Skip links

النموذج الطبقي النووي – افتراضات بنائه، وتطبيقهُ على النواة

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

الفيزياء النوويّة

تُعتبَرُ الفيزياء النوويّة أحد أبرز الفروع الرئيسة في علم الفيزياء الحديث، حيثُ تُدرس في هذا العلم بنية النَّوى الذريّة عن طريق التفاعلات النوويّة، ودراسة المنظومات البسيطة والمُستقرة كالديترون، كما وتُدرَسُ فيهِ الجسيمات الأوليّة، وتفاعلها معَ بعضها البعض؛ أي أنَّ الفيزياء النوويّة تَدرُس الظواهر الفيزيائيّة التي تَحدثُ على مسافاتٍ صغيرةٍ جداً.

تُعتبر الفيزياء النوويّة الركيزة الأساسيّة للطاقة النوويّة، وعلى الرغم من أنَّ الفيزياء النوويّة بدأت معَ اكتشاف النواة من قبل العالم رذرفورد عام 1911، إلّا أنَّ فيزياء البناء النووي لم تبدأ حتى عام 1932 عندَ اكتشاف النيوترون من قبل العالم تشادويك. ومنذُ عام 1950 تَركَّزت جهودُ العلماء لدراسة المنظومات مُتعددة الجسيمات؛ أي النواة، وسُمِيّ هذا الفرع “بفيزياء البناء النووي”، حيثُ فتحَ هذا الفرع الباب لوضع النماذج النوويّة. [1] [2]

القوى النوويّة

منَ المعلوم بأنَّ النواة مُؤلَّفةٌ من جسيماتٍ مُتعادلة كهربائيّاً هيَ النيوترونات، وجسيماتٍ أخرى مَشحونةً إيجاباً هيَ البروتونات، فمنَ الطبيعي ألَّا نتوقع استقرار منظومةً كهذهِ، وذلكَ بسبب وجود قوَّة كولون التنافريّة التي تُؤثِّر بينَ البروتونات، لكن في الواقع تكونُ هذهِ المنظومة مُستقرَّة. يَرجعُ السببُ في ذلكَ لوجود قوىً تَختلف في طبيعتها عن القوى الأساسيّة الأخرى المَوجودة في الطبيعة، أُطلقَ عليها اسم “القوى النوويّة”.

تَنشأ هذهِ القوى بفعل جسيماتٍ تتبادلها النيوكليونات (بروتونات – نيوترونات) فيما بينها تُدعى بالميزونات، وكانَ العالم يوكاوا أوَّل من افترَض وجودها وانتقالها بينَ النيوكليونات، وحدّد مواصَفاتها عام 1935. تطوَّر مَفهومُ القوى النوويّة بعدَ يوكاوا، لكنَّه لم يبتعد عنهُ كثيراً، وعلى الرغم من أنَّ العلم لم يقل كلمتهُ الأخيرة عن القوى النوويّة، لكننا نَستطيعُ القول بأنَّ مُصطلح القوى النوويّة يُستخدم للتَعبير عن القوى التي تنشأ بينَ النيوكليونات، وتَعملُ على ترابطها داخل النَّوى. [3]

النماذج النوويّة

ما أن تعرَّفَ العلماء على بعض خواص النوى والقوى النوويّة حتى باشروا بوضع النماذج التي تَعتمدُ على خبراتهم السابقة عن منظوماتٍ أخرى مشابهة، فالنموذج في الفيزياء النوويّة هوَ فرضيةٌ تصفُ توضُّع النيوكليونات داخل النواة، كما وتصفُ القوى المؤثرة فيما بينها، بحيث يُمكنُ حساب خواصها بسهولة.

