Skip links
تلسكوب جيمس ويب يظهر وسط الفضاء أمام مجرة كبيرة ويقوم بتوجيه عدسته السداسية الذهبية اللون نحو هذه المجرة

تلسكوب جيمس ويب، تحفة علمية لمراقبة الفضاء

الرئيسية » المقالات » الفضاء » تلسكوب جيمس ويب، تحفة علمية لمراقبة الفضاء

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

استطاع تلسكوب هابل بأن يحقق نجاحاً باهراً في استكشاف الفضاء وتغيير نظرتنا إلى الكون، وبقي محدوداً بما توصلت إليه التقنية عند إطلاقه، إلا أنه وبعد ما يقارب الثلاثة قرون تمَّ الإعلان عما قد يشكل قفزةً هائلةً في مجال الاستكشاف الفضائي ألا وهو جيمس ويب تلسكوب.

إعلان مبكر عن تصميم تلسكوب جيمس ويب وإطلاق متأخر له

فكرة التوجه نحو تطوير تلسكوب فضائيّ ثانٍ تعود إلى عام 1996، أي أنها لم تكن حديثة العصر، في عام 2002 تمَّ الإعلان عن بدء العمل على الجيل الثاني من التلسكوب الفضائي، والذي أطلق عليه اسم James webb telescope، مع تحديد عام 2009 كسنة إطلاقٍ لهذا الجيل، إلا أن هذا الموعد تأجل لأكثر من مرة ليتمَّ إطلاق تلسكوب جيمس ويب بشكلٍ رسمي وناجحٍ من منصة الإطلاق الفضائية الأوروبية في فرنسا في رأس السنة عام 2021، أي بعد 20 سنة تقريباً من موعد الإعلان عن المشروع.

ساهمت العديد من العوامل في هذا التأخير، ومن أهمها كانت التجربة السابقة لتلسكوب هابل، الذي احتاج إلى عملية تبديل وإصلاح لإحدى عدساته في الفضاء ليتبع ذلك بعد عدة إصلاحات أخرى للتلسكوب هابل أثناء عمله في الفضاء، إلا أنه لا يمكن إجراء إصلاحات مماثلة في حال حدوثها لتلسكوب جيمس ويب بسبب ابتعاد مدار حركته عن كوكب الأرض أي أن فكرة إرسال رواد فضاء لإجراء إصلاحات غير ممكنة.

مما رفع معايير الجودة والتصنيع لأجزاء تلسكوب جيمس ويب، وأدى إلى إجراء العديد من اختبارات الجودة في عام 2013 إلى 2016 عندما أعلنت ناسا اكتمال بناء التلسكوب ليتمَّ تأخير إطلاقه في عام 2018 من أجل إجراء عدة تجارب تحمل وسلامة على أجزاء التلسكوب مع تحديد منتصف عام 2021 كموعدٍ نهائي لإطلاق تلسكوب جيمس ويب. [1] 

ومع نجاح عملية شحن التلسكوب لمنصة إطلاقه في غويانا الفرنسية، وبعد إجراء عدة أعمال صيانةٍ نهائية، تمَّ إطلاق تلسكوب جيمس ويب أخيراً وبنجاح في 25 ديسمبر عام 2021. والجدير بالذكر أن الميزانية الأولية للتلسكوب كانت حوالي 1 مليار دولار، إلا أنه وإلى لحظة إعلان إطلاق التلسكوب بنجاح كانت العملية قد كلفت أكثر من 10 مليار دولار.

