تأثير ماغنوس – سببهُ، وما هي أهمُّ تَطبيقاته؟
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
إذا سبق أن رأيتَ لاعبَ كرة قدمٍ، وهوَ يُسدّد كرةً تنحني حولَ جدارٍ منَ اللاعبين أو لاعب بيسبول يرمي كرةً على شكلِ قوس، فإنك تكون قد رأيتَ تأثير ماغنوس. يستطيعُ اللاعبونَ في العديدِ منَ الألعاب الرياضية المُختلفة استخدام هذا التأثير لمُساعدتهم في اللعب، ففي كرة القدم، يُمكنُ للاعب الكرةِ استخدام دورانها للمناورةِ حولَ لاعبِ الفريق الخصمِ أثناء الركلة الحرُّة، أو حتى تَسجيلُ هدفٍ مُباشرةٍ من ركلةٍ ركنية.
وفي لعبةِ الغولف، عندَ قذفِ الكرة معَ الدوران الخلفي تُضافُ قوةُ رفعٍ لها، وذلكَ نتيجةً لتأثير ماغنوس عليها، مما يَجعلها تبقى في الهواءِ لفترةٍ أطول، لذا تمَّ وضعُ النتوءاتِ الموجودةِ على كرةِ الغولف من أجل زيادة قوة تأثير ماغنوس. تَخلقُ هذهِ النتوءات مزيداً منَ السحب على الكرة، ولكنها تزيدُ في الوقتِ نفسهِ من مقدار رفعها، كما يُمكنُ للاعبي التنس استخدام هذا التأثير لتقويسِ تَسديداتهم.
وكذلك فإنَّ لاعبي تنس الطاولة قادرونَ على تقويس ضرباتهم بسببِ قبضة المادة المَطاطية على مُعظم مَضاربِ التنس، ويَعتمدُ رماة البيسبول أيضاً على قوة تأثير ماغنوس في ألعابهم. وبشكلٍ عام، كلما زادَ الاحتكاك الذي تَحدثهُ الكرة معَ الهواء، كلما كانَ تأثير ماغنوس أكبر، لذا يَستطيعُ الرماة الجيدين الشعور بالكرةِ والحكمِ على مَدى انحنائها أثناء وجودها في الهواء.
وهذا بدورهِ يؤّثرُ على مقدار الدوران الذي يَعطونهُ للكرة ومَدى سرعةِ رميها، وبالتالي فإنَّ هذهِ الظاهرة مهمة جداً لدراسة فيزياء العديدِ منَ رياضات الكرة، وهيَ مهمةٌ أيضاً في دراسة تأثيرات الدوران على الصواريخ المُوجهة، كما أنَّ لها بعض الاستخدامات الهندسية، كتصميمِ السفن والطائرات.
ما هوَ تأثير ماغنوس
تأثير ماغنوس (Magnus effect)، هوَ توليدُ قوةٍ جانبيةٍ على جسمٍ صلبٍ أسطواني أو كروي، وذلكَ عندما يدور ويكونُ مَغموراً في مائع (سائل أو غاز)، وتكونُ هناكَ حركة نسبية بينَ الجسم المغزلي والمائع، وقد تمَّت تسميتهُ نسبةً للعالم الفيزيائي والكيميائي الألماني إتش جي ماغنوس، الذي قامَ بالتحقيق التجريبي في هذا التأثير عام 1853.
ويَحدثُ هذا التأثير لحركة الجسم عندما يدورُ في مائعٍ وينحرفُ عن مسارهِ المستقيم لاختلاف الضغط الذي ينشأ في السائل، ولتغيرات السرعة التي يَحدثها الجسم الذي يدور، حيثُ ينخفضُ ضغط السائل عندَ النقاط التي تزدادُ فيها سرعة السائل، ففي حالة دوران الكرة في الهواء، تقومُ الكرة الدوارة بسحبِ بعض الهواء معها، وعندَ النظر إليها من موضع الكرة، نرى أنَّ الهواء يندفعُ من جميع الجوانب.
