Skip links
رسم توضيحي للذرة وتفككها

بوزون هيغز – أهميتهُ، خصائصهُ وكيفَ تمَّ اكتشافه؟

الرئيسية » الفيزياء » بوزون هيغز – أهميتهُ، خصائصهُ وكيفَ تمَّ اكتشافه؟

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

النموذج المعياري

فيزياء الجسيمات أو فيزياء الطاقات العالية (Particle physics) هي علم يدرس الجسيمات الأساسية المُكوِّنة للطبيعة، كما يدرس القوى المُتبادلة فيما بينها، والتي تُشكِّل المادة والإشعاع. توصف الجسيمات الأساسية الموجودة في الطبيعة ضمنَ نموذجٍ يُسمّى بالنموذج المعياري (Standard Model)، حيثُ يصنِّف هذا النموذج الجسيمات الأساسية إلى نوعين هي:

1- الفيرميونات (Fermions)، وهي الجسيمات المكوِّنة للمادة.

2- البوزونات (Bosons)، وهي المسؤولة عن التفاعل بين الجسيمات الأساسية. تُعتبر البوزونات حاملات للقوى المُتبادلة بين الجسيمات، وهي تلعب دوراً أساسياً في تفاعل الجسيمات مع بعضها.

يصفُ العلماء تفاعلات الجسيمات مع بعضها عن طريق نظرية الحقل الكمي (Quantum field theory)، حيثُ تُشبَّه الجسيمات المُتفاعلة بلاعبي كرة التنس يتبادلان كرة التنس فيما بينهما، فعلى سبيل المثال: عندما يتفاعل إلكترونين مع بعضهما، فإنَّهم يتبادلان بوزوناً يُسمّى بالفوتون، والذي يُعتبر حاملاً لقوى الحقل الكهرطيسي، حيثُ يُمثل الإلكترونان وفقاً لنظرية الحقل الكمي، لاعبي التنس. أما الفوتون فيُمثل كرة التنس.

يتطلَّب النموذج المعياري، وفقاً لحساباته النظرية، أن يكون هناك بوزونات عديم الكتلة، إلَّا أنَّ التجارب أظهرت أنَّ حاملات القوى الضعيفة، وهي البوزونات المُسماة ببوزونات Wو Z تمتلك كتلةً كبيرة. لحل هذهِ المعضلة قام العالم بيتر هيغز (Peter Higgs) مع خمسة من العلماء في عام 1964 بفرض حقل جديد يملأ الكون منذُ ولادته يُسمى بحقل هيغز.

ويلعب هذا الحقل دوراً هاماً في وجود المادة وحدوث التفاعلات، كما أنَّه المسؤول عن ظهور كتلةٍ جميع الجسيمات الأولية المعروفة، من خلال تفاعل هذهِ الجسيمات مع حقل هيغز (Field Higgs) فيما يُسمّى ب‍آليّة هيغز (Higgs mechanism)، وبدون هذا الحقل لن يكون هناك عناصر ذرية، ولا نجوم، ولا حياة في هذا الكون.

هذا الحقل يترافق دائماً مع بوزون يُسمّى ببوزون هيغز (Higgs boson)، هذهِ البوزونات تستخدم حقل هيغز من أجل التفاعل المُستمر مع الجسيمات الأخرى في الطبيعة، ونتيجةً لمرور هذهِ الجسيمات خلال هذا الحقل، فإنَّها تكتسب كتلة، وتنخفض سرعتها في المقابل. [1] [2] [3]

أهمية بوزون هيغز

في عام 1964 بدأ العلماء باستخدام نظرية الحقل الكمي لدراسة القوى النووية الضعيفة المسؤولة عن التفككات النووية للعناصر من خلال تفكك البروتون إلى نيترون بوجود وسطاء للتفاعل، وهي البوزونات Wو Z، وعلى أساس هذهِ النظرية يجب أن تكون حاملات القوى النووية الضعيفة عديمة الكتلة، إن لم تكن كذلك، فإنَّها تخرق مبدأً أساسياً من مبادئ الطبيعة، وهو مبدأ التناظر الفائق (Supersymmetry) الذي ينصُّ على أنَّ كل جسيمٍ في الطبيعة يوجد له نظير.

