تطور الإدراك لدى الطفل – أهميته وما هي مراحله؟
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
الإدراك وأهميته في حياة الطفل
الإدراك هو العملية التي يتمُّ من خلالها تحليل وتنظيم وتفسير المعلومات والأفكار الحسية التي يستقبلها الفرد من البيئة المحيطة به، ويستخدمها بشكلٍ مباشرٍ لفهم ما يجري من حوله، وتتضمن عملية الإدراك عدة محاور، كالتفكير، والانتباه، والتركيز، والتذكر، والتعلم.
وجميع ما ذكر من عمليات تعدُّ أساسيةً وضروريةً لتطوير المهارات الشخصية، وتنمية القدرة على حلّ المشكلات، واتخاذ القرارات المناسبة، إضافةً لفهم العلاقات الاجتماعية، وعندما نتناول الجوانب الإدراكية عند الطفل نجد أنه يمرُّ بعدة مراحل تؤدي للتطور والتغير.
فمنذ لحظات الولادة تبدأ الأجهزة الحسّية لديه باستقبال كافة التأثيرات من حوله، كالسمع، أو الرؤية، أو اللمس، ومن ثم يتعلم، وبشكلٍ تدريجي كيف يفسر هذه المعلومات، ويستخدمها بعد ذلك لفهم الآخرين من حوله، والتفاعل معهم بشكلٍ إيجابي. [1]
ما هي أهمية تطور الإدراك عند الطفل؟
1- تطور الإدراك نقطة أساسية ومهمة جداً لاكتشاف البيئة المحيطة، حيث إنه يشكل الوسيلة التي يتعرف بها الطفل على نموذج حياته وبيئته وأصدقائه، ومن خلاله أيضاً يتعلم التمييز بين الأشياء والأفراد، وفهم واقع العلاقات، وأسبابها، ونتائجها الأمر الذي يساعد على التفاعل مع الآخرين.
2- التفاعل والتواصل الاجتماعي: لأن الإدراك مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور اللغة والأفكار والمعتقدات، إضافةً لمهارات التواصل، ومع التطور يصبح الطفل قادراً على فهم كلام الآخرين وما يقومون به، مما يخلق تواصلاً أفضل، ويعزّز من قدراته على تكوين علاقاتٍ شخصيةٍ واجتماعية، وتطوير مهاراتٍ مختلفةٍ لديه.
3- التعليم والتطوير الثقافي والأكاديمي، فالإدراك يشكل جانباً رئيسياً لتطوير أفكار ومعتقدات ومهارات التفكير الناقد، كالوعي، والاستنتاج، والذاكرة، وهذه مهارات ضرورية جداً لضمان النجاح الدراسي، فالطفل عندما يتقن إدراك جديد يصبح قادراً على استيعاب المعلومات، وإسقاطها على مواقف مختلفة، على سبيل المثال: عندما يتعلم الطفل مهارة الكتابة ستُسهّل لديه حفظ المعلومات، فعندما يدرك ويتعلم كيف يكتب ويمسك القلم سيستخدم ذلك ليفيده بتذكر المعلومات وحفظها بشكلٍ أسرع وأدق.