يُمكن إلى حدٍّ ما فهم وتصُّور هذهِ المنظومة بسهولة، فهو أيضاً تقريبٌ أولي لما يُمكن أن تكون عليهِ النوى الذريّة الحقيقية، ودائماً يجري تطوير هذهِ النماذج لجعلها أقرب للواقع أكثر فأكثر، وذلكَ بإجراء تنقيحاتٍ متتاليةٍ عليها، طبعاً لا يمكنُ استخلاص كل الخواص النووية منها بدقة، لأنَّ هذا يصطدمُ معَ إمكانية حلّ مسالة الجسيمات المُتعددة.

فمنَ المعلوم بأنَّ دراسة مسألة ثلاث جسيمات (التفاعل فيما بينها) لا يمكن حلَّها بسهولة اعتماداً على الميكانيك الكلاسيكي، حيثُ تؤثِّر قوى التجاذب فقط، فكيفَ هوَ الحال عندَ دراسة التأثيرات المُتبادلة بينَ النيوكليونات في النوى المُعقدة التي تُدرس اعتماداً على ميكانيك الكم. تقِّدم بعض النماذج الناجحة وصفاً مقبولاً إلى حدٍّ ما لبعض الخواص النوويّة معَ فهمٍ أقلّ لباقي الخواص. [3] [4]

تصنيفُ النماذج النوويّة

يُمكن تصنيفُها ضمنَ ثلاث مجموعات رئيسة، هيَ: [4]

1- النماذج النوويّة ذات التأثيرات المُتبادلة الشديدة

يُنظرُ إلى النواة وفقاً لهذهِ النماذج كجملةٍ مُؤلَّفةٍ منَ مجموعةٍ منَ النيوكليونات تتبادلُ التأثير فيما بينها بشدّة؛ أي يَربطها قوىً ذات تأثيرات مُتبادلة شديدة، ومن هذهِ النماذج نموذج قطرة السائل، والنموذج العنقودي.

2- النماذج النوويّة ذات التأثيرات المُتبادلة الضعيفة

يُفترَض في هذهِ النماذج بأنَّ التأثيرات المُتبادلة بينَ النيوكليونات ضعيفةٌ جدَّاً، فكلُ نيوكليون يَتحرَّك بشكلٍ مُستقلٍ عن باقي النيوكليونات تحتَ تأثير حقلٍ مركزي ناتجٍ عنها، نذكرُ من هذهِ النماذج نموذج غاز فيرمي والنموذج الطبقي.

3- النماذج التجميعيّة

تأخُذ هذه النماذج بعين الاعتبار الافتراضين السابقين المَوجودين في النموذجين السابقين، وهيَ أنَّ النواة تتكوَّن من نيوكليونات تتبادل التأثير فيما بينها بقوَّةٍ نوويةٍ شديدة، كما أنَّ النواة تتكوَّن من نيوكليونات تتبادل التأثير فيما بينها بقوَّةٍ ضعيفةٍ، وتتحرَّك بشكلٍ مُستقلٍ عن بعضها، حيثُ يؤخذ كل افتراض على حدا ضمنَ حدودٍ معينةٍ في النواة، ومن هذهِ النماذج النموذج الضوئي.

تَماثُل البناء النووي معَ البناء الذري

جاءت فكرة تَماثلُ البناء النووي معَ البناء الذري من قبل غوغنهايمر وبريت، حيثُ تنبَّه هذان العالمين إلى التشابه بينَ الخواص الذرية الناتجة عن البناء الطبقي لإلكترونات الذرة وبعض خواص النوى، إلَّا أنَّ فكرتهما واجهت معُضلتين أساسيتين، هما: [5]

الأولى: يوجدُ في الذرة مركز جذبٍ واضحٍ للإلكترونات هوَ النواة، بينما لا توجد قوَّة جذبٍ مركزيّةٍ واضحةٍ في النواة، ولإزالة هذا الإشكال تمَّ افتراض كُمونٍ مركزي يتأثَّر بهِ كل نيوكليون ناتج عن باقي النيوكليونات الأخرى في النواة، وتحتَ تأثير هذا الكُمون المتوسط يتحرَّك كل نيوكليون بطاقةٍ وعزم مُحددين، كما هوَ الحال في الإلكترونات الذريّة، وهذا يعني أنَّ كل نيوكليون يقومُ بحركاتٍ مداريّةٍ عديدةٍ تحتَ تأثير القوة المركزيّة، وذلكَ قبل أن يتصادم معَ نيوكليون آخر.