ما هي ميزات تلسكوب جيمس ويب؟

يُعتبر تلسكوب جيمس ويب الأول من نوعه على كافة الأصعدة، فقد استطاع أن يجذب الانتباه قبل إطلاقه بسنين، من خلال التغلب على أحد أهم المعوقات التي قد تحدُّ من قدرة أي تلسكوب فضائي، ألا وهي قطر العدسة الأساسية. لمراقبة النجوم، نحتاج لالتقاط الإصدارات الإشعاعية الصادرة عنها، ومنه فإننا نحتاج إلى عدساتٍ ذات قطرٍ أكبر لالتقاط أكبر كميةٍ ممكنةٍ من الأشعة، ولكن المكوك الذي ينقل التلسكوب لا يسمح سوى بحدٍّ معينٍ لهذا القطر، وهذا ما جعل تلسكوب هابل محدود القدرة في مراقبة المجرات البعيدة بسبب صغر عدسته نسبياً (يُقدر قطر عدسته ب 2.4 متر ).

أما بالنسبة لتلسكوب جيمس ويب فعدسته كانت من نوعٍ خاص حيث يمكن أن تُطوى لتتسع ضمن المكوك الفضائي، وعندما يصل التلسكوب لمداره تستطيع أجزاء العدسة أن تتراكب لتشكل عدسةً ذات قطرٍ يصل إلى 6.5 متر، مما جعل عدسته الأولى من نوعها التي تصل لقطرها الكامل في الفضاء، وبسبب هذه العدسة اكتسب تلسكوب جيمس ويب شكله الفريد الذي يشبه خلية النحل. إلا أن هذه العدسة لم تكن ميزة التلسكوب الوحيدة، فقد استطاع التلسكوب التقاط الأشعة تحت الحمراء مما جعله آلةً تصويريةً فائقة الدقة للمجرات البعيدة. [2]

تتنوع الأشعة الصادرة من النجوم والمجرات، والتي يمكن التقاطها بأجهزة الرصد المختلفة، فهي تتراوح بين الأشعة تحت البنفسجية، والأشعة المرئية (ذات الأطوال الموجية القصيرة)، والأشعة تحت الحمراء (ذات الأطوال الموجية الطويلة)، ومعظم الأمواج المرئية وتحت البنفسجية أثناء عبورها لمسافات شاسعة في الفضاء خاصةً عندما تصدر من المجرات والنجوم البعيدة تتعرض لما يُسمى الانزياح الأحمر ( Red shift) أي تتطاول هذه الأمواج لتصبح أمواجاً قرب تحت حمراء أو تحت حمراء مما يجعلها غير قابلة للالتقاط بشكل جيد من المراصد الأرضية أو حتى من تلسكوب هابل، وذلك بسبب تأثر هذه الأمواج بحرارة الأرض والشمس. [3]

إلا أن تلسكوب جيمس ويب استطاع تغيير هذه القاعدة عبر قدرته على العمل في درجات حرارةٍ شديدة البرودة (حوالي 268C-) الأمر الذي أدى بالمحصلة لجعل هذا التلسكوب أداة رصدٍ مذهلة حتى للمجرات البعيدة جداً.

ما المدار الذي تمَّ وضع تلسكوب جيمس ويب فيه؟

يحتاج تلسكوب جيمس ويب العمل بشكل مستمر لفترة طويلة للتحرك بمدار ثابت حول الأرض بحيث يبقى متأثراً بالجاذبية الأرضية دون أن يتأثر بالحرارة الصادرة عنها أو عن الشمس، وعليه تمَّ اختيار المدار (L2) بالقرب مما يُسمى Lagrange point 2، ففي هذا المدار يتساوى تأثير الجاذبية الأرضية وجاذبية الشمس مع بقاء التلسكوب متأثراً بالجاذبية الأرضية، وبعيداً بما فيه الكفاية لكي يتوجه بعدسته نحو الفضاء معاكساً كلاً من الشمس والأرض.[4]