كما وجدَ العلماء بأنَّ القوى النووية الضعيفة تكون كبيرةً عندَ المسافات الصغيرة (أكبر من القوى الجاذبية بكثير)، إلّا أنَّها تصبح ضعيفةً عندَ المسافات الكبيرة، لذا لابدَّ أن يكون للبوزون كتلة، ولحل هذا التناقض فرضَ العلماء وجود حقلٍ جديد يملأ الكون، وذلك لخداع الطبيعة من أجل كسر مبدأ التناظر.

ما تمَّ اكتشافه فيما بعد هو أن حقل هيغز لن يعطي الكتلة للبوزونات W وZ فحسب، بل وسيمنح الكتلة للعديد من الجسيمات الأساسية الأخرى، وبدون هذا الحقل تكون جميع الجسيمات الأساسية في الكون تسير بسرعة الضوء. لا تفسّر هذهِ النظرية سبب امتلاك الجسيمات لكتلها فحسب، بل وتشرح أيضاً سبب اختلاف كتلها عن بعضها البعض، فالجسيمات التي تتفاعل مع حقل هيغز بقوة أكبر تُمنح كتلاً أكبر، والعكس بالعكس، حتى بوزون هيغز نفسهُ يحصل على كتلة من خلال تفاعله مع حقل هيغز.

وتمَّ تأكيد ذلك من خلال مراقبة كيفية تفكك بوزونات هيغز، إلَّا أنَّ أحد الجسيمات التي لا يمنحها بوزون هيغز كتلة هي الجسيم الأساسي للضوء والمُسمى بالفوتون، وذلك كون كسر التناظر لا يحدث للفوتونات كما يحدث للجسيمات حاملة القوى، مثل: بوزونات (Wو Z). [4]

خصائص بوزون هيغز

يتمتَّع بوزون هيغز بالخصائص التالية، والتي تمَّ تحديدها بشكلٍ نظري وفقاً للنموذج المعياري: [5]

1- يحصل بوزون هيغز على كتلته من خلال تفاعله مع حقل هيغز.

2- يمتلك بوزون هيغز كتلة أكبر من كتلة البروتون بحوالي 130 مرَّة.

3- لا يمتلك بوزون هيغز أيَّة شحنة.

4- عمر النصف لبوزون هيغز حوالي [math]1.6\times 10^{-22}[/math] ثانية.

5- لا يمتلك بوزون هيغز سبين (Spin) (عزم لفٍّ ذاتي، وهي خاصة تتمتع بها الجسيمات على المستوى الذري والنووي)، وهو الجسيم الوحيد في الطبيعة الذي لا يمتلك سبين.

6- لإنتاج مثل هذا الجسيم نحتاج لتكثيف طاقةٍ عاليةٍ جداً ضمن حجمٍ صغيرٍ جداً.

7- يُمكن أن يكون بوزون هيغز بمثابة بوابةً فريدةً للعثور على أدلةٍ لوجود المادة المُظلمة (Dark Matter).

اكتشاف بوزون هيغز

عادةً يتمَّ اكتشاف الجسيمات الأساسية عن طريق إنتاجها بالتصادم أو من خلال تفككها إلى جسيمات أخرى يُمكن ملاحظتها باستخدام الكواشف، ويتمُّ البحث عن هذهِ الجسيمات المُنتَجة من خلال تتبُّع مساراتها عن طريق تجميع عددٍ كبيرٍ جداً من البيانات القادمة من الكواشف النووية.

التحدي كان في إيجاد بوزون هيغز هو أنَّه يظهر بنسبة واحدٍ بالمليون خلال التصادمات، لذا يجب على العلماء أن يكونوا دقيقين بتحليل عددٍ ضخمٍ من البيانات، حيثُ يتفكك بوزون هيغز بعدَّة طرقٍ مُختلفة، لذا احتاج العلماء لتحليل عددٍ كبيرٍ جداً من التصادمات بين البروتونات لاستخلاص إشارة تدلُّ على وجود بوزون هيغز.

في يوليو عام 2012 تمَّ الإعلان عن اكتشاف جسيم جديد ضمنَ كواشف تجربتي ATLAS وCMS بشكلٍ متزامنٍ ضمن مسرع الجسيمات الكبير (Large Hadron Collider (LHC))، والذي يُعتبر أقوى وأعقد آلةٍ اخترعها الإنسان، ويقعُ ضمن مخابر الاتحاد الأوربي لفيزياء الجسيمات CERN في سويسرا.