الثانية: تُعتبرُ كثافة النواة عاليةً جداً (حيثُ تبلغُ للنوى المتوسطة [math]A\approx 100[/math] بحدود [math]10^{17}Kg/m^{3}[/math] )، وهذا يعني صعوبة تَصوُّر حريّة الحركة للنيوكليونات في مثل هذهِ الكثافة العالية، حيثُ يكون التفاعل بينَ النيوكليونات قوياً جداً، أي حدوث عددٍ كبيرٍ منَ التصادمات خلال فترةٍ قصيرةٍ جداً، وهذا يتناقض معَ وجود تفاعلٍ ضعيفٍ بينَ النيوكليونات.

تمَّ حلُّ هذا الإشكال اعتماداً على مبدأ الاستبعاد لباولي، فوفقاً لهذا المبدأ لا يمكنُ لنيوكليونين أن يتصادما، فلو حدثَ هذا، فإنَّ أحد النيوكليونين المُتصادمين سيتنازل للآخر بشيءٍ من طاقته، ويصعد النيوكليون الذي اكتسب الطاقة إلى سويّة أعلى، وكانَ على النيوكليون الذي خسر الطاقة أن يهبط لسويّةٍ أدنى، لكن وفقاً لمبدأ الاستبعاد لباولي تكونُ السويّات الأدنى مملوءةً جميعها، ولذا لا يستطيع أي نيوكليون أن يهبط لسويّةٍ أدنى، وبالتالي لن يحدث أي تصادم.

النموذج الطبقي

تمَّ اقتراح النموذج الطبقي لأوَّل مرَّة من قبل دميتري إيفانينكو في عام 1932، وتمَّ تطوير هذا النموذج في عام 1949، وذلكَ بعدَ الأعمال التي قامَ بها العديد منَ الفيزيائيين، أبرزهم ماريا جوبرت ماير وج. هانز د. جنسن، اللذان حصلا على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1963. يُمكنُ تَشبيه النموذج الطبقي النووي بالنموذج الطبقي الذري، الذي يَصفُ ترتيب الإلكترونات في الذرة، حيثُ يؤدي كل طبقةٍ مغلقةٍ (مملوءةٍ بشكلٍ كاملٍ بالإلكترونات) إلى استقرارٍ أكبر من الذرات التي تسبقها أو تليها.

في النموذج الطبقي النووي، وعندَ إضافة النيوكليونات (البروتونات والنيوترونات) إلى النواة، يَحصلُ نفسُ الشيء، إذ أنَّ هناكَ نقاطٌ مُعينة تكون فيها طاقة الارتباط للنكليون من أجل النوى التي تمتلكُ أعداداً مُعينةً أكبر من طاقة الارتباط للنوى المُحيطة بها، أي التي تسبقها أو تليها. تُسمّى هذهِ الأعداد المُحدّدة بالأعداد السحرية منَ النيوكليونات، وهيَ (2، 8، 20، 28، 50، 82، و126).

حيثُ تمتلكُ النواة التي يكون فيها عدد البروتونات، أو النترونات، أو كلاهما أحد هذهِ الأعداد، خصائص مُميَّزة، كطاقة الترابط الكبيرة مُقارنةً بالنوى المُحيطةِ بها. طُرحت فرضيات كثيرة لتفسير هذهِ الأعداد، وذلكَ عن طريق افتراض كُمونٍ مَركزي (أي شكل القوى النووية بينَ النيوكليونات) ناتج عن نيوكليونات النواة،منها كُمون البئر التربيعي، وكُمون الهزاز التوافقي، وكُمون وود – ساكسون.