ويؤدي سحب جانب الكرة الذي يتحوَّل إلى الهواء (في الاتجاه الذي تتحرَّك فيهِ الكرة) إلى تأخير تدفُّق الهواء، بينما يعملُ السحب على الجانب الآخر على تسريع تدفُّق الهواء، ونتيجةً لذلك يكونُ الضغط الأكبر على الجانب الذي يتباطأ فيهِ تدفُّق الهواء، مما يجبرُ الكرة على التحرُّك في اتجاه منطقة الضغط المُنخفض في الجانب المُقابل، وتَعتمدُ قوة واتجاه تأثير ماغنوس على سرعة واتجاه دوران الجسم. [1] [2]
ما الذي يُسبّبُ تأثير ماغنوس
عندما تدورُ كرة أو أسطوانة في الهواء، يتحرَّك أحد جانبي الكرة في اتجاه تدفُّق الهواء، بينما يتحرَّك الجانب الآخر عكسهُ، مما يؤدي إلى انحراف مسار الهواء خلفَ الكرة، فيقومُ الجانب الآخر بإبطاء الهواء، لذا لن يسحب الهواء بنفس القدر، ويُمكنُ تفسيرُ ذلكَ وفقاً لمبدأ برنولي في الموائع. [3]
ينصُّ مبدأ برنولي على أنَّ الزيادة في سرعة المَائع يقابلها انخفاضٌ في ضغطِ ذلكَ المائع، لذا فإنَّ جانب الكرة الذي يتحرَّك معَ تدفُّق الهواء يزيدُ من سرعة الهواء على هذا الجانب، لذا سيكونُ لهذا الهواء المتحرِّك بسرعةٍ ضغطاً أقل.
وعلى العكس من ذلك، فإنَّ الجانب الذي يتحرَّك عكس اتجاه تدفُّق الهواء سيقللُ من سرعة ذلكَ الهواء، لذا سيكونُ لهذا الهواء المتحرِّك ببطء ضغطاً أعلى، ويُسبب هذا الاختلاف في الضغط قوة تحرُّك الكرة نحوَ منطقة الضغط الأقل، وهذا يعني أنَّ الكرة ستتحرِّكُ في الاتجاه العمودي، وتَعتمدُ القوة المؤثرة في المَقامِ الأوَّل على مُعدَّل دوران الجسم، والسرعةِ النسبية لهُ، وهندستهُ، كما تَعتمدُ أيضاً على خشونة سطح الجسم ولزوجة المائع. [4]
تطبيقات تأثير ماغنوس
يُمكنُ استغلال القوة الناتجة عن تأثير ماغنوس في العديدِ منَ التطبيقات الهامة، والتي سنذكرُ بعضاً منها: [5] [6] [7] [8]
1- دفعُ السفينةِ وتحقيق الاستقرار لها
تَستخدمُ السفنُ أسطواناتٍ مَصنوعةٍ منَ الصفائحِ المَعدنيةِ أو الموادِ المركبة، تُسمّى دوارات فليتنر Flettner rotor نسبةً للمُخترع الألماني أنطون فليتنر. يتمُّ تركيب هذهِ الأسطوانات عمودياً على سطحِ السفينة، مما يتسبّبُ في توليد قوةٍ ديناميكيةٍ هوائيةٍ في الاتجاهِ العمودي، فعندما تهبُ الرياح منَ الجانب، يخلقُ تأثير ماغنوس قوةَ دفعٍ للأمام، مما يُسهمُ في تحريك السفينة.
كما يتمُّ استخدام هذا التأثير أيضاً في نوعٍ خاصٍ من مُثبّتات السفن، والذي يتكوَّن من أسطوانةٍ دوّارةٍ مثبّتةٍ أسفل خط الماء، والتي تبرزُ بشكلٍ جانبي، ومن خلالِ التحكُّم في اتجاهِ وسرعة الدوران، يُمكنها توليد قوةِ رفع قوية باتجاه الأعلى أو باتجاه الأسفل.