4- الإدراك طريقة فعّالة لحل المشكلات، وإيجاد أساليب وبدائل أخرى لحلها، ومع نموّ دماغ الطفل سيتطور بالتأكيد استيعابه، وسيصبح أكثر قدرةً على التفكير بعمق، وتحليل الأمور المعقدة، وحل المشكلات التي يتعرض لها، ولا شك بأن هذا التطور يساعد على التأقلم مع التغيرات اليومية، ويفيد في التعامل مع مواقف جديدة، وبشكلٍ فردي مستقل. [2]
ما هي نظريات تطور الإدراك لدى الطفل وما هي مراحلها؟
لفهم كيف يتمّ تطور المرحلة الحسية لدى الطفل لا بدّ من دراسة بعض النظريات التي حاولت وبطريقةٍ سليمة أن توضح وتفسر ما يحدث، وسنتناول الآن البعض من وجهات النظر المختلفة عنهم: [3] [4]
1- نظرية جان بياجه
ساهمت هذه النظرية وبشكلٍ كبيرٍ في التعرُّف على النواحي الإدراكية للطفل، حيث رأى بياجه أن الأطفال يمرون بأربعة مراحل أساسية في تطوراتهم الإدراكية، وكل مرحلة لها مستوى معين من الفهم والتفكير:
المرحلة الأولى هي (المرحلة الحسية الحركية) تمتدُّ من الولادة إلى عمر السنتين، وفي هذه المرحلة يعتمد الطفل على حركاته وسلوكياته وحواسه لفهم ما يدور من حوله ثم يبدأ بعدها باكتشاف الأشياء والبيئة المحيطة من خلال التفاعل الحسي، وبعدها يُطوّر فهماً تدريجياً لمصطلح الاستمرارية (أي أن الأشياء تستمر في الوجود ولو لم تكن ضمن زوايا رؤيته)، ويتميز الإدراك في هذه المرحلة بما يلي:
1- القدرة على اكتشاف النفس والبيئة: يدرس الطفل كيفية التفاعل مع بيئته من خلال سلوكياته وأفعاله.
2- مفهوم الدوام: في نهاية هذه المرحلة يبدأ الطفل بفهمٍ تامٍّ لجميع ما يحيط به وما هو موجود، حتى لو لم يكن أمام عينيه، ويعتبر ذلك إنجازاً إدراكياً كبيراً جداً، ويشير إلى تطور الذاكرة.
3- التجربة والخطأ: يستخدم الطفل أساليب التجربة والخطأ لاكتشاف كيفية تأثير أفعاله وتصرفاته على العالم المحيط.
المرحلة الثانية (ما قبل العمليات) تمتدُّ ما بين عمر السنتين إلى 7 سنوات، حيث يصبح الطفل قادراً على التّعرف والتفكير الرمزي، أي أن بإمكانه استخدام الصور والكلمات لتمثيل الأشياء، ومع ذلك يستمر تفكير الطفل محدوداً وغير منطقي بالكامل، وغير متمركزٍ حول الذات، وأبرز ما يُميّز هذه المرحلة:
1- التفكير الرمزي: يتمكن الطفل من استخدام اللغة والتخيُّل لتمثيل أشياء ليست موجودةً أمامه، ويبدأ أسلوب اللعب التخيلي، ويصبح قادراً على التعبير أكثر من خلال التكلم.
2- مركزية الذات: يعتقد الطفل أن جميع الأشخاص من حوله يرون الأمور كما يراها هو لأنه لا يستطيع تحليل وجهات نظر الآخرين كما يجب.
3- انعدام الثبات للصفات: الطفل لا يستطيع فهم بعض خصائص الأشياء، كالحجم، واللون، والكمية، حيث إنه يعاني من صعوبةٍ في إدراك القوانين التي تمثلها، على سبيل المثال: كمية الماء عند نقلها من كوبٍ عريضٍ إلى كوبٍ طويل تبقى الكمية ثابتة لكن ما يتغير هو المظهر.
المرحلة الثالثة (مرحلة العمليات الملموسة) تمتدُّ بين السبع سنوات إلى عمر الأحد عشر سنة، حيث يبدأ الطفل بتطوير مفهوم التفكير الواقعي، وفهم العمليات المادية الملموسة، بالتالي تصبح لديه القدرة على حل المشكلات المتعلقة بالأمور الحقيقية، واستيعاب مفاهيم محددة، كالعدد، والحجم، والكتلة، والأرقام، وامتلاك القدرة على الردّ سواءً على تعليقات الآخرين أم من ناحية استيعاب وجهات نظرهم، ويتميز التفكير بهذه المرحلة بما يلي:
1- التفكير المنطقي: يصبح الطفل قادراً على تطوير قدراته ومفاهيمه حول المعلومات الملموسة، كالكتلة، والحجم، ويمكنه أيضاً حل المشكلات التي تترافق مع الأمور التي يراها أو يشعر ويتفاعل معها بشكلٍ مباشر.