تمَّ ملاحظة هذا الجسيم الجديد من خلال تفككين نادرين هما تفكك زوج من الفوتونات وتفكك زوج من بوزونات W وZ الحاملة للتفاعلات النووية الضعيفة المحايدة، وكانَ لهذا الجسيم المُكتشف صفات مماثلة لبوزون هيغز المتوقَّع. وللتأكُّد من حقيقة وجود بوزون هيغز قامَ العلماء بفحص سبينه كونه البوزون الوحيد في الطبيعة الذي لا يمتلك سبين.

وبالفحص الدقيق أكَّد العلماء في مارس عام 2013 أن بوزون هيغز تمَّ اكتشافه، ليتمُّ النموذج المعياري ما كان ينقصه. أدى هذا الاكتشاف لمنح جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2013 للعالمين بيتر هيغَّز وفرانسوا إنغلرت. إنَّ اكتشاف بوزون هيغز لم يكن إلَّا البداية، لذا توَّجب على العلماء أن يفحصوا آلية تفاعله مع الجسيمات الأخرى، ليروا مدى دقة التنبؤات النظرية، ومن خلال البحث عن هذا الجسيم دفعتنا تكنولوجيا المسرعات والكواشف إلى الحدود القصوى لتفتح المجال لتطور العلوم الصحية، وعلوم الفضاء، وغيرها الكثير. [6] [7]

ما بعد اكتشاف بوزون هيغز

لا يزال العلماء يقومون بدراسة بوزون هيغز لسببين رئيسيين:

1- هوَ معرفة كيف تمَّ خلق الفضاء المادي منذُ بداية الكون.

2- وثانيهما هوَ معرفة فيما إذا كان مُمكناً جعل هذا الفضاء مُستقراً.

يدرس العلماء الآن الخصائص المميزة لبوزون هيغز للتأكُّد فيما إذا كانت مُتطابقةً مع التنبؤات النظرية للنموذج المعياري، فإذا انحرفت هذهِ الخصائص عن التنبؤات النظرية، فربما يوفِّر ذلك أدلَّةً على وجود جسيمات جديدة تتفاعل مع جسيمات النموذج المعياري من خلال بوزون هيغز.

وهذا يؤدي لاكتشافاتٍ علميةٍ جديدة. لقد حلَّ بوزون هيغز مُعضلة امتلاك الكتلة لجميع الجسيمات الأولية، إلَّا أنَّ كتلة بوزون هيغز ذاته غير معروفة وغير مستقرة لذا يحتاج العلماء لتحليل المزيد من البيانات والوصول إلى طاقات مصادم أعلى، ولهذا السبب لا يزال آلاف العلماء حول العالم يسيرون بهذهِ المهمة. [8]

المراجع البحثية

1- Bezrukov, F., & Shaposhnikov, M. (2008). The Standard Model Higgs boson as the inflaton. Physics Letters B, 659(3), 703–706. Retrieved August 5, 2024

2- Schwartz, M. D. (2013). Quantum field Theory and the standard model. Retrieved August 5, 2024

3- Chang, S., Hall, L., & Weiner, N. (2007). Supersymmetric twin Higgs mechanism. Physical Review. D. Particles, Fields, Gravitation, and Cosmology/Physical Review. D, Particles, Fields, Gravitation, and Cosmology, 75(3). Retrieved August 5, 2024

4- Nilles, H. (1984). Supersymmetry, supergravity and particle physics. Physics Reports, 110(1–2), 1–162. Retrieved August 5, 2024

5- Salam, G. P., Wang, L., & Zanderighi, G. (2022). The Higgs boson turns ten. Nature, 607(7917), 41–47. Retrieved August 5, 2024

6- Rhodes, C. J. (2013). Large Hadron Collider (LHC). Science Progress, 96(1), 95–109. Retrieved August 5, 2024

7- The Higgs boson: a landmark discovery. (n.d.). ATLAS Experiment at CERN. Retrieved August 5, 2024

8- The Higgs boson. (2024, July 18). CERN. Retrieved August 5, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.