إلّا أنَّ جميعَ هذهِ الكُمونات لم تصف البناء النووي بشكلٍ صحيح، إذ أنَّها لم تعطِ الأعداد السحريّة جميعها، إذ أعطت الأعداد الثلاثة الأولى فقط، وهي الأعداد السحريّة (2، 8، 20). وفي محاولةٍ للوصول لكامل الأعداد السحريَّة، والتي لم تُحققها الكُمونات المَذكورة سابقاً، اقترحَ كلٌ من ماير، وهاكسل، وجينسن، وسويز، وبشكلٍ مُنفصل حدَّاً سُمّي بحد “التفاعل سبين مدار”، وهو الكُمون الناتج عن ارتباط دوران النيوكليونات حول نفسها (والمُسمّى بالعزم السبيني) معَ دورانها حول النواة (والمُسمّى بالعزم المداري)، ونتيجةً لافتراض هذا الكُمون تمَّ الحصول على جميع الطبقات المُغلقة التي توافقُ الأعداد السحريّة. [6] [7]

آلية تطبيق النموذج الطبقي على النواة

يتمُّ التعامل معَ النواة وفقَ النموذج الطبقي كمنظومةٍ مُؤلَّفةٍ من A جسيم، ويَخضعُ كل جسيمٍ منها لحقلٍ وسطيٍ ناتجٍ عن باقي الجسيمات، وتتوزَّعُ هذهِ الجسيمات (وهي البروتونات، والنيوترونات) على السويّات الطاقيّة. إنَّ نقطة البدء لتطبيق هذا النموذج هي حلُّ معادلة شرودينغر لمنظومةٍ مُكوَّنةٍ من A جسيم على النحو الآتي: [8]

[math]\overset{\wedge}{H}\Psi \left ( 1,2,…,A \right )= E\Psi \left ( 1,2,…,A \right )[/math]

[math]\Psi \left ( 1,2,…,A \right )[/math]: التابع الموجي الكلَّي الذي يَصفُ حالة نواة مُؤلَّفة من A جسيم.

[math]\overset{\wedge}{H}[/math]: الهاملتوني الكلّي للمنظومة المكوَّن من حدٍّ يمثِّل مجموع الطاقات الحركيّة لجسيمات المَنظومة، وحدّاً آخر ينتجُ منَ التأثيرات المُتبادل بين كل جسيمين من هذهِ الجسيمات، E طاقة الجسيمات.

بحلِّ هذهِ المعادلة نحصلُ على قيم طاقة الارتباط لكل جسيمٍ ضمنَ النواة، وبالتالي الحصول على طاقة الارتباط الكليّة للنواة.

المراجع البحثية

1- Wain, J. (2024). Introductory Nuclear Physics. In Synthesis lectures on engineering, science, and technology (pp. 1–5). Retrieved October 17، 2024

2- Nuclear & Particle Physics Timeline. (n.d.). Retrieved October 17، 2024

3- Lumen Learning. (n.d.-b). The Yukawa Particle and the Heisenberg Uncertainty Principle revisited | Physics. Retrieved October 17، 2024

4- Nuclear Models-1 – Nuclear and Particle Physics. (n.d.). Retrieved October 17، 2024

5- Council, N. R. (1999). Nuclear Physics. In National Academies Press eBooks. Retrieved October 17، 2024

6- Sorlin, O., & Porquet, M. (2008). Nuclear magic numbers: New features far from stability. Progress in Particle and Nuclear Physics, 61(2), 602–673. Retrieved October 17، 2024

7- Brown, B. (2001). The nuclear shell model towards the drip lines. Progress in Particle and Nuclear Physics, 47(2), 517–599. Retrieved October 17، 2024

8- Lawson, R. D. (1980). Theory of the nuclear shell model. Retrieved October 17، 2024

This website uses cookies to improve your web experience.