعف عضلات، وألم عظمي، أما عند إصابة الكلية تظهر على المريض أعراض بولية سفلية، مثل: البيلة الدموية العيانية أو المجهرية، وهي تعني خروج دمٍ مع البول، وإلحاح بولي وتعدد مرات التبول، بالإضافة إلى ألمٍ أثناء التبول، وألمٍ في الخاصرة. [3]
تشخيص داء السل
يوجد نوعان للاختبارات التي يمكن إجراؤها للمريض في حال الشك بوجود السل، وهي الاختبارات الموجهة، والاختبارات المؤكدة للإصابة بالمتفطرة السلّية، وبالنسبة للاختبارات الموجهة هي:
اختبار السلين الجلدي: وفيه يتمُّ استخلاص بروتين من جدار العصية السلية، وحقنه في أدمة الجلد في منطقةٍ يحددها الطبيب أو الممرض على ساعد المريض من الوجه الأنسي غالباً كونه خالٍ من الأشعار، وتظهر التغييرات عليه بوضوح، ويكون الاختبار إيجابياً في حالات السل الفعال، أو الكامن، أو إصابة سابقة بعصية السل، أو عند شخص متلقي للقاح السل، ولذا لا يفيد في التفريق بين الإصابة القديمة أو الجديدة لداء السل، ويعطي الاختبار سلبيةً كاذبة (أي يظهر الاختبار سلبياً على الرغم من الإصابة بالسل)، وغالباً يكون ذلك في الحالات التي تؤثر على المناعة.
مثل: الإصابة بعوز المناعة المكتسب والخباثات أو حالات السل الخطيرة، مثل: السل الدخني (Miliary Tuberculosis) أو السحائي، ويمكن تجنُّب الحالات السلبية الكاذبة في اختبارات السل بالقيام باختباراتٍ نوعية للسل مطلقةً للإنترفيرون غاما، والذي يعمل على قياس بروتينٍ خاصٍّ يدعى IGRAS المفرز من قبل الخلايا التائية اللمفاوية المحسسة التي تستجيب للإصابة بالعصية السلية، وهو يجرى بتحليل دم المريض، وتعريضه للمستضدات النوعية الخاصة بالجرثوم، وتظهر نتيجته بعد أربع وعشرين ساعة، وهو أقل حساسيةً، وأكثر نوعيةً من اختبار السلين الجلدي السابق، حيث إنه لا يبدي إيجابيةً في حالات اللقاح على عكس اختبار السلين، ولكنه لا يميز بين السل الكامن والفعال أيضاً.
وتقيم النتائج في اختبار السلين الجلدي بناءً على قياس قطر الصلابة الظاهرة على المنطقة المحقونة، وليس الاحمرار الظاهر لما يعطيه من نتائج غير دقيقة، وتعتبر النتيجة إيجابيةً في حال كان قطر الصلابة أكبر من خمس ميلي مترات للشخص ناقص المناعة، كمرضى الإيدز، والمثبطين مناعياً، والأشخاص المخالطين والملامسين لمرضى داء السل المشخصين فعلياً.
أما عند وجود صلابةٍ بقطرٍ أكبر من عشرة ميلي مترات لدى أشخاص متوسطي الخطورة، مثل: متعاطي المخدرات أو المرضى المعالجين بالكورتيزون، فتعتبر نتيجة اختبارهم إيجابية، أما المرضى الذين لا يشكون من أمراضٍ أخرى أو عاداتٍ سيئة مؤثرة على مناعتهم، فيعتبر اختبارهم إيجابياً عندما يتجاوز قطر الصلاب خمسة عشر ميلي متراً.
يتمُّ تشخيص داء السل بعد ظهور الأعراض على المريض من خلال طلب صورةٍ بسيطةٍ للرئتين بتقنية الأشعة السينية X-ray ، حيث تظهر في المراحل المبكرة ارتشاحات (Infiltration) الرئتين، وتعني الارتشاحات بأنها أماكن مختلفة في لونها عن لون النسيج الطبيعي للرئة، وتكون معممةً في كلا الرئتين، وتكثر في الفص العلوي، لأنها تحوي نسبةً أعلى من غاز الأوكسجين، أما في المراحل المتقدمة، فتتكهّف الرئة أي يتخرّب نسيج الرئة في أماكن معينة، وتصبح على شكل كهوف (Cavities) أو تجبُّنات.
وقد تسبّب عدوى السل انصباباً في الجنب (Effusion)، وبعض الحالات النادرة تسبّب نمط السل الدخني (Miliary Pattern)، وهي ظهور صورة الرئتين البسيطة على شكل دخان، ويمكن أن تتأثر العقد اللمفاوية الموجودة في سرة الرئة، وتتضخم نتيجة الإصابة بهذه الجراثيم.
هذا بما يخص الاختبارات الموجهة، أما الاختبارات المؤكدة للتشخيص، فهي فحص القشع المباشر بالفحص المجهري بوضع أصبغةٍ خاصة، مثل: صبغة زيل نيلسون (Ziehl Neelsen)، أو الأورامين (Auramine)، والزرع في وسطٍ خاص بالمتفطرة السلية يدعى لوفشتاين جونسن (luveshtine Jonson).