بسبب بعد هذا المدار عن الأرض بمسافة تُقدر بأكثر من 1.6 مليون كيلومتر، فإن فكرة إجراء عمليات صيانة للتلسكوب في حال حدوث أعطال (كما في تلسكوب هابل) مستبعدةٌ تماماً، وأيضاً بسبب تأثير الجاذبية الضعيف في هذا المدار، فإن السرعة التي يصل فيها التلسكوب لمداره يجب أن تكون مناسبةً، مما جعل مهمة الوصول للمدار صعبةً، فيجب على التلسكوب الانفصال عن الصاروخ الناقل، وإكمال رحلته عبر عدة أجهزة دفع داخلية، وعند وصوله للمدار المطلوب عليه القيام بعملية فتحٍ وتراكبٍ لعدسته، وتركيب أنظمة التبريد بشكل أتوماتيكي في عملية لا تحتمل الفشل أو الخطأ.

ما هي أهمُّ الاكتشافات العلمية للتلسكوب جيمس ويب؟

على الرغم من وجود توقعاتٍ عالية لما يمكن لتلسكوب جيمس ويب تقديمه، وعلى الرغم من قصر المدة التي عمل فيها التلسكوب، استطاع تلسكوب جيمس ويب تحطيم الكثير من التوقعات عبر صوره، فاستطاع التقاط أوضح صور ممكنة لحلقات نبتون، وكما استطاع التقاط صوراً فائقة الدقة للعديد من المجرات القريبة منها والبعيدة، لكن اكتشافاً واحداً فقط استطاع تغيير مفهوم الكون عما كنا نعرفه.

حيث كانت القناعة في السابق أنه عند بدء الكون قبل 13.8 مليار سنة ضوئية لم تتشكل المجرات والنجوم مباشرةً بعد حدوث الانفجار الكبير، إنما بدأ تشكل الكواكب والنجوم بعد حوالي 400 سنة ضوئية (الزمن اللازم للمادة كي تتجمع، وتكون نجوماً وكواكباً)، وذلك بناءً على المعطيات التي حصلنا عليها من تلسكوب هابل من اكتشاف أقدم مجرةٍ ممكنة بعد 500 سنة ضوئية من الانفجار الكبير مع عدم التقاط أي أثر لبقايا نجوم أو مجرات قبل ذلك التاريخ.

إلا أن تلسكوب جيمس ويب استطاع اكتشاف وجود 6 مجرات يعود عمرها إلى أقل من 400 سنة ضوئية من الانفجار الكبير، وذلك بفضل قدرته التصويرية على التقاط الأمواج تحت الحمراء الصادرة عن هذه المجرات، مما جعل الفرضية السابقة فرضيةً غير صحيحة ووضع استفساراتٍ حول التاريخ الحقيقي لنشأة الكون، وحتى معنى بدء الكون كما نعرفه، لذلك أطلق على هذه المجرات اسم “Universe breakers ” أي “قواطع الكون”. [5]

مازال المستقبل مفتوحاً على ما قد يقدمه جيمس ويب للبشرية من اكتشافاتٍ في السنين القادمة وعلى كافة الأصعدة، وقد استطاع بالفعل أحداث اكتشافات مذهلة وفي فترة قصيرة جداً، مما يجعل المرء مُتحمساً إلى ما قد تحمله السنين القليلة القادمة من اكتشافات بفضل تلسكوب جيمس ويب.

المراجع البحثية

1- Nasa. (n.d.). Mission timeline – webbtelescope.org. webbtelescope. Retrieved April 4, 2023

2- NASA. (n.d.). Mirrors Webb/NASA . NASA. Retrieved April 4, 2023

3- Howell, E., & Dobrijevic, D. (2022, January 14). Redshift and blueshift: What do they mean? . Space.com. Retrieved April 4, 2023

4- Nasa. (2019). Webb’s orbit at Sun-Earth Lagrange Point 2 (L2) – webbtelescope.org . Nasa. Retrieved April 4, 2023

5- Feldman, A. (2023, February 27). Explaining the “universe breaker” galaxies discovered by the James Webb Telescope. Advanced Science News. Retrieved April 4, 2023

This website uses cookies to improve your web experience.