2- فهم الخصائص الثابتة: الطفل يدرك أن الكمية لا تتغير بتغير الشكل أو اللون.
3- اللامركزية: يبدأ الطفل باكتشاف وفهم وجهات نظر الآخرين، وبالتالي يتطور إدراكه وقدرته على التفكير العقلاني في أكثر من طريقةٍ من الطرائق المشكّلة لديه.
المرحلة الرابعة (مرحلة العمليات الشكلية) من عمر الإثني عشر سنة وما فوق، بهذه المرحلة يطور الطفل قدراتٍ مختلفة في التفكير التحليلي والمجرد المنطقي، وتنمو لديه مهارة التفكير خارج الصندوق، حيث يستطيع التفكير في أكثر من احتمال مع وضع فرضيات متعددة، ويجعل ذلك الطفل أكثر قدرةً على التخطيط والإبداع، وتقوم هذه المرحلة على مفاهيم:
1- التفكير المجرد: يصبح الطفل قادراً على التعامل مع جميع المصطلحات الجديدة وغير المألوفة، كالحرية أو العدالة، والأخلاق، والعطف، والمساواة، حيث إنه يستطيع التفكير بها، وإدراك معانيها لتكوين ما يناسبه من وجهات نظر في المستقبل.
2- المنطق الافتراضي: يمكن للطفل اختبار الفرضيات والحلول، وطرح أسئلة معينة، وحل مشكلات لا يعتمد فقط على التجارب المباشرة.
3- التفكير الاستراتيجي: حيث يتمكن الطفل من التنظيم، والتنفيذ، ووضع الخطط، واتخاذ القرارات بناءً على تحليل المواقف المختلفة ومؤشرات حدوثها.
2- نظرية معالجة المعلومات
تعتقد هذه النظرية أن الإنسان مجرد روبوت لديه عقل مبرمج إلكترونياً يعالج جميع المعلومات، ويركز هذا النموذج على كيفية استقبال المعلومات، وتحليلها، والاحتفاظ بها ثم استرجاعها عند الحاجة لها، وسوف نتحدث عن قسمين مهمين في هذه النظرية:
الانتباه والذاكرة: يهتمُّ مُنظِّرو معالجة المعلومات بكيفية تطوير القدرة على الاستماع والتذكر لدى الطفل، فمع مرور الزمن وتقدم العمر يبدي الطفل تحسناً فريداً من نوعه في مجال الفهم، وأنشطة الذكاء، والاهتمام بالمعلومات المهمة، والابتعاد عن المعلومات غير المهمة.
تطوير مهارة اتخاذ القرار: يوضح هذا المحور كيف يتطور الطفل ليصبح أكثر فعاليةً وعقلانيةً في حل مشكلاته، وذلك من خلال التعلم من تجاربه السابقة، ووضع خططٍ بديلةٍ لمساعدته على تجنُّب الوقوع في الخطأ مرةً أخرى.
3- النظرية البنائية الاجتماعية
تؤكد على أن المعرفة توجد وتُبنى بشكلٍ اجتماعي وتعاوني ملفتٍ ومثيرٍ للاهتمام، ويتمُّ ذلك من خلال العلاقات والتفاعل اليومي مع الآخرين، فالطفل يُعزّز إدراكه بناءً على التجارب الاجتماعية والحياتية التي يمرُّ بها.
4- النظرية المعرفية التطورية العصبية
تبحث وتركز على أهمية النمو والتطور لعقل الإنسان، وكيف يؤثر ذلك على تطور الإدراك في الدماغ، كالتفكير المجرد، والانتباه، والتأمل، والابتكار.
المراجع البحثية
1- MSEd, K. C. (2024, July 15). What is perception?. Verywell Mind. Retrieved September 17, 2024
2- Cognitive Development in Children | Advice for parents. (n.d.). Retrieved September 17, 2024
3- Thompson, P. (2019, August 15). 2.1 Cognitive Development: the Theory of Jean Piaget. Pressbooks. Retrieved September 17, 2024
4- Piaget Stages of development. (2024, February 16). WebMD. Retrieved September 17, 2024