ولكنها تحتاج مدةً طويلةً لظهور نتائجها تقدر بستة إلى ثمانية أسابيع، ولكنه يمتاز بالحساسية العالية، حيث تكفي الإصابة بعشرة إلى مئة متفطرة سلبية لظهور نتيجةٍ إيجابية، ويوجد نمطٌ خاصٌّ بالاختبارات يدرس المادة الوراثية للجرثوم المُسبّب، ويدعى اختبار NAT، وهو مكلفٌ جداً وغير شائع في الممارسة الطبية. [4] [5] [8]
علاج داء السل
يستغرق علاج داء السل من ستة إلى اثني عشر شهراً، وتتمُّ المعالجة غالباً بالمشاركة الدوائية بين عدة صاداتٍ حيوية، وهي حسب البروتوكول إيزونيازيد (Isoniazid)، وريفامبيسين (Rifampicin)، بالإضافة إلى إيتامبيتول (Ethambutol)، وبيرازيناميد (Pyrazinamide) خلال الشهرين الأوليين، وأحياناً ستربتومايسين (Streptomycin) كدواءٍ بديلٍ للإيتامبيتول.
وتوجد هذه الأدوية في الصيدليات على شكل أقراصٍ مدروسة الجرعة، ويتمُّ أخذ الأدوية الموصوفة عند الأشخاص الإيجابيين في الاختبارات السابقة، والذين أظهرت صورة الصدر البسيطة لديهم تغييرات مرضية موجهة لداء السل، ويستفيد المرضى على المشاركة الدوائية السابقة، ويصبحون غير معدين للأشخاص المحيطين بهم بعد مرور أسبوعين من تناول الأدوية المنتظم.
يجب الانتباه للتأثيرات الجانبية للأدوية السابقة، ومراقبة وظائف الكبد والكلية لدى المريض، حيث يسبّب الإيزونيازيد، والبيرازيناميد، وريفامبيسين سُمّيةً كبدية، ويؤثر الايتامبيتول والستربتومايسين على الوظيفة الكلوية، كما لا ينصح بإعطاء الدواءين الأخيرين للأطفال والحوامل، وخاصةً الستربتومايسين لما له من تأثيراتٍ مشوّهةٍ للجنين مع الحرص على وصف فيتامين B6 المعروف بالبيريدوكسين لتقليل الإصابة باعتلال الأعصاب المحيطية الناتجة عن الأدوية.
يجب تناول الأدوية الموصوفة لعلاج داء السل حتى بعد اختفاء الأعراض، وتحسن الحالة حسب المدة المحددة من قبل الطبيب مع إجراء المراقبة الدورية لصورة الصدر البسيطة، ويفضل الأطباء أن يتمّ تناول هذه الأدوية في أوقاتٍ محددةٍ من اليوم، وفي حال عدم التحسُّن يدعى بداء السل المقاوم للأدوية.
وفي هذه الحالة يجب تبديل الأصناف الدوائية، أو إطالة مدة العلاج حتى عشرين أو ثلاثين شهراً، أو يختار بعض الأطباء إضافة الستيروئيدات القشرية للعلاج، لأنها تحدُّ من أذية الأنسجة، وتُستطبّ في حالات التهاب السحايا السلي والسل الدخني المنتشر، والأطفال المصابين بالتهاب قصباتٍ سلّي، أي في كل حالات السل الشديد، والمنتشر للأعضاء الأخرى. [6] [7]
المراجع البحثية
1- Tuberculosis. (n.d.). Who.int. Retrieved January 27, 2024
2- Mycobacterium tuberculosis, the causative agent of tuberculosis (TB), colony morphology and microscopic appearance. Images of Mycobacterium tuberculosis. Basic tests for the laboratory identification. (n.d.). Retrieved January 27, 2024
3- McIntosh, J. (2020, January 23). Tuberculosis (TB): Symptoms, treatment, diagnosis, and more. Medicalnewstoday.com. Retrieved January 27, 2024
4- Zia Sherrell, M. P. H. (2023, December 20). Chest X-ray for tuberculosis (TB): What to expect, results, and more. Medicalnewstoday.com. Retrieved January 27, 2024
5- Tuberculosis (TB) treatment & management. (2023, July 5). Medscape.com. Retrieved January 27, 2024
6- American Lung Association. (n.d.). Treating and managing tuberculosis. Lung.org. Retrieved January 27, 2024
7- CDCTB. (2022, July 26). Vaccines. Centers for Disease Control and Prevention. Retrieved January 27, 2024
8- Dunn, J. J., Starke, J. R., & Revell, P. A. (2016). Laboratory Diagnosis of Mycobacterium tuberculosis Infection and Disease in Children. Journal of Clinical Microbiology, 54(6), 1434–1441. Retrieved January 27, 2024
Comments are closed.