2- الطيران
تمَّ تّصميمُ بعضِ الطائرات التي تَستخدمُ تأثير ماغنوس لإنشاء قوةٍ رفعةٍ باستخدام أسطوانةٍ دوّارةٍ بدلاً منَ الجناح، مما يَسمحُ بالطيران بسرعاتٍ أفقيةٍ أقل، وكانت أولى المُحاولات لاستخدام تأثير ماغنوس في الطيران عام 1910 من قبل بتلر أميس، وكانت المحاولة التالية في أوائل الثلاثينيات من قبل ثلاثة مُخترعين في ولاية نيويورك.
3- حركة المقذوفات
يُمكنُ استغلال تأثير ماغنوس في المقذوفات، إذ غالباً ما تتعرّضُ المقذوفات، كالرصاصة أثناء الطيران لرياحٍ جانبيةٍ صغيرةٍ بسبب حركتها المُتعرِّجة حتى في الهواء الهادئ تماماً. تَعني هذهِ الحركة المُتعرِّجة على طول مَسار الرصاصة أنَّ مُقدِّمة الرصاصة تنحرفُ إلى اتجاه مُختلفٍ قليلاً عن الاتجاه الذي تنتقلُ إليهِ الرصاصة، بمعنى آخر “تنزلقُ” الرصاصة جانباً، وذلكَ بسببِ تعرُّضها لقوةٍ صغيرةٍ ناتجةٍ عنَ الرياح الجانبية، مما يتسبّبُ في انحرافِ مسارِ طيران الرصاصة للأعلى أو للأسفل، لذا يجبُ أخذ هذا التأثير عندَ تصنيعِ المقذوفات.
4- الرياضة
تُعتبرُ الركلةُ الحرَّة التي نفذها روبرتو كارلوس في 3 يونيو 1997 واحدةً من أكثرِ العروضِ إثارةً للإعجاب لتأثير ماغنوس في الرياضة، حيثُ قامَ كارلوس بتسديدِ ركلةٍ حرَّةٍ من مسافة 35 متراً، ونتيجةً لتأثير ماغنوس جعلَ منَ الصعب للغاية على حارس مَرمى فرنسا بارتيز أن يتحرَّك ويُمسك بالكرة.
فوفقاً لقانون نيوتن الأوَّل للحركة، يتحرٌّك الجسم في نفسِ الاتجاه والسرعة حتى يتمُّ تطبيق القوةِ عليه، فعندما ركلِ كارلوس الكرة أعطاها اتجاهاً وسرعة، لكن القوة الإضافية الناتجةِ عن تأثير ماغنوس جعلت الكرة تنحرفُ، وتُسجّلُ واحداً من أكثر الأهدافِ الرائعةِ في تاريخِ كرة ِالقدم.
المراجع البحثية
1- Kumar, S., Dhiman, M., & Reddy, K. A. (2019). Magnus effect in granular media. Physical Review. E, 99(1). Retrieved December 3, 2024
2- Murad, J. (2023, January 19). The Magnus effect. Jousef Murad. Retrieved December 3, 2024
3- Bernoulli’s Equation | Physics. (n.d.). Retrieved December 3, 2024
4- Swanson, W. M. (1961). The Magnus Effect: A summary of investigations to date. Journal of Basic Engineering, 83(3), 461–470. Retrieved December 3, 2024
5- What are Flettner rotors and how do they work? – IMO. (n.d.). Retrieved December 3, 2024
6- The Editors of Encyclopaedia Britannica. (1998, July 20). Aerodynamics | Fluid Mechanics & Airflow Dynamics. Encyclopedia Britannica. Retrieved December 3, 2024
7- Andersen, M., & Andersen, M. (2019, November 13). Setting the Curve: The Magnus Effect and its Applications – USC Viterbi School of Engineering. USC Viterbi School of Engineering. Retrieved December 3, 2024
8- NASA Glenn Research Center. (2024, June 27). Newton’s Laws of Motion. Retrieved December 3, 2024